الموظفون المؤقتون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة علاقتهم بالحكومة قانونيةلا عقدية
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1486
(157)
جلسة 21 من يونيه سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 853 لسنة 3 القضائية
( أ ) موظف - الموظفون المؤقتون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة - علاقتهم بالحكومة قانونية، لا عقدية، تنظمها القوانين واللوائح - خضوعهم في توظيفهم وتأديبهم وفصلهم للأحكام المضمنة قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن - تنظيم هذه القرارات لصيغة عقد الاستخدام الذي يوقعه الموظف.
(ب) موظف - الموظفون المؤقتون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة - علاقتهم بالحكومة، على مقتضى عقد الاستخدام، علاقة مؤقتة لفترة محددة - انتهاؤها بالأدوات القانونية الثلاث الواردة بالمواد 1 و6 و8.
(ج) موظف - الموظفون المؤقتون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة - حق الحكومة في إنهاء علاقتها بهم لسوء السلوك الشديد من جانب الموظف - استعمالها لهذا الحق متى قام موجبه بحسب تقديرها - عدم تطلبه إعلاناً سابقاً.
(د) موظف - الموظفون المؤقتون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة - النص في المادة 6 من صيغة عقد الاستخدام على أن عزل الموظف في حالة سوء السلوك الشديد يكون "نهائياً ولا تجوز المعارضة فيه" - ذلك لا يخل بسلطة القضاء في التعقيب على هذه القرارات في حالة مجاوزة السلطة.
(هـ) موظف - الموظفون المؤقتون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة - تلاعب الموظف بالعقيدة والأديان بقصد تحقيق مآرب خاصة - انطواء تصرفه على سوء السلوك الشديد - لا محل للخلط بين حرية العقيدة في ذاتها وبين التلاعب في العقيدة والأديان.
(و) موظف - سوء السلوك في غير النطاق الوظيفي - انعكاسه على سلوك الموظف في مجال الوظيفة.
1 - إن علاقة الحكومة بالموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة ليست علاقة عقدية، بل هي علاقة قانونية تنظمها القوانين واللوائح، وغاية الأمر أنهم يخضعون في توظيفهم وتأديبهم وفصلهم للأحكام التي صدرت أو تصدر بها قرارات من مجلس الوزراء، وقد نظم هذا المجلس بقرارات منه صيغة عقد الاستخدام الذي يوقعه من يعين من هؤلاء في خدمة الحكومة.
2 - إن علاقة الحكومة بالموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة - على مقتضى صيغة عقد الاستخدام الصادر به قرار مجلس الوزراء - هي علاقة مؤقتة لمدة محدودة تنتهي بالأدوات القانونية الثلاث التي نصت عليها المواد 1 و6 و 8 من العقد. ومفاد الأولى انتهاء العقد بانتهاء مدته وامتداده من تلقاء نفسه لمدة أخرى وبالشروط عينها إذا لم يعلن أحد الطرفين الآخر قبل انقضاء المدة بشهر برغبته في إنهاء العقد. ومفاد الثانية أنه يجوز للحكومة في أي وقت - في حالة سوء السلوك الشديد - عزل المستخدم بدون إعلان سابق وبأمر من الوزير، ويكون هذا الأمر نهائياً بالنسبة إليه ولا يمكن المعارضة فيه. ومفاد الثالثة أنه يجوز لكل من الطرفين إنهاء العقد في أي وقت كان خلال جريان مدته بمقتضى إعلان يرسل كتابة قبل ذلك بمدة شهر.
3 - إن إنهاء علاقة الموظف المؤقت المعين على وظيفة مؤقتة بالحكومة بسبب سوء السلوك الشديد من جانب الموظف هو حق للحكومة وحدها، ولا يتطلب إعلاناً أو ميعاداً سابقاً، وللحكومة أن تستعمله متى قام موجبه بالموظف بحسب تقديرها.
4 - لئن كان نص المادة 6 من عقد استخدام الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة قد جرى على أن عزل الموظف في حالة سوء السلوك الشديد يكون "نهائياً ولا يمكن المعارضة فيه"، إلا أن مثل هذا النص لا يمنع تعقيب القضاء في حالات مجاوزة السلطة، سواء لمخالفة الدستور أو القانون أو الانحراف بالسلطة.
