19-يكفى لتوافرها أن تكون العين سليمة قبل الإصابة ثم تصاب بضعف يستحيل برؤه أو تكون منفعتها قد فقدت كلياً حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 308
جلسة 15 من مارس سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي، ومحمد أبو الفضل حفني.
(61)
الطعن رقم 1872 لسنة 35 القضائية
(أ، ب) عاهة مستديمة.
( أ ) لا تلازم بين إحساس العين بالضوء وبين قدرتها على تمييز المرئيات. قد تحس العين بالضوء ولكنها لا تميز المرئيات فتفقد بذلك منفعتها.
(ب) عاهة مستديمة. يكفى لتوافرها أن تكون العين سليمة قبل الإصابة ثم تصاب بضعف يستحيل برؤه أو تكون منفعتها قد فقدت كلياً حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة.
(ج، د، هـ، و) إثبات. "خبرة. شهود". محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. موضوعي.
(د) للمحكمة الجزم بما لم يجزم به الأطباء في تقاريرهم. متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
(هـ) تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً.
(و) عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة.
1 - من الحقائق العلمية الثابتة أنه لا تلازم بين أحساس العين بالضوء وبين قدرتها على تمييز المرئيات، فقد تحس العين بالضوء ولكنها لا تميز المرئيات وبذلك تفقد العين منفعتها (وظيفتها).
2 - من المقرر أنه يكفى لتوافر العاهة المستديمة - كما هي معرفة به في القانون - أن تكون العين سليمة قبل الإصابة وأن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه أو أن تكون منفعتها قد فقدت كلياً حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة.
3 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع.
4 - لا تثريب على المحكمة إذا هي جزمت بما لم يجزم به الأطباء في تقاريرهم متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها أو أكدته لديها.
5 - تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 - المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، فاطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحمل المحكمة على عدم الأخذ بها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 29 مارس سنة 1962 بدائرة مركز طنطا: ضرب هانم سليمان شلبي عمداً بعصا على عينها اليسري فأحدث بها الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد إبصارها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. وادعت المجني عليها بحق مدني قدره 200 ج على سبيل التعويض قبل المتهم. ومحكمة جنايات طنطا (دائرة المستشار الفرد) قضت حضورياً في 19 أكتوبر سنة 1964 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنين وإلزامه أن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
أولاً: (تقرير الأسباب الأول المودع بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1964).
وحيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة وألزمه بالتعويض قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن تمسك في دفاعه الذي أبداه أمام المحكمة بوجود خلاف بين التقارير الطبية مما لا يصح معه الاعتماد عليها مع قيام هذا الخلاف وهو في ذلك كان يشير إلى اختلاف هذه التقارير في وصف إصابات المجني عليها، غير أن المحكمة لم تفهم ما رمى إليه دفاع الطاعن وردت عليه بما لا يصلح رداً مقتصرة على ترديد النتيجة التي انتهت إليها التقارير المشار إليها، هذا إلى أن التقرير الطبي الشرعي قد تضمن أن العين المصابة كانت تبصر الضوء وهذا قدر من قوة الإبصار ومع ذلك فقد انتهى إلى أنها فاقدة قوة الإبصار الأمر الذي كان يقتضي من المحكمة أن تتقصي سببه لاحتمال أن يكون فقد الإبصار نتيجة سوء العلاج ولإزالة الشك في نقص كفاءة عين المجني عليها - وهو ما أثاره الطاعن في دفاعه أيضاً. ومتى كانت المحكمة قد واجهت هذه المسائل الفنية فقد كان ينبغي عليها أن تتخذ بشأنها ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر منها، هذا فضلاً عن أن الدفاع عن الطاعن قد أشار كذلك إلى تعدد إصابات المجني عليها، وهو في ذلك كان يعنى أن هذه الإصابات كما وصفت بالتقرير الطبي الشرعي يستحيل عقلاً أن تنشأ من ضربة واحدة بالعصا على ما روته المجني عليها، كما أشار إلى أن التجمع الدموي إنما يحدث من ضرب الطوب وأن السحج يحدث من التماسك وأن القرحة السطحية لا يمكن أن تحدث من الضرب بعصا ويغلب أن تكون ناشئة عن حالة مرضية وتمسك أيضاً باحتمال أن تكون إصابات المجني عليها قد نتجت عن سقوطها على الأرض، ورغم أهمية ما أبداه الدفاع عن الطاعن في شأن ذلك كله فإن الحكم لم يعن بالرد عليه. كما اعتمد الحكم على أقوال الشهود وعلى ما جاء بالتقارير الطبية في القول بأن المجني عليها كانت تبصر قبل الإصابة في حين أن الاستدلال بأقوال الشهود غير قاطع في هذا الشأن كما أن التقارير الطبية خالية من تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة، ومن ثم فقد كان ينبغي أن يفصل في هذه المسألة الفنية طبيب مختص.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في يوم 29/ 3/ 1963 بدائرة مركز طنطا محافظة الغربية، بينما كانت المجني عليها هانم سليمان شلبي بمسكنها مع ابنة ابنها المتوفى فوزية عبد العليم الجوهري الشهيرة بنادية إذ حضرت والدة هذه الأخيرة السيدة حسن الغريب وزوجها المتهم علي أحمد سليمان مطاوع (الطاعن) الذي تزوجته بعد وفاة زوجها السابق ابن المجني عليها وحصلت مشادة بينهما وبين المجني عليها لأن هذه الأخيرة رغبت أن تكون هي الوصية على أولاد ابنها وأقامت الدعوى بخصوص ذلك وانتهت المشادة بأن ضرب المتهم المجني عليها بالعصا على عينها اليسرى فأحدث بها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد قوة إبصار هذه العين" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال المجني عليها وبنت ابنها المتوفى فوزية عبد العليم الجوهري وشيخ الخفراء فؤاد محمد شلبي والخفير النظامي شحاتة عبد الحليم عيسى، ومن التقارير الطبية. وقد حصل الحكم ما أوردته هذه التقارير في قوله "وتبين من التقرير الطبي الابتدائي أنه وجد بالمجني عليها هانم سليمان شلبي تجمع دموي خلوي للحاجب العلوي للعين اليسرى وجرح رضي طوله 3 سم وعضه بالكتف الأيمن وسحجه بالركبة اليمنى. وتبين من التقرير الطبي الشرعي المحرر بمعرفة الدكتور صلاح الدين مكارم نائب الطبيب الشرعي أن أوراق علاج مستشفى رمد طنطا يؤخذ منها أن المجني عليها أدخلت المستشفى بتاريخ 30/ 3/ 1962 وبالكشف عليها شوهد بها من الإصابات كدمات رضية وسحجات بالجانب الأيسر من الوجه والجفون اليسرى والحاجب الأيسر مع تجمع دموي بالجفون وقرحة سطحية بقرنية العين اليسرى وحدقة العين اليسرى متسعة وعدسة العين اليسرى البللورية معتمة وقوة إبصار العين المصابة تبصر الضوء فقط، وقد أجرى لها ما يلزم وأخرجت بتاريخ 2/ 5/ 1962 ويبين التقرير الطبي الشرعي أن إصابات المجني عليها الموصوفة بالجانب الأيسر من الوجه والجفون اليسري والحاجب الأيسر قد لوحظ أنها شفيت كما لوحظ أن قوة إبصار عين المصابة اليسرى تكاد تكون منعدمة وقد رؤى تحويلها للسيد أخصائي الرمد للكشف عليها وإبداء الرأي فورد تقرير الدكتور محمد عبد الحميد عطية أن بالعين اليسرى المصابة 1 - بالملتحمة الجفنية رمد حبيبي ملتئم. 