موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

كابتن.. وسع شوية

 

العاشرة والنصف، مساء يوم الأربعاء، وبعد الخروج من ندوة «مصر وأمريكا» علاقات حميمة مع الملحق الثقافي للسفارة الأمريكية اتجهت إلى كوبرى الزمالك، خارجاً من ساقية عبد المنعم الصاوى، أجدها جميلة، تحظى بتفاصيل الجمال، فسبحان الله، قد حباها بكل هذا الجمال وأبدع، فأبدع العاطى من تفاصيل، جعلت الجميع عيناه تتعلق بها.

واصلت السير من أمامها وأنا أحدث نفسى، ربما تنتظر أحد أقاربها بسيارته، وتوجهت إلى أعلى الكوبرى، فوجدت المينى باص رقم 91، قادماً من أعلى الكوبرى، فأشارت إليه فتجاهل اشارتى له، ولكن!!!

هل أتركه؟ ونظرت فوجدت الطريق أمامه مزدحم، فأسرعت بالجرى وراء المينى باص، على أمل أن توقفه كل تلك السيارات التى أمامه إلا أنه توقف أمامها، نعم أمام الجمال، ولم يتمكن من السير عندما لمحها أبطأ، حتى توقف تماما أمامها، فصعدت إليه، فى خفه ودلع وبطء، وأنا أجرى ورائه لاهثا، حتى ألحق به، وبسرعة كنت خلفها، تدخل فى المينى باص، وجميع الجالسين أعينهم تنظر إليها، لا تترك فى تفاصيل جسدها صغيرة كالفم أو كبيرة كالنهدين، دون أن تفترسهم النظرات، ولا تجد مكاناً لها إلا فى المقعد الاخير «المينى باص»، ولم أجد سوى مكاناً فى طرف الكرسى الأخير، وأخرجت الكتاب الذى اقرأ فيه، فالكتاب يتحدث عن المعونة الأمريكية والأضرار والفوائد، وحتى استغل كل دقيقة فى حياتى حتى لا تضيع دون القراءة، وبعينى نظرت إليها، فقد وضعت أشياء بجوارها، كعلبة الحلويات الكبيرة، وعلبة تبدو هدية أيضا، وتركت كل ذلك بجوارها، وأمسكت بالمحمول الخاص بها، تعبث به، تسمع أغنيات ونغمات ورنات وغيرها.

وأنا أقرا عن المعونة الأمريكية لمصر والفوائد والأضرار وما يجب أن نفعله معها، وهل ستظل تأخذها مصر مدى الدهر، أم إنها سوف تنقطع، لماذا، وكيف؟ وذهنى مشغول لا يقطع قراءتى للكتاب سوى نغمة جديدة أو أغنية تنطلق من محمول الجميلة، التى تجلس فى آخر المقعد، وبدا المينى باص، يزدحم، وقام شابان، واجلسا رجل وامرأة كبيرين في السن، وتوجها إلى الجلوس في آخر المينى باص، وشاهدتهم الجميلة، يقتربان منها، وأرادت حمل علبة الحلويات، والهدية، ولكن أحد الشباب أصر واقسم أن يحملهم عنها هو فيه أيه في الدنيا،  ووضعهم على يديه، وابتسمت، ولم تلتفت إليه، واستمرت تلعب بمحمولها، واستمريت في القراءة، ومن وقت لأخر القي بنظرة تجاه الجميلة، والشابان اللذين اكتشفت أنهما «وغدان»، فلم يقفا للرجل العجوز والمرأة التي معه كنوع من الأدب والإحترام، ولكن لكى تكون فرصة لهما لكى يجلسا بجوار الفتاة الجميلة، ويبدو أن أحدهما اخرج من جيبه ما يشبه الموس، وقام بقطع في علبه الحلويات من الجانب الذى تجاهى، واخذ يمد يده، وبسرعة، ليضع قطع الجاتوه، ووضع في الكيس الذي في يده، وانهى على ما فى العلبة.

وفجأة تحرك، وجلس امامى بجوار النافذة، ونادى على صديقة، ليجلس بجواره، فقام يحمل العلبة، وأصر على حملها للفتاه حتى تنزل، وابتسمت، واستمرت تلعب في المحمول، وقد وصلنا إلى محطة العتبة، فصعد ناس كثيرون، وامتلأ المينى باص وازدحم، وأصبح لا يوجد فيه مكان لأحد.

وبعدها وجدت الجميلة، تقف تريد النزول، وتريد أخذ الحاجات التي تخصها من الوغدين، ولكنهما قالا لها، سوف يناولنها حاجاتها من الشباك، أسهل، واقتنعت الفتاة، ورددت عبارات الشكر قائله «ميرسى.. انتم شباب ذوق».

وقلت في نفسى «دلوقتى تندم يا جميل» وحاولت المرور بين المتكدسين في الطرقة وتقال لهم واحداً واحداً، وهى تمر «كابتن.. وسع شوية» يا «كابتن.. وسع شوية يا كابتن».

وأخيراً، نزلت ومدت يدها لتأخذ علبة الحلويات من الشباك، فناولها الشاب حاجاتها، وقال لها بكل احترام أى خدمة يا قمر.

وانطلق المينى باص بسرعة، ليتابع سيره ونظرت إليها، فوجدتها تكتشف أن علبة الجاتوه فارغة، وتصرخ، وتصيح، ومن يسمع القمر، يا قمر المسافة بعيدة.. معلش يا جميلة، ولحظها لأول مرة بعد العتبة الطريق فاضى.

وضحك الشابان، واخرجا الحلويات، وأخذا يأكلان منها، وهم يضحكون أمام نظرات الناس التى تقف، ولا تعرف لماذا يضحكون، وهم يقلدون صوت الجميلة «كابتن.. وسع شوية.. يا كابتن».

«كابتن الجاتوه حلو قوى يا كابتن».

«كابتن وسع شوية يا كابتن».

وتركتهما يضحكان، ورحت أقرا عن المعونة الأمريكية، يا ترى هيه فلوسها فيها بند يتعلق بالتعويضات التى يمكن أن نعطى منها تعويضاً للجميلة عن الجاتوه، وأقول لنفسى «كابتن خليك في حالك، وملكش دعوة بالمعونة الأمريكية.. يا كابتن».

 

تمت

 

 

المصدر: مجموعة قصصية " إيمان " تأليف دكتور " ناصر علي " الناشر مكتبة الآداب ، القاهرة ، 2009م
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 96/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
33 تصويتات / 291 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

92,223