5 - لا يجوز الخلط بين حرية العقيدة في ذاتها وبين سوء السلوك الشديد الذي قد يستفاد من التلاعب بالعقيدة والأديان، أياً كانت العقيدة أو الدين، بقصد تحقيق مآرب خاصة وأغراض دنيوية معينة، سرعان ما يرتد المتلاعب بالعقيدة أو الدين عن عقيدته أو دينه إذا ما تحققت مآربه الخاصة وأغراضه الدنيوية الزائلة. ومع التسليم بحرية العقيدة أو الدين؛ بمعنى أنه لا يجوز إكراه شخص على اعتناق عقيدة معينة أو دين معين، إلا أنه ليس من شك في أن مسلك المتلاعب بالعقيدة وبالأديان بقصد تحقيق تلك المآرب والأغراض أياً كانت العقيدة والدين يصمه بسوء السلوك الشديد من الناحية الخلقية، فما كانت العقائد والأديان مطية لتحقيق أغراض دنيوية زائلة، وإنما تقوم العقيدة فيها على الإيمان بها والإخلاص لها؛ ومن ثم كان الشخص الذي يتلاعب بها لتحقيق مثل تلك المآرب والأغراض هو شخص يمسخ الحكمة التي تقوم عليها حرية الدين والعقيدة مسخاً ظاهر الشذوذ؛ ولذا كان مسلكه هذا في نظر الأديان جميعاً معتبراً مسلك الشخص الملتوي سيء السلوك.
6 - إن سوء سلوك الموظف وهو في غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام في مجال الوظيفة من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها ووجوب أن يلتزم في سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار.
إجراءات الطعن
في 22 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الأشغال بجلسة 23 من إبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 76 لسنة 4 ق المرفوعة من حلمي عبده ضد وزارة الأشغال، القاضي "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي قرشاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 2 من يوليه سنة 1957، وللمدعي في 3 من أغسطس سنة 1957، وعين لنظره جلسة 5 من إبريل سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة الأشغال في 10 من إبريل سنة 1954، أقام المدعي الدعوى رقم 76 لسنة 4 ق ضد وزارة الأشغال طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له قرشاً صاغاً واحداً تعويضاً مؤقتاً والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال في بيان ذلك إنه في 28 من يناير سنة 1953 قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد قيد برقم 1163 سنة 1 ق ذكر فيه أنه التحق بمصلحة المساحة في سنة 1932 بوظيفة مراجع ممتاز بمرتب شهري قدره خمسة جنيهات، وقد طبقت عليه قواعد الإنصاف فاعتبر في الدرجة الثامنة من تاريخ التحاقه بالخدمة، ثم رقي بعد ذلك إلى الدرجة السابعة منسياً، وفي سنة 1947 فصلته المصلحة بتهمة تلاعبه بالأديان وبأنه اتخذ من الأديان وسيلة لتحقيق مآرب شخصية، وأن هذا العمل ينطوي تحت البند السادس من عقد الاستخدام الذي يجيز للوزير فصل الموظف في حالة سوء السلوك الشديد، ثم قال إنه لم يحقق أي مأرب من تغيير دينه ولم تعد عليه فائدة ما من جراء ذلك، وأن عقد تعيينه خلو من أي نص يجيز فصله، وأن الإجراء الذي اتخذ معه كان تحايلاً من الوزارة على البند السادس من العقد المذكور، وطلب في ختام تظلمه تحقيق هذا الملتمس. وقد قضت اللجنة في 22 من يونيه سنة 1953 بعدم اختصاصها بنظر التظلم. ثم استطرد المدعي يقول إن أسباب فصله جاءت مخالفة للقانون منطوية على سوء استعمال السلطة للأسباب الآتية. أولاً، نص الدستور على أن حرية العقيدة مطلقة بمعنى ألا يكره الإنسان على البقاء على دين معين، وأن تغيير العقيدة لا يستتبع توقيع أية عقوبة وأن توقيع عقوبة في هذه الحالة طريقة لإكراه من اعتنق الإسلام على البقاء فيه. ثانياً، إن القول بأن الدين الإسلامي يكون