موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

ن القانون إذ نص في الشطر الأوّل من المادة 337 من قانون العقوبات على عقاب "كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب" قد نهى في عبارة صريحة، لا لبس فيها ولا غموض، عن إصداره كل شيك لا يوجد له قبل إصداره مقابل وفاء كافٍ وممكن التصرف فيه.

الحكم كاملاً

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 101

جلسة 19 فبراير سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(63)
القضية رقم 202 سنة 10 القضائية

نصب. شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب. إعطاؤه. عقاب. سوء القصد في هذه الجريمة. متى يتوافر؟ ماهية الشيك. وجود مقابل للشيك عند استحقاقه لا عند إصداره. لا يغني.

(المادة 337 ع والقانون رقم 44 لسنة 1939)

إن القانون إذ نص في الشطر الأوّل من المادة 337 من قانون العقوبات على عقاب "كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب" قد نهى في عبارة صريحة، لا لبس فيها ولا غموض، عن إصداره كل شيك لا يوجد له قبل إصداره مقابل وفاء كافٍ وممكن التصرف فيه. ولم يشترط لإنزال العقاب بمن يخالف نهيه هذا إلا مجرّد علمه بأن الشيك الذي أصدره لم يكن له وقت إعطائه لمن أصدر له مقابل وفاء مستكمل لتلك الصفات. هذا هو مفهوم عبارة نص القانون. وهو الذي استقرّ عليه القضاء وفقه القانون الفرنسي الذي نقل عنه هذا النص. وهو كذلك الذي يتفق مع طبيعة الشيك والغرض الذي أعدّ له مما كان له اعتبار في القانون رقم 44 لسنة 1939 الذي فرض رسم دمغة على الشيك أقل من سائر الأوراق التجارية ولم يكن ذلك إلا لأنه أداة دفع ووفاء تغني عن استعمال النقود وتستحق الأداء لدى الاطلاع دائماً وليس أداة ائتمان تمكن المطالبة بقيمتها في غير التاريخ الذي أصدرت وأعطيت فيه بالفعل. ومتى كان هذا مقرّراً كان القول بأن القانون لا يوجب وجود مقابل للشيك إلا عند استحقاقه أو في وقت موعد دفعه، لا في وقت إصداره، وأن العبرة إذن في سوء القصد هي العلم بوجود المقابل وقت الاستحقاق أو الدفع فقط - هذا القول كله مخالف لصريح النص الذي صدر به القانون فلا يمكن بأية حال التعويل عليه.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى بأوجه الطعن المقدّمة منه على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ قضى بإدانته. ذلك لأنه (أوّلاً) إذا كان الضرر قد وقع على البنك الأهلي لعدم حصوله على دينه فليس تحرير الشيك هو السبب في ذلك وإنما السبب هو مداينة البنك للمطاعن الذي هو موظف فيه، وذلك بناء على مجرّد ثقته بموظفيه. وإذا كان مجرّد إعطاء الشيك بدون وجود رصيد تتوافر به بعض عناصر سوء النية فإن الطاعن أعطى الشيك وهو يقصد الوفاء حقيقة، وهذا دليل على حسن نيته، وكل خطئه أنه علق إمكان قيامه بالوفاء على آمال هو يعلم - كما تقول المحكمة - أنها متعذرة أي ليست مستحيلة. وإذن فهو حسن النية وإن كان سيء التقدير، وقصد الإضرار منعدم في حقه لأن المحكمة لم تستطع، وما كانت لتستطيع، أن تدلل على توافره. فالواقعة لا يعاقب عليها القانون لانتفاء سوء النية، ولأن الجريمة تستلزم وقوع ضرر ولو احتمال بالمجني عليه. وقد قال "بيرس" إنه قبض 400 جنيه في 20 ديسمبر سنة 1938 والشيك محرّر بمبلغ 200 جنيه في 16 ديسمبر، وتمسك الطاعن بأن المبلغ الذي دفعه هو لسداد قيمة الشيك، وأنه صاحب الحق في تعيين الدين الذي يريد وفاءه. والقانون ينص على أنه في حالة عدم التعيين تستنزل المدفوعات من الدين الذي للمدين زيادة منفعة في وفائه. ومن جهة أخرى فإن الشيك سابق على الإيصال المؤرّخ 19 ديسمبر، فيجب أن يكون خصم المدفوع من الشيك أوّلاً. ومع كل هذا فإن محكمة الدرجة الأولى قالت إن "بيرس" قرر بأن المبلغ وصله خصماً من مبالغ سابقة على تحرير الشيك، وهذا خطأ منها كما تقدّم، ولأن هذا الزعم لا يجوز إثباته بشهادة الشهود. (وثانياً) أن هناك خطأ في الإسناد لأن "بيرس" لم يقل إن مبلغ الـ 400 جنيه الأخيرة دفعت وفاء لدين سابق على تحرير شيك 16 ديسمبر، بل هو يقول في صراحة إنه حصل وفاء لقيمة الشيك وسند الدين معاً، وإن الباقي هو 250 جنيهاً. وهذا الإسناد الخاطئ هو الذي أقيمت عليه إدانة الطاعن. (وثالثاً) أن الحكم لم يعنَ بأقوال الدفاع. فقد قاطعت المحكمة المحامي وهو يترافع فطلب إليها إعطاءه مهلة أسبوعاً لتحرير مذكرة فأجيب إلى طلبه، ثم قدّم مذكرة مفصلة وإذا بها تقضي بتأييد الحكم الابتدائي من غير أن تناقش أوجه الدفاع الخاصة بالضرر وسوء النية والخطأ في تقدير الواقعة.
وحيث إن القانون إذ نص في الشطر الأوّل من المادة 337 عقوبات على عقاب "كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب" قد نهى في عبارة صريحة لا لبس فيها ولا غموض عن إصدار كل شيك لا يوجد له قبل إصداره مقابل وفاء كافٍ ويمكن التصرف فيه. ولم يشترط لإنزال العقاب بمن يخالف نهيه هذا إلا مجرّد علمه بأن الشيك الذي أصدره لم يكن له وقت إعطائه لمن أصدر له مقابل وفاء مستكمل لتلك الصفات. هذا هو مفهوم عبارة نص القانون، وهو الذي استقر عليه القضاء وفقه القانون الفرنسي الذي نقل عنه هذا النص، وهو كذلك الذي يتفق مع طبيعة الشيك والغرض الذي أعدّ له مما كان له اعتبار في القانون رقم 44 لسنة 1939 الذي فرض رسم دمغة على الشيك أقل من سائر الأوراق التجارية. وما ذلك إلا لأنه أداة دفع ووفاء تغني عن استعمال النقود وتستحق الأداء لدى الاطلاع دائماً، وليس أداة ائتمان تمكن المطالبة بقيمتها في غير التاريخ الذي أصدرت وأعطيت فيه بالفعل. ومتى تقرّر ذلك يكون القول بأن القانون لا يوجب وجود مقابل وفاء للشيك إلا عند استحقاقه أو في وقت موعد دفعه لا في وقت إصداره، وأن العبرة إذن في سوء القصد هي العلم بعدم وجود المقابل وقت الاستحقاق أو الدفع فقط - هذا القول كله مخالف لصريح النص الذي صدر به القانون فلا يمكن بأية حال التعويل عليه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أثبت على الطاعن أنه: (أوّلاً) بتاريخ 20 ديسمبر سنة 1938 بدائرة قسم عابدين أعطى إدارة البنك الأهلي شيكاً على البنك التجاري بمبلغ 400 جنيه لا يقابله رصيد قائم، وذلك بسوء نية. (ثانياً) بتاريخ 16 ديسمبر سنة 1938 أعطى مارك بيرس شيكاً على البنك الأهلي بمبلغ 200 جنيه بسوء نية لا يقابله رصيد قائم. وأدانه بالمادة 337 من قانون العقوبات ووقع عليه عقوبة واحدة عن الشيكين، وذكر عن التهمة الأولى أنها "ثابتة على المتهم (الطاعن) من أقوال المسيو جيفاتي بلكوني الذي شهد بأن المتهم وهو موظف في البنك الأهلي معه مرّ عليه في صباح يوم الحادثة وسأله عما إذا كان وصل للبنك الأهلي رصيد جديد باسمه بمبلغ 400 جنيه فأفهمه الشاهد بالنفي فانصرف ثم عاد بعد الظهر حوالي الساعة الرابعة مساءً وأخبر الشاهد بأن مبلغ الأربعمائة جنيه الذي سأله عنه في الصباح موجود فعلاً بالكمبيو وأنه بعد قليل من الزمن يأخذ الحساب إجراءاته المعتادة ويرد للخزينة. ولأن المتهم موظف بالبنك وقد أظهر للشاهد حاجته الضرورية لصرف المبلغ حالاً فقد وثق بأقواله وأشر على الإيصال الذي حرّره المتهم على نفسه بالصرف فذهب المتهم وصرفه من الخزينة. وأراد الشاهد بعد ذلك الاطمئنان إلى وصول المبلغ فسأل في قسم الكمبيو فوجد أن للمتهم شيكاً مسحوباً على البنك التجاري بمبلغ 400 جنيه، ولأن موعد إغلاق البنوك كان قد حان في ذلك الوقت فقد عرف الشاهد أنه لا يمكن صرف الشيك في نفس اليوم. وقد خشي عند ذلك أن لا يكون للمتهم رصيد فطالبه برد المبلغ ولكنه فهم منه أنه تصرف فيه وليس موجوداً معه، فعرض الشاهد الأمر على الباشكاتب، وطلب منه المصادقة على صرف المبلغ لأن المتهم كان أفهمه شفهياً قبل ذلك أن الباشكاتب موافق على الصرف، ولكن الباشكاتب رفض المصادقة طالما أن المتهم ليس له رصيد يفي بالمبلغ المطلوب. ولما انكشف الأمر على الوجه المتقدّم أرسل الباشكاتب الشيك الذي أعطاه المتهم لإدارة البنك الأهلي بمبلغ الأربعمائة جنيه إلى البنك التجاري لصرف قيمته، فجاء الرد بأن المتهم ليس له رصيد. وفي صباح اليوم التالي استعلم من إدارة البنك التجاري مرة أخرى فكان الرد واحداً وهو أن المتهم لا رصيد له بالبنك المذكور. فأبلغ الأمر للبوليس، وكان المتهم قد هرب في مساء اليوم السابق وأرسل خطاباً لإدارة البنك الأهلي يعترف فيه بجريمته ويقول إنه سينتحر خشية العار كما أرسل لأهله خطاباً بالمعنى المتقدّم. وأضاف الحكم أن شهادة المسيو روبير كوران باشكاتب البنك الأهلي لا تخرج عن معنى الشهادة المتقدّمة. وقد شهد المسيو أوغسطولاندس صراف البنك الأهلي أنه صرف للمتهم مبلغ 400 جنيه لما وجد الإيصال المحرّر منه مستوفى، وكان ذلك حوالي الساعة 4 مساء يوم 20 ديسمبر سنة 1938، أما المتهم فقد اعترف في تحقيق البوليس والنيابة وأمام المحكمة بجلسة المحاكمة بصدور الشيك منه، وبأنه لم يكن له رصيد بالبنك التجاري وقت إعطاء الشيك، ولكنه قرّر أن ذلك كان يحسن نية لأنه كان يتعامل مع مارك بيرس في مشترى ليرات إيطالية منه، وأن هذا الأخير كان قد وعده بإحضار سبعين ألف ليرة في يوم 20 ديسمبر سنة 1938، وأنه لهذا السبب سحب مبلغ 400 جنيه من خزينة البنك الأهلي بواسطة الصراف المسيو لاندي لثقته به، وسلمها لمارك بيرس في الحال في الصباح اعتقاداً منه أن في استطاعته ردّ المبلغ بعد الظهر إذا أحضر له مارك بيرس الليرات المطلوبة. فلما خدعه المذكور اضطر إلى إعطاء شيك على نفسه بعد الظهر للبنك الأهلي على البنك التجاري معتقداً أن في مقدوره التأثير على مارك بيرس بضرورة ردّ المبلغ الذي تسلمه منه في الصباح أو تسليمه الليرات الإيطالية ليبيعها ويردّ المبلغ للبنك الأهلي. فلما لم يتحقق هذا الأمل فكر في الانتحار ثم عدل عن ذلك وسلم نفسه للبوليس. ثم إن الدفاع عن المتهم علق أهمية كبرى على وقت صرف المبلغ من البنك الأهلي، وحجته في ذلك أنه إن ثبت أن مبلغ الأربعمائة جنيه صرفت في الصباح كما يدّعي المتهم في حين أنه سلم الشيك لإدارة البنك الأهلي بعد الظهر فيكون سحب مبلغ الأربعمائة جنيه من البنك الأهلي لم يكن نتيجة لتقديم الشيك، وبذلك يمتنع العقاب. ولكن المحكمة لا تشاطر الدفاع عن المتهم هذا الرأي. ذلك لأن المتهم لا يحاكم من أجل الحصول على مبلغ أربعمائة جنيه من البنك الأهلي وإنما هو يحاكم لأنه أعطى هذا البنك شيكاً على البنك التجاري بمبلغ 400 جنيه في حين أنه ليس له رصيد في البنك الأخير، وذلك بسوء نية. فسواء كان مبلغ الأربعمائة جنيه صرف له نتيجة الثقة به من الصراف لأنه من موظفي البنك كما يدّعي أو نتيجة للاعتقاد بأن له رصيداً سيصل البنك الأهلي في نفس اليوم بناءً على الشيك الذي سلمه للبنك الأهلي لسحب قيمته من البنك التجاري فإن هذا ليس موضع المؤاخذة في الدعوى الحالية. وإنما ما يؤاخذ عليه المتهم هو أنه، وقد صرف المبلغ فعلاً من البنك الأهلي فأصبح مديناً له بالقيمة المذكورة، أراد الوفاء فحرّر شيكاً على البنك التجاري بالقيمة التي صرفت إليه وقيمتها 400 جنيه، واتضح أنه ليس له رصيد قائم بالبنك المذكور، وكان هو يعلم ذلك علم اليقين باعترافه. كما أنه كان سيئ النية، والدليل على سوء النية أنه كان يعلق مقدرته على الوفاء بآمال هو يعلم أنها متعذرة التحقيق. فقد رفض مارك بيرس أن يسلمه الليرات الإيطالية في الصباح على حدّ قوله، فذهب إليه بعد انصرافه من البنك ظهراً ولم يحصل منه لا على المبلغ الذي دفعه له ولا على الليرات أيضاً. ومع كل ذلك فإنه بعد الظهر، ولما حان موعد إقفال البنوك، أعطى الشيك على البنك التجاري دون أن يكون له رصيد قل أو كثر، وفي هذا دليل كافٍ على سوء النية. هذا مع الأخذ بمجرّد أقوال المتهم في حين أن الثابت من أقوال موظفي البنك الأهلي أن المبلغ صرف له من خزينة البنك بعد الظهر، وأن الشيك أعطي في نفس الوقت، وأن التسامح في الصرف قبل التحقق من وجود الرصيد للمتهم جاء نتيجة الثقة السائدة بين الموظفين في إدارة واحدة. وهذا إن كان يستوجب مؤاخذة الموظف المختص إدارياً لتفريطه في واجباته فإنه لا يدرأ المسئولية عن المتهم بأي حال من الأحوال ما دام قد ثبت أنه سلم الشيك للبنك الأهلي بسوء نية وهو يعلم أنه ليس له رصيد بالبنك التجاري". ثم قال الحكم عن التهمة الثانية إن "الأدلة عليها قائمة أيضاً من اعتراف المتهم (الطاعن) ومن شهادة مارك بيرس بأنه أخذ من المتهم شيكاً بمبلغ 200 جنيه خصماً من مطلوبه منه ثمناً لليرات إيطالية وغيرها من العملة الأجنبية كان يسلمها له، ولما قدّمه للبنك الأهلي لصرف قيمته ردّه إليه لعدم وجود رصيد للمتهم. والمتهم مع اعترافه بمديونيته لمارك بيرس قرّر أن من حقه أن يخصم قيمة الشيك موضوع الاتهام من مبلغ الأربعمائة جنيه المسلمة منه إلى مارك بيرس في 20 ديسمبر سنة 1938، وبذلك تكون ذمته بريئة من الشيك المذكور. ولكن مارك بيرس قرّر أن هذا المبلغ وصله خصماً من رصيد حسابه عن المبالغ السابقة على تحرير الشيك موضوع الاتهام وهي تربو في مجموعها على قيمة الشيك بكثير. ثم إنه لو كان غرض المتهم سداد قيمة الشيك لمارك بيرس لاسترد منه هذا الشيك فعلاً بما أن تاريخه 16 ديسمبر سنة 1938 والأربعمائة جنيه التي دفعها لبيرس سلمت إليه في 20 ديسمبر سنة 1938، ولذا فالمحكمة ترجح أقوال مارك بيرس في هذا الموضوع إذ العبرة في تعيين المبلغ المطلوب سداده هي بوقت الدفع الذي تظهر منه نية المتعاقدين. وبما أنه وقد اتضح أن المبلغ المسدّد تعين فعلاً وهو من المبالغ القديمة المستحقة على المتهم قبل إعطاء الشيك لما ذكر من الأسباب فلا محل لما يتمسك به الدفاع عن المتهم من أنه عند عدم التعيين تستنزل المدفوعات من الدين الذي للمدين زيادة منفعة في وفائه طبقاً لنص المادة 172 مدني. ولما كان إعطاء الشيك لمارك بيرس كان أيضاً بسوء نية لأن المتهم كان يعلم وقت تحريره ويوم استحقاقه بأن لا رصيد له في البنك الأهلي، ولم يكن ينتظر ورود المال إليه من أي مصدر حتى يمكن القول بأن عسراً مالياً أو ظرفاً سيئاً صادفه ولا دخل لإرادته فيه جعل من المتعذر عليه تغطية قيمة الشيك قبل صرفه". وأضاف الحكم إلى ذلك أن المحكمة "تسوق دليلاً آخر على سوء نية المتهم في التهمتين. وذلك أنه تبين لها أنه غداة ارتكاب حادثة البنك الأهلي ظهرت الجرائد وفيها خبر الحادث واسم المتهم فتقدّم من يدعى حايم موسى للبوليس وقدّم شيكاً بمبلغ 80 جنيهاً كان قد أعطاه له المتهم على البنك التجاري أيضاً بتاريخ 16 ديسمبر سنة 1938، وقدّمه هذا الأخير للبنك التجاري فردّه إليه لعدم وجود رصيد للمتهم. ومع أن نيابة الأزبكية قيدت الحادث بتاريخ 29 ديسمبر سنة 1938 ضدّ المتهم فإنها أمرت بإرفاق الأوراق بعد ذلك بأوراق الدعوى الحالية حالة أنه لا ارتباط بين الحادثتين. وبما أن المتهم لا يحاكم بذلك، وإنما هي تورد هذه الحادثة هنا للدلالة على أن المتهم اعتاد إعطاء الشيكات لأشخاص متعدّدين دون أن يحسب حساباً لما إذا كان له رصيد قائم أم لا مما يدل على سوء نيته".
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه (أوّلاً) أثبت على الطاعن بالأدلة التي أوردها أن البنك الأهلي لم يصرف له النقود اعتماداً على ثقته فيه كما يدعي، بل بناءً على الشيك الذي تسلمه منه وقت الصرف. على أن مجرّد إعطاء الشيك للبنك يكفي لإدانته ولو كان - كما قال الحكم بحق- لم يعطه إلا بعد حصوله على النقود بالفعل، لأن القانون لا يشترط للعقاب أن يحصل من يصدر له على منفعة معينة في مقابله. وكذلك أثبت الحكم عليه أن الشيك الذي أعطاه للبنك الأهلي على البنك التجاري، والشيك الذي أعطاه لمارك بيرس على البنك الأهلي، وكلاهما مستحق الوفاء لدى الاطلاع من تاريخ إعطائه المدوّن به، لم يكن لأيهما وقت إصداره مقابل وفاء عند البنك المسحوب عليه مع علمه بذلك. وبهذا يتوافر في حقه قانوناً سوء القصد، كما عرفه القانون، في الجريمة التي أدين فيها. ولا يشفع له في ذلك قوله بأنه وهو يعطي الشيك ما كان يقصد الإضرار بأحد، بل إنه كان ينوي الوفاء حقيقة، فإن ذلك - مع التسليم بصحته - لا يؤثر في إدانته المقامة على الأساس المتقدّم، إذ نية تقديم المقابل بعد إصدار الشيك - مع أن الساحب لا يمكنه أن يسيطر على الظروف والحوادث المستقبلة التي قد تحول دون تقديم هذا المقابل - لا تنفي عنه سوء النية التي يكوّنها مجرّد علمه بانعدام مقابل الشيك وقت إصداره. وأما ما يزعمه الطاعن من انتفاء وقوع الضرر فمردود بما بينه الحكم من أن المستفيد في كل من الشيكين قدّم شيكه للبنك المسحوب عليه فلم يتمكن من صرفه لعدم وجود المقابل. وفي هذا وحده ما يدل على توافر ركن الضرر الحقيقي أو المحتل الذي يتطلب القانون توافره. وأما ما يتمسك به خاصاً باستنزال المبلغ الذي سلمه لمارك بيرس وقوله بأنه يجب قانوناً استنزاله من قيمة الشيك، فمردود بما بينه الحكم تفصيلاً بناءً على ما استخلصته المحكمة من وقائع الدعوى وأدلتها من أن هذا المبلغ وقت دفعه إنما دفع وفاء لديون أخرى غير الشيك الذي بقي مع مارك بيرس لصرف قيمته من البنك. وأما ما ينعاه على المحكمة من أنها أخطأت إذ اعتمدت في قضائها الخاص باستنزال الدين على شهادة الشهود فلا محل له ما دام الدليل الأساسي الذي استندت إليه المحكمة في ذلك هو وجود الشيك الذي يقول الطاعن إنه دفع قيمته تحت يد مارك بيرس، وهذا من شأنه أن يجعل عبء إثبات تسديد قيمة الشيك على الطاعن ويجعل مجرّد وجود الشيك عند صاحبه دليلاً على عدم سداد قيمته حتى يثبت العكس. (وثانياً) أن الحكم في استناده إلى أقوال مارك بيرس لم ينسب له قولاً لم يقل به كما يقول الطاعن، فإن في رواية هذا الشاهد - على حسب ما هو ثابت على لسانه بمحضر جلسة المحاكمة - ما يصلح أساساً لما استخلصته المحكمة منها واعتمدت عليه في قضائها. (وثالثاً) أن ما يزعمه الطاعن أخيراً من الإخلال بحق دفاعه وعدم مناقشة الحكم للأوجه التي تمسك بها في نفي التهمة عنه - ما يزعمه من هذا لا مبرر له ما دامت المحكمة قد سمحت له بتقديم مذكرة ضمنها كل دفاعه، وما دام الحكم قد بين في منطق سليم الواقعة الجنائية التي أثبت وقوعها منه وهي تتضمن توافر جميع العناصر القانونية للجريمة التي أدين فيها والرد على جميع الأوجه التي يقول الطاعن إنه أثارها في مذكرته التي قدّمها للمحكمة.

 

===========================================

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 124 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,166,638

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »