عدم الغلو في الجزاء ولئن كانت للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإدارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك - مناط مشروعية هذه السلطة شأنها كشأن أى سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 1998 إلى آخر سبتمبر سنة 1998) - صــ 1057
(115)
جلسة 29 من مارس سنة 1998
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد يسرى زين العابدين نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الاساتذة المستشارين/ فتحى محمد محمد عبد الله، ومصطفى عبد المنعم صالح، ود. محمد رضا سليمان، ود. عبد الله إبراهيم فرج ناصف نواب رئيس مجلس الدولة.
الطعن رقم 3619 لسنة 40 قضائية عليا
تأديب - جزاء تأديبى - عدم الغلو فى تقدير الجزاء - هدف الجزاء هو تأمين انتظام المرافق العامة.
ولئن كانت للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإدارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك - مناط مشروعية هذه السلطة شأنها كشأن أى سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو - من صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإدارى وبين نوع الجزاء ومقداره - نفس هذه الصورة تعارض نتائج عدم الملائمة الظاهرة مع الهدف الذى ابتغاه القانون من التأديب وهو بصفة عامة تأمين انتظام المرافق العامة ولا يتأتى هذا التأمين إذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة، فالشطط فى القسوة يؤدى إلى احجام عمال المرافق العامة عن حمل المسؤولية خشية التعرض لهذه القسوة والافراط المسرف فى الشفقة يؤدى إلى استهانتهم بأداء واجباتهم طمعاً فى هذه الشفقة المفرطة من اللين فكل من طرفى النقيض لا يؤمن انتظام سير المرافق العامة وبالتالى يتعارض مع الهدف الذى رمى اليه القانون من التأديب وعلى هذا الأساس يعد استعمال سلطة تقدير الجزاء فى هذه الصورة مشوباً بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة ومعيار عدم المشروعية هو معيار موضوعى قوامه أن درجة خطورة الذنب الادارى لا تتناسب مع نوع الجزاء ومقداره - تطبيق.
إجراءات الطعن
فى يوم الخميس الموافق 21/ 7/ 1994، أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 3619 لسنة 40ق فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 29/ 5/ 1994 فى الدعوى رقم 513 لسنة 19ق والقاضى بمجازاة المتهم الاول ......... بغرامة تعادل الأجر الإجمالى الذى كان يتقاضاه فى الشهر، ومجازاة المتهم الثانى ......... بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر، ومجازاة المتهم الثالث (الطاعن) بعقوبة الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبوله شكلاً وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بعقوبة الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة واحالة الطعن إلى المحكمة التأديبية بالمنصورة لنظر الدعوى مجدداً بهيئة أخرى.
وتحدد لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة فحص الطعون" جلسة 7/ 5/ 1997 وبجلسة 6 أغسطس 1997 قررت إحالته إلى الدائرة الثالثة موضوع التى نظرته بجلسة 18/ 11/ 1997 وفيها قررت إحالته إلى هذه الدائرة التى نظرته بجلسة 7/ 12/ 1997 وبجلسة 18/ 1/ 1998 قررت إصدار الحكم بجلسة 8/ 2/ 1998 وفيها مد أجل النطق به إلى جلسة 22/ 3/ 1998 ثم إلى جلسة اليوم. وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إن عناصر الموضوع يخلص حسبما يبين من الأوراق فى أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 513 لسنة 19 أمام المحكمة التأديبية بالمنصورة وذلك بتاريخ 18/ 2/ 1991 ضد كل من:
1 - .......... سائق بشركة القناة للموانئ والمشروعات الكبرى.
2 - .......... محاسب بادارة المشتريات بالشركة المذكورة.
3 - الطاعن بصفته مدير تجارى الشركة المذكورة لأنهم خلال المدة من 27/ 10/ 1987 وحتى 3/ 2/ 1988 بمقر أعمالهم بدائرة محافظة الاسماعيلية لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة وسلكوا فى تصرفاتهم مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب لكرامة الوظيفة ولم يحافظوا على أموال الجهة التى يعملون بها بأن:
الأول: اختلس كمية حديد تسليح قطر 10 جم قدرها 180 كيلو، 70 طن تسلمها من شركة الدلتا للحديد والصلب بمسطرد بتواريخ 27/ 10/ 87، 2/ 12/ 87، 3/ 2/ 1988 ولم يسلمها للشركة وقيمتها 30839.94 جنيه.
الثانى: 1 - اشترك مع الأول فى اختلاس قيمة الحديد سالفة البيان.
2 - اصطنع ورقة نسب صدورها إلى المهندس/ ........... تفيد وصول كمية الحديد محل التحقيق إلى عملية كبارى دمياط على خلاف الحقيقة لاخفاء اختلاس هذه الكمية.
3 - قدم مذكرة لرئيس قطاع التنفيذ بتاريخ 28/ 2/ 1988 ضمنها وصول واستخدام كمية الحديد المشار اليها على عملية كبارى دمياط على خلاف الحقيقة بقصد اتخاذ اجراءات تسويتها مخزنيا رغم عدم ورودها للمخازن.
الثالث: "الطاعن" أصدر تفويضاً للأول باستلام كميات الحديد محل التحقيق رغم عدم اختصاصه فى ذلك، ولم يتابعه فى عملية إحضار الحديد واستكمال الإجراءات المخزنية والمالية مما مكن الأول من اختلاسها.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهم تأديبيا استنادًا لأحكام المواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 29/ 5/ 1994 صدر الحكم المطعون فيه وشيد قضاءه بالنسبة للطاعن على أساس أنه وهو عم المتهم الأول أصدر تفويضا له باستلام كميات الحديد رغم عدم اختصاصه كسائق باستلام وتسلم الحديد - حيث كان يتعين عليه أن يحرر التفويض لمندوب المشتريات - مما أدى إلى عدم اتباع المتهم الأول الإجراءات المخزنية والمالية الخاصة بتسليم الحديد إلى أحد المخازن أو مواقع التشغيل، مما يشكل فى حقه ذنبا اداريا يستوجب مساءلته تأديبيا، ولا يدرأ عنه العقاب ما تعلل به بأنه اصدر تفويضاً إلى السائق لاستلام الحديد خشية تعطل العمل بالموقع حيث لم تفصح الأوراق عن توافر عنصر الاستعجال فقد قرر ......... مشرف المخازن بالشركة والذى كان يشرف على عملية كبارى دمياط من أن المخازن كان بها كميات من الأرصدة تكفى معدلات التشغيل.
واستطردت المحكمة أن صدور حكم محكمة جنايات الاسماعيلية بجلسة 18/ 3/ 1992 فى قضية النيابة العامة رقم 3 لسنة 1992 جنايات أمن الدولة بالاسماعيلية ببراءة المتهمين جنائيا من تهمة اختلاس كمية الحديد المشار إليها لتوافر الشك لديها فى نسبة الأتهام إلى أى منهم بعينه لعدم كفاية الأدلة لا يمنع من مؤاخذتهم تأديبياً عما ثبت فى حقهم من ذنب ادارى تمثل بالنسبة للمتهم الأول بقبوله تفويض بانفراد فى تسلم الحديد وعدم اتباع الأجراءات المخزنية وبالنسبة للمتهم الثالث "الطاعن" اصداره تفويضاً إلى غير مختص، وبالنسبة للمتهم الثانى باعداده مذكرة لاتخاذ إجراءات تسوية الحديد ضمنها وصوله إلى موقع كبارى دمياط وأرفق صورة من ورقة نسبها إلى مهندس تضمنت أن الحديد ورد واستخدم لكبارى دمياط فى حين أنكر المهندس المذكور التوقيع، كما أن الكبارى قد انتهت قبل استلام المتهم الأول لكميات الحديد محل المساءلة.
وقد أشارت المحكمة التأديبية المطعون فى حكمها إلى أنها راعت فى تقديرها للعقوبة بالنسبة للمتهم الأول سبق مجازاته فى الدعوى رقم 922 لسنة 21ق بجلسة 28/ 11/ 1993 بعقوبة الفصل من الخدمة، كما انها اخذت عند تقريرها للعقوبة بالنسبة للمتهمين الثانى والثالث "الطاعن" أن مصير كميات الحديد التى استلمها المتهم الأول من الشركة الموردة غير محدد مصيرها وأنه على شركة الموانئ والمشروعات الكبرى اتخاذ اجراءات استرداد قيمتها.
وينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه: 1 - مخالفته لأحكام القانون والخطأ فى تطبيقه والفساد فى الاستدلال لأن مذكرة الشئون القانونية بالشركة تضمنت أن كمية الحديد محل التحقيق استخدمت فى عملية كبارى دمياط دون تسجيلها بالمخازن الخاصة بالشركة كما أن هذه المذكرة تضمنت مجازاة أحد زملاء الطاعن ادارياً بالفعل وهذا يدل على أن الطاعن ليس من اختصاصه المباشر متابعة تسليم الحديد، هذا فضلاً عن أن المحكمة الجنائية قد برأت الطاعن من التهمة.
2 - عدم التناسب الظاهر بين درجة خطورة الذنب الإدارى والجزاء الذى وقعته المحكمة، كما لم تأخذ فى اعتبارها الخلل الإدارى الموجود بالمرفق.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن بصفته مدير تجارى لشركة القناة للموانئ والمشروعات الكبرى قد أصدر تفويضاً للمتهم الأول......... "سائق بذات الشركة" وابن اخيه فى ذات الوقت لاستلام كميات الحديد سالفة البيان رغم عدم اختصاصه بذلك حيث كان يتعين على الطاعن أن يحرر التفويض إلى مندوب من ادارة المشتريات الذى كان يجب أن يرافق السائق ويقوم بعملية الاستلام والتسليم للمخازن. مما أدى إلى عدم اتباع المتهم الأول الإجراءات المخزنية والمالية الخاصة بتسليم الحديد إلى أحد المخازن أو مواقع التشغيل وعدم معرفة مصير الحديد أو الجهة أو الشخص الذى استلمها وهو ما يشكل فى حق الطاعن مخالفة تأديبية تستأهل العقاب ولا يفيده نفعاً ما تذرع به من أن اصداره التفويض للسائق المذكور كان خشية تعطل العمل بالموقع، حيث لم يفصح الأول عن توافر عنصر الاستعجال حسبما قرر مشرف المخازن بالشركة.......... والذى كان يشرف على مخازن عملية كبارى دمياط من أن المخازن يكون بها بصفة دائمة كميات من الأرصدة تكفى معدلات التشغيل.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ولئن كانت للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإدارى وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها فى ذلك الا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها كشأن أى سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإدارى وبين نوع الجزاء ومقداره ونفس هذه الصورة تعارض نتائج عدم الملائمه الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب وهو بصفة عامة تأمين انتظام المرافق العامة ولا يتأتى هذا التأمين إذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة، تكون من الشطط فى القسوة بحيث يؤدى إلى احجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة الممعنة فى الشدة والإفراط المسرف فى الشفقة يؤدى إلى استهانتهم بأداء واجباتهم طمعاً فى هذه الشفقة المفرطه فى اللين فكل من طرفى النقيض لا يؤمن انتظام سير المرافق العامة وبالتالى يتعارض مع الهدف الذى رمى اليه القانون من التأديب وعلى هذا الأساس يعد استعمال سلطة تقدير الجزاء فى هذه الصورة مشوباً بالغلو فتخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة ومعيار عدم المشروعية هو معيار موضوعى قوامه أن درجة خطورة الذنب الإدارى لا تتناسب البته مع نوع الجزاء ومقداره.
ومن حيث إنه وبالنيابة على ما تقدم فكان الثابت أن المحكمة التأديبية المطعون فى حكمها ولئن انتهت إلى ثبوت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن وهى اصداره تفويضاً إلى المتهم الأول السائق وهو فى ذات الوقت ابن اخيه باستلام كمية الحديد محل التحقيق رغم عدم اختصاص هذا السائق بذلك وأنه كان يتعين عليه أن يفوض مندوب المشتريات، مما مكنه من الاستيلاء عليها واعتدت بالحكم الجنائى الصادر من محكمة جنايات الاسماعيلية بجلسة 18/ 3/ 1992 فى قضية النيابة العامة رقم 3 لسنة 1992 ببراءة الطاعن وبقية المتهمين من جناية الاختلاس، الا انها جازته بعقوبة الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة عن تلك المخالفة بما ينطوى على هذه العقوبة من غلو فى تقديرها بعدم تناسب وملائمة بين خطورة الذنب الذى ثبت فى حق الطاعن وبين مقدار الجزاء ونوعه الموقع عليه فانها تكون قد خالفت صحيح حكم القانون ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن فى محله، مما يتعين معه الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه ومجازاة الطاعن بعقوبة الخصم من المرتب لمدة شهرين.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبالغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بعقوبة الخفض الى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة وبمجازاته بخصم شهرين من راتبه.
ساحة النقاش