"يحدث في مصر الآن"
تأليف: يوسف القعيد
الناشر: دار الشروق- القاهرة – 2008م
في الرواية يقول المؤلف "إن الأصدقاء سألوني هل تصلح كلمة "الآن" أن تطلق على نص يتكلم عن حدث وقع سنة 1974؟ سألت نفسي: ماذا عن الحلم الأميركي الذي جاء إلى بر مصر مع الرئيس الأميركي المطارد بوهج ورذاذ فضيحة ووترجيت؟ لقد اكتشفت أن 1974م هو نفسه 2008م وأن العصر الأميركي ممتد والعرض المسرحي الأميركي مستمر في بر مصر وأن السنوات الاثنتي عشرة من عمر بلادي جعلت الاستثنائي أمرا عاديا والعارض مستمرا والمرفوض باقيا، بل -وأنا حزين لمجرد أنني أكتب هذا بخط يدي- أن هذا المرفوض يوشك أن يقف على أبواب القبول من كثرة التعود عليه". "يحدث في مصر الآن" الرواية تدور حول حدث جرى في أرض الواقع في يونيو سنة 1974 عندما جاء الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى مصر في زيارة كانت الأولى من نوعها بعد قطيعة وفتور وتباعد في العلاقات استمر منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 حتى 1974، يعني حوالي 22 سنة من الفتور في العلاقات ولذلك كانت الزيارة حدثا مهما بكل المقاييس. أعترف أن الذي دفعني لكتابة الرواية مقال كتبه الدكتور فؤاد زكريا وهو مفكر وأستاذ فلسفة مهم جدا كتب مقالا ونشره في مجلة روز اليوسف وصف فيه هذه الزيارة بأنها استفتاء شعبي على مستقبل الولايات المتحدة الأميركية في الوطن العربي والشرق الأوسط. استفزتني كثيرا جدا هذه العبارة واختلفت معها كثيرا جدا وفكرت في عمل شيء يرد على هذه المقولة الخطيرة التي يزيد من خطورتها خطورة من أطلقها وكتبها فهو أستاذ مشتغل بالفلسفة معني بقراءة ما وراء الأحداث وما بين السطور في كل ما يجري في الوطن العربي. رصدت زيارة هذا الرئيس وموكبه مع الرئيس أنور السادات عندما مر بقريتي الضهرية مركز إيتا البارود محافظة البحيرة، الذي حدث في أرض الواقع أنهم قبل هذه الزيارة بقليل أرسلوا معونة أميركية تصاحبها حملة من الدعاية الضخمة عن الحلم الأميركي الذي يقف في ميناء الإسكندرية يطلب الإذن بالدخول إلى المصريين، لدرجة أنهم عندما وصلت المعونة إلى قريتي بدؤوا يشيعون أن الأعمى يمكن أن يبصر وأن الأصلع يمكن أن ينبت له شعر وأن العاجز عن الإنجاب يمكن أن ينجب بمعنى أن المعجزات في زمن لم تعد فيه المعجزات يمكن أن يأتي بها الحلم الأميركي إلى أبواب بيوت الناس، الذي حدث أنه عند توزيع هذه المعونة جرى التفكير على أساس يتم على أساسه توزيعها فتقرر أن تعطى للحوامل حتى عندما تلد الحامل ابنها أو ابنتها يقال لهم إن المعونة الأميركية كانت سببا أساسيا في خروجهم إلى الوجود بهذه الصحة الوافرة. هناك فلاح في القرية اسمه الدبيش عرايس وزوجته اسمها صدفة، زوجته حامل دائما وأبدا -دائما في علاقة بين الفقر وكثرة الإنجاب والغنى الشديد وندرة الإنجاب إن لم يكن عدم وجوده وتلك إرادة الله سبحانه وتعالى- صدفة لم تكن حاملا عندما مر المنادي ونادى على الحوامل أن يذهبن إلى الوحدة الصحية لصرف المعونة، زوجها الدبيش عرايس وهو عامل زراعي يعمل يوما وتمر عليه أيام كثيرة بلا عمل وبلا دخل أيضا فكر في حيلة من خلالها يحصل على حقه في المعونة فقام بتركيب بطن لزوجته وذهبت إلى الطبيب باعتبارها حاملا في شهرها الأخير، صرفت المعونة، أخذتها، ذهبت إلى المنزل، ابتدأت تخرج الزيت والسكر والسمن والأشياء القادمة من الولايات المتحدة الأميركية وعليها شعار الصداقة، يد مغطاة بالعلم الأميركي ويد مغطاة بالعلم المصري في حالة مصافحة. الطبيب الذي كان يوزع المعونة جاءته شكوى مجهولة أن صدفة زوجة الدبيش صرفت معونة وهي ليست حاملا، هجم على البيت أخذ المعونة من أيدي الأطفال الذين كانوا بدؤوا يأكلونها بعد جوع، واقتاد الدبيش الذي اعتدى عليه إلى نقطة بوليس وفي نقطة البوليس تعرض لتعذيب رهيب وقتل، وفي لحظة مرور موكب الرئيسين نيكسون والسادات يؤخذ جثمان الدبيش إلى مكان مجهول يدفن فيه حتى لا يكون هناك أي دليل على الإدارة أنها عذبته وأنها قتلته أثناء التعذيب. المخرج من هذه الأزمة أنني أفترض أن الضابط يحضر أوراقا تثبت أنه لم يوجد أساسا إنسان مصري اسمه الدبيش ولا يوجد أوراق تؤكد هذا، لا توجد له شهادة ميلاد ، لا يوجد له عقد زواج من زوجته، لا يوجد شهادات ميلاد لأبنائه منها، لا توجد معه بطاقة شخصية، وكثير من الناس يعيشون بهذه الطريقة، لكن الستار لا يسدل بعد هذه الوقائع الدامية فالرواية تطالب القارئ أن يفكر وأن يتألم وأن يثور لمواجهة هذه الأوضاع الخاطئة.
في هذه الرواية كتبها القعيد بطريقة كان فيها قدر من التجديد في وقتها وأنه أسلم القارئ كل أسلحة الرواية الحديثة، بمعني رفض أن يقدم الجريمة يتبعها غموض ثم يأتي محقق ليصل إلى نتيجة التحقيق في آخر الرواية، ففي الفصل الأول من الرواية أعرب عن تنازله عن أسلحته وأسلحة الروائيين الفتاكة وفي هذه الرواية أيضا هوامش وربما كانت المرة الأولى التي يوجد هامش يقدم معلومات عن الحدث لو قيلت في سياق النص الروائي لعطلت الحكي ولشكلت نتوءات في تسلسل الحكي وسهولته وارتباط القارئ به، كل المعلومات قمت بعملها على شكل هوامش تحت الكتاب. أيضا في آخر الكتاب أو الرواية يوجد تسلسل زمني للأحداث وخريطة مكانية لأماكن الأحداث كما جرت في أرض الواقع. لا أقول إنني نقلت ما جرى في الواقع كما هو لأن هذا لا يعتبر أدبا والكاميرا يمكن أن تصوره أفضل من كتابتي لكنني نقلت بذرة بسيطة جرت في أرض الواقع مرتبطة بتوزيع المعونة ثم أضفت إليها من خيالي، والخيال نعمة أساسية من نعم الله على الإنسان وهو نعمة خاصة جدا لمن يكتب النص الروائي، أخذت من الحادثة التي جرت في الواقع التفاصيل الصغيرة لأن الرواية هي فن التفاصيل الصغيرة وبدون تفاصيل صغيرة لا يوجد نص روائي يمكن أن يقرأ ويقدم عليه القراء ثم أضفت إليها من عندي ما أضفته حتى تصبح كيانا كاملا. تبقى قضية كلمة "الآن" في العنوان، الحدث الذي أتكلم عنه جرى سنة 1974 يعني منذ 35 سنة مضت يعني الطفل الذي ولد وقت حدوث الوقائع في الواقع عمره الآن 35 سنة أي أنه يتأهب لكي يبدأ كهولته المبكرة، الرواية منشورة سنة 1978 أي منذ 31 سنة ومع هذا أنا أعتقد أن كلمة "الآن" ما زالت قائمة رغم مرور كل هذه السنوات.