ما نسب إلى الطاعن من اتهام خارج نطاق عمله الحكومي ينعكس على سلوكه العام في مجال وظيفته - اختصاص المحاكم التأديبية بنظره.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 62
(26)
جلسة 22 من ديسمبر سنة 1973
برئاسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية، محمد نور الدين العقاد - المستشارين.
القضية رقم 989 لسنة 14 القضائية
( أ ) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - اختصاص المحاكم التأديبية - ما نسب إلى الطاعن من اتهام خارج نطاق عمله الحكومي ينعكس على سلوكه العام في مجال وظيفته - اختصاص المحاكم التأديبية بنظره.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - نطاق الطعن على أحكام المحاكم التأديبية لا يتسع لتناولها بالموازنة والترجيح فيما أقامت عليه عقيدتها واقتناعها بثبوت الذنب الإداري في حق العامل وفي تقدير الجزاء الذي يتناسب مع خطورة هذا الذنب - مناط ذلك أن يكون تكييف المحكمة التأديبية للوقائع سليماً وما استخلصه منها هو استخلاص سائغ من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً - أساس ذلك - مثال.
1 - إن مبنى الوجه الأول من الطعن أن عمل الطاعن الحكومي بعيد عن أية معاملات مالية أو إدارية، ومن ثم فإن ما نسب إليه من اتهام، خارج نطاق عمله الحكومي - بفرض ثبوته لا ينعكس أثره على عمله الوظيفي وبالتالي لا يكون للمحكمة التأديبية ثمة اختصاص في تأديبه عما أسند إليه في تقرير الاتهام، وهذا الوجه من الطعن مردود بأن ما نسب إلى الطاعن من اتهام خارج نطاق عمله الحكومي يتنافى - بفرض ثبوته في حقه - مع اعتبارات النزاهة والأمانة التي يجب التمسك بها والحرص عليها، ومن ثم فإن ثبوت الاتهام المذكور في حق الطاعن - فإن أثره ولا شك ينعكس على سلوكه العام في مجال وظيفته، أياً كانت طبيعة أعمال هذه الوظيفة - باعتبار أن الثقة في أمانة ونزاهة العاملين بالدولة من أهم ما يجب أن يتحلى به هؤلاء العاملون من صفات كريمة، وأن أي خروج عليها ينطوي على الإخلال بكرامة الوظيفة ومقتضياتها، تتوافر به مقومات المخالفة التأديبية التي تبرر للجهة الإدارية تأديب العامل عنها، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب وقضى برفض الدفع بعدم الاختصاص فإنه يكون قد التزم صواب القانون بما لا وجه للنعي عليه.
2 - الثابت من التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة وتلك التي أجرتها النيابة الإدارية، أنه تكشف للجهاز المركزي للمحاسبات أثناء فحص أعمال وحسابات رابطة موظفي وعمال بلدية القاهرة بعض المخالفات، وكان من بينها أن الرابطة كانت تقوم بدفع مبالغ شهرية إلى أحد الأطباء للكشف على المرضى من أعضائها، وقد بلغ ما صرف إليه في السنوات من 1960 حتى سنة 1965: 1251.150 مليمجـ، إلا أنه أنكر تسلمه هذا المبلغ وقرر بأنه لم يتقاضى خلال هذه السنوات أكثر من عشرين جنيهاً سنوياً، وأضاف أن الطاعن كان يستوقعه على إيصالات شهرية بها فراغات تسمح بإضافة بيانات غير حقيقية عن الأجر الذي تناوله منه على وجه لا يظهر معه أن هناك إضافات، واعترف في التحقيقات بصحة توقيعه على الإيصالات الشهرية خلال الفترة المذكورة. وذكر أن الطاعن وأمين صندوق الرابطة حاولا إثناءه عن شهادته وأشهد على ذلك الأستاذ سعد الرفاعي المحامي، الذي قرر بأن الطبيب المذكور استشاره فيما طلبه منه الطاعن فنصحه برفض طلبه وأضاف أنه حضر إلى مكتبه شخصان لا يعرفهما تحدثا معه في شأن عدول الطبيب عن أقواله مقابل دفع فروق الضرائب المستحقة لمصلحة الضرائب عن إيراده من علاج مرضى الرابطة فرفض المحامي ذلك. وقد أنكر الطاعن ما نسب إليه مقرراً أن الطبيب المذكور كان يحضر شهرياً إلى الرابطة حيث يتولى سكرتير مساعد الرابطة وأمين الصندوق بها محاسبته، ويملي عليه الأخير صيغة الإيصال فيحرره، ويوقع عليه الطبيب، ثم يقوم أمين الصندوق بتسليم المبلغ المدون في الإيصال إلى الطبيب. وأنكر ما نسب إليه من محاولة إثناء الطبيب عن أقواله. وأضاف أن هدف الطبيب من إنكار حصوله على كل المبالغ التي صرفت إليه من الرابطة هو التهرب من الضرائب المستحقة عليه حسبما درج عليه بالنسبة للإيرادات التي حصل عليها من عيادة الدكتور ألبرت إبراهيم ومن دار الهلال والجامعة الأمريكية. ونسب إلى الطبيب أنه ليس فوق الشبهات لأنه سبق أن أدين في قضية معروفة باسم قضية الدكتور نور بأنه كان يصرف تذاكر بمواد مخدرة وحُكم عليه فيها بالسجن لمدة سنة، كما فصل من خدمة الإدارة الصحية لعدم الصلاحية. وبسؤال سكرتير مساعد الرابطة قرر بأن الطبيب المذكور كان يحضر شهرياً إلى الرابطة لتسلم أتعابه عن الكشف على مرضى الرابطة وكان الطاعن يقوم بكتابة الإيصال اللازم ويسلمه إلى أمين الصندوق الذي كان يتولى تسليم الطبيب المبالغ المستحقة له، وفي بعض الأحيان كان أمين الصندوق يسلم المبلغ إلى الطاعن ليتأكد من عدده ثم يسلمه بدوره إلى الطبيب. وبسؤال أمين صندوق الرابطة قرر أن الطبيب كان يحضر إلى الرابطة ويوقع على الإيصال الخاص بأتعابه ثم يتسلم المبلغ منه أو من الطاعن بعد عده وأن ذلك كله كان يتم في حضوره وفي حضور كل من الطاعن وسكرتير مساعد الرابطة. وأنكر ما نسبه إليه الطبيب من أنه حاول دفعه إلى العدول عن أقواله. وقد تبين من الاطلاع على الإيصالات الموقع عليها من الطبيب أن عددها 69 إيصالاً تتراوح المبالغ المدونة بها ما بين تسعة جنيهات وأربعة وثلاثين جنيهاً ونصف جنيه.
ومن حيث إنه ولئن كان صحيحاً ما ذهب إليه الدفاع عن النيابة الإدارية من أن نطاق الطعن على الأحكام التأديبية لا يتسع لتناولها بالموازنة والترجيح فيما أقامت عليه المحكمة التأديبية عقيدتها واقتناعها بثبوت الذنب الإداري في حق العامل، وفي تقدير الجزاء الذي يتناسب مع خطورة هذا الذنب، أن ذلك وإن كان صحيحاً في القانون إلا أن مناطه أن يكون تكييف المحكمة التأديبية للوقائع سليماً وما استخلصه منها هو استخلاص سائغ من أصول تنتجه مادياً أو قانوناً ولها وجود في الأوراق، فإذا كان الدليل الذي اعتمدت عليه تلك المحكمة في قضائها غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاصاً لهذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة عليها فهنا يتعين التدخل، لإعمال حكم القانون وتصحيح ما شاب تطبيقه من خطأ لأن الحكم في هذه الحالة يكون غير قائم على سببه.
ومن حيث إن الثابت من التحقيقات على النحو المتقدم أن طبيب الرابطة وإن كان قد اعترف بصحة توقيعه على الإيصالات الشهرية الخاصة بتسلمه مستحقاته من الرابطة، إلا أنه أنكر ما دون بهذه الإيصالات من مبالغ بمقولة أنه كان يوقع على هذه الإيصالات وهي غفل من تحديد قيمة ما صرف إليه. وأنه بذلك قد قبض مبالغ أقل من تلك التي دونت بهذه الإيصالات وقد أخذ الحكم المطعون فيه بهذا الإنكار ورتب أثره، وأسس قضاءه على أن ما قرره الطبيب في هذا الشأن بعيد عن أية شبهة وأنه لم يثبت في الأوراق ما يدعوه إلى التجني على الطاعن الذي وضع الطبيب ثقته فيه فكان يوقع له على الإيصالات غير مكتملة البيانات على نحو يمكن معه وضع القيمة بها بعد التوقيع. وهذا الذي أقامت عليه المحكمة قضاءها لا يجد له سنداً في التحقيقات - اللهم إلا أقوال الطبيب المذكور ويتنافى مع الاستخلاص السائغ للأصول الثابتة في الأوراق. ذلك أن الأصل البدهي هو أن من يوقع على صك معين يحرص على التأكد من توافر أركان هذه الورقة وتكامل بياناتها وخاصة الجوهري منها، ومن ثم فلا يسوغ التسليم بما ذهب إليه الدكتور من أنه كان يوقع على الإيصالات المشار إليها وهي خلو من بيان المبالغ التي تسلمها، لأن الإيصال في هذه الحالة يعتبر لغواً. وإذا ساغ قبول مثل هذا الإدعاء ممن هو على درجة متواضعة من الثقافة فإنه غير سائغ بالنسبة لطبيب على مستوى ثقافي كبير، خاصة وأنه وقع على 69 إيصالاً خلال ست سنوات متوالية لا يقبل معها التسليم بأنه لم يفطن خلالها إلى وجوب تضمين الإيصالات التي يوقع عليها بيان المبالغ التي يقبضها باعتبار أن هذه المبالغ هي الركن الأساسي في الإيصال، أو يحاول الاطلاع على ما أثبت في إيصالات الشهور السابقة للتأكد من سلامة ما دون بها من مبالغ وما إذا كانت تتفق مع الحقيقة واتخاذ اللازم قانوناً إذا ما ثبت له خلافها. وإذا كان الأصل كما تقدم وكانت الأوراق قد جاءت خلواً من أي دليل يساند الطبيب فيما ادعاه، وكان الثابت في التحقيقات على ما جاء بأقوال الطاعن وكل من سكرتير مساعد الرابطة وأمين الصندوق بها أن الطبيب كان يحضر إلى الرابطة كل شهر ويوقع على الإيصال اللازم ويتسلم مستحقاته من أمين الصندوق مباشرة أو من الطاعن الذي يتسلمها بدوره من أمين الصندوق للتأكد من عددها، وذلك كله في حضورهم جميعاً إذا كان الأمر كذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أهدر حجية هذه الإيصالات فيما تضمنته من بيان المبالغ التي صرفت للطبيب، يكون قد خالف حكم القانون. ولا حجة فيما استند إليه هذا الحكم من أن الطبيب بعيد عن أية شبهة تدعوه إلى التجني على الطاعن، ذلك أنه فضلاً عن أن هذا السبب لا يعد في ذاته مبرراً لإهدار حجية الإيصالات المشار إليها والآثار المترتبة عليها، فإن الأوراق لم تتضمن ما يفيد أن الطبيب كان كذلك، بل إن الثابت بها أن الطاعن نسب إليه في التحقيقات أنه يهدف بدفاعه هذا إلى التهرب من الضرائب المستحقة على إيراده من الرابطة منتهجاً في ذلك نفس الأسلوب الذي اتبعه بالنسبة لإيراداته من بعض الجهات الأخرى، كما نسب إلى هذا الطبيب سبق الحكم عليه بالسجن في قضية مخدرات وسبق فصله من خدمة الحكومة لعدم الصلاحية، ولم يحقق دفاع الطاعن في هذا الشأن بالرغم مما لهذا الدفاع من دلالة هذا ولا غناء فيما استند إليه الحكم من أن الطاعن حاول إثناء الطبيب عن الشهادة ضده أمام النيابة العامة، ذلك أنه ليس لهذه الواقعة من سند إلا أقوال الطبيب، وهي أقوال لا تنهض بذاتها بمراعاة الظروف السابقة إلى تأييد ادعائه، أخذاً في الاعتبار أن ما ذكره الأستاذ سعد الرفاعي المحامي، هو أن من تناقش معه في هذا الشأن شخصان لا يعرفهما، ولم يثبت أن الطاعن كان أحدهما أو أنه هو الذي دفع بهما إلى الأستاذ سعد الرفاعي.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون فيما انتهى إليه من إدانة الطاعن فيما نسب إليه من الاستيلاء على بعض المبالغ الثابتة بالإيصالات الخاصة بعلاج المرضى من أعضاء الرابطة، وذلك دون ثمة دليل مستمد من الأوراق يدحض ما تضمنته هذه الإيصالات من أن الطبيب هو الذي كان يتسلمها بالكامل وما تضمنته التحقيقات من أنه كان يتسلمها من أمين صندوق الرابطة أو تحت إشرافه بما تنهار معه أسس الاتهام الموجه إلى الطاعن، ويتعين من ثم الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه وإلزام الحكومة كامل المصروفات.
ساحة النقاش