نظرية التعسف في استخدام الحق وتطبيقاتها القانونية والقضائية مع احكام النقض المرتبطه
==========================================
* ليست نظرية التعسف فى استعمال الحق بالنظرية الجديدة أو المبتدعة بل هى نظرية قديمة عرفها الرومان وانتقلت إلى القانون الفرنسي القديم وتشبع بها الفقه الاسلامى ولكنها اختفت ردحا من الزمن بعد أن ظهرت مبادئ الفردية وأمعنت الثورة الفرنسية فى الأخذ بهذه المبادئ وبقيت مختفية طوال القرن التاسع عشر ولا تكاد تطل برأسها فى بعض أحكام القضاء حتى يتنكر لها الفقهاء إلى أن قيض الله لها فقيهين من إعلام الفقه الفرنسى هما (سالى ) و (جوسران) فنفضا عنها التراب وأعادا لها الجدة . فما لبثت أن استقرت فى الفقه بعد أن ثبت عليها القضاء .ثم أخذت بها التقنيات الحديثة وأصبحت اليوم نظرية ثابتة لا يستطيع أحدا أن يفكر تفكيرا جديا فى الانقضاض عليها .
** تردد الفقهاء طويلا حول مدى جواز اعتبار الحق موجبا للمسئولية ومصدر التردد فى أن الحقوق لا تعدوا أن تكون امتيازات قانونية تمنح حرية فى العمل ومن ثم فلا يعقل أو يتصور القول بعدم مشروعية فعل قرره القانون .
وإذا كان استعمال الحق فى ضؤ حدوده الموضوعية إلا انه قد لحقه عيب فى غايته أو الغرض منه فقد غدا القول بمسئولية صاحب الحق الذي يستعمل حقه الشخصي إلا أن استعماله لم يكن وفق الغاية التي يهدف إليها ذلك الحق من الأمور المسلمة . وهذا هو المجال الحقيقي للتعسف فى استعمال الحق .
** وان استعمال الحق استعمال مشروعا متقيد بتحقيق مصلحة وهذا المعيار هو الذي يحدد القيود العامة التى ينبغى على صاحب الحق مراعاتها عند استعمال سلطاته وانه يتعين وضع الضوابط المحددة وهى الجدية والمشروعية فيتحقق التعسف إذا غدا استعمال صاحب الحق لحقه ملتزما حدوده الموضوعية دون مصلحة تعود عليه من جراء هذا الاستعمال .
ويتحقق هذا التعسف أيضا إذا ما تحققت المصلحة ولكن تخلف ضابط الجدية فى هذه المصلحة بان كانت تافهة كذلك يتحقق التعسف إذا افتقدت المصلحة ضابط المشروعية .
وعلى هذا فالتعسف يأخذ الصور الثلاث الآتية :-
1- غيبة المصلحة فى استعمال الحق .
2- تفاهة المصلحة فى استعمال الحق.
3- عدم مشروعية المصلحة فى استعمال الحق .
** وقد تكفلت المادتان4و5 من القانون المدني ببيان مشروعية استعمال الحقوق والتعسف فى استعمالها .
**مادة (4) من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
**مادة (5) يكون استعمال الحق غير مشروع فى الأحوال الآتية :-
1- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير .
2- إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية .
3- إذا كانت المصالح التى يرمى التى تحقيقه غير مشروعة
** ويتبين مما تقدم أن للتعسف فى استعمال الحق على الوضع الذي جاء به القانون المدني الجديد معايير ثلاثة نية الإضرار ورجحان الضرر والمصلحة غير المشروعة .
ونية الإضرار هى المقابل للخطأ العمدى ورجحان الضرر هو المقابل للخطأ الجسيم والمصلحة غير المشروعة غير المقابلة للخطأ غير الجسيم فالعمد هو الخطأ الجسيم متطابقان فى صورتي الخطأ .
صورة التعسف فى استعمال الحق وصورة الخروج عن حدود الحق أو الرخصة إما الخطأ غير الجسيم ففى الخروج عن حدود الحق أو الرخصة . رأيناه اى انحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي .
وفى التعسف فى استعمال الحق لايكون الانحراف إلا فى حالة واحدة هى أن يرمى صاحب الحق فى استعماله لحقه إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة ومن ثم يكون الخطأ غير الجسيم فى التعسف أضيق منه فى الخروج عن الحق أو الرخصة ويرجع السبب فى ذلك إلى نصوص القانون التى ضيقت من حدود التعسف وقد يبرر ذلك أن صورة الخطأ فى التعسف هى صورة مستحدثة فيحسن عدم التوسع فيها .
**تطبيقات قضائية لمحكمة النقض المصرية :-
يدل نص المادة الخامسة من القانون المدنى على أن مناط التعسف فى استعمال الحق الذى يجعله محظورا باعتباره استعمالا غير مشروع له هو تحقق إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر فى المادة الخامسة سالفة الذكر ، والتي تدور كلها حول قصد الحق فى استعماله لحقه أو مدي أهمية أو مشروعية المصالح التي يهدف إلي تحقيقها وذلك دون نظر إلي مسلك خصمه إزاء هذا الحق وإذ كان دفاع الطاعن لدي محكمة الاستئناف قد قام علي تعسف المطعون ضدها في طلبها طرده من الأرض محل النزاع وهي شريط ضيق يخترق أرضه وإزالة ما عليها من بناء علي سند من أنها لم تبغ من دعواها سوي الإضرار به ، وأن مصلحتها في استرداد هذه الأرض إن توافرات قليلة الأهمية بالنسبة للأضرار التي تلحق به من جراء إزالة ما أقامه عليها من بناء ، فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن هذا الدفاع لمجرد القول بأن الطاعن استولي بغير حق علي أرض المطعون ضدها وأقام بناء عليها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون .
**** ((المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول ، وتنص المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدنى على أنه من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من الضرر بالغير وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو مالا يتحقق إلا بانتقاء كل مصلحة من استعمال حق التقاضى والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكا أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم )).(1)
**(( المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول ، و حق التقاضى و الدفاع من الحقوق المباحة و لا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكا أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة و العنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضراربالخصم .)).(2)
** (( إنه و لئن جاز للصحف وهى تمارس رسالتها بحرية فى خدمة المجتمع تناول القضايا بالنشر باعتبارها من الأحداث العامة التى تهم الرأى العام إلا أن ذلك ليس بالفعل المباح على إطلاقه وإنما هو محدد بالضوابط المنظمة له و منها أن يكون النشر فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع و الحفاظ على الحريات و الحقوق و الواجبات العامة و احترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين و عدم الاعتداء على شرفهم و سمعتهم واعتبارهم أو انتهاك محارم القانون )).(3)**((نصت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني علي أن من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوي الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق ، وحقا التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكا أو ذودا عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلي اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في نسبة الخطأ إلي الطاعن إلي ما لا يكفي لإثبات انحرافه عن حقه المكفول في التقاضي والدفاع إلي الكيد والعنت واللدد في الخصومة فانه يكون فضلا عما شابه من القصور قد أخطأ في تطبيق القانون.(4)
________________________________________________________
(1) الطعن رقم306 لسنة59 ق - جلسة29/4/1993 س44 ج2 ص293 .
(2) الطعن رقم2797 لسنة58 ق جلسة19/11/1992 .
(3) الطعن رقم2446 لسنة58 ق جلسة28/5/1992 س43 ج1 ص..766.
(4) الطعن رقم438 لسنة43 ق جلسة28/3/1977 س28 ص812
ساحة النقاش