عبدالرحيم محمد سليمان
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
عام 1969م اقتيل الرئيس الصومالى المنتخب عبدالرشيد شارمكى بواسطة احد افراد حراسته الشخصية لاسباب لازالت للحظة مجهولة ولم تجد بعد الاهتمام الكافى لدوافعها ، مما ادخل البرلمان الصومالى فى جدل مستمر للتوافق حول هوية الذي سيخلف شارمكى على منصب رئيس الدولة ، وفى خضم التجازب السياسي الحاد استغل الجنرال محمد سياد برى بوصفه القائد العام للجيش ثغرة الخلاف البرلمانى واعلن تشكيل مجلس لقيادة الثورة حل بموجبه البرلمان وفرض حالة الطوارى منهياً العهد الديمقراطى القصير الذى عاشته الصومال ... ويروى التاريخ ان الرئيس سياد بري كان وطنى غيور واشتراكى قلما ينجب رحم المعاناة قائداً فذاً مثله ففى عهده شهدت الصومال احلى سنين عمرها فى التنمية فهو حامل لواء اقامة الصناعات الاساسية وفى عهده انشئت شبكة السكك الحديدية الطويلة التى ربطت اطراف الصومال بعضها ببعض وفى عهده ايضاً تعرف الشعب لاول مرة على الكهرباء وخدمات المياه وربط المدن بالطرق البرية الحديثة وتوج ثمرة جهوده بانشاء التلفزيون القومى واهتم بالصحة والرياضة والتعليم الجامعى وافتتح البنوك ووصل بالصومال حد البلد المتكامل تنموياً وعمرانياً وكان مجيداً فى السياسة الخارجية وتمكن من ادارة البلاد بالصورة المثلى حتى اصيب بداء الاستبداد... وتقول الاستاذة الاعلامية احلام صافى عن حالته النفسية فى تلك الفترة بالقول : (كعادة الزعماء الاستبداديين في كل مكان، عانى سياد بري من مرض العظمة فأطلق على نفسه العديد من الألقاب كان أشهرها "الأخ سياد" و"القائد المنتصر"، وكان التغني بأمجاده وعزّه آناء الليل والنهارواجب فرض على كل مواطن صومالي، بل ان تلاميذ المدارس كانوا يجبرون كل صباح على ترديد نشيد "القائد المنتصر سياد برى ) انتهى حديث احلام صافى .. لكن الحقيقة فى سبتمبر من العام 1970م عندما وضعت الحكومة قانون الأمن الوطنى رقم 54 الذى منحت السلطة فيه لجهاز الامن حق الاعتقال واحتجاز اى شخص لاجل غير مسمي دون احالته للمحاكمة ، كان هذا المنح بمثابة القشة التى قصمت ظهر النظام لان حينها بدا نجم الرئيس سياد برى بالافول تحت مطرقة جيوب المقاومة الشعبية التى ازدادت باطراد وبالتالى تزامن ازديادها مع ازدياد وحشية مليشيات النظام ضد قبائل وعشائر صومالية بعينها باستثناء العشيرة التى ينتمى اليها الرئيس مما تسببت بالاحقاد بين القبائل وكان لها اثرها فى اندلاع الحرب الاهلية فيما بعد .
شرارة الحرب الاهلية .
تؤرخ الاستاذة احلام صافى صاحبة مدونة ( ماجدولين ) عن شرارة الحرب الصومالية الاهلية بالقول : حرص الاعلام العربي بتوجيهات من الزعماء العرب على استهجان الثورة الصومالية والاستهتار بأثرها والاكتفاء بالاشارة اليها بوصف "تمرد قبلي مسلح"، ولعله ليس مفاجئا أن نجد أن معظم المراجع العربية حتى اليوم لا تزال تتحدث عن "تمرد قبلي صغير" وعن "عصابات مسلحة" و"انفصاليين همج" برغم مرور أكثر من عشرين عاما على تلك الأحداث التي أطاحت بحكم سياد بري. والحقيقة أن الثورة قد بدأت بتكتلات قبلية مناطقية في البداية حيث كانت شرارتها في الاقليم الشمالي، لكن ما كان لها ان تستمر أو تسقط النظام لو لم تتضافر الجهود وتشارك بها جميع فئات وقبائل المجتمع الصومالي، ولا يمكن تحييد الدور القبلي في معارضة سياد بري خصوصا في بلد يقوم اساسه الاجتماعي على التكتلات القبلية، حتى حركات المعارضة التي نشأت في ظل سياد بري ميّزتها هويتها القبلية ، وتمضى المؤرخة بالقول : نشئت عام 1979م الجبهة الديمقراطية لانقاذ الصومال وتعتبر أول حركة معارضة تنشأ في ظل حكم سياد بري وتتخذ اديس ابابا مقرا لها، وكانت تتكون من سياسيين قدماء ورجال دولة ووزراء أغلبهم من قبيلة المجرتين ممن فقدوا امتيازاتهم السياسية جرّاء الانقلاب العسكري يترأسهم العقيد عبدالله يوسف. تسرّعت الجبهة بتنفيذ محاولة انقلاب فاشلة في عام 1979 وباستخدام دبابات وأسلحة اثيوبية، بعد فشل الانقلاب دبت الخلافات بين أعضاء الجبهة، واستغل سياد بري هذه الخلافات فسارع بعقد مصالحات مع بعض الأطراف دون سواهم وعاد عددٌ كبير من اعضاء الجبهة الى مقديشو منشقين عن الجبهة. وبالرغم من الدعم الواسع الذي حظيت به الجبهة من اثيوبيا وليبيا باعتبارها أول حركة معارضة لبري الا انها فشلت في تنظيم نفسها وأضعفتها الانشقاقات الداخلية ولم تصمد لمواجهة النظام . فخلفتها الحركة الوطنية الصومالية المسلحة ، كما تقول الاستاذة احلام صافى التى مضت تقول : اذا كانت جبهة انقاذ الصومال عجزت عن مواجهة النظام، فان اس ان ام (الحركة الصومالية القومية) أنجزت الكثير وكان لها دور مباشر وأساسي في صنع الثورة. تأسست الحركة الصومالية الوطنية في لندن في 1980 على يد الشيخ يوسف بن الشيخ علي مطر وتكونت من نخبة من المثقفين ورجال الأعمال ورجال الدين والوزراء الدبلوماسيين السابقين الذين فروا من الصومال بعد تولي سياد بري لمقاليد الحكم، وأتى تشكيل الحركة كثمرة لجهود التوعية وحملات التعبئة التي قام بها مثقفون ورجال دين داخل الصومال وخارجه ضد النظام مما جعل المواطن الشمالي أكثر تقبلا واستعداد لمعارضة النظام من غيره من الصوماليين آنذاك. كانت الحركة في مجملها تتكون من ابناء قبيلة الاسحاق ومن قبائل أخرى تنتمي للاقليم الشمالي (صومال لاند الآن) حيث كان الاقليم الشمالي أكثر الأقاليم معاناة من جبروت سياد بري وقمعه، فلم يكن مفاجئا أن يكون الشمال مهد الثورة وشرارتها، وتمضي الاستاذة احلام قائلة : رغم أن مؤسسي وأعضاء الحركة ينتمون الى النخبة المثقفة من أبناء الاقليم الشمالي، الا أنهم اعلنوا بدء الكفاح المسلح وبرروا ذلك بعدم جدوى طرق المعارضة السلمية مع النظام الدموي، ولعله ظهر لهذا القرار مساوئ فيما بعد أكثر من محاسنه. اذ لعب نظام سياد بري على وتر القبلية وقيل بأنهم يسعون للانفصال وأن اثيوبيا تدعمهم لاثارة الفوضى في البلاد، وبرغم أن الأحداث ما بعد الثورة قادت الى الانفصال وكان لذلك القرار ظروفه، وقت لم تكن لها أي نزعة انفصالية وكان الهدف الوحيد هو الاطاحة بنظام سياد بري ، وبعد عام تقريبا، تولى الجناح الداخلي للحركة الوطنية الصومالية تشكيل معسكر تدريب للحركة في اثيوبيا، واعتبرت هذه الخطوة جريئة وتاريخية تلاها نداء للمواطنين الصوماليين عامة وأبناء الاقليم الشمالي خاصة للانتظام في صفوف الحركة وبدء التدريبات القتالية والعسكرية في اثيوبيا استعدادا للكفاح المسلح، واعتمدت الحركة في تمويلها على الجاليات الصومالية في أوروبا والخليج العربي كما استفادت من اثيوبيا التي منحتها قاعدة للانطلاق والتدريب. ومنذ ذلك التاريخ شهد الجيش الصومالي هروب وانشقاق عدد من الضباط خصوصا من أبناء الاقليم الشمالي والتحاقهم بصفوف الحركة في اثيوبيا للمساعدة في تدريب الكوادر الشبابية، من هؤلاء العقيد أحمد طاهر والعقيد أحمد كاهن محمد والعقيد عبدالله عسكر وغيرهم .. انتهت افادة الاستاذة احلام .
لكن يظل القدح المعلى لعملية الاطاحة بنظام الرئيس سياد برى معلق على رقبة تنظيم حركة المؤتمر الموحد وهى حركة قبلية تتكون من الضباط المعاشيين لقبيلة الهوية التى تسكن مقديشو ويترأسها الجنرال المتقاعد محمد فرح عيديد اذ قادت هذه الحركة الكفاح المسلح من داخل العاصمة ودقت المسمار الاخير فى نعش الديكتاتور كما تصف الاستاذة احلام قبل 6 اشهر من السقوط الأخير لسياد بري، وشكّل ظهورها ضربة قاصمة لم يستفق منها النظام سريعا خصوصا وأن الزخم الثوري الذي قاده الجنرال عيديد كان شديد الاندفاع وسرعان ما وصل الى قصرالجمهورية واضطر سياد بري الى الهرب نحو نيجيريا تاركاً الدولة تغوص على وحل التشرزم بالكيفية التى لازالت عليها حتى اللحظة .