النظام العام في مصر خطأ قانوني وواقعي؛ إذ أن النظام العام يتكون من الأحكام الرئيسية في مجموعة القوانين الوضعية، وليس من هذه القوانين الدين الإسلامي. ثالثاً، إن الوضع القانوني في مصر هو أن النظام العام محدد المعالم بالقوانين الوضعية ولا تقبل حدوده مناقشة دينية أو غير دينية، وما دام أن الحق في العقيدة مقرر دستورياً فإن ممارسته لا تخالف النظام العام. رابعاً، إن القرار موضوع الدعوى ينطوي على مخالفة مبدأ المساواة بين المواطنين، إذ أن الإدارة لم تحرك ساكناً عندما أعلن المدعي إسلامه. خامساً، إن الدين علاقة بين الإنسان وخالقه ولا شأن له ولا يجب أن يكون له شأن بالدولة أو بالواجبات الحكومية. وخلص المدعي من ذلك كله إلى أن قرار فصله قد بني على أسباب غير صحيحة وصدر مخالفاً للدستور وللحقوق الطبعية، وأن هذا القرار انطوى على خطأ سبب له ضرراً مادياً ومعنوياً لا يقدر بمال، وأنه يقصر طلباته على الحكم بإلزام الحكومة بأن تدفع له قرشاً واحداً تعويضاً مؤقتاً. ويتحصل رد الوزارة في أن المدعي التحق بخدمة مصلحة المساحة في 5 من ديسمبر سنة 1932 بمرتب خمسة جنيهات، ثم اعتبر في الدرجة الثامنة من بدء تعيينه، وقد قدم المدعي إلى المصلحة إعلاماً شرعياً صادراً من محكمة الجيزة الشرعية في 21 من يونيه سنة 1942 بتغيير اسمه إلى محمد حلمي بمناسبة اعتناقه الدين الإسلامي، وقد وافقت وزارة الصحة على هذا التغيير كما وافقت عليه وزارة المالية التي كانت تتبعها مصلحة المساحة وقتذاك. وفي 23 من مارس سنة 1945 ورد من بطريركية الأقباط الأرثوذكس كتاباً يفيد أن المجلس الإكليريكي قرر بجلسة 27 من فبراير سنة 1945 قبول رجوع حلمي عبده إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كما كان. فعرضت المصلحة الأمر على وزارة المالية التي أشارت بأن المدعي كان قد اعتنق الدين الإسلامي لغرض خاص لم يكن ليتحقق له إلا باتباع هذا السبيل، وبعد أن زالت العوامل التي ألجأته إلى ذلك ارتد عن الإسلام، وبما أن الردة أمر لا يتفق مع النظام العام في مصر الذي يعتبر الإسلام دين الدولة الرسمي، وبما أن تصرفاته لا تتفق مع ما يجب على الموظف من الاحترام لدينه ولأعمال وظيفته؛ لذلك فإن ما ارتكبه يدخل في دائرة سوء السلوك الشديد المنصوص عليه في المادة السادسة من عقد استخدامه، وقد رأى السيد وزير المالية عدم تجديد عقده الذي انتهى في آخر إبريل سنة 1948، وبناءً على ذلك قامت المصلحة بإعلان المدعي بالفصل. ثم أضافت مصلحة المساحة إلى ما تقدم أن المدعي فصل من الخدمة سنة 1948، وأقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري في 13 من إبريل سنة 1954؛ وبذلك يكون حقه في التعويض قد سقط بمضي مدة تزيد على أكثر من ثلاث سنوات وذلك عملاً بأحكام المادة 172 من القانون المدني. وقد عقب المدعي على رد المصلحة بما لا يخرج عما ذكره بصحيفة الدعوى، ورد على الدفع بالسقوط بأن المدعي سبق أن تظلم إلى اللجنة القضائية وحكمت اللجنة في 22 من يونيه سنة 1953 بعدم اختصاصها بطلب الإلغاء، فرفع دعوى التعويض هذه في 10 من إبريل سنة 1954، وبدهي أن طلب إلغاء القرار عيناً يقطع مدة المطالبة بالتعويض، ثم صمم على طلباته. وبجلسة 23 من إبريل سنة 1957 حكمت المحكمة "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي قرشاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وقد أقامت المحكمة حكمها على أن "الدستور المصري الذي كان معمولاً به وقت وقوع الفصل نص في المادة 12 منه على أن حرية الاعتقاد مكفولة، ونص في المادة 13 على أن تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في الديار المصرية على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب، كما نص في المادة الثامنة على أن المصريين لدى القانون سواء وأنهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل واللغة والدين؛ لذلك فإن اعتناق الموظف لأي دين لا يؤثر في أهليته للتوظف، ما دام أنه لا يأتي ما يخل بالنظام العام أو حسن الآداب؛ إذ العقيدة النفسية هي أمر بين الشخص وخالقه ولا سلطان عليها للدولة بطبيعة الحال، ولا يقدح في ذلك ما نص عليه الدستور المذكور في المادة 149 منه من أن الإسلام دين الدولة؛ إذ ليس المقصود بهذه المادة الحجر على حرية العقائد المقررة بموجب الأحكام المتقدمة". وأنه "متى تقرر هذا فإن ارتداد المدعي عن الإسلام واعتناقه مرة أخرى الدين المسيحي الذي كان يعتنقه قبل إسلامه لا يفيد بذاته سوء السلوك الشديد المنصوص عليه في المادة السادسة من عقد استخدامه، طالما أن هذه الردة لا يلابسها ظروف تؤدي إلى قيام سوء السلوك الوظيفي، وإذ كان الثابت من الأوراق على ما تقدم أن المدعي كان قد اعتنق الإسلام على إثر قيام نزاع بينه وبين زوجته ثم عاد على دينه لزوال هذا النزع ونظراً لأنه كان قد أنجب من زوجته هذه أربعة أولاد فإن هذا لا شأن له بالوظيفة، وبالتالي لا يؤدي إلى اعتبار المدعي أنه قد أخل بواجبات وظيفته، سيما وأن الإدارة التي يتبعها أكدت على ما سلف إيضاحه أن سلوكه لا شائبة فيه، وأنه لم يصدر منه ما ينطوي على سوء السلوك"، وأنه "متى كان تكييف ارتداد المدعي عن الإسلام بأنه ينطوي على سوء السلوك في الظروف السالف إيضاحها هو تكييف للوقائع لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون ولذلك فلا يكون هناك من مسوغ لتوقيع الجزاء، ويكون قرار الفصل فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب"، وأنه "لا وجه لما قد يثار من أن حق الإدارة طبقاً لنص البند الثامن من العقد الاستغناء عن الموظف في أي وقت ولو بغير سبب ولذلك فإن فصل المدعي يكون من حقها ولا يستوجب التعويض على أي حال، ذلك أن البند المذكور يوجب أن يكون الاستغناء في هذه الحالة بمقتضى إعلان يرسل كتابة قبل نهاية العقد بمدة شهر، الأمر الذي لا يتوافر في خصوص هذه الدعوى؛ إذ أن المدعي أعلن في 8 من إبريل سنة 1948 بانتهاء مدة العقد الذي ينتهي في 30 من إبريل سنة 1948"، وأنه "لذلك فإن فصل المدعي قد وقع بالمخالفة لأحكام القانون وهذه المخالفة صورة من صور الخطأ التي تستوجب مساءلة الحكومة عن التعويض، ومتى كان الثابت أن هذا الخطأ من جانب الإدارة قد ترتب عليه ضرر مادي وأدبي يتمثل في حرمانه من راتبه وما أصابه من آلام نفسية نجمت عن هذا الفصل وقامت علاقة السببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر؛ لذلك يتعين إجابة المدعي إلى طلب التعويض الذي قدره مؤقتاً بقرش واحد". وقد ردت المحكمة على الدفع بالسقوط بأن اعتنقت قضاء المحكمة العليا بأن التقادم المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني "قد ورد بخصوص الحقوق التي تنشأ عن المصدر الثالث من مصادر الالتزام في القانون المدني وهو العمل غير المشروع، بحيث لا يجوز تطبيقه بالنسبة إلى الحقوق الناشئة عن مصادر أخرى إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، وأن مسئولية الحكومة عن القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين إنما تنسب إلى المصدر الخامس وهو القانون، وأن التعويض المترتب على الإخلال بالالتزام هو من طبيعة الحق الناشئ عن هذا الالتزام لأنه المقابل له، فتسري بالنسبة للتعويض مدة التقادم التي تسري بالنسبة للحق الأصلي، فإذا كان التعويض مطلوباً مقابل حرمان الموظف من مرتبه بسبب فصله بدون وجه حق سقطت دعوى التعويض بمضي مدة التقادم المسقطة للمرتب وهي خمس سنوات طبقاً للمادة 50 من القسم الثاني من اللائحة للميزانية والحسابات الواجبة التطبيق والتي اقتبست من النصوص المدنية التقادم الخمسي، ولما كان التعويض المطالب به في هذه الدعوى هو مقابل حرمان المدعي من راتبه بسبب فصله فإنه تسري على هذا التعويض مدة التقادم المسقطة للراتب نفسه، وأنه لما كانت مقتضيات النظام الإداري تدعو إلى اعتبار الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الرياسية المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم، وقد بان من الاطلاع على ملف خدمة المدعي والأوراق المودعة ملف الدعوى أن المدعي أعلن بقرار الفصل في 8 من إبريل سنة 1948، فتقدم بشكوى في 27 من أكتوبر سنة 1952، ملتمساً إعادته إلى العمل... كما تظلم من قرار فصله بتظلم أودعه سكرتيرية اللجنة القضائية في 28 من يناير سنة 1953، وأوضح بجلسة 22 من يونيه سنة 1953 أنه يطلب إعادته إلى عمله أو منحه تعويضاً عن الفصل، ثم رفع هذه الدعوى بصحيفة أودعت سكرتيرية هذه المحكمة في 10 من إبريل سنة 1954، فإن هذه التظلمات السابقة على رفع الدعوى وهي تنصب على الاعتراض على القرار الصادر بفصله قاطعة للتقادم.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المسألة القانونية محل الطعن تتحدد فيما إذا كانت الأفعال المنسوبة إلى المدعي تعتبر جريمة إدارية تسوغ إنهاء عقده أم أنها لا تعتبر كذلك، فيكون قرار فصله لهذا السبب قد صدر باطلاً لفقدانه ركناً من أركانه، وفي رأي الهيئة أن تلاعب الموظف بالأديان من أجل تحقيق مآرب خاصة لا يستطيع تحقيقها إلا بهذه الوسيلة مما يدخل في دائرة سوء السلوك المبرر للفصل؛ إذ أنه سلوك شخصي لا يعرف للأديان احترامها وقدسيتها يتلاعب بها حسبما شاء هواه لا لغرض إلا للتحايل على أحكام القانون، فكان يجدر بالمدعي أن يسكت على فعلته، فليس مثله الذي يغضب لحرية العقيدة فيقحمها بسوء قصد في غير موضعها مستغلاً جهل الإدارة بحقيقة الأسباب التي دفعته إلى تغيير دينه؛ ومن ثم فإن الإدارة إذ أنهت عقد المدعي للأسباب المذكورة تكون قد تصرفت تصرفاً سليماً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حصل على شهادة الكفاءة سنة 1931، والتحق بمصلحة المساحة في 5 من ديسمبر سنة 1932 بوظيفة مراجع على اعتماد تعلية خزان أسوان خارج الهيئة، وفي يوليه سنة 1942 قدم المذكور إعلاماً شرعياً صادراً في 21 من يونيه سنة 1942 بإشهار إسلامه وتغيير اسمه إلى محمد حلمي، وقد وافقت وزارة المالية بكتابها المؤرخ 30 من أغسطس سنة 1942 على تغيير اسم المدعي إلى محمد حلمي، والتأشير بذلك في السجلات وملف خدمته. واعتباراً من أول مايو سنة 1953 نقل المدعي إلى الدرجة التاسعة الكتابية على اعتماد نزع الملكية، وقد طبقت عليه قواعد الإنصاف فاعتبر في الدرجة الثامنة منذ بدء تعيينه في 5 من ديسمبر سنة 1932، وفي سنة 1945 ارتد المدعي عن الإسلام فأرسلت مصلحة المساحة إلى وزارة المالية نسألها الرأي في شأن المدعي، وبعد تبادل المكاتبات بين المصلحة والوزارة أشارت الوزارة بكتابها المؤرخ 5 من إبريل سنة 1948 بأن "ما ارتكبه المذكور يدخل في دائرة سوء السلوك الشديد المنصوص عنه في المادة السادسة من عقد استخدامه. وقد رأى حضرة صاحب الدولة الوزير عدم تجديد عقده الذي ينتهي في آخر إبريل الحالي". وقد أخطر المدعي بذلك في 8 من إبريل سنة 1948، وسلم إليه إعلان بعدم الموافقة على تجديد عقد خدمته الذي ينتهي في 30 من إبريل سنة 1948 عملاً بالبند السادس من عقد الاستخدام.
ومن حيث إنه يبين من عقد استخدام المدعي أنه عين لمدة سنة اعتباراً من أول مايو سنة 1942 وتنتهي في 30 من إبريل سنة 1943 بمرتب 63 ج سنوياً وقد نص في المادة الأول منه على أن "مدة التعيين تبدأ من أول مايو سنة 1942 وتنتهي في 30 من إبريل سنة 1943 ويمتد العقد لمدة سنة أخرى إذا لم يعلن أحد الطرفين الآخر قبل انقضاء المدة بشهر برغبته في إنهاء العقد، ويتوالى الامتداد بعد ذلك عند انقضاء كل مدة بالشروط نفسها"، ونص في المادة السادسة على أنه "في حالة سوء السلوك الشديد يجوز في أي وقت كان عزله بدون إعلان سابق وبأمر من الوزير، ويكون هذا الأمر نهائياً بالنسبة إليه ولا يمكن المعارضة فيه"، كما نصت المادة الثامنة على أنه "يمكن لكل من الطرفين إبطال هذا العقد في أي وقت كان بمقتضى إعلان يرسل كتابة قبل ذلك بمدة شهر".
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن علاقة الحكومة بالموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة كما هو الشأن في المدعي ليست علاقة عقدية، بل هي كذلك علاقة قانونية تنظمها القوانين واللوائح، وغاية الأمر أنهم يخضعون في توظيفهم وتأديبهم وفصلهم للأحكام التي صدرت أو تصدر بها قرارات من مجلس الوزراء، وقد نظم هذا المجلس بقرارات منه صيغة عقد الاستخدام الذي يوقعه من يعين من هؤلاء في خدمة الحكومة، والعلاقة القانونية على مقتضاه وبحسب صيغة العقد، هي علاقة مؤقتة لمدة محدودة تنتهي بالأدوات القانونية الثلاث التي نصت عليها المواد 1 و6 و8 من العقد. ومفاد الأولى انتهاء العقد بانتهاء مدته وامتداده من تلقاء نفسه لمدة أخرى وبالشروط عينها إذا لم يعلن أحد الطرفين الآخر قبل انقضاء المدة بشهر برغبته في إنهاء العقد. ومفاد الثانية أنه يجوز للحكومة في أي وقت في حالة سوء السلوك الشديد عزل المستخدم بدون إعلان سابق وبأمر من الوزير، ويكون هذا الأمر نهائياً بالنسبة إليه ولا يمكن المعارضة فيه. ومفاد الثالثة أنه يجوز لكل من الطرفين إنهاء العقد في أي وقت كان خلال جريان مدته بمقتضى إعلان يرسل كتابة قبل ذلك بمدة شهر؛ وعلى مقتضى ما تقدم فليس ثمة شك في أن إنهاء العلاقة بين الحكومة والمدعي قد تم وفقاً للقانون بالتطبيق للمادة الثامنة التي تجيز إنهاء العقد في أي وقت كان خلال جريانه ولو كان قد امتد قبل ذلك بمقتضى إعلان يرسل كتابة بمدة شهر مقدماً. وقد أرسل هذا الإعلان إليه في 8 من إبريل سنة 1948؛ فتنتهي العلاقة، والحالة هذه، اعتباراً من 7 من مايو سنة 1948 بصرف النظر عما جاء في هذا الإعلان من الإشارة إلى إنهائها في 30 من إبريل سنة 1948، وغاية الأمر أنها لا تنتهي إلا بانتهاء الشهر أي في 7 من مايو سنة 1948، ويعترف المدعي في مذكرته أنه استمر في عمله حتى 30 من نوفمبر سنة 1948. وغني عن القول أن إنهاء العلاقة بهذه الأداة لا يستلزم توافر سوء السلوك الشديد من جانب الموظف، وإنما هو متروك لرغبة كل من الطرفين سواء الموظف أو الحكومة، وشرطه هو إبداء هذه الرغبة كتابة بإعلان يرسل مقدماً بميعاد شهر حسبما سلف البيان، وهو ما تحقق في شأن المدعي، وهذا وحده يكفي لإنهاء العلاقة. أما إنهاء العلاقة بسبب سوء السلوك الشديد من جانب الموظف فهو حق للحكومة وحدها، وهو لا يتطلب إعلاناً أو ميعاداً سابقاً، وللحكومة أن تستعمله متى قام موجبه بالموظف بحسب تقديرها، ولئن كان نص المادة 6 قد جرى على أن ذلك يكون "نهائياً ولا يمكن المعارضة فيه"، إلا أن مثل هذا النص لا يمنع تعقيب القضاء في حالات مجاوزة السلطة، سواء لمخالفة الدستور أو القانون أو الانحراف بالسلطة. على أن ما ينعاه المدعي على الحكومة - من أنها إذ أنهت عقده لارتداده عن الإسلام واعتبارها ذلك منه "سوء سلوك شديد" يبرر إنهاء العقد بالتطبيق للمادة 6 مخالف الدستور الذي يكفل حرية العقيدة - أن هذا الذي ينعاه المدعي على الحكومة في غير محله؛ لأنه لا يجوز الخلط بين حرية العقيدة في ذاتها وبين سوء السلوك الشديد الذي قد يستفاد من التلاعب بالعقيدة والأديان أياً كانت العقيدة أو الدين بقصد تحقيق مآرب خاصة وأغراض دنيوية معينة، سرعان ما يرتد مثل هذا المتلاعب بالعقيدة أو الدين عن عقيدته أو دينه إذا ما تحققت مآربه الخاصة وأغراضه الدنيوية الزائلة، ومع التسليم بحرية العقيدة أو الدين، بمعنى أنه لا يجوز إكراه شخص على اعتناق عقيدة معينة أو دين معين، إلا أنه ليس من شك في أن مسلك المتلاعب بالعقيدة وبالأديان بقصد تحقيق تلك المآرب والأغراض أياً كانت العقيدة والدين يصمه بسوء السلوك الشديد من الناحية الخلقية، فما كانت العقائد والأديان مطية لتحقيق أغراض دنيوية زائلة، وإنما تقوم العقيدة فيها على الإيمان بها والإخلاص لها؛ ومن ثم كان الشخص الذي يتلاعب بها لتحقيق مثل تلك المآرب والأغراض هو شخص يمسخ الحكمة التي تقوم عليها حرية الدين والعقيدة مسخاً ظاهر الشذوذ؛ ولذا كان يعتبر مسلكه هذا في نظر الأديان جميعاً مسلك الشخص الملتوي سيء السلوك. وعلى هذا النظر قدرت الإدارة مسلك المدعي حين أعلنته بإنهاء العقد وبمراعاة أن سوء سلوك الموظف الشخصي في غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام في مجال الوظيفة من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها ووجوب أن يلتزم في سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار، فيكون تصرفها بالتطبيق للمادة 6 قد قام على سببه لقيام موجبه؛ ومن ثم يكون إنهاء العلاقة بين الحكومة والمدعي - سواء بالتطبيق للمادة 6 أو بالتطبيق للمادة 8 - قد جاء سليماً مطابقاً للقانون، ويتعين إلغاء الحكم، والقضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش