موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

authentication required

تعكس أوضاع منظومة البحث العلمى فى أى بلد مدى تقدمه كما تعطى مؤشرا لشيوع الفكر المنهجى والعقلانى بين مواطنيه. ورغم تضاعف حجم منظومة البحث العلمى فى مصر وازدياد عدد مؤسساتها فى السنوات الأخيرة إلا أننا قلما نجد تقييما للأوضاع البحثية فى ميدان ما. فبين الحين والآخر ينبغى علينا التوقف ومراجعة توجهاتنا وسياساتنا البحثية حتى يمكننا تحديد نقاط القوة والضعف بها. ومن الضرورى أيضا مقارنة توجهاتنا البحثية المحلية بالتوجهات العالمية السائدة فى المجال المستهدف كى نستطيع تطويرها ونمذجتها مواكبة للمستجدات البحثية.

وإذا أخذنا البحث التربوى بمصر كمثال سنجد أنه لا توجد دراسات مسحية ناقدة له فى حدود علم كاتب هذه السطور وإن وجدت فهى نادرة وغير منتظمة. ويضم ميدان البحث التربوى فروعا بحثية عدة أهمها أصول التربية وعلم النفس التربوى والمناهج وطرق التدريس. ولأن المجال البحثى الأخير (المناهج وطرق التدريس) هو تخصصى الأكاديمى الذى أعمل به فى جامعة القاهرة، فقد لمست فور عودتى من بعثتى الدراسية بداية هذا العام من المملكة المتحدة عدم تغير الأفكار والتوجهات البحثية التى كانت سائدة قبل سفرى للبعثة نهاية 2004! بل منذ بداية رحلتى مع البحث التربوى فى نهاية التسعينيات وقبيل عملى بجامعة القاهرة.

ولكى أتيقن من ملاحظاتى هذه قمت بتحليل محتوى عناوين رسائل الدكتوراه والماجستير الممنوحة فى مجال مناهج وطرق التدريس اللغة (وهو مجال تخصصى الدقيق) بثلاث جامعات مصرية خلال عامى 2007- 2008 ومقارنتها بما نشر من مقالات فى نفس المدة (2007- 2008) بثلاث دوريات عالمية متخصصة ومصنفة فى المجال ذاته. وكان أبرز ما وجدته هو اعتماد 74% من دراسات الدكتوراه والماجستير التى تمت إجازتها خلال العامين بالجامعات الثلاث على المنهج التجريبى وهذه الدراسات تضم فى عناوينها كلمات وعبارات مثل: برنامج مقترح، برنامج تدريبى، برنامج، برنامج إثرائى، استراتيجية، استراتيجية مقترحة، فاعلية، فعالية، أثر، تأثير، تنمية، أو ما يرادف هذه الكلمات والعبارات باللغات الأجنبية. أما نسبة الـ26% من الدراسات الأخرى التى تمت إجازتها فغالبيتها تتضمن كلمة تقويم فى عناوينها.

وبمقارنة محتوى عناوين دراسات الدكتوراه والماجستير الممنوحة بالجامعات الثلاث بمحتوى عناوين الدراسات المنشورة فى الدوريات الثلاث خلال العامين تبين أن الدراسات المصرية قد اتسمت بالنمطية والتقليد، خاصة فيما يتعلق بتكرار التركيز على فعالية المعالجات التجريبية أو تقويم مناهج اللغة أو وحداتها – أو المهارات المستهدف تنميتها. ولم يقتصر التقليد على الأفكار التى يتم اختبارها فى الدراسات فقط بل امتد إلى صياغة عناوين تلك الدراسات. وعلى النقيض تميزت الدراسات المنشورة فى الدوريات الثلاث بتنوع موضوعاتها وتجددها وعدم التكرار فيها. وقد وجد أيضا أن الدراسات المحلية قد اهتمت بالتركيز على المهارة اللغوية أو البعد التدريسى أو المنهجى بشكل كلى – بل امتد فى بعض الأحيان إلى التركيز على مهارتين فى دراسة واحدة – فى حين تميزت الدراسات الأجنبية بالتركيز على عنصر معين من تلك المهارة اللغوية أو البعد التدريسى أو المنهجى. أما أهم الفروق بين المدرستين البحثيتين فكانت شيوع استخدام المنهج التجريبى محليا مقابل شيوع المناهج الارتباطية والسببية والمقارنة والمسحية عالميا.

ويمكن القول إن هناك تساؤلات كثيرة حول مصداقية نتائج الدراسات المحلية التى اعتمدت على المنهج التجريبى للأسباب التالية: تقوم هذه الدراسات على افتراض مفاده أنه قد تم تحديد احتياجات الطلاب أو المعلمين مجتمع الدراسة وهو افتراض غير صحيح على ما يبدو لعدم وجود دراسات امبيريقية كافية – هذا إن وجدت – عن تلك الاحتياجات. أيضا هناك أوجه القصور الكثيرة التى تشوب الدراسات الاستطلاعية التى تسبق التدخل التجريبى أو تجريب المعالجات المقترحة. أضف إلى ذلك عدم تقنيين الأدوات الكثيرة التى يقوم الباحث ببنائها وقصر مدة تجريب البرنامج أو المعالجة التجريبية (من 10 إلى عشرين ساعة). وحتى وإن تم تجنب أوجه القصور المشار إليها فهناك مخاطر أخرى تهدد صدق البحوث المعتمدة على المنهج التجريبى فى ميدان التربية تشير إليها مارجرت ليديكو وزملائها فى كتابهم (مناهج فى البحث التربوى) وهى سبعة مخاطر تهدد الصدق الداخلى وسبعة مخاطر أخرى تهدد الصدق الخارجى للبحث التجريبى. شخصيا أشك فى قدرة معظم باحثينا على التحكم فى كل هذه المتغيرات أو ضبطها وهو ما يعنى فشل السياسة البحثية السائدة فى أقسام المناهج وطرق التدريس بمصر.

الأخطر من ذلك أن هذا النهج أو التوجه البحثى يؤدى إلى خلق باحث مقلد ونمطى فى تفكيره وفى كتاباته الأكاديمية على نقيض التوجهات البحثية المعتمدة على المناهج الارتباطية والسببية والمقارنة والمسحية التى تزيد الباحث منطقية وفكرا عقلانيا. أرى أن هذا التوجه البحثى الرتيب المسمى بتوجه سيمنارات الفاعلية – وفق وصف أستاذة فاضلة لى بتربية حلوان – يعد سببا رئيسا فى فشل باحثينا فى نشر أبحاثهم فى الدوريات الأكاديمية المصنفة عالميا فى ميدان التربية، ولو حصل هذا لكنا قد حركنا المياه الراكدة ورفعنا من شأن جامعاتنا وأقسامنا الأكاديمية. من هنا أصبح التغيير فى مناهجنا وتوجهاتنا البحثية التربوية ضرورة حتمية كى نخلق باحثا ينمى من مهاراته ويفيد مجتمعه وتستفيد مؤسساتنا التعليمية من نتائج أبحاثه.

المصدر: د.محمد محمد محمود - اليوم السابع الخميس، 20 أغسطس 2009
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 347 مشاهدة
نشرت فى 8 أغسطس 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

92,395