سوهاج لن تستسلم
صباح يوم جديد، وطلقات الرصاص لا تتوقف... كيف وصل الأمر بنا إلى هذا الحد؟!!
وفى قرية العمور، تلك القرية الصغيرة القابعة في مركز المراغة، ذلك المركز الوحيد الذى يسبق مركز سوهاج، وقد تقدمت قوات الانفصال، والتهمت المراكز السابقة من أسيوط، والآن جاء دور مركز المراغة.
تحصن المدافعون عن مدينتهم جيداً، وقد اكتسبوا فرصة، تعثرت قوات الانفصال في المراكز السابقة، وانتهزها الوطنيون فرصة، بأن جهزوا المؤن والسلاح، واستعدوا استعداد المناضل الحر.
... كيف وصل الأمر بنا إلى هذا الحد؟!!
عبارة تتردد وتتردد داخل ذهن الحاج على العمورى، ينظر إلى أبنائه، وكيف تركوا حياتهم وجلسوا بجواره فوق سطح منزلهم الجديد الذي لم تكتمل فرصة بنائه... نظر بعيداً إلى الشمال... يا ترى يا ولدى ماذا تفعل الآن؟... ما الأحوال في القاهرة أدعو الله لك يا ولدى، بان تكون بعيداً، عن نيران تلك الفتنة الطائفية.
ولكن كيف يكون بعيداً عن نيران الفتنة، وهو كأستاذ جامعى كانت تلك القضية تمثل مشكلته الرئيسية، لدرجة أنه فكر في جعل رسالته عن الفتنة الطائفية، وعلاجها قبل أن تصل إلى مرحلة الانفجار.
واذكر يا ولدى كيف غضبت من أستاذك الكبير الذي رفض الموضوع برمته، قائلاً: لعن الله من أيقظ الفتنة، حاولت يا بنى إقناعه، ولكنه رفض رفضاً مطلقاً «رحمة الله» لو كان معنا اليوم لأدرك أهمية ما كنت تسعى إلى علاجه، ولو تم علاج قضية الفتنة الطائفية، ما كنا نحمل السلاح ونقف هنا نحن جميعاً في انتظار صد ثوار الفتنة، وعملاء الاحتلال.
قلبي يعصرنى أسى وحزناً عليك يا بنى... كيف انقطعت سبل الاتصال، وفرض حظر التجول... كيف أطمأن عليك يا ولدى.
أريد مناقشتك فيما يجرى ترى هل وصلنا إلى الهاوية؟... كيف وصل الأمر بنا إلى هذا الحد؟!! أريدك يا ولدى بجانبى، لترى ما كنا نخاف منه قد حدث، عندما كان الأب يفكر في أحوال ولده وجده أمامه مباشرة، لم يصدق عيناه، وارتمى الابن الدكتور عبد الرحمن في حضن أبيه الحاج على العمورى.
سالت دموعهما على وجههما، نظر الأب إلى ولده، وقال: الحمد لله على سلامتك يا ولدى.
دكتور عبد الرحمن: أحمد الله على سلامتك يا أبى، ما إن سمعت بما حدث حتى عزمت على المجىء حتى اقف بجوارك.
الحاج على: هل أحضرت أولادك، وزوجتك معك.
الابن: لا يا والدى، لقد حضرت إلى هنا بمفردى.
الأب: كيف يا ولدى؟
الابن: ابن استاذى ضابط شرطة في القوات الخاصة، وقد عرفت منه أنه قادم إلى هنا، فركبت معه حتى المركز، ومن هناك جئت إلى هنا.
الأب: وكيف سمح لك بالحضور إلى هنا، وهناك حظر تجول فى الصعيد كله.
الابن: قلت إننى من الصحافة، وأعمل في وكالة أجنبية، مهتمه بحماية حقوق الإنسان.
الأب: حقوق الإنسان... آه يا ولدى.
الابن: ما أحوالك يا أبى وكيف أحوال أخوتى في هذه الظروف.
الأب: منذ سمعنا الأحداث المؤسفة، ونحن لا نخرج، حدثت بعض المشاحنات، ولكن العقلاء من الطرفين، قاموا بفضها، فكلنا نعلم أن الفتنة لا يمكن أن تعرف قلوبنا.
الابن: يا والدى إن الخير كله فيما فعلتموه، لقد تم احتواء الأزمة، ولكن من يعرف متى تنتهى.
الأب: طالما أن هناك من يقبض من الخارج، علشان يولع فيها فى الداخل، ويضرب الوحدة الوطنية.
الأب: كلنا مسئولون عن حماية البلد دى من أى أخطار سواء خارجية أوداخلية، لازم الجميع يشارك في فتح حوار مع الآخر ويشوف أيه اللى بيزعله ويرضيه ويسمع شكواه ونشوف نقاط ضعفنا، ونكشفها، ونسمح بحرية تامة في مناقشة كل القضايا، واللى ليه حق ياخده.
الابن: كل الكلام ده لو حصل مش حنعطى فرصة لأى عميل، يصطاد في الماء العكر.
الأب: تفتكر لو الانفصاليين، نجحوا ممكن تستسلم سوهاج، ممكن ينفصل الجنوب، ويكون دولة مستقلة.
الابن: ده مستحيل مش كل الناس بتحب الانفصاليين، وكمان مواردهم تقريبا خلصت، والناس معظمها فاهمة، وداخلها حب لمصر، ولو الانفصاليين فكروا مرة، وحكموا عقلهم، وبعدوا عن أطماعهم اللى عمياهم، كانوا مفكروش في الانفصال، كان لازم يقروا تاريخ البلد دى، علشان يعرفوا مفاتيحها.
الأب: يعنى أنت مطمئن يا أبنى؟
الابن: يا والدى مصر دى ربنا حباها بخيره، تحس كده إنه حاميها، وطول ما أنا جاى في الطريق، تظهر القوات الحكومية هنا وهناك، وتسيطر بشدة علي الموقف، مفيش غير قرية هنا، أو منطقة هناك، وكلها حولها حصار من قوات الأمن المركزى، وكلها يومين، وتنتهي الفتنه.
الأب: ربنا يسترها وتنتهى الأزمة دى علي خير.
الابن: المهم أننا نستوعب الدرس، ونحاول نصحح الخطأ قبل ما يكبر.
الأب: طبعا يا ولدى لازم نتكاتف مع بعض، ونحل مشاكلنا أول بأول، بكدة نعيش عمرنا بسلام، ولا نتعرض لنار الفتنة الطائفية.
الابن: تمام يا والدى، ندعو الله أن يحمينا ويحمينا كمان وكمان.
تمت