جزاء تأديبي تبرئة الموظف جنائياً من التهمة المسندة إليه استناد البراءة إلى عدم كفاية الأدلة
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 868
(97)
جلسة 8 من مارس سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 634 لسنة 3 القضائية
( أ ) ميعاد الستين يوماً - قطعه - رفع الدعوى الإدارية أمام محكمة غير مختصة بقطع هذا الميعاد، كما يقطع التقادم - بقاء هذا الأثر قائماً حتى يصدر الحكم بعدم الاختصاص.
(ب) جزاء تأديبي - سببه.
(جـ) جزاء تأديبي - تبرئة الموظف جنائياً من التهمة المسندة إليه - استناد البراءة إلى عدم كفاية الأدلة - إمكان محاكمته تأديبياً من أجل هذه التهمة عينها.
(د) جزاء تأديبي - إدانة تمورجي بوزارة الصحة جنائياً في تهمة مزاولته مهنة الطب بدون ترخيص - فصله من الخدمة تأديبياً - قيام قرار الفصل على سبب قانوني.
(هـ) لجنة شئون الموظفين - تظلم من قرار فصل مستخدم خارج الهيئة - لا إلزام على اللجنة بأن تستدعي المستخدم المتظلم أو تجري تحقيقاً ما دامت ترى أن العناصر الثابتة بالأوراق كافية لاتخاذ قرارها.
1 - إن المادة 383 من القانون المدني نصت على أن "ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه، وبالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوى"، وقد رتب المشرع المدني بهذا النص الصريح على المطالبة القضائية، ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، أثراً في قطع التقادم، حتى لا يحول رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة من جراء غلط مغتفر أو خلاف في الرأي القضائي - بغير خطأ من صاحب الشأن حول تعيين المحكمة المختصة - دون تحقق أثرها في قطع التقادم، بخلاف ما يقع في حالة البطلان المتعلق بالشكل أو حالة ترك الخصومة أو سقوطها. فالحكم بعدم الاختصاص لا يمحو أثر المطالبة القضائية في قطع التقادم. وإذا كانت روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص التي وضعت قواعد القانون المدني لتحكمها، وكانت هذه الأخيرة لا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك فإن القضاء الإداري، وإن كان لا يلتزم في حالة عدم وجود مثل هذا النص بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي، بل تكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام بما يتلاءم مع طبيعتها، وبما يكون أوفق لحسن سير المرافق العامة، إلا أنه يملك الأخذ من القواعد المذكورة بما يتفق وهذه الفكرة. وإذا كانت هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وبأن طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة له ذات الأثر في قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء، لما ينطوي عليه من دلالة أقوى في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة باقتضائه وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم، فإن رفع الدعوى بالفعل إلى محكمة غير مختصة أبلغ من هذا كله في الدلالة على رغبة صاحب الحق في اقتضائه وتحفزه لذلك؛ ومن ثم وجب ترتيب ذات الأثر عليه في قطع ميعاد رفع الدعوى بطلب الإلغاء، ويظل هذا الأثر قائماً حتى يصدر الحكم بعدم الاختصاص.
2 - سبب القرار التأديبي - بوجه عام - هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط به تأديتها بنفسه بدقة وأمانه، أو يسلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته أو خروج على مقتضيات وظيفته أو إخلال بكرامتها، أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من تعفف واستقامة وبعد عن مواطن الريب، إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة إلى إحداث أثر قانوني في حقه، هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
3 - متى ثبت أن الحكم الصادر من المحكمة الجنائية بتبرئة الموظف المتهم لم يستند إلى عدم صحة الواقعة أو عدم الجناية، وإنما بني على الشك وعدم كفاية الأدلة، فلهذا لا يرفع الشبهة عنه نهائياً، ولا يحول دون محاكمته تأديبياً وإدانة سلوكه الإداري من أجل هذه التهمة عينها على الرغم من حكم البراءة.
4 - متى ثبت أن المدعي - الذي يعمل بوظيفة تمورجي بوزارة الصحة - قد أدين جنائياً في تهمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، فهذا كاف في ذاته لأن يستوجب المؤاخذة التأديبية؛ لانطوائه على إخلال بواجبات وظيفته التي تتطلب في مثله الأمانة في أخص ما يتصل بالذمة والضمير الإنساني وصحة الجمهور، حتى لا تتعرض حياة المرضى أو أرواحهم للخطر نتيجة الجهل بأصول مهنة الطب وأساليب العلاج، ولتنافره مع مقتضيات هذه الوظيفة التي ما كان يسوغ استغلالها لبعث ثقة زائفة غير مشروعة في نفوس المرضى ذوي الحاجة، في حين أنه كان أولى به قبل غيره، بحكم وظيفته واتصاله بمهنة الطب، أن يلتزم حدوده القانونية التي لا تخفى عليه، ويقصر نشاطه في مساهمته الخيرية إن شاء على الخدمات المسموح بها لأمثاله، فإذا انتهت الإدارة من هذا كله إلى تكوين اقتناعها بإدانة سلوكه، وبنت على ذلك قرارها بإقصائه عن وظيفته لعدم اطمئنانها إلى صلاحيته للاستمرار في القيام بأعبائها، متوخية بذلك رعاية مصلحة العمل ومصلحة الجمهور معاً، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون.
5 - لا إلزام على لجنة شئون الموظفين عند نظر التظلم المرفوع إليها من مستخدم خارج الهيئة من القرار التأديبي الصادر بفصله، بأن تقوم باستدعاء صاحب الشأن أو بإجراء تحقيق أو سماع أقوال أو دفاع، ما دامت ترى أن العناصر القائمة تحت نظرها والثابتة بالأوراق كافية لاتخاذ قرارها في شأنه، ومتى انتفى الإلزام باتخاذ إجراء معين على سبيل الوجوب، فإن إغفاله لا يترتب عليه جزاء البطلان.
إجراءات الطعن
في 30 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 624 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 28 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 346 لسنة 3 القضائية (محاكم) المقامة من: أحمد علي رمضان ضد وزارة الصحة العمومية، القاضي "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى، وإعادتها إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الصحة في 26 من مايو سنة 1957 وإلى المطعون لصالحه في 2 من يوليه سنة 1957، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 11 من يناير سنة 1958، وفي 13 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي كان يشتغل بوظيفة تمورجي بمستشفى بور سعيد الأميري، ثم تقرر وقفه عن عمله اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1952، عقب اتهامه في القضية رقم 1610 لسنة 1952 جنح بور سعيد بسرقة أدوية من صيدلية المستشفى ومزاولة مهنة الطب والجراحة بدون ترخيص وفي 19 من يوليه سنة 1953 قررت وزارة الصحة فصله من الخدمة لسوء السلوك، وذلك اعتباراً من تاريخ وقفه عن العمل وسلم إعلان الفصل بإيصال في 17 من أغسطس سنة 1953، وقد تظلم من هذا القرار ونظر تظلمه أمام لجنة شئون الموظفين بالوزارة بجلستها المنعقدة في 10 من أكتوبر سنة 1953، حيث قررت رفض تظلمه مع تعديل سبب فصله تأديبياً لإدانته في تهمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص والحكم عليه فيها بالغرامة والمصادرة، وقد استدعته إدارة مستشفى بور سعيد في 9 من نوفمبر سنة 1953 لتسليمه إعلان رفته من الخدمة فرفض تسلمه بكتاب منه في التاريخ عينه. وعلى إثر ذلك كتب السيد مدير عام مصلحة الطب العلاجي إلى المطبعة الأميرية في 17 من نوفمبر سنة 1953 لنشر قرار الفصل الذي انتهت إليه لجنة شئون الموظفين في الوقائع الرسمية. وفي 3 من ديسمبر سنة 1953 رفع المدعي إلى اللجنة القضائية لوزارة الصحة العمومية التظلم رقم 431 لسنة 2 القضائية ضد وزارة الصحة طالباً القضاء "بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بمصلحة الطب العلاجي بوزارة الصحة والمبلغ له في 10 من أكتوبر سنة 1953 بفصله من الخدمة، وبإعادته إليها مع صرف مرتبه عن مدة الوقف حتى تاريخ عودته إلى العمل". وقد دفعت الوزارة بعدم اختصاص اللجنة بنظر هذا التظلم لخروجه عن ولايتها. وبجلسة 6 من مارس سنة 1954 أصدرت اللجنة القضائية قرارها بعدم اختصاصها بنظر التظلم لكونه يتركز في المطالبة بإلغاء قرار فصل المتظلم وإعادته إلى عمله مع صرف مرتبه عن مدة وقفه، وهذه أمور لا تختص اللجنة القضائية بنظرها طبقاً لاختصاصها المحدد بطريق الحصر في قانون إنشائها. وقد رفع المدعي بعد ذلك الدعوى رقم 5432 لسنة 8 القضائية ضد كل من وزارتي الصحة العمومية والمالية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 17 من مارس سنة 1954، طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر بفصله من عمله كتمورجي بالمستشفى الأميري ببور سعيد وبإعادته إلى عمله وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 25 من مارس سنة 1956 أصدر السيد رئيس محكمة القضاء الإداري، إعمالاً لحكم المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، قراراً بإحالة هذه الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة الصحة العمومية حيث قيدت بجدولها تحت رقم 346 لسنة 3 القضائية (محاكم). وبجلسة 28 من يناير سنة 1957 قضت المحكمة المذكورة "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني، وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن المدعي قد فوت على نفسه مواعيد الطعن أمام المحكمة بتراخيه من 9 من نوفمبر سنة 1953 تاريخ إبلاغه بقرار فصله حتى 17 من مارس سنة 1954 تاريخ رفعه لهذه الدعوى. أما رفعه التظلم رقم 341 لسنة 2 القضائية أمام اللجنة القضائية لوزارة الصحة العمومية التي قررت بجلسة 6 من مارس سنة 1954 عدم اختصاصها بنظره فلا يغير من الوضع شيئاً؛ إذ أنه قد أخطأ في حق نفسه بالالتجاء إلى جهة غير مختصة، فلا يفيد من هذا الإجراء الذي لا يعتبر قاطعاً للمدة القانونية لرفع الدعوى؛ ومن ثم فإنه يكون قد رفع دعواه بعد الميعاد القانوني ويتعين القضاء بعدم قبولها. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 30 من مارس سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى، وإعادتها إلى المحكمة الإدارية للفصل في الموضوع". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفاً للمبدأ الذي استقر عليه القضاء الإداري في شأن الأثر القاطع لطلب الإعفاء أو الالتجاء إلى جهة غير مختصة في المواعيد المقررة للإلغاء، مع أن الالتجاء إلى جهة غير مختصة أو إلى لجنة المساعدة القضائية كلاهما يفيد اعتزام صاحب الشأن اختصام القرار مما يزعزع كيانه. بل إن الالتجاء إلى اللجنة القضائية أقوى في الدلالة على هذا الاتجاه، مما يتعين معه الاعتداد بالتظلم المقدم إلى اللجنة المذكورة في قطع الميعاد. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن المادة 383 من القانون المدني نصت على أن "ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه، وبالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع، وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوى". وقد رتب المشرع المدني بهذا النص الصريح على المطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة أثراً في قطع التقادم حتى لا يحول رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة من جراء غلط مغتفر أو خلاف في الرأي القضائي بغير خطأ من صاحب الشأن حول تعيين المحكمة المختصة دون تحقيق أثرها في قطع التقادم بخلاف ما يقع في حالة البطلان المتعلق بالشكل أو حالة ترك الخصومة أو سقوطها. فالحكم بعدم الاختصاص لا يمحو أثر المطالبة القضائية في قطع التقادم. وإذا كانت روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص التي وضعت قواعد القانون المدني لتحكمها، وكانت هذه الأخيرة لا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن القضاء الإداري وإن كان لا يلتزم في حالة عدم وجود مثل هذا النص بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي، بل تكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام بما يتلاءم مع طبيعتها، وبما يكون أوفق لحسن سير المرافق العامة، إلا أنه يملك الأخذ من القواعد المذكورة بما يتفق وهذه الفكرة. وإذا كانت هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وبأن طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة له - في ظل القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة - ذات الأثر في قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء؛ لما ينطوي عليه من دلالة أقوى في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة باقتضائه وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم، فإن رفع الدعوى بالفعل إلى محكمة غير مختصة أبلغ من هذا كله في الدلالة على رغبة صاحب الحق في اقتضائه وتحفزه لذلك؛ ومن ثم وجب ترتيب ذات الأثر عليه في قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع الدعوى بطلب الإلغاء، ويظل هذا الأثر قائماً حتى يصدر الحكم بعدم الاختصاص. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي علم بالقرار الصادر من لجنة شئون الموظفين برفض تظلمه من القرار الصادر بفصله من الخدمة في 10 من أكتوبر سنة 1953، وأبلغ بهذا القرار في 9 من نوفمبر سنة 1953، فرفع تظلمه بطلب إلغائه وما ترتب عليه من آثار أمام اللجنة القضائية لوزارة الصحة في 3 من ديسمبر سنة 1953، أي في الميعاد القانوني، وأن اللجنة المذكورة أصدرت قرارها بعدم اختصاصها بنظر هذا التظلم في 6 من مارس سنة 1954، فرفع دعواه الحالية بإيداع صحيفتها في 17 مارس سنة 1954، فإنها تكون قد رفعت في الميعاد القانوني كذلك؛ ومن ثم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في محله، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبقبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام دعواه الحالية بعريضة قال فيها وفي مذكرته التي قدمها بعد ذلك إنه التحق بخدمة الحكومة في أول أغسطس سنة 1925 بوظيفة تمورجي بمستشفى بور سعيد الأميري، وظل يؤدي عمله زهاء 27 عاماً لم يقع عليه خلالها أي جزاء عن إخلاله بكرامة الوظيفة. ولما كان سابقاً إلى فعل الخير نزاعاً إلى النجدة التي هي من أهم دوافع مهنة الطب فقد ساهم في جمعية طبية خيرية جعلت هدفها معالجة المرضى الفقراء في الحي الذي يقطنه، ومع أن مساهمته في هذه الجمعية كانت في حدود ما يسمح به القانون لأمثاله من المساعدة الطبية الداخلة في حدود عمله، فإن ذلك لم يرق لمدير المستشفى الأميري الذي وجد في قيام الجمعية المذكورة منافساً قوياً له في مهنته التي يزاولها في عيادته الخصوصية؛ وعلى هذا أخذ يكيد للجمعية ويتربص بها وبأعضائها الدوائر، حتى سنحت له الفرصة في لحظة كان المدعي يقوم فيها بعمل غيار لامرأة مريضة تعاني الآلام تحت إشراف طبيب، فقدم ضده بلاغاً انبنى عليه تقديمه للمحاكمة بتهمتين: إحداهما سرقة آلات وعقاقير طبية، والثانية مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص. وقد برئ من السرقة وحكم عليه بغرامة قدرها خمسة جنيهات لمزاولته مهنة الطب بدون ترخيص بيد أن إدارة المستشفى بادرت إلى إصدار قرارها بوقفه عن العمل بسبب اتهامه في القضية المذكورة في 23 من أكتوبر سنة 1952، وذلك على الرغم من أنه لم يكن قد فصل في أمر التهم المسندة إليه ولم يكن قد حبس احتياطياً، الأمر الذي يستشف منه نزوع الإدارة إلى اضطهاده والتعسف معه والانتقام منه. ثم صدر بعد ذلك قرار بفصله من عمله مستنداً في أسبابه إلى سوء السلوك، فلما تظلم من هذا القرار اجتمعت لجنة شئون الموظفين في يوم 10 من أكتوبر سنة 1953 مغفلة دعوته للمثول أمامها أو تمكينه من إبداء دفاعه بأية وسيلة من الوسائل واتهمت إلى إصدار قرار بتعديل سبب الفصل إلى الفصل تأديبياً لإدانته في تهمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، وهذا التصحيح باطل لسببين: (أولهما) أنها لم تمكنه من الدفاع عن نفسه أمامها ولم تسمع منه دفاعاً وبذلك أغفلت إجراءاً شكلياً يستلزمه العقل لسلامة قرارها. (والثاني) أن المصلحة كانت قد أخطأت في ابتناء الفصل على سبب غير صحيح، وهو سوء السلوك، ومن المقرر أن خطأ الإدارة في الوقائع يعتبر بذاته سبباً مستقلاً من أسباب البطلان لتجاوز السلطة إذا كان من شأن هذا الخطأ أن يؤدي إلى تطبيق القانون تطبيقاً غير صحيح، ولا تملك لجنة شئون الموظفين تصحيح هذا الخطأ لأن ما بني على الباطل فهو باطل، وإذن فثمة قراران أولهما صادر من مدير المصلحة، وقد وقع مخالفاً لروح القانون ولم يقصد به وجه المصلحة العامة بل مجرد الانتقام لسبب الاعتقاد باجتذاب المرضى والمنافسة في المهنة؛ وآية ذلك أنه صدر في غير الحالات التي نص القانون فيها على وجوب الفصل أو جوازه، وأنه سبب تسبيباً خاطئاً أدى إلى الخطأ في تطبيق القانون؛ إذ أن مزاولة مهنة الطب دون ترخيص لا تعد سوء سلوك يوجب الفصل لكونها ليست عملاً إجرامياً يدل على نشاط خطر، وإنما حرمت من قبيل الاحتياط صوناً لصحة الجمهور دون أن تنطوي على ما يجرح الشرف أو الكرامة أو ما يعتبر إخلالاً بواجبات الوظيفة. أما القرار الثاني الصادر من لجنة شئون الموظفين فقد وقع باطلاً ومشوباً بعيب شكلي لإغفال اللجنة إجراء جوهرياً هو تمكين المدعي من حقه المقدس في الدفاع عن نفسه، وما قضى به من تعديل أسباب قرار الفصل لا يصحح هذا القرار ولا يكسبه أية حصانة قانونية، وخلص المدعي من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء قرار فصله من عمله كتمورجي بالمستشفى الأميري ببور سعيد وبإعادته إلى عمله، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن وزارة الصحة أجابت عن الدعوى بأن المدعي عين بوظيفة تمورجي بمستشفى بور سعيد الأميري بالدرجة الرابعة بماهية قدرها 500 م و2 ج شهرياً اعتباراً من أول أغسطس سنة 1925، ثم تدرجت ماهيته حتى بلغت 200 م و4 ج من أول مايو سنة 1949، وأنه قبض عليه مساء يوم 22 من أكتوبر سنة 1952، وأفرج عنه بكفالة قدرها 20 ج، وأوقف عن العمل اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1952 بعد أن حرر ضده المحضر رقم 1610 لسنة 1952 جنح بور سعيد لاتهامه بسرقة أدوية من صيدلية المستشفى ومزاولة مهنة الطب والجراحة بدون ترخيص. وبجلسة 27 من إبريل سنة 1953 قضت محكمة بور سعيد الجزئية ببراءته من تهمة السرقة لعدم كفاية الأدلة على الرغم من أن الآلات والأدوية المضبوطة تحمل اسم وزارة الصحة، وأدانته في تهمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص بغريمه 500 قرش ومصادرة الأشياء المتعلقة بالمهنة. وقد فصل المذكور من الخدمة اعتباراً من 23 أكتوبر سنة 1952 تاريخ وقفه عن العمل، فتظلم من قرار فصله إلى لجنة شئون موظفي المصلحة التي نظرت تظلمه بجلستها المنعقدة في 10 من أكتوبر سنة 1953 وأصدرت فيه القرار الآتي: "بفصل المذكور من الخدمة اعتباراً من تاريخ إيقافه عن العمل في 23 من أكتوبر سنة 1952 مع تعديل سبب الفصل إلى (الفصل تأديبياً لإدانته في تهمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص والحكم عليه فيها بالغرامة والمصادرة)". وطبقاً لنص المادة 128 من قانون نظام موظفي الدولة يكون قرار لجنة شئون الموظفين في هذا الشأن نهائياً.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي - شأنه شأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء عليه للغاية التي استهدفها المشرع، وهي الحرص على حسن سير العمل تحقيقاً للمصلحة العامة. ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذ قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر التدخل. وللقضاء الإداري - في حدود رقابته القانونية - أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني، دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره. ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار. بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها. ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي القضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبيعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً؛ فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه، وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط به تأديتها بنفسه بدقة وأمانة أو يسلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته أو خروج على مقتضيات وظيفته أو إخلال بكرامتها أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من تعفف واستقامة وبعد عن مواطن الريب، إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة إلى إحداث أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن النيابة العامة اتهمت المدعي "بأنه في يوم 22 من أكتوبر سنة 1952، بدائرة قسم ثالث بور سعيد (أولاً) سرق الآلات والعقاقير الطبية الأخرى المبينة الوصف والقيمة بالمحضر لوزارة الصحة من مبنى المستشفى الأميري المسكون حالة كونه مستخدماً بها بالأجرة. و(ثانياً) زوال مهنة الطب دون أن يكون مقيداً بسجل الأطباء أو بجدول أرباب المهن الطبية". وكان ذلك على إثر بلاغ ممن يدعى السيد سيد أحمد ذكر فيه أن المتهم وهو ممرض بالمستشفى الأميري يتلاعب في صرف الأدوية للمرضى بالعيادة الخارجية للمستشفى ويمارس مهنة الطب بمعاونة الدكتور أحمد حلمي. وقد اتصل مدير المستشفى الأميري ببور سعيد بالنيابة العامة وعرض عليها الشكوى مقرراً أنه تحرى فتبين له صحة ما جاء بها من أن المتهم يمارس مهنة الطب ويقوم بصرف أدوية للمرضى، وبناء على هذا أمرت النيابة بتفتيش "رابطة المناخين الأهلية" بحثاً عن أدوية أو أدوات طيبة وتنفيذاً لهذا الأمر انتقل المحقق إلى الرابطة حيث ضبط بعض الأدوية والأدوات الطبية، كما ضبط المتهم يمارس الغيار على ثدي إحدى المريضات، وكان الدكتور أحمد حلمي قد أجرى لها عملية جراحية هي فتح خراج بالثدي، وترددت على الرابطة ثلاث مرات كان الدكتور حلمي يقوم فيها بالغيار على الجرح وفي المرة الرابعة لم يكن موجوداً فشرع المتهم في عملية الغيار عندما تم ضبطه. وقد قبضت النيابة على المتهم مساء 22 من أكتوبر سنة 1952 ثم أفرجت عنه بكفالة قدرها عشرون جنيهاً، وقررت المصلحة وقفه عن العمل اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1952. وقدمته النيابة بعد ذلك لمحاكمته من أجل هاتين التهمتين في القضية رقم 1610 لسنة 1952 جنح قسم ثالث بور سعيد أمام محكمة جنح بور سعيد الجزئية. وبجلسة 27 من إبريل سنة 1953 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها "حضورياً ببراءة المتهم من التهمة الأولى، وتغريمه 500 قرش ومصادرة الأشياء المتعلقة بالمهنة، ونشر الحكم في جريدتي الأهرام والمصري مرة واحدة على نفقته عن التهمة الثانية". وقالت المحكمة في أسباب حكمها عن التهمة الأولى "وحيث إنه إذا أضفنا إلى كل ما تقدم أن الكشوف التي حررها الصاغ حسين حشيش بالمضبوطات وقت الضبط لم توجد، مما يجعل حيازة المتهم لما نفى علمه بوجوده من المضبوطات محوطاً بكثير من الشك. وحيث إنه فضلاً عما تقدم فإنه لم يثبت أن أدوية أو آلات طبية قد سرقت من المستشفى. وحيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الأدلة قبل المتهم بالنسبة للتهمة الأولى وهي تهمة السرقة محوطة بكثير من الشك مما يجعلها قاصرة عن حد الكفاية لإدانته؛ ومن ثم يتعين الحكم ببراءته منها عملاً بالمادة 304 إجراءات جنائية"، كما قالت عن التهمة الثانية "وحيث إن التهمة الثانية ثابتة قبل المتهم من أقوال الصاغ حسين حشيش والمريضة فاطمة حسين خليل واعتراف المتهم نفسه بأنه قام بعمل غيار على الجرح المتخلف عن عملية الفتح بثدي المريضة سالفة الذكر وهو ما يعد ممارسة لمهنة الطب إذ أنه عمل من أعمال العلاج المحظور على غير الأطباء القيام به طبقاً للمادة 1 من القانون رقم 142 لسنة 1948 مع اعتراف المتهم بعدم حصوله على مؤهل علمي وعدم قيد اسمه بالتالي بسجل الأطباء؛ ومن ثم يتعين عقاب المتهم طبقاً للمواد 1 و3 و10 من القانون رقم 142 لسنة 1948". وقد صدر هذا الحكم نهائياً وحائزاً لقوة الشيء المقضى به.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن تبرئة المدعي من التهمة الأولى وهي سرقة الآلات والعقاقير الطبية المملوكة لوزارة الصحة لم تستند إلى عدم صحة الواقعة أو عدم الجناية وإنما بنيت على الشك وعدم كفاية الأدلة، وهذا لا يرفع الشبهة عنه نهائياً ولا يحول دون محاكمته تأديبياً وإدانة سلوكه الإداري من أجل هذه التهمة عينها على الرغم من حكم البراءة، هذا فضلاً عن إدانته جنائياً بحكم نهائي في التهمة الثانية وهي مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، وكلا الأمرين كاف في ذاته لأن يستوجب المؤاخذة التأديبية لانطوائه على إخلال بواجبات وظيفته التي تتطلب في مثله الأمانة في أخص ما يتصل بالذمة والضمير الإنساني وصحة الجمهور حتى لا تتعرض حياة المرضى أو أرواحهم للخطر نتيجة الجهل بأصول مهنة الطب وأساليب العلاج، ولتنافره مع مقتضيات هذه الوظيفة التي ما كان يسوغ استغلالها لبعث ثقة زائفة غير مشروعة في نفوس المرضى ذوي الحاجة، في حين أنه كان أولى به قبل غيره، بحكم وظيفته واتصاله بمهنة الطب، أن يلتزم حدوده القانونية التي لا تخفى عليه لقصر نشاطه في مساهمته الخيرية إن شاء على الخدمات المسموح بها لأمثاله، فإذا انتهت الإدارة من هذا كله إلى تكوين اقتناعها بإدانة سلوكه وبنت على ذلك قرارها بإقصائه عن وظيفته لعدم اطمئنانها إلى صلاحيته للاستمرار في القيام بأعبائها متوخية بذلك رعاية مصلحة العمل بالمستشفى ومصلحة جمهور المرضى معاً، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء، أما ما يزعمه المدعي من إساءة استعمال السلطة فينفيه الواقع الثابت من المحاكمة الجنائية ومن النتيجة التي انتهت إليها، ولا سيما أن ما أثار ضبطه لم يكن دافعاً من قبل مدير المستشفى بل بلاغاً من الغير، ولم يكن لهذا الأخير، كما هو ظاهر من الأوراق، من دور سوى القيام بإجراء تحريات على أثر هذا البلاغ وتقرير الواقع حسبما استبان له منها.
ومن حيث إنه لما كان المدعي مستخدماً خارج الهيئة فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر من السلطة المختصة التي تملك توقيع العقوبات التأديبية عليه ومنها عقوبة الفصل طبقاً للمادة 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وقد تظلم من العقوبة المذكورة إلى لجنة شئون الموظفين بالمصلحة التابع لها فأصدرت اللجنة قرارها في 10 من أكتوبر سنة 1953 برفض تظلمه وبتعديل أسباب الفصل. وقد جاء هذا القرار سليماً مطابقاً للقانون؛ ذلك أنه لا إلزام على اللجنة عند نظر مثل هذا التظلم بأن تقوم باستدعاء صاحب الشأن أو بإجراء تحقيق أو سماع أقوال أو دفاع، ما دامت ترى أن العناصر القائمة تحت نظرها والثابتة بالأوراق كافية لاتخاذ قرارها في شأنه. ومتى انتفى الإلزام باتخاذ إجراء معين على سبيل الوجوب فإن إغفاله لا يترتب عليه جزاء البطلان، وإذا كان قرار الفصل قد سبب بسوء السلوك بصفة عامة، فإن قرار لجنة شئون الموظفين إذ عدل هذا السبب إلى الفصل تأديبياً لإدانة المدعي في تهمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص والحكم عليه فيها بالغرامة والمصادرة إنما فسر وفصل ما أجمله القرار الأول في عبارة سوء السلوك وما عناه بها. وعلى أية حال فما دامت الواقعة التي هي ركن السبب في القرار صحيحة في ذاتها ولها أصل ثابت في الأوراق وكافية لتبريره بغض النظر عن وصفها، وما دام تكييفها القانوني سليماً والإدانة المستخلصة منها سائغة، فإن القرار المطعون فيه يكون مطابقاً للقانون، وتكون الدعوى بطلب إلغائه وما ترتب عليه من آثار فاقدة الأساس، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفضها، وبإلزام رافعها بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وترفضها موضوعاً، ألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش