إن الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على الموظفين المعينين على وظائف دائمة قد عددتها المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 798
(90)
جلسة أول مارس سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 478 لسنة 3 القضائية
( أ ) جزاء تأديبي - إلفات النظر لا يعتبر عقوبة تأديبية - عدم اختصاص القضاء الإداري بطلب إلغاء القرار الصادر بإلفات نظر الموظف.
(ب) جزاء تأديبي - سببه - حدود رقابة القضاء الإداري له.
1 - إن الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على الموظفين المعينين على وظائف دائمة قد عددتها المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ولم تورد من بينها إلفات النظر، الذي لا يعدو في حقيقته أن يكون مجرداً إجراء مصلحي لتحذير الموظف وتوجيهه في عمله، دون أن يترتب عليه إحداث أثر في مركزه القانوني؛ ومن ثم فإن هذه الإلفات لا يعد عقوبة إدارية تأديبية، وبهذا الوصف لا يدخل طلب إلغائه في ولاية القضاء الإداري المحددة في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 والمادة الثانية من القانون رقم 165 لسنة 1955.
2 - سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه. فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة، أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط بها تأديتها بنفسه بدقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة إلى إنشاء أثر قانوني في حقه، هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً، وفي حدود النصاب المقرر. فإذا توافر لدى الجهة الإدارية المختصة الاقتناع بأن الموظف سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بعمله أو أداء واجباته أو على خروج على مقتضيات وظيفته أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها، وكان اقتناعها هذا لوجه المصلحة العامة مجرداً عن الميل أو الهوى، فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، واستنبطت هذا من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق مؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء.
إجراءات الطعن
في 24 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 478 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 26 ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 469 لسنة 2 القضائية المقامة من نجيب إسكندر غطاس ضد وزارة المالية والاقتصاد ومصلحة الأملاك الأميرية، القاضي "بعدم اختصاصها بنظر الطلب الأول، وبعدم قبول الدعوى بالنسبة للطلبين الثاني والثالث، وألزمت المدعي بالمصاريف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 28 من مارس سنة 1957 وإلى المطعون لصالحه في 4 من إبريل سنة 1957. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 18 من يناير سنة 1958. وفي 19 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم الاختصاص بنظر قرار إلفات النظر:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي أقام الدعوى رقم 469 لسنة 2 القضائية ضد وزارة المالية والاقتصاد ومصلحة الأملاك الأميرية أمام المحكمة الإدارية لوزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والتموين، طالباً الحكم بعدة طلبات من بينها إلغاء القرار رقم 1259 الصادر من مدير عام مصلحة الأملاك الأميرية في 6 من إبريل سنة 1954 بإلفات نظره. وقد طلب السيد مفوض الدولة إلى المحكمة في تقريره الخاص بالرأي القانوني المؤرخ 15 من يوليه سنة 1956 الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذا الطلب؛ لأنه لم يترتب عليه إنشاء مركز قانوني ما بالنسبة إلى المدعي، وبالتالي لم تتوافر فيه خصائص القرار الإداري النهائي الذي يصح أن يكون محلاً لطلب الإلغاء طبقاً لحكم المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فضلاً عن أن إلفات نظر الموظف ليس من بين الجزاءات التأديبية التي عددتها المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وبجلسة 26 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها بنظر هذا الطلب لذات الأسباب التي أبداها السيد مفوض الدولة في تقريره المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه ولئن كان طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم لم يتناوله في شقه القاضي بعدم الاختصاص بنظر الطلب المشار إليه، إلا أنه لما كان الطعن يطرح المنازعة برمتها أمام المحكمة العليا، وبفتح لها الباب لكي تنزل فيها حكم القانون على الوجه الصحيح دون تقيد بطلبات الهيئة كما سبق أن جرى عليه قضاؤها، فإن لهذه المحكمة أن تبحث فيما إذا كان الحكم المذكور قد أصاب الحق فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة بنظر طلب إلغاء قرار لفت النظر أم لا.
ومن حيث إن قرار إلفات النظر المطعون فيه بطلب إلغائه صدر من السيد مدير عام مصلحة الأملاك الأميرية في 6 من إبريل سنة 1954 موجهاً إلى السيد مدير الجيزة، وأبلغ إلى المدعي - معاون الأملاك بالمديرية - في 8 منه لما تبين من "تقصيره في أعماله وعدم رغبته في بذل الجهد اللازم لنهو المسائل التي تحال عليه".
ومن حيث إن اختصاص القضاء الإداري بطلبات إلغاء القرارات الإدارية محدد بما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة والمادة الثانية من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة. كما أن الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على الموظفين المعينين على وظائف دائمة - ومنهم المدعي - قد عددتها المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ولم تورد من بينها إلفات النظر الذي لا يعدو في حقيقته أن يكون مجرد إجراء مصلحي لتحذير الموظف وتوجيهه في عمله، دون أن يترتب عليه إحداث أثر في مركزه القانوني؛ ومن ثم فإن هذا الإلفات لا يعد عقوبة إدارية تأديبية، وبهذا الوصف لا يدخل طلب إلغائه في ولاية القضاء الإداري المحددة في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 والمادة الثانية من القانون رقم 165 لسنة 1955. وبناء على هذا فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف الصواب فيما قضى به من عدم الاختصاص بنظر هذا الطلب من طلبات المدعي.
(ب) عن عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى جزائي الخصم:
من حيث إنه يتضح من الأوراق أن المدعي، وهو يشغل وظيفة معاون أملاك من الدرجة الخامسة الفنية بمصلحة الأملاك الأميرية، نسبت إليه أثناء عمله بمديرية الجيزة مخالفات جرى معه في شأنها تحقيق انتهى بتوقيع جزاء عليه من السيد مدير عام مصلحة الأملاك الأميرية في 8 من إبريل سنة 1954 بخصم ثلاثة أيام من راتبه. وقد أخطر بهذا الجزاء في 12 من إبريل سنة 1954، فتظلم منه إلى السيد مدير عام المصلحة بعريضة في 8 من مايو سنة 1954 طالباً رفعه. وفي 12 من مايو سنة 1954 أشر سيادته على هذا الطلب بأن. "يحفظ ويمكن لحضرته الالتجاء للجهات القضائية في شأن رفع الجزاء"، ثم نسبت إليه أمور أخرى حقق معه من أجلها، وصدر قرار مدير عام المصلحة بسببها في 29 من أغسطس سنة 1954 بمجازاته عنها بخصم يوم من راتبه وتوقع منه بالعلم بهذا القرار في 9 من سبتمبر 1954، وفي 22 من سبتمبر سنة 1954 تقدم بعريضة إلى السيد مدير عام المصلحة يتظلم فيها من هذا القرار طالباً إعادة النظر فيه وفي الجزاء السابق. وقد تأشر على هذا التظلم في 19 من أكتوبر سنة 1954 بأن "يحفظ بملف خدمته - حيث لا يمكن إعادة النظر في هذه الجزاءات". وعلى إثر ذلك تقدم في 4 من نوفمبر سنة 1954 إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري بطلب الإعفاء رقم 93 لسنة 9 القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى التي يرغب في رفعها بطلب إلغاء قراري الجزاءين الموقعين عليه في 6 من إبريل سنة 1954 و28 من أغسطس سنة 1954. وبجلسة 4 من مايو سنة 1955 قررت اللجنة إحالة هذا الطلب إلى المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد للاختصاص، حيث قيد بجدولها تحت رقم 1376 لسنة 2 القضائية. وبجلسة 28 من يونيه سنة 1955 أصدرت لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين قرارها برفض هذا الطلب. وعلى هذا أقام المدعي دعواه الحالية رقم 469 لسنة 2 القضائية (محاكم) أمام المحكمة الإدارية لوزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والتموين ضد كل من وزارة المالية والاقتصاد ومصلحة الأملاك الأميرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 25 من أغسطس سنة 1955، طلب فيها للأسباب المبينة بها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرارات الآتية: (1) إلفات نظر رقم 1259 بتاريخ 8 من إبريل سنة 1954 (2) جزاء بخصم ثلاث أيام من مرتبه رقم 1261 بتاريخ 10 من إبريل سنة 1954. (3) جزاء بخصم يوم واحد من مرتبه بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1954 - المطعون فيها، مع إلزام الحكومة بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وشمول الحكم جميعه بالنفاذ المعجل ويغير كفالة". وقد أودع السيد مفوض الدولة لدى المحكمة في 15 من يوليه سنة 1956 تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، انتهى فيه إلى عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى القرارين الأخيرين لرفعها بعد الميعاد. وبجلسة 26 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية في هذه الدعوى "بعدم اختصاصها بنظر الطلب الأول، وبعدم قبول الدعوى بالنسبة للطلبين الثاني والثالث، وألزمت المدعي بالمصاريف". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى هذين الطلبين الأخيرين على عدم الاعتداد بأثر طلب المساعدة القضائية المقدم من المدعي في 4 من نوفمبر سنة 1954، أي قبل انتهاء ميعاد رفع الدعوى بالنسبة إلى القرارين موضوع الطلبين المذكورين، في قطع سريان الميعاد المذكور. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 24 من فبراير سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء والقضاء بقبوله، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". واستند في أسباب طعنه إلى أن طلب الإعفاء من الرسوم القضائية هو إجراء ليس في الواقع من الأمر تظلماً مكرراً للتظلم الأول المقدم من المدعي إلى الجهة الإدارية، وإنما هو تظلم من نوع خاص له أحكامه وآثاره الخاصة التي تختلف عن أحكام التظلم الحقيقي وآثاره. وإذا كان القانون قد سكت عن بيان هذه الأحكام والآثار، فإن القضاء الإداري قد سد هذا النقص بما يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كشرط يقوم مقام دفع الرسوم المقررة للطعن في القرار الإداري، فلا يجوز أن يضار المتظلم من تأخير الفصل في طلبه بعد إذ أجاز له القانون اللجوء إلى هذه الوسيلة بسب لا دخل لإرادته فيه بعد أن كشف عن نيته في اختصام القرار؛ ومن ثم كان القضاء المستقر في شأن الاعتداد بطلب الإعفاء في قطع المواعيد كقاعدة قضائية تقوم إلى جانب النصوص القانونية الخاصة بهذا الطلب وأثره في المواعيد، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه ولئن كان مفاد النصوص المدنية أن المطالبة التي تقطع التقادم هي المطالبة القضائية دون غيرها، إلا أن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير قاعدة أكثر تيسيراً في علاقة الحكومة بموظفيها بمراعاة طبيعة هذه العلاقة والتدرج الرياسي الذي تقوم عليه، وأن المفروض في السلطة الرياسية إنصاف الموظف بتطبيق القانون في حقه تطبيقاً صحيحاً حتى ينصرف إلى عمله هادئ البال دون الالتجاء إلى القضاء، فقرروا أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وأن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أبلغ في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف، إذا لم يمنعه من إقامة الدعوى رأساً سوى عجزه عن أداء الرسوم التي يطلب إعفاءه منها وسوى عجزه عن توكيل محام. فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب على طلب المساعدة القضائية ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. وغني عن البيان أن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية من حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء يظل قائماً ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض، إذا أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيئاً للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد؛ إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره. ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية. وإذا كانت المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة قد استحدثت قاعدة تقضي بعدم قبول الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية التي عينتها، وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، وكان هذا الحكم يسري على كل دعوى ترفع بعد 29 من مارس سنة 1955 تاريخ العمل بالقانون المشار إليه ولو كانت بطلب إلغاء قرار صدر قبل ذلك، فلا تقبل ما دام لم يتظلم صاحب الشأن منه إلى الجهة التي أصدرت القرار أو الجهة الرئيسية، ولم ينتظر المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، إلا أن الإجراء الذي يكون قد تم صحيحاً في ظل القانون السابق رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة ويعتبر طبقاً له منتجاً لأثر التظلم الإداري، يظل منتجاً لأثره في هذا الخصوص في ظل القانون الجديد، وذلك بالتطبيق لحكم المادة الثانية من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن قرار الجزاء الأول الصادر في 8 من إبريل سنة 1954 أبلغ إلى المدعي في 12 منه، فتظلم منه إدارياً في 8 من مايو سنة 1954 أي في الميعاد القانوني. ولا دليل في الأوراق على أن المصلحة أبلغته بالقرار الصادر منها في 12 من مايو سنة 1954 بحفظ هذا التظلم؛ ومن ثم فإن ميعاد رفع الدعوى بطلبه إلغاء هذا القرار يمتد إلى نهاية الستين يوماً التالية لانقضاء أربعة أشهر على تاريخ تقديم التظلم، ولما كان المدعي قد تقدم بطلب الإعفاء من رسوم هذه الدعوى إلى لجنة المساعدة القضائية في 4 من نوفمبر سنة 1954 أي خلال هذا الميعاد، ورفع دعواه الحالية في 25 من أغسطس سنة 1955 أي خلال الستين يوماً التالية لقرار لجنة المساعدة القضائية برفض طلبه الصادر في 28 من يونيه سنة 1955، فإن دعواه بطلب إلغاء هذا القرار تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني. كما أن قرار الجزاء الثاني صدر في 29 من أغسطس سنة 1954، وأخطر به المدعى في 9 من سبتمبر سنة 1954، فتظلم منه إدارياً في 22 منه أي في الميعاد، ثم تقدم في 4 من نوفمبر سنة 1954 أي في الميعاد أيضاً إلى لجنة المساعدة القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى التي يزمع رفعها بطلب إلغاء هذا القرار. فلما أصدرت اللجنة بجلسة 28 من يونيه سنة 1955 قرارها برفض هذا الطلب أقام دعواه الحالية في 25 من أغسطس سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية لصدور هذا القرار؛ ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني. وعليه فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في محله، ويكون الحكم المطعون - إذ قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلبي إلغاء القرارين المتقدم ذكرهما - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه وبقبول الدعوى.
(جـ) عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - فيم يتعلق بطلبي إلغاء قراري الجزاءين الصادر أولهما في 10 من إبريل سنة 1954 بخصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي، وثانيهما في 29 من أغسطس بخصم يوم واحد من مرتبه - تتحصل حسبما جاء في صحيفة الدعوى وفي مذكرة المدعي المؤرخة 4 من ديسمبر سنة 1956 في أن الباعث على توقيع هذين الجزاءين عليه كان هو الخلاف القائم بينه وبين رئيسه في العمل السيد محمد فؤاد محمود كشك مفتش أملاك الجيزة، الذي دأب على تقديم شكاوى ضده لا نصيب لها من الصحة، كان من جرائها إجراء عدة تحقيقات معه من بينها تحقيق في أوائل مارس سنة 1954 اتضح منه أن الشكوى التي أجري بسببها كيدية، واكتفت المصلحة بإلفات نظره في 8 من إبريل سنة 1954، ومع أن إلفات النظر هذا في غير محله لعدم ثبوت أي شيء قبله، فقد قررت المصلحة في التاريخ ذاته خصم ثلاثة أيام من راتبه، الأمر الذي يعتبر إساءة لاستعمال السلطة؛ إذ أن هذا الجزاء كان رداً انتقامياً بسبب الشكوى التي تقدم بها المدعي إلى المصلحة في 15 من مارس سنة 1954 عن مخالفات ارتكبها بعض موظفي المصلحة وأثبت التحقيق صحتها. وقد نسب إلى المدعي أنه كسول ومستهتر ويترك العمل بدون إذن من رئيسه، وهذه الاتهامات باطلة، إذا أن مدة خدمته تسع وعشرون سنة لم يثبت أنه أهمل فيها أو قصر، بل إن جميع التقارير الخاصة به جيدة، ولا سيما بعد نقله من مصلحة المساحة إلى مصلحة الأملاك الأميرية في سنة 1944. كما نسب إليه أنه أدخل تعديلات بخطه على كعوب الاستمارة رقم 81 التي يحررها قلم الأملاك. وأنه أزال بعض المكتوب، وهذا ادعاء غير صحيح تكذبه الاستمارة المذكورة التي خلت من أي شيء من هذا القبيل. ومما له مغزاه أن الجزاءات التي وقعت على المدعي صدرت في مدة عمله مع رئيسه السيد محمد فؤاد محمود كشك مفتش الأملاك، الأمر الذي يقطع بأن هذه الجزاءات لا أساس لها سوى محاباة المذكورة إثر الشكوى التي قدمها المدعي ضده وضد آخرين بالمصلحة ناسباً إليهم فيها اتهامات بشأن تصرفات مريبة وقعت منهم باستيلائهم على ممتلكات شخصية لناظر المزرعة التي استولت عليها مصلحة الأملاك الأميرية بناحية وردان مركز إمبابه بمديرية الجيزة. هذا إلى أن القرار الصادر في 29 من أغسطس سنة 1954 بمجازاته بخصم يوم من راتبه قد وقع باطلاً ومخالفاً للقانون؛ إذ لم يجر بشأنه تحقيق. ولم تكتف المصلحة بذلك بل تمادت في إيذائه بأن نقلته إلى مديرية بني سويف في ديسمبر سنة 1951، وأوقعت عليه في هذا الشهر بالذات جزاء بخصم ثلاثة أيام من راتبه، وجزاء آخر مماثلاً في الشهر التالي وهو شهر يناير سنة 1955، مع إنذاره بإحالة أمره إلى لجنة شئون الموظفين، مما حدى به إلى تقديم شكوى إلى النيابة الإدارية في 18 من يونيه سنة 1955 لوقف التعسف الذي أقرته علية النيابة المذكورة في تقريرها المرسل إلى المصلحة. وقد ردت مصلحة الأملاك الأميرية على هذه الدعوى بأن المدعي يشغل وظيفة معاون أملاك بمديرية بني سويف في الدرجة الخامسة الفنية الشخصية، ونظراً إلى تقصيره في أعماله وعدم رغبته في بذل الجهد اللازم لهو المسائل التي تحال عليه فقد أجرت المصلحة معه تحقيقاً وقررت رأفة به لفت نظره وكان ذلك في 6 من إبريل سنة 1954، وهذا لا يعتبر جزاء تأديبياً. بيد أن المذكور تمادى في إهماله وعدم إطاعته الأوامر، فأجرت المصلحة معه تحقيقاً سمعت فيه أقواله وقررت في 8 من إبريل سنة 1954 مجازاته بخصم ثلاثة أيام من راتبه للمخالفات المنسوبة إليه. وقد تقدم بشكوى اتهم فيها بعض موظفي المصلحة وكذا مفتش الأملاك بتهم غير صحيحة، واتضح أن الشكوى كيدية؛ لذلك قررت المصلحة في 29 من أغسطس سنة 1954 خصم يوم من راتبه. أما ما يؤسس عليه دعواه من أن هذه الجزاءات إنما وقعت عليه لمحاباة المصلحة لرئيسه مفتش الأملاك، فأبلغ رد عليه أنه قد وقع عليه (22) اثنان وعشرون جزاء قبل أن يعمل تحت رئاسة هذا الأخير، وكان معظمها بسبب تقصيره وإهماله في العمل. وخلصت المصلحة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي - شأنه شأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء عليه للغاية التي استهدفها المشرع وهي الحرص على حسن سير العمل تحقيقاً للمصلحة العامة. ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر التدخل. وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره. ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب أو يتدخل تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبيعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً، فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع - على فرض قيامها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط به تأديتها بنفسه بدقة وأمانة إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه. فتتجه إرادة الإدارة إلى إنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً، وفي حدود النصاب المقرر. فإذا توافر لدى الجهة الإدارية المختصة الاقتناع بأن الموظف سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بعمله أو أداء واجباته أو على خروج على مقتضيات وظيفته، أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها، وكان اقتناعها هذا لوجه المصلحة العامة مجرداً عن الميل أو الهوى فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، واستنبطت هذا من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه، ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق وبخاصة من ملف خدمة المدعي أنه في أول مارس سنة 1954 تقدم عنه تقرير من مفتش أملاك الجيزة إلى مدير عام مصلحة الأملاك الأميرية تضمن إسناد عدة مخالفات إليه، منها ما يتعلق بالعمل والإنتاج كبطئه في إنجاز ما يحال عليه من مسائل وعدم توخيه الدقة في عمله وعدم شعوره بالمسئولية مما أدى إلى تراكم المسائل المحالة عليه واستوجب سحب ست عشرة مسألة منها. واستدل التقرير على ذلك بقضية المصلحة ضد محمد البنان، وشكوى محمد خليل كعك، وموضوع تسليم قطعة أرض لمصلحة الطرق، وتعدي توفيق محمد الجاويش بالصف، والاستمارة رقم 85 ب سنة 1950 الخاصة بتقسيم قطعة أرض بغمارة الكبرى، والقطعة رقم 82 بالصف، وحصر خارج الزمام بناحية الهمتين. ومنها ما يتعلق بالتعديل والمسح الذي أجراه في الاستمارة 81 أملاك وكعوبها وما بدر منه بصددها من استهتار بالعمل وجنوح إلى الفوضى. ومنها ما يتصل بمواظبته وسلوكه إذ يحضر دائماً للمديرية متأخراً عن مواعيد العمل الرسمية على الرغم من تكرار لفت نظره إلى ذلك دون جدوى، ويتعلق كتابة على الأوامر الإدارية التي تصدر بخصوص تنظيم العمل بما يدل على استهتاره به. ومنها ما وقع منه من تعديل وتلاعب في دفتر خط السير المعتبر من الدفاتر الرسمية مخالفاً بذلك التعليمات، مع كثرة ذهابه إلى الديوان العام بدون مقتض، الأمر الذي جعل رئيسه مفتش الأملاك يضج منه بالشكوى ويطلب النظر في أمره لعدم اطمئنانه إلى عمله، ولأن في وجوده على هذه الحالة قدوة سيئة لباقي المعاونين. وعلى إثر هذا التقرير أجرت المصلحة مع المدعي تحقيقاً مسهباً مستفيضاً سمعت فيه أقواله ودفاعه تفصيلاً وكذا أقوال بعض الموظفين بالمصلحة. وانتهى المحقق من ذلك إلى تقديم تقرير مؤرخ 15 من مارس سنة 1954 أوصى فيه بمجازاة المدعي "بخصم يومين لتحسين إنتاجه وإطاعة إرشادات رئيسه وعدم التأشير بكعب استمارة 81 أملاك وإنذاره بالنقل إذا لم يصلح من شأنه". وفي 20 من مارس سنة 1954 رفعت نتيجة التحقيق إلى السيد مدير عام المصلحة بالتأشيرة الآتية: "ثابت من التحقيق أن هذا الموظف كسول ومستهتر بالعمل يتعلل بأعذار واهية لتبرير إهماله، وبلغ به الاستهتار أن ينتقل لناحية بها مسألتان ينهي إحداهما ويعيد الثانية بدون نهو. وصل به حد الاستهتار أن يدخل تعديلات بخطه على كعوب استمارة 81 التي يحررها القلم، وقد تجرأ على إزالة بعض المكتوب بها. يقضي معظم أوقات العمل بالمكتب ويترك المديرية ويحضر للمصلحة بدون مبرر أو إذن من رئيسه. لجأ إلى تهديد رئيسه عندما ضيق عليه. حرر استمارة حصر عن أرض استغنت عنها المناجم، ولم يبين بها مساحة قدرها 8 س 8 ق منزرعة حديقة مما يجزم بعدم معاينته وأنه حرر الاستمارة بالمكتب. حقق معه من فترة وجيزة بسب التقصير وقلة الإنتاج وألفت نظره محلياً دون جدوى. أوافق على رأي إدارة السكرتارية والتحقيقات من مجازاته بخصم ثلاثة أيام من راتبه. وأرى أنها عقوبة قليلة بالنسبة لما اقترفه من ذنوب". وفي 8 من إبريل سنة 1954 صدر قرار على تحسين حالته وعلى ما يدعو إلى الرضا عنه. وجاء في أسباب هذا القرار أنه تبين من التحقيق في التهم المنسوبة إلى المذكور أنه كسول ومستهتر بالعمل ويتعلل بأعذار واهية لتبرير إهماله. وأنه وصل به حد الاستهتار أنه يدخل تعديلات بخطه على كعب استمارة 81 التي يحررها قلم الأملاك ويزيل بعض المكتوب بها. وأنه يقضي معظم أوقات العمل بالمكتب ويترك المديرية ويحضر للمصلحة بدون مبرر أو إذن من رئيسه. ولما كان المدعي قد تقدم في 15 من مارس سنة 1954 بشكوى إلى مدير عام المصلحة نسب فيها أموراً إلى رئيسه مفتش أملاك مديرية الجيزة، فقد قامت المصلحة بإجراء تحقيق مطول في موضوع هذه الشكوى، انتهى منه السيد مدير السكرتارية والتحقيقات في تقريره المؤرخ 7 من مايو سنة 1954 إلى أنه يرى أن المحرك لما تضمنته الشكوى المذكورة من اتهامات هو المدعي لما حصل بينه وبين مفتش الأملاك وأنه أرسل هذه الشكوى لكي يكيد له، وأوعز لإبراهيم عثمان بتقديم شكوى مماثلة. وقد ثبت أنه يعرف هذا الأخير وأنه هو الذي أوعز إليه بذلك وإن أنكر كلاهما هذه المعرفة. وأن لجوء المدعي لموظفي شركة وردان سابقاً التي هي خصم للمصلحة لكي يكيد لأحد موظفي المصلحة عمل يدل على الرعونة وعدم تقدير المسئولية ويوجب المؤاخذة. وقد أشر السيد مدير عام المصلحة على هذا التقرير في 12 من يونيه سنة 1954 بأنه "لا شك أن السيد نجيب إسكندر موتور وله بعض العذر من الناحية النفسية، ولكن بالنسبة لما ثبت في التحقيق من تقصيره في عمله نكتفي بخصم يوم واحد من ماهيته وإعطائه فرصة أخرى في عمله الجديد حتى إذا حسنت الشهادة في حقه وانتظم في عمله وكان أكثر إنتاجاً والتفاتاً له كان بها"، وقد تقدم المدعي بشكوى ثانية ضد مفتش الأملاك يتهمه فيها بالتعنت وعدم الدراية بالعمل ونقص الكفاية. فقامت المصلحة بتحقيق هذه الشكوى حيث استبان لها من التحقيق "أن دعوى السيد نجيب إسكندر من أن المفتش يتعمد الإساءة إليه غير صحيحة بالمرة، هذا من جهة الموضوع، أما من جهة الشكل فإن السيد نجيب اسكندر غطاس معاون الأملاك بالرغم من مدة خدمته الطويلة وهي تقترب من ثمانية وعشرين عاماً قد خرج خروجاً فاضحاً على المبادئ الأولية للنظم، بأن استباح لنفسه الاحتفاظ بأوراق الموضوع عنوة، علاوة على أنه اتهم رئيسه (بأنه لم يفهم المسألة وما اتخذ بشأنها، مما يدل على صحة عملي وأنه هو الذي لا يدرك شيئاً في عمله المناط به) وهو في ذلك مغالط مكابر وغاية في القحة لتهجمه على رئيسه دون وجه حق. فنظراً لأن السيد نجيب إسكندر حرض شخصاً آخر وتآمر الاثنان على أن يتقدم كلاً منهما بشكوى مماثلة في خلال شهر مارس سنة 1945 يتهمان فيها بعض موظفي المصلحة ومفتش الأملاك بتهم غير صحيحة، واتضح أن الشكاوى كيدية، ويطلبان تحقيق وقائع حدثت في شهر يوليه سنة 1953 وسكتا عليها طول هذه المدة. ونظراً للأخطاء الفاحشة والإهمال الفظيع الذي وقع من السيد نجيب إسكندر في إجراءات البيعة رقم 3597، ولخروجه على النظام وتعديه على رئيسه المباشر مفتش أملاك الجيزة بأوصاف كلها وقاحة وتهجم في الشكوى المقدمة منه في شهر إبريل سنة 1954 بخصوص أوراق البيعة المشار إليها سابقاً. لكل هذه الأسباب اقترح الموافقة على مجازاته بخصم خمسة أيام من ماهيته وإنذاره". وقد تأشر على هذا التقرير في 28 من أغسطس سنة 1954 بأن "يوقع الجزاء الذي أشر به السيد المدير العام بخصم يوم واحد من راتبه بتاريخ 12/ 6/ 1954". وفي 29 من أغسطس سنة 1954 صدر قرار السيد مدير عام المصلحة بمجازاة المدعي بخصم يوم من ماهيته نظراً لتقصيره في عمله منذ كان معاوناً للأملاك بمديرية الجيزة.
ومن حيث إن ما يزعمه المدعي من أن الجزاءين المطعون فيهما إنما وقعا عليه إبان عمله تحت رياسة مفتش أملاك مديرية الجيزة السيد محمد فؤاد محمود كشك الذي كان يمعن في اضطهاده بصفة خاصة، مردود بما حفل به ملف خدمته من جزاءات وقعت عليه قبل الفترة وبعدها، بلغ عددها أربعة وعشرون جزاء، منها اثنان وعشرون جزاء قبل عمله بمديرية الجيزة وجزاءان بعد نقله من هذه الأخيرة إلى مديرية بني سويف، وهذا بخلاف الجزاءين المطعون فيهما بما جملته ستة وعشرون جزاء، سببها الخطأ والإهمال في العمل وتركه إياه وادعاؤه المرض كذباً والغياب بدون إذن والتكاسل وقلة الإنتاج ومخالفة التعليمات، مما له أبلغ الدلالة في عدم استقامة سلوكه الوظيفي، الأمر الذي ينفي ادعاءه بإساءة استعمال السلطة معه في فترة معينة من خدمته ومن رئيس بذاته، فضلاً عن أن هذا الرئيس لم يكن هو مصدر قراري الجزاءين المطعون فيهما.
ومن حيث إنه يخص من كل ما تقدم أن الوقائع المسندة إلى المدعي لها وجود مادي ثابت في الأوراق بالفعل، وقد استخلصت منها الإدارة اقتناعها بإدانته استخلاصاً سائغاً يبرر النتيجة التي انتهت إليها في توقيع الجزاء عليه، ويجعل قرارها في هذا الشأن قائماً على سببه ومطابقاً للقانون؛ ومن ثم فإنه لا يكون على حق في دعواه، ويتعين القضاء برفضها مع إلزامه بمصروفاتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطلبين الثاني والثالث وبقبولهما، وبرفضهما موضوعاً. وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
ساحة النقاش