موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

دعوى المنازعة في استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن معاش استثنائي - عدم اعتبارها منازعة بالمعنى المراد في المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات فلا تسقط بمضي مدة الستة الأشهر أو السنة المنصوص عليها في تلك المادة - أساس ذلك.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1963 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1269

(120)
جلسة 2 من يونيه سنة 1963

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 2166 لسنة 6 القضائية

دعوى - معاشات استثنائية - دعوى المنازعة في استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن معاش استثنائي - عدم اعتبارها منازعة بالمعنى المراد في المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات فلا تسقط بمضي مدة الستة الأشهر أو السنة المنصوص عليها في تلك المادة - أساس ذلك.
تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسليم السركي المبين به مقدار المعاش إلى صاحب الشأن".
كما تنص فقرتها الثالثة على أن "كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان".
وبما أن القول بسقوط حق المدعي في منازعته بحجة أنه سبق له تسلم سركي معاشه من مدة تزيد على سنة قبل رفع الدعوى وذلك طبقاً للفقرة الثالثة (معدلة) من المادة السادسة من المرسوم بقانون آنف الذكر مدفوع بأن حكم هذه المادة إنما ينصرف إلى المنازعة في أصل المعاش من جهة استحقاقه أو عدم استحقاقه أو إلى المجادلة في مقدار هذا المعاش من حيث طلب تعديله، أما موضوع الدعوى الحالية فينحصر في المنازعة في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن هذا المقدار الذي لا يجادل فيه المدعي ولا يتصور أن يجادل فيه وهو يعلم أنه قد منحه إياه مجلس قيادة الثورة على سبيل الاستثناء وعلى خلاف ما تقضي به قوانين المعاشات. فالحكومة ترى أن إعانة الغلاء غير مستحقة على معاشه اعتباراً بصفته الاستثنائية، ويزعم المدعي استحقاقها تعويلاً على عموم نص قرار مجلس الوزراء بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950. فمنازعته موجهة إلى ما تنكره عليه الحكومة من استحقاق إعانة غلاء عن هذا المعاش الاستثنائي فهي منازعة من المدعي غير حاصلة في أصل المعاش ولا هي مراد بها تعديل مقداره الذي تم ربطه بواسطة مجلس قيادة الثورة وإنما هي متعلقة بدعوى استحقاقه لإعانة غلاء عن هذا المعاش وهي الإعانة التي تمنح في بعض الحالات لأصحاب المعاشات على أنه ولئن كانت إعانة الغلاء تضاف إلى الراتب أو المعاش إلا أن لها كياناً ذاتياً يمنع من اعتبارها جزءاً من المعاش بدليل عدم جواز منحها لطائفة من أصحاب المعاشات. وبدليل أن حساب مقدار المعاش يجرى على أساس راتب الموظف مجرداً من إعانة الغلاء.
فالمطالبة باستحقاق إعانة الغلاء عن المعاش لا تعتبر منازعة بالمعنى المراد للمادة السادسة من قانون المعاشات سالفة الذكر "أخذاً بالتفسير الضيق لحدود المنازعة أو مفهوم الحق الذي يخضع أيهما لميعاد السقوط، وإذن فالقول بدوران هذه المنازعة حول مقدار المعاش فيه تحريف للحكمة المبتغاة من النص، وتأويل للفظة "المقدار" بما يمسخ مدلولها القانوني الذي كان ماثلاً في ذهن الشارع عند وضع النص المذكور.
وإذا كان مقتضى نظرية الحكومة التي جرى باعتناقها قضاء هذه المحكمة أن إعانة الغلاء لا تمنح أصلاً لصاحب المعاش الاستثنائي فلا يتسق مع منطق هذه النظرية أن تكون المنازعة بشأن عدم استحقاق هذه الإعانة من قبيل المنازعات الحاصلة في مقدار المعاش بحيث يجرى عليها ميعاد السقوط الخاص بالسنة التالية لتاريخ تسلم سركي المعاش المبين به مقداره المقرر للمدعي وهو برمته استثنائي" إذ لا يتصور اعتبار الإعانة في هذه الحالة جزءاً من هذا المقدار مع كونها لا يصح قانوناً إضافتها إلى المعاش، ويترتب على هذا قبول المنازعة في إنكار الإدارة استحقاق المدعي لهذه الإعانة، ما دام الحق الذي يدعيه لم ينقض بالتقادم ويتعين من ثم رفض الدفع بعدم قبول الدعوى.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1960 أودع السيد المحامي بإدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2166 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 30 من مايو سنة 1960 في الدعوى رقم 343 لسنة 4 ق المقامة من السيد/ صديق عبد العاطي هلل ضد السيدين/ وزيري الداخلية والخزانة والقاضي: "باستحقاق المدعي لإعانة غلاء المعيشة على معاشه المقرر له من تاريخ إحالته إلى المعاش بتاريخ أول أكتوبر سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات وطلب السيد المحامي بإدارة قضايا الحكومة بصفته نائباً عن وزيري الداخلية والخزانة" قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأبلغ الخصوم بجلسة 3 من نوفمبر سنة 1962 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 7 من إبريل سنة 1963. وفي هذه الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه السيد/ صديق عبد العاطي هلل أقام الدعوى رقم 343 لسنة 14 القضائية ضد وزارتي الداخلية والخزانة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة المذكورة في 30 من نوفمبر سنة 1959 وطلب فيها الحكم له باستحقاقه لإعانة غلاء المعيشة على أساس معاشه الفعلي الذي يتقاضاه منذ تاريخ إحالته إلى المعاش مع صرف الفروق المستحقة له وإلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أنه كان مفتشاً لضبط مديرية قنا وأحيل إلى المعاش اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 وهو في الدرجة الثالثة. بناء على قرار أصدره مجلس قيادة الثورة في 30 من سبتمبر سنة 1954 وقد منح بناء على هذا القرار معاشاً فعلياً قدره 39 جنيه، ومنذ إحالته إلى المعاش لم تصرف إعانة الغلاء إطلاقاً ولذلك فقد تقدم بطلب إلى وزارة الداخلية في 10 من يناير سنة 1958 طلب فيه صرف إعانة غلاء المعيشة المستحقة له من تاريخ إحالته إلى المعاش على أساس معاشه الفعلي الذي يقبضه شهرياً ولكن الوزارة لم تجبه إلى طلبه مع أن زميلين له في مثل وضعه وهما الصاغ علي صلاح الدين محمود والقائمقام كمال عبد اللطيف جميعي المحال أولهما إلى المعاش بقرار مجلس قيادة الثورة في أول مايو سنة 1956 على أساس منحه معاشاً فعلياً قدره 33.750 مليمجـ وثانيهما بقرار من مجلس قيادة الثورة في أول أكتوبر سنة 1954 على أساس منحه معاشاً فعلياً قدره 45 جنيهاً، حكم لهما من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الرابعة) باستحقاقهما لإعانة غلاء المعيشة على أساس النسبة المقررة للمعاش الذي يتقاضاه كل منهما فعلاً مع صرف الفروق المستحقة له مع إلزام الحكومة بالمصروفات وقال المدعي أن الأسباب التي استندت إليها محكمة القضاء الإداري في هذين الحكمين أسباب قانونية وعادلة وتنطبق على حالته كل الانطباق ويبين أن هذه الأسباب حاصلها أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 جاء مطلق العبارة في تحديد نسبة إعانة غلاء المعيشة لأرباب المعاشات بحيث يؤدي مدلولها إلى استفادة جميع أرباب المعاشات من حكمه بقطع النظر عما إذا كان المعاش مستمداً من قانون المعاشات بقرار صادر من مجلس الوزراء أو من مجلس قيادة الثورة. وهذا النظر يؤكده ما جاء بالكتاب الدوري رقم ف 234 - 13 - 31 الصادر من وزارة المالية في 25 من مارس سنة 1950 في شأن إعانة غلاء المعيشة المنصرفة على المعاشات إذ تقضي الفقرة التاسعة منه بصرف إعانة غلاء المعيشة المقررة فيه على قيم المعاشات الفعلية سواء أكانت هذه المعاشات مقررة بصفة قانونية أم استثنائية. كما يعزز ذلك ما ورد في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1950 في شأن تثبيت إعانة الغلاء على الماهيات والأجور والمعاشات للموظفين والمستخدمين والعمال وأرباب المعاشات في آخر نوفمبر سنة 1950 إذ تعرضت هذه المذكرة إلى قرار مجلس الوزراء في 11 من يوليه سنة 1944 وما قضى به من تثبيت إعانة الغلاء على أساس الماهيات والمعاشات الاستثنائية بالنسبة للمعاشات ثم استطردت فذكرت أن مجلس الوزراء عاد ووافق بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950 على رفع القيد الخاص بتثبيت إعانة الغلاء وبذلك تمنح الإعانة لجميع الموظفين والمستخدمين على أساس المرتبات والمعاشات الفعلية التي يتقاضاها كل منهم وانتهى المدعي إلى أنه محق في طلبه الحكم له بإعانة غلاء المعيشة المستحق له على أساس معاشه الفعلي الذي يصرف إليه. ومن ثم تكون دعواه على أساس سليم من القانون. وقد ردت الإدارة بأن المدعي أحيل إلى المعاش في أول أكتوبر سنة 1954 بقرار مجلس قيادة الثورة في 30 من سبتمبر سنة 1954 وكانت مدة خدمته المحسوبة في المعاش 5 شهور و12 سنة وهذه المدة لا تخوله الحق في الحصول على معاش قانوني وقد منح معاشاً استثنائياً وطبقاً لما انتهت إليه الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة بفتواها المؤرخة 30 من نوفمبر سنة 1956 وما رأته وزارة الخزانة بكتابها المؤرخ 21 من ديسمبر سنة 1954 لا يجوز منح إعانة غلاء معيشة على المعاشات الاستثنائية إن كان المعاش بأكمله قد منح استثناء تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 2 من ديسمبر سنة 1950 الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة إذ أن المشرع قد أفصح عن نيته في سريان مبدأ إعانة غلاء المعيشة رجوعاً إلى أحكام القرار الصادر في 11 من يوليه سنة 1944. وبجلسة 30 من مايو سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري "باستحقاق المدعي لإعانة غلاء معيشة على معاشه المقرر له من تاريخ إحالته إلى المعاش بتاريخ أول أكتوبر سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات" وأقامت قضاءها على أن ما يصدره مجلس قيادة الثورة من قرارات يعتبر عملاً من أعمال السيادة وما يصدر عنه يكون له طبيعة السيادة التي تعلوا على القانون بمعناه الأعم وعلى أن "منح المدعي وأمثاله معاشاً على آخر مرتب وصل إليه إنما يستمد أساسه من مصدر السيادة العليا في البلاد في ظل الدستور المؤقت. وعلى أن منح المعاشات لا يقتصر على القانون رقم 37 لسنة 1929 وإنما يجوز منح معاش لطوائف خاصة بقواعد مغايرة بحسب ما يتراءى للمشرع من مبررات لذلك ولا يكون المعاش المقرر وفق هذه القواعد التشريعية معاشاً استثنائياً" وعلى أن المعاش الذي قدره مجلس قيادة الثورة في فترة الانتقال للمدعي ليس معاشاً استثنائياً وإنما هو معاش قانوني ولا يؤثر على صفته عدم استحقاق الموظف المفصول معاشاً على حسب الأحكام العادية لقوانين المعاشات لأن هذا المعاش إنما تقرر من سلطة تملك وضع قواعد تشريعية خاصة تنظم بها المعاشات التي تستحق لطوائف معينة بالمخالفة لأحكام قانون المعاشات. وعلى أنه متى كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 قد رفع القيد الخاص بتثبيت إعانة الغلاء وبذلك تمنح الإعانة لجميع الموظفين على أساس الماهيات الفعلية التي يتناولها كل منهم وقد صدر تنفيذاً لذلك كتاب المالية الدوري المؤرخ في 25 من مارس سنة 1950 ناصاً في بنده التاسع على أن تصرف إعانة غلاء المعيشة على قيم المعاشات الفعلية سواء كانت هذه المعاشات مقررة بصفة قانونية أم بصفة فعلية ولا يؤثر ذلك على قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 ديسمبر سنة 1950 إذ أن هذا القرار لم يلغ قرارات مجلس الوزراء السابقة المقررة للإعانة ومن بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 وكل ما هنالك أن قرار 3 من ديسمبر سنة 1950 أعاد تنظيم إعانة غلاء المعيشة ولا شك أن تثبيت إعانة غلاء المعيشة لا يؤدي إلى حرمان الموظف الذي يعين في الحكومة بعد 3 ديسمبر سنة 1950 منها وكذلك لا يحرم منها الموظف الذي ينشأ حقه بعد هذا التاريخ".
وعلى أنه ما دام أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 جاء مطلق العبارة بشأن تحديد نسبة إعانة الغلاء لأرباب المعاشات بحيث يؤدي مدلوله إلى استفادة جميع أرباب المعاشات من حكمه بصرف النظر عما إذا كان المعاش مستمداً من قانون المعاشات ذاته أم بناء على قرار من سلطة لها حق التشريع فإنه بالتالي يكون معاش المدعي وهو مقرر بقرار مجلس قيادة الثورة هو معاش قانوني ويستحق عنه إعانة غلاء المعيشة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن "المعاش يعتبر استثنائياً ما دام قد صدر بالمغايرة لأحكام قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 و59 لسنة 1930 ولا يغير من ذلك أن يكون المعاش قد تقرر بقرار من مجلس قيادة الثورة إذ أن هذا القرار لم يتعرض لإعانة غلاء المعيشة فتظل هذه الإعانة محكومة بالقواعد المقررة في شأنها وهذه القواعد لا تسمح بصرف إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي تقرر بالمغايرة لأحكام قوانين المعاشات العامة، وقد تأكد هذا المبدأ بالنسبة للضباط بقرار اللجنة المالية الصادر في 20 من نوفمبر سنة 1952 وأن المعاش الذي تقرر للمدعي تقرر له بالذات بقرار فردي خاص" وفي هذا ما يؤكد أن هذا المعاش معاش استثنائي. وعلى أن المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 تنص على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسليم السركي إليه فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن.. وبناء على ذلك فكل دعوى يراد بها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان وتحت أية حجة كانت ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو مصالحها. وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في 4 من إبريل سنة 1959 في الطعن رقم 577 لسنة 4 القضائية إذ ارتأت أن نص المادة السادسة من قانون المعاشات الذي سبقت الإشارة إليه هو من الإطلاق والشمول بحيث تدخل فيه المنازعة في المعاش أصلاً ومقداراً وعلى ذلك إذا كانت إعانة غلاء المعيشة المطالب بصرفها على المعاش هي جزء من مقداره وكان المدعي قد تسلم السركي المبين به مقدار المعاش المستحق له منذ فترة طويلة سابقة على رفع دعواه دون أن ينازع في مبلغ المعاش، كان من المتعين طبقاً لنص المادة السادسة آنفة الذكر أن يقضي بعدم قبول دعواه".
ومن حيث إنه لا خلاف بين الخصوم في أن المطعون عليه قد منح معاشاً لا يستند إلى أحكام قوانين المعاشات المعمول بها في مصر فهو معاش استثنائي على هذا المعنى، ذلك أن قوانين المعاشات لم تكن تخوله الحق في أي معاش عند انتهاء خدمته لولا أن منحه قرار مجلس قيادة الثورة معاشاً استثنائياً شهرياً قدره 39 جنيهاً اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954.
( أ ) عن قبول الدعوى:
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية تنص على أنه "لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ السركي المبين به مقدار المعاش إلى صاحب الشأن".
كما تنص فقرتها الثالثة على أن "كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان".
ومن حيث إن القول بسقوط حق المدعي في منازعته بحجة أنه سبق له تسلم سركي معاشه من مدة تزيد على سنة قبل رفع الدعوى وذلك طبقاً للفقرة الثالثة (معدلة) من المادة السادسة من المرسوم بقانون آنف الذكر مدفوع بأن حكم هذه المادة إنما ينصرف إلى المنازعة في أصل المعاش من جهة استحقاقه أو عدم استحقاقه أو إلى المجادلة في مقدار هذا المعاش من حيث طلب تعديله، أما موضوع الدعوى الحالية فينحصر في المنازعة في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن هذا المقدار الذي لا يجادل فيه المدعي ولا يتصور أن يجادل فيه وهو يعلم أنه قد منحه إياه مجلس قيادة الثورة على سبيل الاستثناء وعلى خلاف ما تقضي به قوانين المعاشات. فالحكومة ترى أن إعانة الغلاء غير مستحقة على معاشه اعتباراً بصفته الاستثنائية، ويزعم المدعي استحقاقها تعويلاً على عموم نص قرار مجلس الوزراء بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950. فمنازعته موجهة إلى ما تنكره عليه الحكومة من استحقاق إعانة غلاء عن هذا المعاش الاستثنائي فهي منازعة من المدعي غير حاصلة في أصل المعاش ولا هي مراد بها تعديل مقداره الذي تم ربطه بواسطة مجلس قيادة الثورة وإنما هي متعلقة بدعوى استحقاقه لإعانة غلاء عن هذا المعاش وهي الإعانة التي تمنح في بعض الحالات لأصحاب المعاشات. على أنه ولئن كانت إعانة الغلاء تضاف إلى الراتب أو المعاش إلا أن لها كياناً ذاتياً يمنع من اعتبارها جزءاً من المعاش بدليل عدم جواز منحها لطائفة من أصحاب المعاشات، وبدليل أن حساب مقدار المعاش يجرى على أساس راتب الموظف مجرداً من إعانة الغلاء.
ومن حيث إن مطالبة المدعي باستحقاقه إعانة الغلاء عن معاشه لا يعتبر منازعة بالمعنى المراد للمادة السادسة من قانون المعاشات سالفة الذكر "أخذاً بالتفسير الضيق لحدود المنازعة أو مفهوم الحق الذي يخضع أيهما لميعاد السقوط، وإذن فالقول بدور أن هذه المنازعة حول مقدار المعاش فيه تحريف للحكمة المبتغاة من النص، وتأويل للفظة "المقدار" بما يمسخ مدلولها القانوني الذي كان ماثلاً في ذهن الشارع عند وضع النص المذكور.
ومن حيث إنه إذا كان مقتضى نظرية الحكومة التي جرى باعتناقها قضاء هذه المحكمة أن إعانة الغلاء لا تمنح أصلاً لصاحب المعاش الاستثنائي فلا يتسق مع منطق هذه النظرية أن تكون المنازعة بشأن عدم استحقاق هذه الإعانة من قبيل المنازعات الحاصلة في مقدار المعاش بحيث يجرى عليها ميعاد السقوط الخاص بالسنة التالية لتاريخ تسلم سركي المعاش المبين به مقداره المقرر للمدعي وهو برمته استثنائي" إذ لا يتصور اعتبار الإعانة في هذه الحالة جزءاً من هذا المقدار مع كونها لا يصح قانوناً إضافتها إلى المعاش، ويترتب على هذا قبول المنازعة في إنكار الإدارة استحقاق المدعي لهذه الإعانة، ما دام الحق الذي يدعيه لم ينقض بالتقادم ويتعين من ثم رفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن المدعي وهو من مواليد 18 من يناير سنة 1902، قد تخرج في كلية الحقوق في أكتوبر سنة 1928 ثم تدرج في سلك معاوني الإدارة ومأموري المراكز إلى أن رقي مفتشاً للضبط وحصل على الدرجة الرابعة في أول يناير سنة 1948 ثم رقى إلى الدرجة الثالثة في 28 من فبراير سنة 1951. وفي أول مايو سنة 1953 بلغ راتبه الشهري 52 جنيهاً. وقد ثبت في وظيفة في أول مايو سنة 1942 ولم يدفع احتياطي المعاش عن المدة السابقة كما لم يطالب بحسبانها ضمن المدة المحسوبة له في المعاش. وفي 30 من سبتمبر سنة 1954 أحيل إلى المعاش اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 مع لفيف من الضباط بقرار صادر من مجلس قيادة الثورة وبلغ مجموع مدد خدمته زهاء اثني عشر عاماً واقترنت هذه الإحالة بتسوية مقتضاها منحه أقصى المعاش على أساس المرتب الذي كان يتقاضاه وعلى ذلك منح معاشاً استثنائياً بلغ 39 جنيهاً مصرياً دون أن يتضمن هذا المنح إعانة غلاء المعيشة.
ومن حيث إن المطعون عليه وتلك مدة خدمته المحسوبة في المعاش - لم يكن يستحق هذا المعاش الاستثنائي الذي تقرر له، إذا التزمت أحكام قوانين المعاشات ولوائحها. فالمادة الثالثة عشرة من المرسوم بقانون رقم 37 الخاص بالمعاشات الملكية الصادر في 28 من مايو سنة 1929 وهو القانون الذي يحكم وضع المدعي تنص على أنه "يستحق الموظف أو المستخدم معاش التقاعد بعد مضي خمس وعشرين سنة كاملة في الخدمة أو عند بلوغه الخمسين من عمره مع قضائه خمس عشرة سنة في الخدمة كما تنص الفقرة الرابعة من المادة العشرين من هذا القانون على أن "من يرفت من خدمة الحكومة من الموظفين أو المستخدمين الدائمين بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بأمر ملكي أو بقرار خاص من مجلس الوزراء يكون له حق في المعاش أو المكافأة ويكون حساب المعاش أو المكافأة بمقتضى القواعد الآتية:... فقرة (4) إذا كانت مدة خدمته خمس عشرة سنة أو أكثر من خمس عشرة سنة يعطى معاشاً يعادل جزءاً من خمسين جزءاً من ماهيته الأخيرة أو من متوسط الأجر المستحق في هذه الحالة عن كل سنة من سنين خدمته مع عدم تجاوز النهايات العظمى المقررة في المادة 17 من هذا القانون. ولا شبهة في أن المعاملة التي قرر مجلس قيادة الثورة في 20 من سبتمبر سنة 1954 تسوية حالة المطعون عليه على مقتضاها عند فصله من الخدمة هي معاملة استثنائية بحتة كان مقتضاها ترتيب معاش استثنائي له ما كان له أصل حق فيه لو أنه فصل من الخدمة دون إجراء هذه التسوية الاستثنائية التي أقرها مجلس قيادة الثورة في حقه لا على أساس أنه صاحب حق فيها بل رفقاً بحالته وتخفيفاً من وطأة فصله من الخدمة قبل أن يقضي فيها المدة القانونية التي كانت تسمح له باستحقاق معاش قانوني. وغنى عن البيان أن المناط في تعرف ما إذا كان المعاش استثنائياً من عدمه لا يكون يتحرى الباعث على منحه، وإنما يكون بالبحث فيما إذا كان ذلك المنح قد روعيت فيه سلامة تطبيق القواعد الخاصة بتقدير مبلغ المعاش أم أنه وضع استثناء من تلك القواعد والأحكام، ولا جدال في أن المدعي ما كان يستحق أي معاش بحكم مدة خدمته المحسوبة في المعاش.
ومن حيث إن قرار مجلس قيادة الثورة الذي أحيل بموجبه المدعي إلى المعاش لم يتعرض لموضوع إعانة غلاء المعيشة، وحيال ذلك تظل هذه الإعانة خاضعة للقواعد المقررة في شأنها. وهذه الأحكام صريحة في أنها لا تبيح منح إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي تقرر بالمغايرة لأحكام قوانين المعاشات. فكتاب وزارة المالية الدوري رقم (ف 234 - 13/ 27) الصادر في 16 من أغسطس سنة 1944 بشأن تثبيت إعانة غلاء المعيشة بصفة عامة وتخفيضها في بعض الأحوال والمتضمن أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 يقرر في فقرته الرابعة أن "المعاشات التي تزاد بصفة استثنائية تحسب إعانة الغلاء لأربابها على واقع المعاش القانوني. ومن ثم فمن لم يكن له معاش قانوني أصلاً ورتب له معاش استثنائي لا تصرف له إعانة غلاء إطلاقاً ويدخل في ذلك المعاشات التي كانت تقل عن خمسمائة مليم شهرياً وزيدت إلى هذا القدر". وفي 19 من فبراير سنة 1950 صدر قرار مجلس الوزراء برفع القيد الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة وهذا القرار لم يمس في شيء تلك القاعدة التي انطوى عليها قرار 11 من يوليه سنة 1944 بل ظلت قائمة نافذة المفعول ثم صدر في 3 من ديسمبر سنة 1950 قرار من مجلس الوزراء مقرراً تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس مقدار الإعانة التي استحقت للموظف أو المستخدم أو العامل في يوم 30 من نوفمبر سنة 1950، وقد أفصح المشرع في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1950 عن نيته في استمرار العمل بمبدأ تثبيت إعانة الغلاء رجوعاً إلى أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 وهو القرار الذي ينهي عن صرف إعانة غلاء إطلاقاً لمن لم يكن له أصل حق في معاش تقرره القوانين وإنما رتب له معاش استثنائي.
ومن حيث إن الإدارة العامة لمعاشات الحكومة قد استفسرت في أكتوبر سنة 1952 من اللجنة المالية عن الأمر فيما يتعلق بتسويات الضباط الذين اقتضى إعادة تنظيم الجيش إبعادهم عن القوات المسلحة فقررت اللجنة المالية بجلستها المنعقدة في 20 من نوفمبر سنة 1952 رداً على هذا الاستفسار بأن "يمنح إعانة الغلاء على أساس المعاش القانوني فقط ولا تمنح إعانة عن الزيادة التي نالها الضباط في المعاش نتيجة التسوية". وهذا الذي أشارت به اللجنة المالية صريح في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي ترتب بالمخالفة لأحكام قوانين المعاشات العامة الضباط المفصولين أو المحالين إلى المعاش.
ومن حيث إنه على مقتضى هذه القواعد لا يستحق المدعي أية إعانة غلاء عن المعاش الاستثنائي الذي منحه إياه مجلس قيادة الثورة بالمخالفة لأحكام قوانين المعاشات العامة.
ومن حيث إنه لما سلف بيانه يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,168,078

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »