حسام زيدان
قضية شغلت المهتمين بالشأن التاريخي والأثري المصري خلال الأيام القليلة الماضية، وهي اسم لوحة الملك «مرنبتح»، أو كما اعتاد البعض نطقه «مرنبتاح»، وهو الابن الثالث عشر للملك «رمسيس الثاني»، الذي آثار جدلًا ونقاشًا كبيرًا بين علماء المصريات، واختلفوا حوله، هل هو فرعون موسى عليه السلام أم لا؟، وهل لوحة انتصاراته الموجودة في المتحف المصري مذكور فيها اسم «بني إسرائيل» أم لا.
وبالرغم من هذا الخلاف والجدل الدائر؛ إلا أن إدارة المتحف المصري، أقدمت على تصرف لا يمكن وصفه، وذلك حسب ما ذكره "بسام الشماع" الباحث والمؤرخ المعروف، في محاضرته بالمتحف المصري حول لوحة مرنبتح، وهو أن المتحف المصري قام بتغيير اسم اللوحة من لوحة "انتصارات مرنبتاح" إلى "لوحة إسرائيل".
لماذا غير المتحف المصري تسمية اللوحة إلى لوحة إسرائيل؟
يقول بسام الشماع، إن النص الموجود على اللوحة يحوي لفظ «يسيرآر»، مرة واحدة فالنص يحتوي على:
"أنه في العام الخامس من سنوات الحكم في الشهر الثالث في فصل النسيم، حورس الثور القوي، الذي يسعد مع (ماعت) -أي العدالة- ملك الوجهين القبلي والبحري، كبش رع، محبوب إيمن، الذي يضرب الأقواس التسعة، -والأقواس التسعة رمز للتسع أعداء التقليديين الذين يحاربهم الملك- هو الذي يذبح أعداءه، الجميل في حلبة الجسارة، عندما يهاجم، وهو الثور الذي يطرد السحاب من فوق مصر، وهو الذي يزيح التل النحاسي من علي رقاب الشعاب كي يتنفس نسمات الحياة، وهو الذي ينظف منف -عاصمة مصر القديمة".
ويتوالى النص حتي يأتي إلى ذكر الجيش الليبي فيقول: "تم تحطيم بلاد التمحيو -أي الليبيين- في فترة حياتي، ويبقي الرعب على الدوام في صدور المشواش -من قبائل الليبيين- ، ويرد الليبيين والذين تجرأوا ونظروا إلى مصر، يردهم على أعقابهم، فمنذ الآن هم يخافون من البلد المحبوب، فسيقانهم لم تتحمل الوقوف، إلا بغية الهروب، ورماة السهام تركوا لنا أقواسهم، وقلوب أولائك الذين يسرعون تعبت من المشي، فينزعون قرب المياه، وهرب الزعيم الحقير، مهزوم ليبيا، في قلب الليل، وحيدًا، ومن غير ريشة علي رأسه، وساقاه خائرتان، ونُقلت النساء بعيدًا عن مكان وجوده، وتم الاستيلاء علي طحين وجباته، ولم يعد عنده ماء في القربة، وضباطه يقاتلون بعضهم البعض، وخيامهم أحرقت، وجميع ممتلكاته صارت طعامًا للجنود المصريين، وعندما وصل إلي ليبيا، استغرق في النواح، هو صاحب الريشة الحقيرة".
ويكمل النص: "وفي مدنهم يقولون أنه صار ذليلاً لآلهة منف، مرياي –وهو اسم ملك ليبيا-، ملعون في مدينة الجدار الابيض -منف- ، وهي لعنه له ولأبنائه وأحفاده، ولقد أصبح أسطورة يضرب بها المثل، ولم يحدث أن ألم بنا ذلك منذ زمن رع، ويقول الكهل لإبنه الويل لليبيا، وتوقف الليبيون عن الحياة، وتوقفت نزهاتهم، وبأمره دمرت قراهم".
وفي النهاية يقول: "لقد هزمت بلاد «التحنو»، و«الخاتي»، وطهرت «كنعان»، من كل شئ بها واقتيدت إلي عسقلان وتم الاستيلاء علي «الجزر»، وصارت «نيو»، كأن لم توجد قط ودمرت «يسيرآر» بل لم يعد هناك وجود لبذرتها، وصارت «سوريا» تابعة لمصر وتوحد كل ذلك في سلام".
وأوضح "الشماع"، في بداية تحليلاته، أن النص الموجود على اللوحة يقول: «أنه في العام الخامس من سنوات الحكم» أي أن الملك مرنبتح، حارب هؤلاء وانتصر عليهم في العام الخامس من العمر، ونحن نعرف أن الملك الذي طارد بني إسرائيل مات غرقًا، والنص يقول على أغلب أقوال العلماء، أن «مرنبتح» عاش 10 سنوات فكيف أكمل حياته بعد أن طارد بني إسرائيل، إن كانوا هم بالفعل بني إسرائيل.ويُعقّب على النص قائلًا: «أننا نجد هنا أن النص متضمن الليبيين والمشواش والجزر والكنعانيين وسوريا وكل هؤلاء انتصر عليهم مرنبتاح فلماذا يتم تسمية اللوحة بلوحة إسرائيل ولا يتم تسميتها بلوحة الليبيين مثلًا».
تفسير رموز الهيروغليفية
قام "الشماع" بتفسير الكلمة الموجودة في آخر النص بالهيروغليفية، والتي يعتقد البعض أنها «إسرائيل»، فقال عندما ننظر إلي الكلمة نجدها تبدأ برمز «ريشتين»، والريشتين تنطقان بالهيرغليفية (y)، ثم بعد الريشتين يوجد خط مستعرض ويرمز لحرف الـ(S)، وتحت الحرف الثاني خطين متوازيين قائمين وهنا يرمزان للرقم (2)، أي أن حرف الـ (S) مثني اذا فالكلمة تنطق «يسي» أو «YSSY»، وأسفلها رمز الفم أو العين، ويرمز لحرف (R) إذا فالكلمة «YSSYR» ونجد ريشة ثانية حرف (Y) ثم أنثي العقاب وترمز لحرف (آ) ثم فم ثان وهو حرف (R).. إذًا فالكلمة هي «يسيرآر».
ويشير إلى أنه يلي الكلمة رسم لـ«رجل وسيدة»، وأسفلهما ثلاث خطوط متوازية قائمة، وهي ترمز لجمع من الناس أي أن «يسيرآر»، هي جمع من الناس وليس بلد، أي أنهم قبيلة كانت مقيمة في كنعان أو عسقلان.
الكلمة الموجودة في اللوحة ليست بني إسرائيل
من القراءة السابقة نجد أن المقصودين هم قبيلة وأنهم ليسوا أهل مدينة، حيث يوضح "الشماع"، أنهم لو كانوا مدينة لكان تبع الكلمة رمز «نويت» الهيروغليفي والذي يعني "مدينة"، مؤكدًا أن اللوحة كلها تتحدث عن الانتصارات علي ليبيا، وقبائل المشواش وغيرها، ونأتي علي كلمة «يسيرآر»، وهي مشكوك في أمرها ونطلق علي اللوحة كلها إسم «لوحة إسرائيل».
ويضيف الشماع، أن الصهاينة يحاولون بشتى الطرق إثبات أن مرنبتاح هو فرعون الخروج لماذا؟، لأنه أحد أبناء الملك رمسيس الثاني، وهم يدعون أن رمسيس الثاني هو فرعون الاضطهاد، ومات، وجاء مرنبتاح الذي طردهم على حسب قولهم إذًا فهو فرعون الخروج الذي غرق، وبالطبع اللوحة تثبت أن مرنبتاح انتصر علي هؤلاء الـ"يسيرار" في السنة الخامسة من حكمة ولم يغرق، إذًا فهو ليس فرعون الخروج، وبالتالي فكل الكلام الذي يدعونه مخالف للصواب.
ويُكمل، أنهم يخرجون علينا برواية أخرى، وهي أنهم من بنو الهرم الأكبر أثناء استعباد خوفو لهم، أي أنهم كانوا يعيشون أثناء الأسرة الرابعة، والتوراة تقول إنهم عاشوا في مصر ٤٣٠ عامًا، ثم يقولون أنهم عاشوا أثناء حكم مرنبتاح بالأسرة الـ١٩ وهذا مستحيلـ لأن الفارق بين الأسرة الرابعة والـ١٩ هو ألف ومائة عام، وهم استقروا في مصر حسب توراتهم 430 عامًا فقط.
وفي نهاية كلماته يقول الشماع، إن نظريته واضحة وهي أن "يسرآر" المذكروة في اللوحة ليست "إسرائيل" من الأساس.
التساؤل الأهم... من المسؤول؟
كان الرد الرسمي للمتحف المصري، في تصريح «محمد علي»، أحد المديرين بالمتحف المصري، الذي قال، إن اللوحة الإرشادية الموجودة على لوحة "انتصار مرنبتاح" منذ عدة سنوات، وقبل وجود الإدارة الحالية، وقال إنه بمجرد إبلاغه بالأمر قام بإبلاغ الأستاذة «صباح»، مدير عام المتحف المصري، والتي أكدت أنه سيتم بحث الأمر، وبالفعل إدارة المتحف ترى أن هناك خطأ في التسمية، وسيتم تكوين لجنة من المتحف لدراسة الأمر وسيتم إبلاغ قطاع المتاحف في حالة رؤية ضرورة تغيير الاسم.
وبالفعل تم هذا الأمر، وقامت إدارة المتحف بحذف اللوحة التعريفية، وإعادة اسم اللوحة الأصلي، وهو «لوحة انتصارات مرنبتاح»، وهنا يبقي السؤال الأهم الذي ألقاه «بسّام الشماع»، وهو من المسؤول؟، من الذي جرؤ على وضع بطاقة تعريفية على لوحة انتصارات مرنبتح بعنوان «لوحة إسرائيل».
وقال «الشماع»ـ إن عمر هذا البطاقة حسب إفادة المتحف منذ ما يقرب من عشر سنوات، وحوالي عام 2006م، فمن الذي أمر بوضع هذه البطاقة.
وعلق الدكتور أيمن عشماوي، رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري، على عنوان لوحة مرنبتاح وتغييرها إلي لوحة إسرائيل، أن هذا شأن قطاع المتاحف، وطريقة وأسلوب العرض ترجع لهم.
وأضاف، أن هذه هي اللوحة الوحيدة التي يظن علماء الآثار أنه قد ذكر فيها اسم إسرائيل، وقد عرفت بين بعض الأوساط الأكاديمية بـ«لوحة إسرائيل»، وإن كان هذا خطأ على حسب قوله، لأن اللوحة هي لوحة «انتصار مرنبتاح»، وهي في الأصل كانت لأمنحتب الثالث، وقد أعيد استخدامها مرة أخرى من قبل الملك مرنبتاح، وليس لها أي علاقة بإسرائيل.
وختم الشماع كلماته، مطالبًا الكشف عن المسؤولين عن هذه الفعلة، ومحاسبتهم، حتي لو كانوا خارج المسؤولية الآن، وأيًا من كانوا فلا أحد فوق المحاسبة والعقاب، مشيرًا إلى أنه لاقى تعاونًا تامًا من إدارة المتحف في تعديل هذا الخطأ