السد العالي
شمس ساطعة، وملامح الجو البديع تحيط بالمكان، وتقوم هناء حامد بجمع أغرضها، والدموع تبدو فى عينيها، ماذا تفعل؟ إنها لا تريد مغادرة هذا المكان، بالرغم من أنها كانت لا تريد المجئ، وترك أسرتها أبيها وأمها في سوهاج، وتسافر إلى أسوان، حيث تم اختيار زوجها للعمل فى بناء السد العالى، وهى التى كانت ترفض ترك أبيها وأمها فهى الابنة الوحيدة، التي ليس لها أى أحد غير والديها، كيف تبعد عنهما كل تلك المسافة، ولا تراهما... كيف هذا؟
ولكن مع مرور الوقت، أحبت المكان، ذلك الجو الذي يسوده جمال الطبيعة، فكل شئ من حولها، تحس فيه بالجمال والهدوء والصفاء.
وكل يوم يمر كان زوجها حسن عبد السلام يتحدث عن أحوال بناء السد العالى، وكيف كان يعمل الشباب بكل كفاءة وقوة وحماس، فلا مكان للكسل، فالكل يعمل بفخر، لأن هذا سد مصر، الذى رفض أعدائها مد مصر بالأموال اللازمة، وحكاية البنك الدولى، وكيف رفض أن يعطى مصر أموال لبناء السد العالى، وكيف تصدت حكومة مصر وواجهت قيادتها هذه المؤامرة، ولم توافق على الرضوخ، وأعلنت التحدى وأصرت على بناء السد العالى.
وقامت قيادة شعب مصر بإصدار قرار التأميم لقناة السويس، كل هذه الأحداث محفورة في عقلية أبناء مصر، والكل لا ينسى، أنه يتحدى العالم بعزيمته ويبنى بيده ما سيفتخر به بعد ذلك أمام أبنائه وأحفاده.
وفجأة...
يدخل حسن مهندس الكهرباء على زوجته هناء، ويخبرها بأن السيارة التى ستغادر المكان على وصول، ولابد من الانتهاء، مما قامت بتجميعه من أغراض، وهنا قالت هناء: يا أبو على يا حسن.. يا حبيبى فيه أيه، لو أنت طلبت أنك تظل هنا فى أسوان، وتعمل بجانب السد العالى، أنا حبيت المكان ده جداً، ولا أريد أن أتركه.
قال حسن: يا سلام يا هناء، دانا ياما، إتحايلت عليكي علشان تيجى، وانتظرت اليوم ده بفارغ الصبر، وكنت عاوز اخلص بسرعة علشان، أرجع سوهاج بلدى.
ابتسمت هناء، وقالت: أنا صحيح كنت فى البداية لا أريد أن أحضر هنا، وكثيراً ما أردت أن تتركنى مع أبى وأمى، وعندما تنزل أجازة انتظرك.
قاطعها حسن: أنا أردت أن تشاركى فى صنع هذا الانجاز العظيم الذى سوف تفتخرى به طول عمرك.
قالت هناء: طبعاً الصورة اتغيرت كثير، كل يوم يمر كان السد بيعلى أمام عينيه، يزيد في نظرى غلاوة.. وأحس اننى أشاهد هرم كبير، هرم رابع بيزيد على أهرامات الجيزة الثلاثة، هرم خير علشان نبنى، ونعمر بلدنا كمان وكمان.
حسن: كل ده كان فين فى البداية، وأنت رفضتى، أنك تيجى، وسبحان الله النهارده مش عاوزه ترجعى معايا سوهاج.
هناء: أنا عمرى اختلف، فعندما حضرت هنا، وجدت الكثير من البشر بيبنوا، ويعمروا، والكل سعيد، فأحسست بقيمة عملى هنا ومشاركتى لك، أنا حسيت أننى صاحبة العمل ده، ايدى دى شاركت في بناء السد العالى.
حسن: طبعاً شاركتى، لكن أنا عينيه طلعت من التعب والارهاق، كل يوم الصبح، أخذ حقنة ضد المياه، وأنزل اعمل تحت المياه، ثم قبل ما أخرج أخذ حقنة ضد الشمس، لغاية ما جسمى أتهرى من الحقن، واخيراً الشغل انتهى خايف يستمروا، ويحقنوا فيه على طول بعد كده لغاية ما كرهت الحقن.
ضحكت هناء..
نظر إليها حسن، وقال: يا مدام اتفضلى بسرعة نروح من هنا، كفاية كده البناء زى الفل، وألف شكر، ومبروك، وقولنا حنبنى، وادينا أحنا بنينا السد العالى، يا مدام تعالى، نرجع سوهاج بلدنا.
ابتسمت هناء حامد، وقالت بدلع: حسن، والنبى يا حسن سيبنا نقعد هنا على طول... علشان فيه حاجة مهمة قوى مقدرش امشى وسيبها.
قال حسن: ايه الحاجة دى... يكون السد العالى، منقدرش نأخذه معانا.
ضحكت هناء، وقالت: لا ياحسن... السمك هنا طعمه حلو قوى، ومش ممكن أقدر أكل سمك جميل كده فى حياتى، صعبان على السمك يا حسن، مش عاوزه اسيبه وأسافر.
قال حسن: وأن صعبان علي الحقن، اتفضلى يا مدام... سمك آه من السمك.