2 - بالقرنية سيل علوي ملتئم وقوس شيخوخي وهى مشيرة والخزانة الأمامية معدومة تقريباً. 3 - الحدقة ممتدة إلى قطر 4 ملليمتر وغير منتظمة الدائرة وتأثرها بالضوء والتكييف معدوم. 4 - توتر العين مرتفع. 5 - العدسة بها عتامة كاملة. 6 - قاع العين لا يمكن رؤيته 7 - ميدان النظر معدوم 8 - حركات العين طبيعية وقوة إبصارها مرأى الضوء معدوم والنتيجة أنه يرجح أن الحالة المشاهدة الآن بالعين اليسرى نتجت عن إصابة كالموصوفة بالكشف وفى تاريخ يتفق معها وهى عاهة مستديمة أفقدت العين اليسرى إبصارها السابق وأصبحت نهائية. ومما تقدم يرى الطبيب الشرعي أن حالة إصابة المجني عليها هانم سليمان شلبي قد تغيرت معالمها الأصلية بالتداخل الجراحي وطروء عوامل الالتئام وأخذاً بما جاء بشأنها بالأوراق الطبية نرى أنها كانت رضية حديثة نوعاً تنشأ من المصادمة بجسم صلب راض أياً كان نوعه وقد أصبحت حالة إصابتها ذات صفة نهائية وقد تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة نتيجة لفقد قوة إبصار العين اليسرى ومدى هذه العاهة ما كانت تتمتع به العين المذكورة من قوة إبصارها قبل إصابتها" ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن فحصله ورد عليه في قوله "وحيث إنه بسؤال المتهم (الطاعن) في التحقيق أنكر ما أسند إليه وصمم على الإنكار أمام المحكمة وطلب الدفاع عنه القضاء ببراءته مما أسند إليه تأسيساً على أن المتهم لم يكن موجوداً في مكان الحادث واستدل على ذلك بأنه لم يصب بسوء رغم تبادل قذف الطوب وأن هناك اختلاف في التقارير الطبية وأن مقدار النقض في كفاءة العين مشكوك فيه وأن الدعوى خالية من الدليل قبل المتهم. وحيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم وإصراره على هذا الإنكار وتطمئن تماماً إلى أقوال الشهود سالفى الذكر وتركن عليها كما تطمئن إلى ما جاء بالتقارير الطبية والشرعية سالفة الذكر وقد جاءت كلها متساندة ولا خلاف بينها فقد قرر أخصائي الرمد الدكتور محمود عبد الحميد عطية عميد الطب في تقريره كما سلف بيانه أنه يرجح أن الحالة المشاهدة الآن بالعين اليسرى نتجت عن إصابة كالموصوفة بالكشف وفى تاريخ يتفق معها وهى عاهة مستديمة أفقدت العين اليسرى إبصارها السابق وأصبحت نهائية. وجاء بتقرير الطبيب الشرعي ما يؤيد ذلك إذ قرر أن حالة المجني عليها قد تغيرت معالمها الأصلية بالتداخل الجراحي وطروء عوامل الالتئام وأخذاً بما جاء بشأنها في الأوراق الطبية نرى أنها كانت رضية حديثة نوعاً تنشأ من المصادمة بجسم صلب راض أياً كان نوعه وقد أصبحت حالة إصابتها ذات صفة نهائية وقد تخلفت لديها من جرائها عاهة مستديمة نتيجة لفقد قوة إبصار العين اليسرى ومدى هذه العاهة ما كانت تتمتع به العين من قوة إبصار قبل إصابتها ومن ثم فقد اتفق التقريران تماماً ولم يختلفا وأيدا بما جاء بهما أقوال شهود الإثبات كما سلف بيانه وقد ثبت من أقوال الشهود وقد تأيد ذلك بما جاء بالتقارير الطبية والشرعية أن المجني عليها كانت تبصر قبل الإصابة وأن فقد قوة إبصار العين اليسرى كان ذلك نتيجة الإصابة فلا عبرة بعد ذلك بالقول بأنها لم تكن ترى بهذه العين". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع، وكان الحكم فيما أوردة من أسباب صحيحة مستمدة من ذات الكشوف الطبية، قد رفع التناقض الظاهري فيما جاء بهذه التقارير عن إصابات المجني عليها، وكان من الحقائق العلمية الثابتة أنه لا تلازم بين إحساس العين بالضوء وبين قدرتها على تمييز المرئيات، فقد تحس العين بالضوء ولكنها لا تميز المرئيات وبذلك تفقد العين منفعتها (وظيفتها). لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، وكان الحكم قد اطمأن إلى ما جاء بتقرير أخصائي الرمد والتقرير الطبي الشرعي عن سبب حصول إصابة المجني عليها وتخلف عاهة مستديمة من جرائها، وكان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير، مع اعتمادها في حكمها على الرأي الوارد بالتقريرين أن تقرر أن الإصابة حصلت من الضرب بعصا على الوجه الذي شهدت به المجني عليها ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. لما كان ذلك، وكان فيما أورده الحكم فيما تقدم ما يتضمن الرد على دفاع الطاعن الذي ردده في طعنه فلا محل لما يثيره في هذا الخصوص الذي فصلت فيه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية إذ لا يصح مصادرتها في عقيدتها بطلب مزيد من التحقيقات أو ندب خبير آخر في الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى لتوافر العاهة المستديمة - كما هي معرفة به في القانون - أن تكون العين سليمة قبل الإصابة وأن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه أو أن تكون منفعتها قد فقدت كلياً حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة، وإذ ما كان الحكم قد أثبت ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي من تخلف العاهة المستديمة لدى المجني عليها وهى فقد قوة الإبصار بعينها اليسري نتيجة إصابتها التي أحدثها بها الطاعن، مما مؤداه أن العين كانت مبصرة قبل الإصابة وأن قوة الإبصار قد فقدت كلية على أثرها، وكان الحكم قد ذكر أدلة أخرى سائغة واستخلصها من التحقيق واضحة الدلالة على أن تلك العين كانت تبصر قبل الحادث ثم فقدت إبصارها بسبب الإصابة، وكان عدم إمكان تحديد قوة إبصار العين قبل الإصابة لا يؤثر في قيام جريمة العاهة المستديمة. لما كان ما تقدم، فإن الجدل الذي يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
(ثانياً) تقرير الأسباب الثاني المودع بتاريخ 28 نوفمبر سنة 1964.
وحيث إن مبنى أوجه الطعن هو الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب. ذلك بأن الحكم أسند إلى المجني عليها أنها قررت في التحقيق أن الطاعن قد ضربها بعصا على عينها اليسرى وأنها شهدت بالجلسة بمضمون ذلك في حين أن المجني عليها قالت بالجلسة "علي جه خبطني بالعصايا على عيني" وفى هذا القول تجهيل لاسم الضارب وللعين المصابة مما لا يتفق وما حصله الحكم من الأقوال التي أبدتها المجني عليها أمام المحكمة، كما أسند الحكم إلى الشاهدة فوزية عبد العليم الجوهري الشهيرة بنادية أنها قررت في التحقيق أن الطاعن ضرب جدتها المجني عليها بالعصا على عينها اليسرى وأنها شهدت بالجلسة بمضمون ذلك في حين أن الشاهدة قالت بالجلسة و"علي ضربها بالعصايا وجرى" مجهلة بذلك اسم الضارب وموضع الإصابة. وقد استند الحكم إلى أقوال شيخ الخفراء فؤاد محمد شلبي في التحقيق وبالجلسة على الرغم من أن شهادته بالتحقيق تناقض شهادته بالجلسة فقد ذكر بمحضر الشرطة أنه شاهد إصابة في أحد حاجبي المجني عليها وقرر في تحقيق النيابة أنه وجد المجني عليها مصابة في حاجبها الأيسر بالذات وأنه سألها عمن ضربها فأخبرته بأن الطاعن وزوجته قد تعديا عليها بالضرب دون أن تحدد له مكان الضرب من جسدها، ثم عاد فشهد بالجلسة بأن المجني عليها أخبرته بأن "علي" ضربها على عينها وأن زوجته عضتها، مجهلاً اسم الضارب للمجني عليها ومكان الإصابة. كما استند الحكم إلى شهادة الخفير شحاتة عبد الحليم عيسى مع أن الثابت من أقواله أنه شهد بأنه لم يرا الحادث وأنه لا يعلم عنه شيئاً. ورغم تمسك الطاعن بدفاع جوهري هو أنه لم يكن موجوداً بمكان الحادث وقت وقوعه فقد أغفل الحكم الرد على هذا الدفاع. هذا إلى أن الحكم قد استند إلى أقوال شيخ الخفراء والخفير في القول بأن المجني عليها كانت تبصر بعينها اليسرى قبل الإصابة، وهو استدلال غير سليم إذ أنه ما كان من الميسور لأي من الشاهدين تحديد العين التي كانت المجني عليها تبصر بها. وقد أخطأ الحكم كذلك في استناده إلى التقارير الطبية إذ أنها لم تجزم بأن الإصابة هي سبب العاهة كما أنها تناقضت وأثبتت إصابات بالمجني عليها لا تمت للحادث، تؤدى في ذاتها إلى فقدان البصر، من ذلك ما شوهد بها من وجود رمد حبيبي ملتئم بالملتحمة الجفنية للعين اليسرى، الأمر الذي يؤيد ما جاء بدفاع الطاعن من أن هذه العين كانت فاقدة الإبصار أصلاً قبل الحادث.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى - كما سبق القول - بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها في الأوراق. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الخطأ في الإسناد فيما حصله من الأقوال التي أدلى بها شهود الإثبات بجلسة المحاكمة مردوداً بأنه متى كان الثابت من أوراق الدعوى أن المحاكمة كانت قاصرة على الطاعن وحده فإن ذكر الشهود اسمه بالجلسة غير مقرون باسم أبيه أو جده باعتبار أنه محدث إصابة المجني عليها لا يكون فيه تجهيل بشخص الضارب، كما أن شهادة المجني عليها بالجلسة بأن الطاعن ضربها بعصا على عينها لا تجهيل فيها بالعين الواقع عليها الضرب طالما كان الثابت أن عيناً واحدة من عينيها هي التي أصيبت في الحادث وهى العين اليسرى، ولا يؤثر على سلامة الحكم كون الشاهدة فوزية عبد العليم الجوهري قد اقتصرت في الجلسة على القول بأن الطاعن ضرب المجني عليها بالعصا مع أنها فصلت في التحقيق أنه ضربها بالعصا على عينها اليسرى طالما كان كلا القولين يتفقان في أن هذا الأخير هو الذي ضرب المجني عليها بالعصا. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظرف الذي يؤدى فيه شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فلا محل لما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم إلى أقوال شيخ الخفراء طالما أنه قد أخذ منها بما اطمأن إلى صحته. ولما كان يبين من سياق أسباب الحكم المطعون فيه أن استدلاله بأقوال الخفير شحاتة عبد الحليم عيسى إنما كان بصدد واقعة إبصار عين المجني عليها قبل الإصابة دون واقعة الضرب التي أثبت الحكم أنه لم يشاهدها، وكان الحكم قد استخلص أدلة الثبوت في الدعوى استخلاصاً سائغاً، وكانت تلك الأدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها، فإنه لا يجوز أن تصادر محكمة الموضوع في اعتقادها أو المجادلة في تلك الأدلة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، وكان اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها دالا على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحمل المحكمة على عدم الأخذ بها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بدعوى الفساد في الاستدلال والقصور في الرد على دفاعه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا تثريب على المحكمة إذا هي جزمت بما لم يجزم به الأطباء في تقاريرهم متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وكان الحكم قد أثبت أن المجني عليها كانت تبصر بعينها اليسرى قبل الحادث وأنها فقدت إبصارها بسبب الإصابة التي أحدثها بها الطاعن، وكان قد سبق الرد على باقي الأوجه بما تضمنه الرد على التقرير الأول فإن ما ينعاه الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ساحة النقاش