سلطةالجهات التأديبية في تقدير الجزاء تقدير الجزاء في المجال التأديبي متروك إلى مدى بعيد لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي غير أن السلطة التقديرية تجد حدها عند قيد عدم جواز إساءة استعمال السلطة .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1996 إلى آخر فبراير سنة 1997) - صـ 437
(43)
جلسة 18 من يناير سنة 1997
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ منصور حسن علي غربي، وأبو بكر محمد رضوان، وغبريال جاد عبد الملاك، وسعيد أحمد برغش نواب رئيس مجلس الدولة.
الطعن رقم 1731 لسنة 37 قضائية عليا
تأديب - جزاءات - سلطة الجهات التأديبية في تقدير الجزاء - عدم الغلو في تقدير الجزاء - الاعتبار المعنوي المصاحب لارتكاب المخالفة - تقديره.
تقدير الجزاء في المجال التأديبي متروك إلى مدى بعيد لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي غير أن السلطة التقديرية تجد حدها عند قيد عدم جواز إساءة استعمال السلطة - التي تبدو عند ظهور عدم التناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الموقع عنها وهو ما يعبر عنه بالغلو في تقدير الجزاء الذي يصم الإجراء التأديبي بعدم المشروعية ويجعله واجب الإلغاء - التناسب بين المخالفة التأديبية والجزاء الموقع عنها إنما يكون على ضوء التحديد الدقيق لوصف المخالفة في ضوء الظروف والملابسات المشكلة لأبعادها - مؤدى ذلك - أن جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية إنما ترتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على غفلة أو استهتار بتلك القائمة على عمد والهادفة إلى غاية غير مشروعة - إذ لا شك أن الأولى أقل جسامة من الثانية وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير من يقوم بتوقيع الجزاء التأديبي على ضوء ما يستخلصه استخلاصا سائغا من جماع أوراق الموضوع - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الإثنين الموافق 1/ 4/ 1991 أودع الأستاذ ........... المحامي بصفته وكيلا عن الطاعن ........ قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 1731 لسنة 37 ق عليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 2/ 2/ 1991 في الدعوى رقم 475 لسنة 32 ق والقاضي بمجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده - هيئة النيابة الإدارية - على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانون في الطعن ارتأت فيه للأسباب المبينة - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع تعديل الحكم المطعون فيه ليكون بمجازاة الطاعن بعقوبة الإنذار.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 8/ 5/ 1996 وبجلسة 22/ 5/ 1996 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره جلسة 20/ 7/ 1996 وبجلسة 9/ 11/ 96 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم 18/ 1/ 1997 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة ومن ثم فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 475 لسنة 32 ق أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية متضمنة تقريراً باتهام المحال/............... (المحال الثالث) وآخرين لأنهم خلال شهري يوليه وأغسطس سنة 1988 حتى 4/ 10/ 1988 خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي وسلكوا مسلكا لا يتفق مع كرامة الوظيفة وخالفوا التعلمات المالية بما كان من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن قام بالتوقيع على كشف صرف الحوافز عن شهر سبتمبر سنة 1988 أمام اسم......... وقام بصرف حوافزه في هذا الشهر دون أن يكون موكلا من قبل المذكور وذلك بالمخالفة للتعليمات المالية المنظمة على النحو الموضح بالأوراق وبذلك يكون قد ارتكب المخالفات المالية المنصوص عليها في المواد 76 فقرة (3)، 77 فقرة (3، 4) و78 فقرة أولى من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ومواد القانون الأخرى الواردة بتقرير الاتهام. وبجلسة 2/ 2/ 1991 أصدرت المحكمة التأديبية بالإسكندرية الحكم المطعون فيه والقاضي بمجازاة المحال (الطاعن) بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر وقد أقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من التحقيقات التي تطمئن إليها المحكمة أن المحال الأول/.............. مدرس أول اللغة العربية بمعهد أبي قير الأزهري قد استلم مرتب زميله/........... المعار إلى اليمن عن شهر سبتمبر سنة 1988 رغم علمه أنه لا يستحق صرف سوى 18 يوم فقط لسفره يوم 18/ 9/ 1988 وقام بتسليم المحال الثالث/......... (الطاعن) مرتب 18 يوما فقط واحتفظ لنفسه بالباقي وأن المحال الثالث (الطاعن) قد اعترف بالتوقيع أمام اسم المدرس المعار سالف الذكر في كشوف الصرف وقام بصرف الحوافز المستحقة له عن شهر سبتمبر سنة 1988 ومن ثم يكون المحال........ قد ارتكب المخالفة المنسوبة إليه ويتعين مجازاته عنها تأديبيا ولا ينال من ذلك ما قرره الدفاع عنه بأن حسن النية كان الدافع وراء ما اقترفوه إذ أن حسن النية لم يكن أبداً مبرراً لهذا السلوك المنحرف وعليه صدر الحكم المطعون فيه قاضياً بمجازاة الطاعن بعقوبة الوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر.
ومن حيث إن مبنى الطعن في الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله وتفسيره إذ إن المخالفة المنسوبة للطاعن لا تشكل مخالفة مالية بالمعنى السليم لأنها ليست لها علاقة بأموال الدولة كما وأن الطاعن مفوض من قبل زميله المدرس/.............. في صرف حوافزه وتسليمها لزوجته وقد أقر المدرس المذكور بأن الطاعن قام بتسليم الحوافز لزوجته بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون لعدم التناسب بين المخالفة المنسوبة للطاعن والعقوبة الموقعة عليه مما يجعل الحكم مشوبا بالغلو في الجزاء مما يخرجه من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن تتمثل في أنه وقع في كشوف صرف الحوافز عن شهر سبتمبر سنة 1988 أمام اسم زميله/.......... (وهو مدرس معار إلى اليمن منذ 18 من سبتمبر سنة 1988) وقام بصرف حوافزه عن هذا الشهر دون أن يكون موكلا من قبل المذكور وذلك بالمخالفة للتعليمات المالية في هذا الشأن وقد اعترف الطاعن بالتوقيع أمام اسم المدرس المعار سالف الذكر في كشوف صرف الحوافز وقام بصرف الحوافز المستحقة له عن شهر سبتمبر سنة 1988 وقام بأداء المبلغ المنصرف لزوجة المدرس مستحق تلك الحوافز وعليه فقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن الطاعن قد ارتكب المخالفة المنسوبة إليه ويتعين مجازاته عنها تأديبياً وقضى بمجازاته بعقوبة الوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر.
ومن حيث إن تقدير الجزاء في المجال التأديبي متروك إلى مدى بعيد لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي غير أن السلطة التقديرية تجد حدها عند قيد عدم جواز إساءة استعمال السلطة تلك العبارة التي تبدو عند ظهور عدم تناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الموقع عنها وهو ما يعبر عنه بالغلو في تقدير الجزاء الذي يصم الإجراء التأديبي بعدم المشروعية وبجعله واجب الإلغاء والتناسب بين المخالفة التأديبية والجزاء الموقع عنها إنما يكون على ضوء التحديد الدقيق لوصف المخالفة في ضوء الظروف والملابسات المشكلة وأبعادها فإن مؤدى ذلك أن جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية إنما ترتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على غفلة أو استهتار بتلك القائمة على عمد والهادفه إلى غاية غير مشروعة إذ لا شك أن الأولى أقل جسامة من الثانية وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير من يقوم بتوقيع الجزاء التأديبي على ضوء ما يستخلصه استخلاصا سائغا من جماع أوراق الموضوع.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ولئن كان قد استخلص في أسبابه أن الطاعن قام بالتوقيع على كشوف صرف الحوافز عن شهر سبتمبر سنة 1988 أمام اسم زميله/......... وقام بصرف حوافزه عن الشهر ومقدارها 12 جنيه (اثني عشر جنيها) دون أن يكون موكلا توكيلا رسميا من قبل زميله المذكور (والذي كان معارا آنذاك لدولة اليمن) وذلك بالمخالفة للتعليمات المالية في هذا الشأن وقد اعترف الطاعن بذلك وأبدى في جميع التحقيقات وأمام المحكمة التأديبية أنه ارتكب محل المخالفة بحسن نية.
وبناء على ما سبق أن طلب منه المدرس مستحق تلك الحوافز قبل سفره بصرف تلك الحوافز وتسليمها لزوجته ولم يجحد هذا المدرس هذا الإدعاء وأقر بأن زوجته تسلمت كامل مبلغ الحوافز التي صرفها الطاعن فور صرفها.
ومن حيث إنه اتصالا بما تقدم من أن جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية إنما يرتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها لا تتساوى المخالفة القائمة على غفلة وعدم تبصر بتلك القائمة على عمد والهادفة إلى غاية غير مشروعة باعتبار أن المخالفة الأولى أقل جسامة من المخالفة الثانية وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير من يقوم بتوقيع الجزاء التأديبي على ضوء ما يستخلصه استخلاصا سائغاً من جماع أوراق الموضوع ومن ثم فإن مجازاة الطاعن بعقوبة الوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر قد بني على أن الطاعن قد قصد مخالفة التعليمات المالية مستهدفا غاية غير مشروعة دون أن يبين من الأوراق أو في أقوال الشهود ما يمكن أن يستظهر منه صفة العمد أو قصد تحقيق غاية غير مشروعة فيما أقدم عليه الطاعن عند التوقيع أمام اسم زميله المذكور في كشوف الحوافز عن شهر سبتمبر سنة 1988 وصرفها في ضوء الظروف والملابسات التي تمت فيها المخالفة وبالنظر إلى الارتباط المعنوي المصاحب لارتكابها ومن ثم فإن مقتضى الانتهاء إلى عدم سلامة الاستخلاص الصحيح يوصف المخالفة بثبوت عدم التناسب المبين بين المخالفة وبين الجزاء الموقع عنها الأمر الذي يقتضي إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر والقضاء مجددا بتوقيع الجزاء الذي يتناسب واقعاً وقانوناً مع ما ثبت في حق الطاعن من مخالفة.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر والقضاء بمجازاته بخصم أجر خمسة أيام من راتبه.
ساحة النقاش