موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

استناد الوزارة إلى التحقيق الإداري الذي أجرته وثبت منه إسهام المدعي بخطئه الواضح في الضرر الذي ترتب عليه مسئوليتها بالتعويض كمتبوعة .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1965 إلى آخر سبتمبر سنة 1965) - صـ 1569

(142)
جلسة 6من يونيه سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة على محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 1772 لسنة 6 القضائية

( أ ) مسئولية مدنية - تعويض - تقادم - الحكم بإلزام وزارة الداخلية بالتعويض على أساس مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة - للوزارة بهذا الوصف حق الرجوع على المسئول عن عمله التقصيري من تابعيها - أساس هذا الرجوع ومصدره هو القانون - تقادمه بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ ثبوت مسئولية الوزارة عن فعل الغير بموجب حكم نهائي.
(ب) مسئولية مدنية - تعويض - موظف - مرتب - تصرف الوزارة باستقطاع ربع راتب المدعي استيفاءً لنصف مبلغ التعويض المقضي به عليها باعتبارها متبوعة - استناد الوزارة في ذلك إلى مقدار الخطأ الذي أسهم به التابع فيما أصاب المضرور - لا تثريب عليه.
(ج) مسئولية مدنية - تعويض - حكم نهائي - الحكم النهائي الصادر بإثبات مسئولية الوزارة عن التقصير المنسوب إلى تابعيها بصفة عامة - لا يحول دون الوزارة وتعيين المقصر من تابعيها وتحميله نصيباً عادلاً من التعويض المقضي به.
(د) مسئولية مدنية - موظف - تحقيق إداري - استناد الوزارة إلى التحقيق الإداري الذي أجرته وثبت منه إسهام المدعي بخطئه الواضح في الضرر الذي ترتب عليه مسئوليتها بالتعويض كمتبوعة واعتبارها المدعي مدنياً بحصة من هذا التعويض سليم لا تثريب عليه.
1- متى كان الحكم النهائي الصادر من محكمة الاستئناف قد قضى بإلزام وزارة الداخلية بالتعويض المدني لصالح المضرور بطريق التضامن مع أحد موظفيها (مأمور مركز أبي حمص) على اعتبار أنهما مسئولان عن تابعيهما مسئولية المتبوع عن تابعيه وليسا مسئولين معهم عن خطأ شخصي وقع منهما وساهم في إحداث الضرر، فإن الوزارة بهذا الوصف تعتبر في حكم الكفيل كفالة ليس مصدرها العقد وإنما مصدرها القانون، فإذا دفعت التعويض به باعتبارها مسئولة عن تقصير تابعها الذي كان أساساً للتعويض تنفيذاً للحكم النهائي سالف الذكر الصادر في الدعوى المدنية، فإن لها بهذا الوصف أن تحل محل الدائن المحكوم له بالتعويض في حقوقه ويحق لها الرجوع بجميع ما أدته على المأمور وعلى المسئول عن عمله التقصيري من تابعيها وفقاً للمادة 175 من القانون المدني ويكون رجوعها على هؤلاء التابعين كالمدعي مصدره القانون لأن القانون المدني في المادة المشار إليها هو الذي خولها حق الرجوع في الحدود التي يكون فيها هذا التابع مسئولاً بخطئه الشخصي المباشر عن تعويض هذا الضرر، ولا ريب في أن هذا الرجوع ومصدره هو القانون وأسلوبه هو التنفيذ المباشر على مرتب المدعى، هو رجوع صحيح لم يلحقه التقادم ما دام قد وقع في خلال خمس عشرة سنة من تاريخ ثبوت مسئولية الوزارة عن فعل الغير بموجب الحكم النهائي الصادر، ومن ثم يتعين رفض الدفع بسقوط حق الوزارة بالتقادم.
2- إذا كان التصرف الإداري باستقطاع ربع راتب المدعي استيفاءً لنصف مبلغ التعويض المقضي به على وزارة الداخلية ومأمور المركز هو نتيجة متفرعة عما استظهره الحكم النهائي الصادر من محكمة الاستئناف من أن الوزارة المذكورة والمأمور مسئولان عن تعويض المضرور، الأولى باعتبارها متبوعة والثاني بوصفه رئيساً مباشراً مفرطاً في واجب الإشراف على مرءوسيه، وكان الحكم المشار إليه الحائز لقوة الأمر المقضي قد فصل في مسألة أساسية استقرت حقيقتها بين المضرور وبين المتبوع وهي وقوع ضرر بالأول من جراء الخطأ المنسوب إلى تابعي الوزارة عامه، وكان مؤدى ذلك كله أن هذا الحكم النهائي لم يفصل في تحديد العلاقة فيما بين وزارة الداخلية والمأمور من جانب وبين التابعين من جانب آخر ولم يحدد أي التابعين الذي يتعين مساءلته عن الفعل التقصيري الذي قارفه وأفضى إلى حصول التلف بالسيارة وأنه ينبغي أن يتحمل حصة عادلة من هذا التعويض كما تحمله مأمور المركز، فإن التصرف الإداري الذي تكفل بتحديد هذا الضمان فيما بين وزارة الداخلية وأحد التابعين جاعلاً المناط فيه مقدار الخطأ الذي أسهم به فيما أصاب المضرور يكون تصرفاً سليماً لأنه لم يخالف ما قضى به الحكم النهائي بل جاء متفقاً مع مقتضاه متسقاً مع مؤداه.
3- أن حجية حكم محكمة الاستئناف النهائي تقف عند حد تحقيق مدى الضرر وإثبات مسؤلية الوزارة المتبوعة عن التقصير المنسوب إلى تابعيها بصفة عامه، وهو الأمر الذي كان وحده موضوع الجدل والتفاضل بين طرفي الخصومة والاحترام الواجب لهذا الحكم في حدود هذه الحجية ليس من شأنه أن يمنع الوزارة من تعيين المقصر من تابعيها تعييناً تنحسم على موجبه علاقة الرجوع القانوني فيما بين المتبوع والتابعيين لأن هذه العلاقة لم تكن موضوع تنازع بين وزارة الداخلية وموظفيها المقصرين بل أن مسئولية المدعي عن خطئه الذي أثبته التحقيق الإداري لم يكن محل بحث الحكم النهائي المذكور لأنه كان خارجاً عن الخصومة التي فصل فيها الحكم. وإذن فلا تناقض البتة بين مقتضى حكم محكمة الاستئناف وبين التصرف الإداري بتحميل المدعي نصيباً عادلاً من التعويض المقضي به. وبهذه المثابة فإن الدعوى الحاضرة التي يثار فيها الضمان الفرعي الموجهة إلى التابع المخطئ من جراء التنفيذ الإداري المباشر تختلف عن الدعوى المدنية السابقة موضوعاً وخصوماً وسبباً.
4- لا تثريب على وزارة الداخلية لو اعتبرت المدعي مديناً بحصة من التعويض المحكوم به استناداً إلى التحقيق الإداري الذي أجرته وثبت منه أنه أسهم بخطئه الواضح في الضرر الذي قامت عليه المسئولية الإدارية التي أثبتها الحكم النهائي سالف الذكر الأمر الذي اتجه معه مجلس التحقيق إلى خصم قيمة التعويض المقضي به من مرتبي المدعي ومأمور المركز مناصفة وإلى الاستغناء بذلك عن مجازاتهما عما فرط منهما وخاصة وقد مضى على الحادث زمن ينبغي معه إسدال الستار عليه.


"إجراءات الطعن"

بتاريخ 23/ 6/ 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 27/ 4/ 1960 في الدعوى رقم 1216 لسنة 12 القضائية المرفوعة من اليوزباشي/ حسين عطية مصطفى ضد وزارة الداخلية القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من وزير الداخلية باستقطاع ربع مرتب المدعي شهرياً وفاءً لمبلغ 157 جنيهاً و650 مليماً وألزمت المدعى عليها بالمصروفات وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات والأتعاب، وقد أعلن الطعن للمدعى في 5/ 1/ 1961، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 2/ 2/ 1963 وأخطرت الحكومة والمدعي في 12/ 1/ 1963 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 10/ 5/ 1964. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه المبين تفصيلاً بالمحضر، أعيدت الدعوى لهيئة مفوضي الدولة لتقديم تقريراً تكميلياً تناقش فيه مدى ما لحكم محكمة الاستئناف بالإسكندرية من حجية في العلاقة ما بين الحكومة والمطعون ضده في ضوء أسباب حكم المحكمة المذكورة، وهل للجهة الإدارية أن تعارض هذه الحجية الظاهرة بتصرفها الإداري القاضي بالخصم من مرتبه أم يقتضي الحال فيها الرجوع على المطعون عليه بدعوى الضمان اعتباراً بأنه لا قوة للحكم الأول تمنع هذه الدعوى، ثم قررت المحكمة بعد استيفاء كافة أوراق الدعوى إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من وزير الداخلية باستقطاع ربع مرتبه شهرياً وفاءً لمبلغ 157 جنيهاً و650 مليماً قيمة نصف التعويض المحكوم به على الوزارة بالتضامن مع القائمقام مصطفى حافظ رجب مأمور مركز أبو حمص سابقاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار سالف الذكر وكافة الآثار المترتبة عليه، وقال في بيان ذلك أنه في يناير سنة 1952 وقعت سرقة مواشي بدائرة مركز أبو حمص وكان وقتئذ رئيساً لنقطة كوم القناطر التابعة للمركز المذكور، وقد تمكن من ضبط الماشية المنوه عنها تحملها سيارة نقل فحرر محضر الضبط وأثبت فيه أن السيارة التي كانت تحمل المواشي المسروقة بحالة جيدة وأنه لم يتمكن من تسييرها لتسليمها في المركز بسبب تفريغ إطارات عجلاتها وهطول الأمطار وأنه سلمها في مكان الضبط للسيد مأمور المركز القائمقام مصطفى رجب وأقام عليها حراسه مسلحة، وحدث أن بقيت السيارة في مكانها مدة تعرضت فيها بعض أدواتها للسرقة والتلف فأقام صاحبها المدعو بخيت رمضان دعوى مستعجلة لإثبات حالتها وما أصابها من تلف، ثم أقام ضد وزارة الداخلية ومأمور المركز دعوى بالمطالبة بتعويض ما عاد عليه من ضرر بسبب التلف الذي أصاب السيارة وحرمانه من الانتفاع بها فترة تعطيلها فقضى له نهائيا بإلزام وزارة الداخلية بالتضامن مع القائمقام مصطفى رجب بتعويض قدره 305 جنيه مع مصاريف الدعوى. وأضاف أن الوزارة بعد صدور هذا الحكم شكلت مجلس تحقيق لتحديد المسئولية عن التعويض المحكوم به ضدها وانتهى قرارها في شأنه باعتبار المدعي مسئولاً بالتضامن مع القائمقام مصطفى رجب عن التعويض المحكوم به عليها، ومن ثم قررت الرجوع عليه بنصف هذا المبلغ وأمرت بخصم ربع راتبه شهرياً وفاءً له. واستطرد المدعي إلى أن قرار الوزارة في ذلك باطل لمخالفته القانون لصدوره من سلطة لا تملكه إذ المختص بتحديد المسئولية هو القضاء فضلاً عن مناقضة القرار المذكور لحكم انتهائي