موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

 

التمييز بين أساس كل من المسئولية المدنية والمؤاخذة التأديبية - مناط المسئولية المترتبة عن فعل الغير هو قيام السلطة الفعلية المنصبة على الرقابة والتوجيه في عمل معين يقوم به لحساب المتبوع - تمتع الجهة الخاصة المستعيرة بسلطة الرقابة والتوجيه على الموظف المعار لها.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) - صـ 190

(29)
جلسة 26 من نوفمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح وأبو الوفا زهدي ومحمد عبد العزيز البرادعي - المستشارين.

القضية رقم 395 لسنة 5 القضائية

( أ ) موظف - إعارة - جواز إعارة الموظف لجهة خاصة - الإعارة لجهة خاصة لا تقطع صلة الموظف بالجهة المعيرة - أثر ذلك - عدم اختصاص الجهة الخاصة بالمحاكمة التأديبية للموظف - لزوم إبلاغ المخالفة للجهة المعيرة لتتخذ الإجراء القانوني قبل الموظف المعار - أساس ذلك.
(ب) موظف - إعارة - ندب - التفرقة بين الندب والإعارة - الندب لا يكون إلا لجهة حكومية أما الإعارة فجائزة كذلك لجهة خاصة - أثر هذه التفرقة على تحديد الجهة المختصة بالمساءلة التأديبية للموظف - اختصاص الجهة المستعيرة والمنتدب إليها بتأديب الموظف في حالتي الندب والإعارة لجهة حكومية - اختصاص الجهة المعيرة بتأديب الموظف في حالة الإعارة لجهة خاصة - أساس ذلك.
(جـ) موظف - إعارة - التمييز بين أساس كل من المسئولية المدنية والمؤاخذة التأديبية - مناط المسئولية المترتبة عن فعل الغير هو قيام السلطة الفعلية المنصبة على الرقابة والتوجيه في عمل معين يقوم به لحساب المتبوع - تمتع الجهة الخاصة المستعيرة بسلطة الرقابة والتوجيه على الموظف المعار لها - نهوض المسئولية المدنية قبلها بوصفها المتبوعة - لا يغير من ذلك كون الموظف المعار خاضعاً للسلطة التأديبية للجهة المعيرة - أساس ذلك.
1 - إن البند ( أ ) من المادة 51 المعدلة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد نص على أنه "يجوز إعارة الموظفين إلى الحكومات والهيئات الوطنية والأجنبية والدولية كما تجوز إعارتهم إلى المصالح الخاصة.
ولا يجوز إعارتهم إلى الهيئات المحلية والمؤسسات الأهلية داخلياً إلا إذا توافرت فيهم مؤهلات وميزات خاصة يتعذر وجودها في غيرهم، وفي حالة الضرورة القصوى وذلك مع عدم الإخلال بحكم المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 المعدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955.
وتدخل مدة الإعارة في حساب المعاش أو المكافأة أو حساب صندوق الادخار والتأمين واستحقاق العلاوة والترقية.
ويشترط لإتمام الإعارة موافقة الموظف عليها كتابة".
والمستفاد من هذا النص أولاً: أن الموظف المعار لا تنقطع صلته بالجهة المعيرة وإنما هو يعمل فقط في الجهة المستعيرة، وثانياً: أن الإعارة يجوز أن تكون لمصلحة خاصة.
ومع بقاء علاقة الموظف بالجهة الحكومية المعيرة، فإن هذه الإعارة إن كانت لجهة خاصة فلا تملك هذه الجهة محاكمة الموظف الحكومي تأديبياً لأن القوانين واللوائح جعلت المحاكمة التأديبية للموظف الحكومي طبقاً لنظم التأديب الحكومية بما لا يسمح لغير الحكومة باتخاذ هذا الإجراء ضد الموظف الحكومي فلا يجوز والحالة هذه تسليط جهة أهلية خاصة على موظف حكومي عام، وهذا ليس معناه إفلات الموظف المعار لجهة أهلية من العقاب بل على الجهة الأهلية المستعيرة أن تبلغ الأمر للجهة المعيرة لتتخذ الإجراء القانوني في مثل هذه الحالة، والقول بغير ذلك فضلاً عن أنه يجافي طبيعة العلاقة بين الموظف الحكومي المعار وبين الجهة الأهلية المستعيرة - فضلاً عن ذلك فإنه يجعل الموظف الحكومي خاضعاً في تأديبه لجهات أهلية متعددة لكل نظامها التأديبي الخاص أو لقانون عقد العمل الفردي بما فيه من إجراءات تجافي العلاقة التي بين الحكومة والموظف العام وتجعله في حكم موظف خاص على علاقة خاصة بجهة أهلية خاصة وهو مسخ لطبيعة العلاقة وتحوير لها بما لا يتفق وتبعيته للجهة المغيرة وبما يفقده الضمانات التي نصت عليها نظم التأديب الموحدة أو المتشابهة في الحكومة وفروعها وما هو ملحق بها أو تابع لها من جهات عامة.
وترتيباً على ما تقدم فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الموظف المعار تنفصم علاقته الوظيفية بالجهة المعيرة فليس لها سلطة تأديبية عليه، هذا القول غير سديد لما فيه من مخالفة لأحكام المادة 52 من القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ تقول "عند إعارة أحد الموظفين تبقى وظيفته خالية ويجوز شغل الوظيفة بصفة مؤقتة في أدنى درجات التعيين على أن تخلى عند عودة الموظف كما يجوز في أحوال الضرورة القصوى شغل الوظيفة بدرجتها بقرار من الوزير المختص بعد موافقة وزير المالية والاقتصاد وعند عودة الموظف المعار يشغل الوظيفة الخالية من درجته أو يشغل درجته الأصلية بصفة شخصية على أن تسوى حالته في أول وظيفة تخلو من درجته" [(
1)]. فهذه المادة تبقى على رابطته في فترة الإعارة تزكيها الآثار التي عددها عجز الفقرة ( أ ) من المادة 51 السالف ذكرها وهي ليست واردة على سبيل الحصر كما ذهب الحكم المطعون فيه بدليل الآثار التي ذكرتها المادة التالية لها.
ويمكن القول - استناداً إلى المادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تنص على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً وذلك مع عدم الإخلال بتوقيع العقوبات الجنائية" - إن هذه المادة تقرر قاعدة عامة مفادها أن مناط السلطة التأديبية هو قيام الرابطة الوظيفية وجوداً وعدماً إذ حيث تقوم هذه الرابطة تقوم السلطة وحيث تنعدم الأولى تزول الثانية.
ولا ينال من هذه القاعدة ما استحدثه المشرع أخيراً عندما عدل قانون التوظف بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وأدخل عليه المادة 102 مكرراً ثانياً التي تنص على أنه "تجوز إقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية على الموظف الذي يكون قد ترك الخدمة لأي سبب كان، وفي هذه الحالة يجوز الحكم عليه بإحدى العقوبات الآتية:
أولاً - الحرمان من المعاش مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
ثانياً - الحرمان من المعاش كله أو بعضه من تاريخ الحكم.
ثالثاً - غرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تجاوز المرتب الإجمالي الذي كان يتقاضاه وقت وقوع المخالفة، وتستوفى هذه الغرامة بالخصم من معاشه أو مكافأته أو المال المدخر إن وجد ذلك أو بطريق الحجز الإداري على جميع أموال المحكوم عليه".
ولا ينال منها أيضاً التعديل الذي أدخله على المادة 85 من قانون التوظف بالقانون رقم 398 لسنة 1955 بجعل سلطة التأديب على الموظف المنتدب للجهة المنتدب إليها لأن في ذلك كله ما يوحي بأن المشرع يستشعر بوجودها دائماً فإذا أراد الخروج عليها جاء بحكم صريح؛ وآية ذلك أنه غاير في العقوبات التي يمكن توقيعها على الموظف الذي انفصمت رابطته بما يتفق مع ما آلت إليه هذه الرابطة بعد الانفصام.
2 - في حالة الندب تختص الجهة التي ندب الموظف إليها بمساءلته تأديبياً وذلك طبقاً لصريح نص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 398 لسنة 1955 إذ الندب لا يكون إلا من جهة حكومية لأخرى حكومية فاختصاص الجهة المنتدب إليها باعتبارها هي المشرفة على عمل الموظف فعلاً أمر منطقي يتفق وطبائع الأشياء. كما يتفق مع العلاقة التي بين الموظف والحكومة فهي باقية مع الحكومة بقطع النظر عن كونه يعمل في هذه المصلحة أو تلك ولا فقدان للضمانات التي كفلها نظام المحاكمات التأديبية الأمر الذي يحدث في حالة الإعارة من الحكومة لجهة خاصة ومساءلة الموظف تأديبياً بواسطة هذه الجهة الخاصة.
ويبين مما تقدم أنه ولئن كانت الإعارة لجهة حكومية قد تتفق مع الندب من ناحية اتصال الجهة المستعيرة والمنتدب إليها على السواء بالأمور الموجبة للجزاء وكلها جهات حكومية تتفق أجهزة التأديب فيها وتحقق الضمانات للموظف المعار أو المنتدب، إلا أنه في حالة الإعارة لجهة خاصة فالأمر جد مختلف؛ إذ الموظف بإعارته لجهة حكومية لا يفقد تبعيته للحكومة ولا يصبح موظفاً أهلياً فتسري عليه اللوائح والقوانين كسائر موظفي الحكومة تماماً بما تخضعه طبيعته للنظام التأديبي المقرر في الحكومة تمكيناً لعلاقة الموظف بالحكومة وتحقيقاً لإشرافها وإعمالاً لسلطتها فضلاً عن كفالة العدالة والضمانات له بما لا يتوافر في الجهات الخاصة مما يستتبع لزوماً اختصاص المحكمة التأديبية بمحاكمة الموظف المعار لجهة أهلية، وما على الجهة الخاصة إلا أن تبلغ الأمر للجهة الحكومية المعيرة لتتولى اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الموظف المعار.
3 - إن ما جاء في الحكم المطعون فيه تبريراً لما ذهب إليه من اختصاص الجهة الخاصة المستعيرة بمحاكمة الموظف العام تأديبياً بمقولة إن الموظف قد يصل بذلك إلى جريمة جنائية يترتب عليها المطالبة بالتعويض فيكون المسئول عنها هو رب العمل دون الجهة الحكومية المعيرة، هذا القول غير سديد إذ أن مناط المسئولية المترتبة عن فعل الغير هو قيام السلطة الفعلية المنصبة على الرقابة والتوجيه في عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبرع، وأن سلطة الرقابة والتوجيه على الموظف المعار هي للجهة المستعيرة بغير نزاع؛ ومن ثم تنهض المسئولية المدنية قبلها بوصفها الجهة المتبوعة إذا ما أخطأ المعار خطأ نجم عنه ضرر للغير، ومع هذا فإنه يظل خاضعاً للسلطة التأديبية للجهة التي أعارته لاختلاف الأساس الذي تقوم عليه المسئولية المدنية والمؤاخذة التأديبية.


إجراءات الطعن

بتاريخ 28 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والعمل والإرشاد القومي بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى المقامة من النيابة الإدارية المقيدة برقم 2 للسنة الأولى القضائية ضد محمود كمال عبد الرءوف الشوربجي الموظف من الدرجة الثامنة بوزارة الشئون الاجتماعية، الذي قضى أولاً بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه عن التهمة الأولى وبعدم اختصاصها بنظر التهم الأخرى، وطلب الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة بنظر ما نسب إلى الموظف المتهم خلال مدة إعارته والقضاء باختصاص المحكمة وإعادة الدعوى إليها للنظر في الموضوع. وقد أعلن الطعن للنيابة الإدارية في 18 من مايو سنة 1959 وللموظف المتهم في 21 من مايو سنة 1959 وتحدد لنظر الطعن جلسة 22 من مايو سنة 1960 أمام دائرة فحص الطعون وبتاريخ 22 من مايو سنة 1960 أحيل الطعن إلى هذه المحكمة فسمعت إيضاحات ذوي الشأن ثم حجزت القضية للحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما استظهرت المحكمة من الأوراق - تتحصل في أن السيد/ محمود كمال عبد الرءوف الشوربجي الموظف بالدرجة الثامنة الكتابية بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل أعير إلى الجمعية التعاونية الزراعية لمنتجي البطاطس اعتباراً من 7 من يناير سنة 1957 وقد نسبت إليه بعض المخالفات في أثناء مدة إعارته، فقامت الجمعية بعمل تحقيق ضده تبين لها منه أنه قارف جملة مخالفات فأبلغت أمره إلى الجهة التي أعارته لتبين ما تراه قبله مع حفظ حقها في حقوقها المالية قبله (يراجع كتاب الجمعية إلى السيد سكرتير عام الوزارة المؤرخ 3 من مارس سنة 1958) فعرض الأمر على السيد وزير الشئون الاجتماعية فأشار في 6 من مارس سنة 1958 بإحالة الموظف المذكور إلى مجلس تأديب بالنسبة إلى بعض الاتهامات وبإحالة الاتهامات الأخرى الخاصة بالغش وتكرار الصرف إلى النيابة العامة. وبتاريخ 23 من مارس سنة 1958 أصدر السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل القرار رقم 11 لسنة 1958 بإحالة الموظف المتهم إلى مجلس التأديب المختص لمحاكمته على التهم الموجهة إليه والموضحة بقرار الإحالة وهي:
(1) زاول عملاً بالجمعية التعاونية الزراعية لمنتجي البطاطس من 12 من نوفمبر سنة 1956 إلى 7 من يناير سنة 1957 تقاضى عليه مرتباً من الجمعية علاوة على مرتبه الحكومي أثناء عمله بالوزارة مخالفاً بذلك قانون التوظف.
(2) صرفه علاوة غير مستحقة من الجمعية أثناء إعارته لها.
(3) تعمده استخراج أذون صرف لمصروفات ركائب باهظة ومشروبات لا تلتزم بها الجمعية المذكورة.
(4) إهماله في تحرير كشف صرف المرتبات وبدل السفر واستيلاؤه على مبلغ من أموال الجمعية بدون وجه حق.
(5) احتفاظه بأكثر من 700 جنيه وإيداعها باسمه الشخصي في بنك القاهرة ولم يقدم عنها حساباً لرئيس حسابات الجمعية رغم مطالبته.
(6) استخراجه إذني صرف أحدهما بمبلغ 10 جنيهات والآخر بمبلغ 20 جنيهاً لموظفين عموميين ولم يلاحظ توقيعهما عليهما بالاستلام.
(7) استيلاؤه على أموال الجمعية بدون وجه حق بصرفه مبلغ لمكالمات تليفونية أكثر من قيمتها.
(8) استخراجه لأذون صرف تقاوي لجمعيات وأفراد لم يسددوا الثمن.
(9) استغلاله استراحة الجمعية لسكنه الخاص هو وعائلته بدون إيجار مخالفاً بذلك النظم العامة.
وقد حدد مجلس التأديب العالي جلسة 6 من أكتوبر سنة 1958 لنظر هذه المخالفات وعلى إثر صدور القانون رقم 117 لسنة 1958 أرسلت الأوراق إلى النيابة الإدارية لإقامة الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية المختصة وذلك إعمالاً لحكم المادة رقم 47 من القانون آنف الذكر، فأقامت النيابة الإدارية الدعوى أمام المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي. وبجلسة 29 من ديسمبر سنة 1958 أصدرت تلك المحكمة حكمها بمجازاة الموظف المتهم بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه عن التهمة الأولى وبعدم اختصاصها بنظر التهم الأخرى وأقامت قضاءها على أن الموظف المتهم دفع أمامها بعدم اختصاصها بنظر ما نسب إليه في قرار الاتهام عدا التهمة الأولى؛ بمقولة إن الجمعية الزراعية التعاونية لمنتجي البطاطس منظمة خاصة لها نظمها التأديبية، ومن ثم لا يخضع للنظم التأديبية الخاصة بموظفي الحكومة عن المخالفات المنسوبة إليه في مدة الإعارة، وأن النيابة الإدارية ردت على هذا الدفع بأن علاقة الموظف بالجهة التي أعارته تظل قائمة ومن ثم يخضع للنظم التأديبية قبل إعارته ولكنها لم تأخذ بوجهة النظر هذه - وقالت إن علاقة الموظف المعار بالحكومة بالنسبة لعمله تنقطع بمجرد الإعارة فيما عدا ما نص عليه القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على سبيل الحصر في الفقرة الأخيرة من المادة 51 من أن مدة الإعارة تحسب في المعاش أو المكافأة أو في حساب صندوق الادخار والتأمين أو استحقاق العلاوة والترقية، وفيما عدا ذلك يخضع للجهة التي أعير إليها لأنه من وقت إعارته يدخل في عداد مستخدمي الهيئة المعار لها ويخضع بالتالي للنظم الخاصة بها سواء ما تعلق منها بأداء العمل طبقاً لمقتضيات الواجب أو بالأعمال المحرمة عليه، وذلك لأن مناط التأديب بالنسبة لما يرتكبه الموظف من مخالفات أياً كان نوعها إنما ينصب في حقيقته على مخالفة الواجبات المتعلقة بالوظيفة أو الخروج على حسن السلوك الواجب في أعمالها وأن حده ومداه فيما يتعلق بنوع المخالفة أو قدر الجزاء الذي يناسبها يتحدد وفق طبيعة العمل وظروفه وهذا المعيار الموضوعي المتميز في كل جهة عن الأخرى يجعل الجهة المعار إليها أقدر على توجيه الاتهام وتحديد عناصره وأن هذه الاعتبارات هي التي حدت بالشارع إلى أن ينص في القانون رقم 398 لسنة 1955 الذي عدل به نص المادة 85 من قانون التوظف على أن الجهة التي يندب إليها الموظف هي المختصة بمحاكمته عن الجرائم التي تقع منه في أثناء ندبه، وذهبت إلى القول بأن الموظف المعار أولى بما جاء في هذه المادة لأن الجهات التي يعار إليها تتباين فيها النظم التأديبية بعكس الجهات التي ينتدب إليها إذ الندب لا يكون إلا في المصالح والجهات الحكومية التي تتشابه فيها نظم التأديب، وأن القول بغير ما ذهبت إليه فيه إخضاع الموظف إلى جهتي تأديب في نفس الوقت، ومع هذا نوهت تلك المحكمة بأن اختصاص الجهة المعيرة يظل قائماً عن المخالفات والجرائم التي يقترفها الموظف المعار إذا كان من شأنها أن تؤثر على مسلكه العام عند عودته إليها، وانتهت إلى القول بأن هذه المخالفات لا تصلح محلاً لمؤاخذته من جانب الجهة المعيرة.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن ما وجه إلى الموظف المتهم من اتهامات يعيب مسلكه العام ومسلكه الخاص على سواء؛ ومن ثم تمتد الولاية التأديبية للجهة المعيرة وبالتالي تكون المحكمة التأديبية مختصة بنظر الاتهام، وإذ قضى الحكم بغير ذلك يكون قد خالف القانون وانتهى الطعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة بنظر ما نسب إلى الموظف المتهم خلال مدة إعارته والقضاء باختصاص المحكمة وإعادة الدعوى إليها للنظر في الموضوع.
ومن حيث إن المسألة القانونية مثار النزاع هي تحديد الجهة المختصة بمحاكمة الموظف العام في حالة إعارته لجهة خاصة - هل هي الجهة الحكومية التابع لها أم الجهة الخاصة المعار إليها؟
ومن حيث إنه يتعين البحث بادئ ذي بدء فيما إذا كانت الإعارة لجهة خاصة يترتب عليها انفصام العلاقة بين الموظف المعار والجهة الحكومية المعيرة فإن كانت العلاقة باقية فهل تملك الجهة الخاصة محاكمة الموظف العام المعار لديها.
ومن حيث إن البند أ من المادة 51 المعدلة من القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد نص على أنه "يجوز إعارة الموظفين إلى الحكومات والهيئات الوطنية والأجنبية والدولية كما تجوز إعارتهم إلى المصالح الخاصة.
ولا يجوز إعارتهم إلى الهيئات المحلية والمؤسسات الأهلية داخلياً إلا إذا توافرت فيهم مؤهلات وميزات خاصة يتعذر وجودها في غيرهم، وفي حالة الضرورة القصوى وذلك مع عدم الإخلال بحكم المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 سالف الذكر المعدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955.
وتدخل مدة الإعارة في حساب المعاش أو المكافأة أو حساب صندوق الادخار والتأمين واستحقاق العلاوة والترقية.
ويشترط لإتمام الإعارة موافقة الموظف عليها كتابة".
ومن حيث إن المستفاد من هذا النص أولاً: أن الموظف المعار لا تنقطع صلته بالجهة المعيرة وإنما هو يعمل فقط في الجهة المستعيرة، وثانياً: إن الإعارة يجوز أن تكون لمصلحة خاصة.
ومن حيث إنه مع بقاء علاقة الموظف المعار بالجهة الحكومية المعيرة، فإن هذه الإعارة إن كانت لجهة خاصة فلا تملك هذه الجهة محاكمة الموظف الحكومي تأديبياً لأن القوانين واللوائح جعلت المحاكمة التأديبية للموظف الحكومي طبقاً لنظم التأديب الحكومية بما لا يسمح لغير الحكومة باتخاذ هذا الإجراء ضد الموظف الحكومي، فلا يجوز والحالة هذه تسليط جهة أهلية خاصة على موظف حكومي عام، وهذا ليس معناه إفلات الموظف المعار لجهة أهلية من العقاب بل على الجهة الأهلية المستعيرة أن تبلغ الأمر للجهة المعيرة لتتخذ الإجراء القانوني في مثل هذه الحالة، والقول بغير ذلك فضلاً عن أنه يجافي طبيعة العلاقة بين الموظف الحكومي المعار وبين الجهة الأهلية المستعيرة - فضلاً عن ذلك فإنه يجعل الموظف الحكومي خاضعاً في تأديبه لجهات أهلية متعددة لكل نظامها التأديبي الخاص أو لقانون عقد العمل الفردي بما فيه من إجراءات تجافي العلاقة التي بين الحكومة والموظف العام وتجعله في حكم موظف خاص على علاقة خاصة بجهة أهلية خاصة وهو مسخ لطبيعة العلاقة وتحوير لها بما لا يتفق وتبعيته للجهة المعيرة وبما يفقده الضمانات التي نصت عليها نظم التأديب الموحدة أو المتشابهة في الحكومة وفروعها وما هو ملحق بها أو تابع لها من جهات عامة.
ومن حيث إنه لا يجوز التحدي في هذا المقام بأن في حالة الندب تختص الجهة التي ندب الموظف إليها بمساءلته تأديبياً وذلك طبقاً لصريح نص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 398 لسنة 1955؛ إذ الندب لا يكون إلا من جهة حكومية لأخرى حكومية فاختصاص الجهة المنتدب إليها باعتبار هي المشرفة على عمل الموظف فعلاً أمر منطقي يتفق وطبائع الأشياء، كما يتفق مع العلاقة التي بين الموظف والحكومة فهي باقية مع الحكومة بقطع النظر عن كونه يعمل في هذه المصلحة أو تلك، ولا فقدان للضمانات التي كفلها نظام المحاكمات التأديبية الأمر الذي يحدث في حالة الإعارة من الحكومة لجهة خاصة ومساءلة الموظف تأديبياً بواسطة هذه الجهة الخاصة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أنه ولئن كانت الإعارة لجهة حكومية قد تتفق مع الندب من ناحية اتصال الجهة المستعيرة والمنتدب إليها على السواء بالأمور الموجبة للجزاء وكلها جهات حكومية تتفق أجهزة التأديب فيها وتحقق الضمانات للموظف المعار أو المنتدب، إلا أنه في حالة الإعارة لجهة خاصة فالأمر جد مختلف، إذ الموظف بإعارته لجهة حكومية لا يفقد تبعيته للحكومة ولا يصبح موظفاً أهلياً فتسري عليه اللوائح والقوانين كسائر موظفي الحكومة تماماً بما تخضعه طبيعته للنظام التأديبي المقرر في الحكومة تمكيناً لعلاقة الموظف بالحكومة وتحقيقاً لإشرافها وإعمالاً لسلطتها فضلاً عن كفالة العدالة والضمانات له بما لا يتوافر في الجهات الخاصة مما يستتبع لزوماً اختصاص المحكمة التأديبية بمحاكمة الموظف المعار لجهة أهلية، وما على الجهة الخاصة إلا أن تبلغ الأمر للجهة الحكومية المعيرة لتتولى اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الموظف المعار.
ومن حيث إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الموظف المعار تنفصم علاقته الوظيفية بالجهة المعيرة فليس لها سلطة تأديبية عليه، هذا القول غير سديد لما فيه من مخالفة لأحكام المادة 52 من القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ تقول "عند إعارة أحد الموظفين تبقى وظيفته خالية ويجوز شغل الوظيفة بصفة مؤقتة في أدنى درجات التعيين على أن تخلى عند عودة الموظف كما يجوز في أحوال الضرورة القصوى شغل الوظيفة بدرجتها بقرار من الوزير المختص بعد موافقة وزير المالية والاقتصاد وعند عودة الموظف المعار يشغل الوظيفة الخالية من درجته أو يشغل درجته الأصلية بصفة شخصية على أن تسوى حالته في أول وظيفة تخلو من درجته" - فهذه المادة تبقى على رابطته في فترة الإعارة تزكيها الآثار التي عددها عجز الفقرة أ من المادة 51 السالف ذكرها وهي ليست واردة على سبيل الحصر كما ذهب الحكم المطعون فيه بدليل الآثار التي ذكرتها المادة التالية لها.
ومن حيث إنه يمكن القول استناداً إلى المادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تنص على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً وذلك مع عدم الإخلال بتوقيع العقوبات الجنائية" إن هذه المادة تقرر قاعدة عامة مفادها أن مناط السلطة التأديبية هو قيام الرابطة الوظيفية وجوداً وعدماً إذ حيث تقوم هذه الرابطة تقوم السلطة وحيث تنعدم الأولى تزول الثانية.
ومن حيث إنه لا ينال من هذه القاعدة ما استحدثه المشرع أخيراً عندما عدل قانون التوظف بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وأدخل عليه المادة 102 مكرراً ثانياً التي تنص على أنه "تجوز إقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية على الموظف الذي يكون قد ترك الخدمة لأي سبب كان، وفي هذه الحالة يجوز الحكم عليه بإحدى العقوبات الآتية:
أولاً - الحرمان من المعاش مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
ثانياً - الحرمان من المعاش كله أو بعضه من تاريخ الحكم.
ثالثاً - غرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تجاوز المرتب الإجمالي الذي كان يتقاضاه وقت وقوع المخالفة، وتستوفى هذه الغرامة بالخصم من معاشه أو مكافأته أو المال المدخر إن وجد ذلك أو بطريق الحجز الإداري على جميع أموال المحكوم عليه".
ولا ينال منها أيضاً التعديل الذي أدخله على المادة 85 من قانون التوظف بالقانون رقم 398 لسنة 1955 الآنف الذكر بجعل سلطة التأديب على الموظف المنتدب للجهة المنتدب إليها لأن في ذلك كله ما يوحي بأن المشرع يستشعر بوجودها دائماً فإذا أراد الخروج عليها جاء بحكم صريح وآية ذلك أنه غاير في العقوبات التي يمكن توقيعها على الموظف الذي انفصمت رابطته بما يتفق مع ما آلت إليه هذه الرابطة بعد الانفصام.
ومن حيث إن ما جاء في الحكم المطعون فيه تبريراً لما ذهب إليه من اختصاص الجهة الخاصة المستعيرة بمحاكمة الموظف العام تأديبياً بمقولة إن الموظف قد يصل بذلك إلى جريمة جنائية يترتب عليها المطالبة بالتعويض فيكون المسئول عنها هو رب العمل دون الجهة الحكومية المعيرة، هذا القول غير سديد إذ أن مناط المسئولية المترتبة عن فعل الغير هو قيام السلطة الفعلية المنصبة على الرقابة والتوجيه في عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع، وأن سلطة الرقابة والتوجيه على الموظف المعار هي للجهة المستعيرة بغير نزاع ومن ثم تنهض المسئولية المدنية قبلها بوصفها الجهة المتبوعة إذا ما أخطأ المعار خطأ نجم عنه ضرر للغير ومع هذا فإنه يظل خاضعاً للسلطة التأديبية للجهة التي أعارته لاختلاف الأساس الذي تقوم عليه المسئولية المدنية والمؤاخذة التأديبية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه شطر قضاءه إلى شقين أحدهما بمجازاة الموظف المتهم عن التهمة الأولى، والثاني بعدم اختصاصه عن باقي التهم متأثراً بذلك بالنظرية التي اعتنقها وقد ظهر مخالفتها لمفهوم صحيح القانون.
ومن حيث إنه طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة [(
2)] من أن الطعن في أحد الشقين يثير المنازعة برمتها أمامها ما دام الارتباط جوهرياً بينهما، وفي خصوصية الدعوى المطروحة يتوافر هذا الارتباط؛ إذ الاتهام قائم على سلوك المتهم المعيب. ومن ثم يتعين إلغاء الحكم بشطريه وإعادة الموضوع كله إلى المحكمة التأديبية المختصة لنظر جميع التهم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية لوزارة الشئون الاجتماعية بنظر جميع التهم وبإعادة القضية إليها للفصل فيها.


 

[(1)] عدلت هذه المادة بعد ذلك بمقتضى القانون رقم 405 لسنة 1955.
[(2)] راجع الطعن رقم 161 لسنة 3 القضائية المنشور في مجموعة أحكام هذه المحكمة العدد الثالث من السنة الثانية مبدأ (137) ص 1335.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,163,521

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »