رقابة القضاء الإداري على القرار الإداري بتوقيعه - لابد لإعمالها أن تكون التحقيقات التي بني عليها القرار تحت نظر المحكمة - في حالة ضياع الأوراق الأصلية لابد أن يكون للواقعة التي انبنى عليها توقيع الجزاء أصل ثابت في أوراق أخرى تطمئن إليها.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 746
(66)
جلسة 16 فبراير سنة 1963
برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 1154 لسنة 8 القضائية
جزاء تأديبي - سببه - رقابة القضاء الإداري على القرار الإداري بتوقيعه - لابد لإعمالها أن تكون التحقيقات التي بني عليها القرار تحت نظر المحكمة - في حالة ضياع الأوراق الأصلية لابد أن يكون للواقعة التي انبنى عليها توقيع الجزاء أصل ثابت في أوراق أخرى تطمئن إليها - استطالة أمد التقاضي دون أن تقدم الإدارة أوراق التحقيق الأصلية أو تثبت قيام الواقعة بطرق الإثبات الأخرى - تجعل الجزاء قائماً على غير سبب أو على سبب عجزت الإدارة عن إثبات صحته.
إن الجزاء التأديبي إنما يقوم على واقعة أو وقائع محددة تثبت في حق الموظف وتكون ذنباً إدارياً يستأهل العقاب، ولابد لإعمال رقابة المحكمة أن تكون هذه التحقيقات تحت نظرها أو أن تكون الواقعة التي انبنى عليها توقيع الجزاء لها أصل ثابت في أوراق أخرى تطمئن إليها المحكمة وذلك في حالة ضياع الأوراق الأصلية.
فإذا كانت الواقعة التي أسندت إلى المطعون ضده وانبنى عليها توقيع الجزاء عليه ليس لها أي صدى في الأوراق المقدمة بملف الدعوى، فلم تتكشف تفاصيلها ولا ماهيتها، ولم تنكر الحكومة أي شيء عن الواقعة التي أسندت للمطعون ضده، وكل ما قالته أن هناك تحقيقاً أجري دون أن تذكر عناصره أو مقوماته، بل وقالت بصريح العبارة أنها لا تستطيع الرد على الدعوى دون أن يكون أمامها الأوراق التي انبنى عليها توقيع الجزاء. فإذا قال المطعون ضده أنه لم يرتكب وزراً يعاقب عليه وعجزت الحكومة عن تقديم الدليل المثبت للذنب الإداري كان القرار المطعون فيه قد قام على غير سبب أو أن الأسباب التي أفصحت عنها الحكومة قد عجزت عن إثبات صحتها بعدم تقديم الأوراق المثبتة لها.
وأنه وإن لم يكن عدم تقديم أوراق التحقيق الابتدائي أو فقدها بمضيع للحقيقة في ذاتها ما دام من المقدور الوصول إلى هذه الحقيقة بطرق الإثبات الأخرى، ولما كان الثابت من الأوراق عدم الإشارة في أي منها إلى هذا التحقيق الفاقد، بما يفيد حصوله على النحو الذي أدى بالإدارة إلى استخلاص الإدانة منه، وهذا في الوقت الذي لا تذكر الحكومة عن تفاصيله أي شيء، فإنه ولا شك يكون من غير المقدور الوصول إلى الحقيقة بطرق الإثبات الأخرى بعد مضي هذا الزمن، خصوصاً وقد أفسح المجال للإدارة للإثبات فلم تقدم ما يثبت صحة الأسباب التي قام عليها الذنب الإداري الموقع على المطعون ضده بالقرار المطعون فيه.
إجراءات الطعن
في 19 من مايو سنة 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 14/ 3/ 1962 في القضية رقم 197 لسنة 9 القضائية المقامة من السيد/ علي عطية رزق ضد وزارة التربية والتعليم والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات وطلب السيد رئيس إدارة القضايا للأسباب التي أوردها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وقد أعلن هذا الطعن إلى الطرفين ثم حدد جلسة لنظره أمام دائرة فحص الطعون أخطر بها الطرفان، ثم أحيل الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم فيه بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضده قد أقام الدعوى المشار إليه طالباً فيها الحكم "بإلغاء القرار الصادر من السيد مدير عام التعليم الثانوي بوزارة التربية والتعليم بخصم يوم واحد من مرتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات" وقال في بيان هذا الطلب إنه بتاريخ 24/ 8/ 1954 أخطر بقرار صادر من مدير عام التعليم الثانوي فحواه توقيع عقوبة تأديبية عليه هي خصم يوم واحد من ماهيته، وقد تم الخصم فعلاً من مرتب شهر سبتمبر سنة 1954 والأسباب التي بني عليها القرار كما وردت في القرار المذكور هي لما نسب إليه من أنه رفض القيام بأعمال الملاحظة عندما كان منتدباً للجنة غمرة لامتحان شهادة الدراسة الثانوية عام 1952 وقت أن كان مفتشاً بمنطقة القناة التعليمية، كما أنه أهان رئيس اللجنة بعبارة "جماعة دواونجية" وقد اعترف بذلك في مبدأ الأمر. وينعى المطعون ضده على هذا القرار صدوره باطلاً ومجافياً للصواب نظراً لما اعتور التحقيق والإجراءات من عيوب، هذا إلى أن واقع الأوراق لا تؤدي إلى مؤاخذته، وما ثبت فيها لا يتصل بالجزاء الموقع عليه بل يؤدي إلى براءته من التهمة المسندة إليه والتي قام عليها الجزاء المطعون فيه.
أجابت الوزارة على الدعوى بأن الأوراق المتعلقة بها ليست تحت يدها حتى يتسنى لها إبداء رد موضوعي فيها وكل ما يمكن قوله هو أن القرار المطعون فيه وقع على المدعي وآخر بناء على تحقيق أجري معهما سمعت فيه أقوالهما وأبديا فيه دفاعهما وأن الجزاء الذي وقع عليهما كان في ظل حكم المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وأن التأخير في تقدير دفاع الوزارة والمستندات المطلوبة إنما مرجعه إلى عدم العثور على أوراق التحقيق وإحالة الأمر للجهات المختصة للبحث عنه وتحديد إن كانت الأوراق قد فقدت نهائياً من عدمه...
وبتاريخ 14 من مارس سنة 1962 قضت المحكمة المذكورة "بإلغاء القرار المطعون فيه وما يرتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات بانية قضاءها هذا على أن الفصل في المنازعة المطروحة يستلزم حتماً اطلاع المحكمة على القرار المطعون فيه وعلى التحقيقات التي أجريت في شأن ما نسب إلى المدعي وقد بان للمحكمة من الأوراق المقدمة أن الحكومة المدعى عليها لم تودع ملف الدعوى المستندات المطلوبة لفقدانها وعدم العثور عليها، كما أنها لم تقدم دفاعاً في الدعوى واكتفت بإيداع ملف خدمة المدعي والتحقيق الذي أجري في شأن فقد هذه المستندات، ولا يمكن أن يضار مركز المدعي بفقد تلك المستندات أو يتأثر به مركزه القانوني في الدعوى وأصبح من المتعين الحكم فيها بحالتها على أساس المفردات المودعة ملفها، ولم تستطع الحكومة نفي ما أبداه المدعي من أسباب للطعن في القرار موضوع الدعوى....".
ومن حيث إن أسباب الطعن في الحكم المتقدم تقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطا إذ ألغى القرار المطعون فيه بحجة عدم وجوده وعدم وجود أسبابه، وكذا التحقيقات التي صدر بناء عليها، ذلك أن فقد هذه الأوراق ليس دليلاً على بطلان القرار أو خطئه وما كان يجوز القضاء بإلغائه إلا إذ ثبت عدم صحة سنده وليس لمجرد فقد ذلك السند ولم يقدم المطعون ضده أي دليل لإثبات ما يدعيه من مطاعن على القرار المذكور وإنما اكتفى بأقوال مراسلة عارية من الدليل وقد أخذت بها المحكمة قضية مسلمة، وكان واجباً عليها أن تبحث عن الحقيقة وتقوم بإجراء التحقيق بنفسها أو تكلف به أحد أعضائها أو أحد المفوضين طبقاً لما تقضي به المادة (34) من قانون مجلس الدولة، وبذلك فقد خالف الحكم المطعون فيه ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أن ضياع أوراق التحقيق لا يؤدي إلى اعتبار القرار منتزعاً من غير أصول موجودة..
ومن حيث إن أمد التقاضي في هذه الدعوى قد استطال لكي تقدم الحكومة القرار المطعون فيه وكذا التحقيقات التي استمدت منها أسبابة، وبعد منحها أكثر من أجل لم تقدم شيئاً متذرعة بفقدان الأوراق وما يجرى في شأن ذلك من تحقيقات تقوم بها النيابة الإدارية خاصة بتحديد المسئول عن ذلك...
ومن حيث إن الجزاء التأديبي إنما يقوم على واقعة أو وقائع محددة تثبت في حق الموظف وتكون ذنباً إدارياً يستأهل العقاب ولابد لإعمال رقابة المحكمة أن تكون هذه التحقيقات تحت نظرها أو أن تكون الواقعة التي انبنى عليها توقيع الجزاء لها أصل ثابت في أوراق أخرى تطمئن إليها المحكمة وذلك في حالة ضياع الأوراق الأصلية.
ومن حيث إن الواقعة التي أسندت إلى المطعون ضده وانبنى عليها توقيع الجزاء عليه ليس لها أي صدى في الأوراق المقدمة بدوسيه الدعوى فلم تتكشف تفاصيلها ولا ماهيتها ولم تنكر الحكومة أي شيء عن الواقعة التي أسندت للمطعون ضده وكل ما قالته أن هناك تحقيق أجري دون أن تذكر عناصره أو مقوماته بل وقالت بصريح العبارة أنها لا تستطيع الرد على الدعوى دون أن يكون أمامها الأوراق التي انبنى عليها توقيع الجزاء. فإذا قال المطعون ضده أنه لم يرتكب وزراً يعاقب عليه وعجزت الحكومة عن تقديم الدليل المثبت للذنب الإداري. كان القرار المطعون فيه قد قام على غير سبب أو أن الأسباب التي أفصحت عنها الحكومة قد عجزت عن إثبات صحتها بعدم تقديم الأوراق المثبتة لها.
ومن حيث إنه وإن لم يكن عدم تقديم أوراق التحقيق الابتدائي أو فقدها بمضيع للحقيقة في ذاتها ما دام من المقدور الوصول إلى هذه الحقيقة بطرق الإثبات الأخرى، ولما كان الثابت من الأوراق عدم الإشارة في أي منها إلى التحقيق الفاقد، بما يفيد حصوله على النحو الذي أدى بالإدارة إلى استخلاص الإدانة منه، وهذا في الوقت الذي لا تذكر الحكومة عن تفاصيله أي شيء فإنه ولا شك يكون من غير المقدور الوصول إلى الحقيقة بطرق الإثبات الأخرى بعد مضي هذا الزمن خصوصاً وقد أفسح المجال للإدارة للإثبات فلم تقدم ما يثبت صحة الأسباب التي قام عليها الذنب الإداري الموقع على المطعون ضده بالقرار المطعون فيه...
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه صحيحاً مما يتعين معه القضاء برفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ساحة النقاش