صادر من السلطة القضائية المختصة حدد المسئولية عن التعويض، ثم أنه ليس للوزارة أن ترتكن على قرار مجلس التحقيق الذي شكلته لأن سلطة هذا المجلس بنص المادة 288 من قانون الأحكام العسكرية لا تتعدى جمع البيانات فلا سلطان له في تحديد المسئولية عن التعويض. وقد حكم بجلسة 2/ 12/ 1959 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فطعنت هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم، وقضت المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1960 برفض طلب وقف التنفيذ وألزمت المدعي بمصروفات هذا الطلب وبجلسة 27/ 4/ 1960 قضت المحكمة في موضوع الدعوى بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من وزير الداخلية باستقطاع ربع مرتب المدعي شهرياً وفاءً لمبلغ 157 جنيهاً و650 مليماً وألزمت المدعى عليها بمصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي. وأقامت المحكمة قضائها على أنه يبين من الحكم الاستئنافي القاضي بالتعويض ضد الوزارة المدعى عليها بالتضامن مع القائمقام مصطفى رجب أن المدعي لم يختصم في الدعوى الصادر فيها الحكم إذ لم تفكر الوزارة في إدخاله ليحكم عليه إذا ثبتت مسئوليته عن تلف السيارة المطالب بالتعويض عنها أو يقضي برفض طلب التعويض ضده إذا ثبت عدم مسئوليته، وإذ كان أساس القرار المطعون فيه هو قول الوزارة أن مسئولية المدعي عن حادث تلف السيارة قد بانت من تحقيق أجري معه بواسطة مجلس شكل لهذا الغرض فإنه يبين من إجراءات التحقيق المشار إليه ومن أوراق الدعوى أن محضر ضبط الواقعة الذي يقول المدعي أنه سجل فيه إجراءاته بما فيها إقامة حراسة مسلحة على السيارة بسبب عدم إمكان تسييرها وإرسال المحضر بعد ذلك إلى المركز. أن هذا المحضر قد دشت ولم يعد له أثر، وأنه إن صح أن المدعي قام بما ذكر فإن مسئوليته عن تلف السيارة تضحى محل نظر. والمحكمة لا تعول في تقرير مسئولية المدعي عن الخطأ الذي أدى إلى الحكم على الوزارة بالتعويض على ما ورد بأقوال الشهود الذين سمعهم مجلس التحقيق لأن أقوال هؤلاء جاءت بعد حدوث الواقعة بنحو ثماني سنوات فضلاً عن أن الوزارة لو كانت قد استبانت من محضر التحقيق الذي عمل عند ضبط الواقعة أن إهمالا وقع من المدعي في التحفظ على السيارة لكانت أدخلته في دعوى التعويض المرفوعة ضدها ولذلك فإن استناد القرار المطعون فيه على افتراض وقوع خطأ من جانب المدعي استخلاصاً من إجراءات مجلس التحقيق يكون في غير محله وبالتالي يتعين إلغاء القرار المذكور.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من الحكم الصادر في الدعوى المدنية قد بني قضاءه على أساس أن الثابت من أوراق الدعوى ثبوتاً لا يقبل الجدل أن ضابط نقطة كوم القناطر - المطعون ضده - قد انتقل إلى مكان ضبط السيارة في 16/ 1/ 1952 وبعد أن عاينها أثبت في محضره أن السيارة بحالة جيدة، ثم تركها في حراسة العسكري يوسف الفار ووكيل شيخ الخفراء للمحافظة عليها، ومتى ثبت ذلك فإن رجال الإدارة يكونون مسئولين عما يلحق السيارة من تلف أو سرقة، وتترتب هذه المسئولية على التقصير والإهمال الحاصل منهم في واجب الحراسة المنوط بهم، الأمر الذي يستتبع مسئولية مأمور المركز باعتباره الرئيس المباشر لرجال الإدارة التابعين له ومسئولية الوزارة باعتبار أن المأمور تابع لها دون حاجة لإثبات وقوع التقصير والإهمال في جانب شخص معين من رجال الإدارة بل يكفى وقوع الإهمال الذي أدى إلى حصول الضرر وهو ما أثبته هذا الحكم وأقام عليه الدليل. ومن هذا يتضح مسئولية رجال الوزارة عن التلف الذي أصاب السيارة، وإذ ثبتت مسئولية رجال الوزارة بهذه الصورة فإن قرار مجلس التحقيق المشكل لبحث المسئولية لم يكن منشئاً لهذه المسئولية وإنما كاشفاً لها إذ أن مهمته انحصرت في بحث مدى مسئولية كل من المأمور والمطعون ضده في نطاق ما قضت به المحكمة المدنية، فرأى تقسيم المسئولية مناصفة بين كل من الذكورين، ومن ثم قد تم الخصم وفقاً لهذا النظر إعمالاً للقانون رقم 324 لسنة 1956 الذي أجاز للحكومة الخصم من راتب الموظف في حدود الربع استيفاءً لما ينشأ في ذمته من دين بسبب متعلق بأداء الوظيفة، ولا يغير من الأمر شيئاً عدم اختصام المطعون ضده في الدعوى المدنية إذ أنه طالما أن التقصير أو الإهمال قد وقع بالفعل فيكفي اختصام المتبوع باعتباره مسئولاً عن أخطاء تابعه، وما دام أن إهمال المطعون ضده ثابت ثبوت اليقين بالنظر إلى أنه ضبط الواقعة في 16/ 1/ 1952 ولم ينقل السيارة إلى المركز إلا في 2/ 3/ 1952 أي بعد مدة تزيد على شهر ونصف وكان لزاماً عليه أن ينقلها في نفس اليوم بالطريقة المناسبة، ولا محل لما يتذرع به من أنه لم يتمكن من نقلها بسبب عطلها طالما أنه نقلها فعلاً بعد ذلك وبحالتها هذه. وفضلاً عن ذلك فإنه هو نفسه قد قرر صراحة في محضره يوم ضبط الحادث أن السيارة كانت بحالة جيدة. ومع هذا فقد أهمل أيضاً في الإشراف على حراستها إذ أنه لم يمر على الحراس الذين عينهم لحراستها طوال مدة بقائها في الطريق وقد اعترف بذلك في التحقيق وأن علله ببعد مكان السيارة عن مقر عمله فان ذلك لا يعفيه من المسئولية ولا محل بعد ذلك لاعتراض المطعون ضده على إجراءات التحقيق أو تراخيه ما دام قد استوفى مقوماته وتوفرت فيه كافة ضمانات الدفاع.
ومن حيث إنه متى كان الحكم النهائي الصادر من محكمة الاستئناف قد قضى بإلزام وزارة الداخلية بالتعويض المدني لصالح المضرور بطريق التضامن مع أحد موظفيها (مأمور مركز أبو حمص) على اعتبار أنهما مسئولين عن تابعيهما مسئولية المتبوع عن تابعه وليسا مسئولين معهم عن خطأ شخصي وقع منهما وساهم في إحداث الضرر، فإن الوزارة بهذا الوصف تعتبر في حكم الكفيل المتضامن كفالة ليس مصدرها العقد وإنما مصدرها القانون. فإذا دفعت التعويض المقضي به باعتبارها مسئولة عن تقصير تابعها الذي كان أساساً للتعويض تنفيذاً للحكم النهائي سالف الذكر الصادر في الدعوى المدنية، فإن لها بهذا الوصف أن تحل محل الدائن المحكوم له بالتعويض في حقوقه ويحق لها الرجوع بجميع ما أدته على المأمور وعلى المسئول عن عمله التقصيري من تابعيها وفقاً للمادة 175 من القانون المدني، ويكون رجوعها على هؤلاء التابعين كالمدعي مصدره القانون لأن القانون المدني في المادة المشار إليها هو الذي خولها حق الرجوع في الحدود التي يكون فيها هذا التابع مسئولاً بخطئه الشخصي المباشر عن تعويض هذا الضرر، ولا ريب في أن هذا الرجوع - ومصدره هو القانون وأسلوبه هو التنفيذ المباشر على مرتب المدعي - هو رجوع صحيح لم يلحقه التقادم ما دام قد وقع في خلال خمس عشرة سنة من تاريخ ثبوت مسئولية الوزارة عن فعل الغير بموجب الحكم النهائي الصادر، ومن ثم يتعين رفض الدفع بسقوط حق الوزارة بالتقادم. ومن حيث إنه إذا كان التصرف الإداري باستقطاع ربع راتب المدعي استيفاءً لنصف مبلغ التعويض المقضي به على وزارة الداخلية ومأمور المركز هو نتيجة متفرعة عما استظهره الحكم النهائي الصادر من محكمة الاستئناف من أن الوزارة المذكورة والمأمور مسئولان عن تعويض المضرور، الأولى باعتبارها متبوعة والثاني بوصفة رئيساً مباشراً مفرطاً في واجب الإشراف على مرءوسيه، وكان الحكم المشار إليه الحائز لقوة الأمر المقضي قد فصل في مسألة أساسية استقرت حقيقتها بين المضرور وبين المتبوع وهي وقوع ضرر بالأول من جراء الخطأ المنسوب إلى تابعي الوزارة عامة، وكان مؤدي ذلك كله أن هذا الحكم النهائي لم يفصل في تحديد العلاقة فيما بين وزارة الداخلية والمأمور من جانب وبين التابعين من جانب آخر ولم يحدد أي التابعين الذي يتعين مساءلته عن الفعل التقصيري الذي قارفه وأفضى إلى حصول التلف بالسيارة وأيهم ينبغي أن يتحمل حصة عادلة من هذا التعويض كما تحمله مأمور المركز، فإن التصرف الإداري الذي تكفل بتحديد هذا الضمان فيها بين وزارة الداخلية وأحد التابعين جاعلاً المناط فيه مقدار الخطأ الذي أسهم به فيما أصاب المضرور يكون تصرفاً سليماً لأنه لم يخالف ما قضى به الحكم النهائي بل جاء متفقاً مع مقتضاه متسقاً مع مؤداه.
ومن حيث إن حجية حكم محكمة الاستئناف النهائي تقف عند حد تحقيق مدى الضرر وإثبات مسئولية الوزارة المتبوعة عن التقصير المنسوب إلى تابعيها بصفه عامة، وهو الأمر الذي كان وحده موضع الجدل والتدافع بين طرفي الخصومة والاحترام الواجب لهذا الحكم في حدود هذه الحجية ليس من شأنه أن يمنع الوزارة من تعيين المقصر من تابعيها تعييناً تنحسم على موجبه علاقة الرجوع القانوني فيما بين المتبوع والتابعين لأن هذه العلاقة لم تكن موضع تنازع بين وزارة الداخلية وموظفيها المقصرين بل أن مسئولية المدعي عن خطئه الذي أثبته التحقيق الإداري لم يكن محل بحث الحكم النهائي المذكور لأنه كان خارجاً عن الخصومة التي فصل فيها هذا الحكم. وإذن فلا تناقض البتة بين مقتضى حكم محكمة الاستئناف وبين التصرف الإداري بتحميل المدعي نصيباً عادلاً من التعويض المقضي به، وبهذه المثابة فإن الدعوى الحاضرة التي يثار فيها الضمان الفرعي الموجه إلى التابع المخطئ من جراء التنفيذ الإداري المباشر تختلف عن الدعوى المدنية السابقة موضوعاً وخصوماً وسبباً.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإن ما انتهى إليه حكم محكمة الاستئناف في قضائه بالنسبة إلى المأمور قيام هذا القضاء على مجرد كونه مشرفاً على تصرفات مرءوسيه من تابعي وزارة الداخلية ليس من شأنه أن يحول دون تحميل المدعي شطراً مما التزمت الوزارة بدفعه للمضرور بموجب الحكم المذكور، والمرجع في ذلك كله إلى ثبوت الخطأ في جانب المدعي بالقدر الذي تتحقق به مسئولية ويستجر مسئولية الوزارة. وإذ كان من المتعين على المدعي ألا يدخر وسعاً في اتخاذ الاحتياط اللازم لدفع الضرر الذي حاق بصاحب السيارة المشار إليها خلال مراقبته لأسلوب تنفيذ حراسة السيارة المذكورة المعهود بها إلى بعض أفراد قوة النقطة التي كان يعمل بها والتي تركت في دائرتها السيارة، وأنه لو قد بذل قدراً من الاحتياط الواجب لصون هذه السيارة لما تعرضت الوزارة المتبوعة ولا المأمور باعتباره رئيسه المباشر لما تعرضا له من قيام مسئوليتهما عن عمل الغير، ولا وجه بعد ذلك لما اعتمد عليه الحكم المطعون فيه بالنسبة لنفى مسئولية المدعى عن الخطأ الذي أدى إلى الحكم على الوزارة بالتعويض من عدم التعويل على ما ورد بأقوال الشهود الذين سمعهم مجلس التحقيق بذريعة أن أقوالهم جاءت بعد حدوث الواقعة بنحو ثماني سنوات، أو أن الوزارة لو كانت قد استبانت من محضر التحقيق الذي أجري عند ضبط الواقعة أن إهمالاً وقع من المدعي في التحفظ على السيارة لكانت أدخلته في دعوى التعويض المرفوعة ضدها، لا حجة في كل ذلك لأن الإهمال الثابت في حقه ليس مصدره أقوال الشهود وحدها بل يقوم على أساس من تصرفه هو نفسه ما دام قد ثبت من واقعة الحال في هذا الموضوع أنه ترك السيارة المشار إليها بمحل الحادث في الطريق الزراعي حتى يوم 2/ 3/ 1952. أي لمدة تزيد على شهر ونصف ثم نقلها للمركز بواسطة جرار، وفى خلال تلك الفترة لم يعين عليها حراسة جدية ترد عنها عبث العابثين وفضلاً عما تقدم فقد أثبت المدعي في الأوراق أنه سلمها للخفير عبد التواب بيومي دون أن يستوقعه على ذلك في الدفتر كما تقضي التعليمات، ثم تبين أن الذي كان يحرسها فعلاً هو خفير آخر يدعى علي محمد شتا، وفى الوقت ذاته لم ينظم الحراسة على السيارة تنظيماً يكفل جديتها إذ لا يتسنى لخفير واحد حراستها ليلاً ونهاراً لمدة شهر ونصف دون بديل يتناوبها معه في فترات راحته، وعلاوة على ذلك فإن المدعي لم يكلف نفسه مؤونة المرور على الخفير المعين لحراستها طوال المدة التي تركت فيها السيارة بالطريق العام، وقد أقر بذلك وإن علل عدم أشرافه هذا ببعد مكان السيارة عن مقر النقطة، مما لا ينهض سبباً لإعفائه من مسئولية التقصير في تأدية واجبه في هذا الشأن. وغنى عن البيان أنه ما دام المضرور نفسه هو الذي أقام دعواه ضد الوزارة ومأمور مركز أبي حمص فإن الوزارة ما كانت في حاجة، ولا كان مركزها في الدعوى يسمح لها بإدخال المطعون ضده في دعوى التعويض لأن دفاعها الأصيل كان يدور حول نفي مسئولية تابعيها جميعاً عن أي تقصير تصح نسبته إليهم حتى تنتفي تبعاً لذلك مسئوليتها وإذن فالحكم الذي صدر فيها إنما كان حده الطبيعي حسبما سبق إيضاحه واقفاً عند تحقيق مدى الضرر وإثبات قيام مسئولية الوزارة المتبوعة عن التقصير المنسوب إلى تابعيها بصورة عامه وكان هذا الأمر وحده موضع الجدل والتفاضل بين طرفي الخصومة. وإذن فلا تثريب على وزارة الداخلية لو اعتبرت المدعي مديناً بحصة من التعويض المحكوم به استناداً إلى التحقيق الإداري الذي أجرته وثبت منه أنه أسهم بخطئه الواضح في الضرر الذي قامت عليه المسئولية الإدارية التي أثبتها الحكم النهائي سالف الذكر الأمر الذي اتجه معه مجلس التحقيق إلى خصم قيمة التعويض المقضي به من مرتبي المدعي ومأمور المركز مناصفة وإلى الاستغناء بذلك عن مجازاتهما عما فرط منهما وخاصة وقد مضى على الحادث زمن ينبغي معه إسدال الستار عليه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما سبق بيانه فإن الحكم المطعون فيه وقد جرى على خلاف النظر المتقدم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله، ويتعين لذلك إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 29 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,166,757

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »