<!--
يستعد المجلس العسكري لإجراء الانتخابات المزدوجة لكل من مجلسي الشعب والشوري في نهاية هذا الشهر وربما في شهر أكتوبر. ويشوب هذه الانتخابات عدد من العوامل التي تحدد نتائجها قبل أن تبدأ، وتتمثل هذه العوامل في التالي:
· صعوبة وتعقد عملية الاقتراع، فالناخب علية الدخول إلى أربعة صناديق، صندوقين لمجلس الشعب وصندوقين لمجلس الشوري، أحد الصناديق للنظام الفردي، والآخر لنظام القائمة. وربما لا يكون صندوق القائمة في نفس لجنة صندوق الفردي لعدم تماثل عدد اللجان بين النظامين، الفردي والقائمة. إذ قد يضطر الناخب للتجول بين لجنتين كي يدلي بصوته. والناخب المحظوظ الذي سيدلي بصوته في أربعة صناديق متجاورة، عليه أيضا أن يوزع صوته بين 50% عمال وفلاحين، وكوته المرأة والفئات. أي عليه أن يقوم بثلاثة اقتراعات في نفس الوقت مضروبة في أربعة صناديق. فما بالك بهذا الناخب سيء الحظ الذي عليه أن يفعل ذلك على دفعتين في لجنة الفردي، ولجنة انتخابات القائمة. وربما سوء الحظ يكون من نصيب الجميع إذا فصل المجلس العسكري بين لجان النظام الفردي، ولجان نظام القائمة.
· توزيع الدوائر الانتخابية، وضع عن عمد لصالح المحافظات الريفية والتي تتمتع بعصبيات عائلية. لكن محافظة القاهرة حصلت على النصيب الأكبر في كلا النظامين. كما صممت الدوائر، خاصة في الصعيد كي تضم عدد كبير جدا من الأقسام الإدارية في كلا النظامين. يهدف هذا التقسيم إلى ترجيح كفة الأصوات في المناطق الريفية على اصوات المناطق الحضرية على الرغم من أن توزيع السكان يميل أكثر للتركز الحضري. وفي نفس الوقت يمنح العصبيات العائلية في الصعيد والمحافظات المتاخمة للصحراء فرص أكبر للتأثير في العملية الانتخابية، فضلا عن أن هذا التقسيم مفيد لجماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي بوجه عام لما له من نفوذ كبير في المناطق الريفية.
· لن يكون الإشراف القضائي في ظل مبدأ قاضي لكل صندوق، لأن المعلومات التي خرجت عن بعض أعضاء المجلس العسكري تفضي إلى أن القاضي سيكون مشرفا على لجنتين. أي أن القاضي سوف يغيب عن إحدى لجنتيه لبعض الوقت بالتبادل خلال العملية الانتخابية. إننا والأمر كذلك أمام إشراف قضائي منقوص، وهذا سوف يفتح الباب واسعا لعمليات التزوير.
هذه العوامل الثلاثة كفيلة بنزع أي مصداقية عن العملية الانتخابية. وما يمنح هذا العبث بإرادة الناخبين مبرره من وجهة نظر صانعيه، أن هذه الانتخابات تتم في ظل صفقة مشبوهة بين المجلس العسكري وحركة الإخوان المسلمين، كما ينطوي تحتها عدد من التنظيمات السلفية والإسلامية ذات الجذور الجهادية.
على ضوء ما نتابعه من تصريحات متعددة لممثلي المجلس العسكري وإصرارهم على تجاهل شرعية 25 يناير والتمسك بشرعية 23 يوليو التي سقطت مع هزيمة 1967، ولكنها الشرعية التي تؤسس لتحكم العسكر في إدارة شئون البلاد، وهي التي أسست لحكم عبد الناصر ثم حكم السادات وأخيرا نظام مبارك الفاسد والعميل. جوهر هذه الصفقة المشبوهة يتحدد في التالي:
· يحصل المجلس العسكري على وضع مميز في الدستور الجديد للبلاد، يتمثل في منحه الحق للتدخل وقتما يشاء في مسار الحياة السياسية. كما تحظي ميزانية القوات المسلحة بدرجة عالية من السرية ولا تخضع لمناقشات مجلس الشعب. وبطبيعة الحال تفلت صفقات شراء السلاح وما يرتبط بها من عمولات من الرقابة الشعبية. هذه السرية بزعم حماية الأمن القومي على الرغم من أن مصادر بيع السلاح هي نفسها المصادر المهددة للأمن القومي المصري.
· لضمان استمرار تحكم العسكر في الحياة السياسية ينبغي أن يكون رئيس الجمهورية القادم من أصل عسكري، وبالطبع ترشحه المؤسسة العسكرية.
في مقابل ذلك يحصل الإخوان المسلمون وحلفائهم من التيارات الإسلامية على دور كبير في إعداد الدستور، وفي حكم البلاد، إلى جانب القوى التي يرضى عنها المجلس العسكري.
في سبيل تحقيق ذلك، امتنع الإخوان المسلمون عن التقدم بمرشح للرئاسة وعندما خرق د. عبد المنعم أبو الفتوح هذا الالتزام وأعلن عن ترشيح نفسه، فصل من جماعة الإخوان، وأكدوا على أنه محروم من بركة السماء أيضا. لقد طردوه من دنياهم، ويبدو أنهم أوصوا بطرده من الآخرة أيضا.
إن ضمانة المجلس العسكري في أن يكون رئيس الجمهورية من أصل عسكري، سوف يحققها لهم الإخوان والتيارات الإسلامية بتسخير قوتهم التصويتية لصالح هذا المرشح، إلى جانب إمكانات القوات المسلحة ودور مسئولي الصحافة والإعلام الذين عينهم المجلس العسكري لخدمة رغبات المجلس العسكري ومرشحه.
حتى تتحقق جوانب هذه الصفقة المشبوهة، لابد من الوصول إلى تشكيل هزيل لمجلسي الشعب والشوري، تحصل فيه جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية المتعاونة معها على نسبة مؤثرة من مقاعد المجلسين. وحتى لا ينفرد الإخوان والتيارات الإسلامية بالقرار في المجلسين، فقد عمل المجلس العسكري على ضمان وصول ممثلي العائلات الكبرى وفلول الحزب الوطني إلى المجلس أيضا، لأنهم القوى الأقرب لقيادات المجلس العسكري والأكثر طاعة لمشيئته، من خلال العبث الواضح في تقسيم الدوائر الانتخابية.
إذا نجح المجلس العسكري مع حكومة د. شرف مسلوبة الإرادة في إجراء الانتخابات، فإن أهم فصل من فصول الصفقة المشبوهة بل قل المؤامرة الدنيئة على الثورة المصرية وعلى مستقبل الشعب المصري سوف يتحقق.
ليس من المتوقع أن تقوم أي من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بتوجيه أي نقد لهذه الانتخابات، كما لم يوجهوا حتى اللحظة أي نقد لهذا المسار الملتبس للعملية الانتخابية، ولا لرفض الإشراف الدولي عليها. لأن النتيجة المتوقعة من كل هذا التآمر تتمثل في المحافظة على توجهات كامب ديفيد في السياسة المصرية، وأن يظل المعسكر الضامن لتنفيذ معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية في نفس مواقعة وبنفس قوة التأثير في القرار السياسي المصري. لقد أثبت الموقف الرسمي المتخاذل من قتل الجنود والضباط المصريين الخمسة على الحدود، حقيقة استمرار هذا التيار الاستسلامي. وهذه الترتيبات والصفقات مع حركة الإخوان والتيارات الإسلامية تصب في هذا الطريق. إنه طريق حصار النفوذ السياسي لمصر في المنطقة لصالح إسرائيل والمصالح الأمريكية، وفي نفس الوقت تحجيم الفرص التنموية لمصر، واستمرار الشعب المصري في معاناته الاقتصادية والاجتماعية لصالح امتيازات العسكر، ورأس المال التجاري الخليجي الذي يمول حركة الإخوان والتيارات الإسلامية من أجل أن يحصل على المقابل بالاستيلاء على السوق المصري لصالح توكيلاته التجارية.
إن التحرك نحو أيقاف مهزلة الانتخابات يمثل اليوم أولوية أولى، تتراجع دونها كافة الأولويات الأخرى. وعلى القوى الوطنية والديمقراطية المصرية أن تسلك طرق النضال القانوني من خلال المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة القضاء الإداري لإبطال قانوني الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية. وفي نفس الوقت ينبغي التحرك سياسا بكل قوة لفضح الصفقة المشبوهة وأهدافها، وخطورتها على حاضر ومستقبل مصر.
ساحة النقاش