جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
المشي: طريقة المشية، والاستعانة بما يسمى «مساند (عكازات) المشي لمسافات طويلة»، ونوعية الأحذية التي ينبغي على الراغبين في المشي ارتداؤها - هي أهم الجوانب التي يتناولها هذا الموضوع.
إن المشي هو واحد من أبسط وأرخص الوسائل لتعزيز الصحة وأكثرها فاعلية، فالمشي يقوي العظام، ويحسن كل أجزاء منظومة القلب والأوعية الدموية، إضافة إلى دوره النفسي في تصفية كل الشوائب المتجمعة في فكر الإنسان. وقد وثقت مئات الدراسات فوائد المشي. وإليكم هنا أبحاثا مهمة حول ثلاثة جوانب للنشاطات التي يقوم بها المشاة.
* سرعة المشي
* قد يصبح المشي لمسافات قصيرة صعبا مع تقدم عمر الإنسان لأسباب كثيرة، ومنها: الذبحة الصدرية، التهاب المفاصل، صعوبة التوازن الجسدي، تدهور قدرة الإبصار. وقد أصبح المشي خلال العقود الأخيرة واحدا من المؤشرات على صحة الإنسان، إضافة إلى كونه دافعا لتعزيزها.
وأظهر باحثون في جامعة بتسبرغ الأميركية أن المشي يمكن توظيفه أيضا بوصفه مؤشرا مستقبليا (prognosticator) وتظهر نتائج دراستهم التي نشرت في عدد الخامس من يناير (كانون الثاني) 2011 من مجلة الجمعية الطبية الأميركية، أن مقدار سرعة المشي يمكنه التنبؤ بطول العمر لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة.
وكان العلماء قد توصلوا منذ زمن طويل إلى أن سرعة المشي، أو بالأحرى سرعة المشية (gaitspeed) الخاصة بكل شخص ليست سوى واسطة للتعرف على الحالة الصحية عموما للإنسان، وحيويته. وقد أجرت أبحاث كثيرة قياسات لهذه السرعة. ولم يقم باحثو جامعة بتسبرغ بإجراء دراسة جديدة بحد ذاتها، بل إنهم وظفوا بعضا من التقنيات الإحصائية المتطورة لجمع النتائج المستخلصة من 9 دراسات سابقة.
وقام العلماء بوضع معيار قياسي لتوحيد الوسائل المختلفة التي تم فيها قياس سرعة المشية في تلك الدراسات - وهو أمر ليس بالهين - ثم أجروا تحليلات إضافية للتوصل إلى تصحيح قياسات سرعة المشية، ومدى ارتباطها بطول العمر.
* المشية وطول العمر
* وأظهرت نتائج دراستهم وجود علاقة متواصلة بشكل ملحوظ، بين زيادة سرعة المشية وبين ازدياد طول العمر. وينطبق ذلك على الرجال والنساء من أعمار 65 سنة فأكثر.
ولتوخي دقة أكبر، فإن زيادة بسرعة 0.1 متر في الثانية في سرعة المشية ترتبط بانخفاض بنسبة 12 في المائة من خطر الوفاة خلال فترات المتابعة التي قام بها الباحثون (وهي فترات متفاوتة). كما توصلوا أيضا إلى أن الأشخاص الذين تبلغ سرعة المشية لديهم مترا في الثانية (3.6 كلم في الساعة) أو أكثر يعيشون لعمر أطول مما هو متوقع عند الأخذ بالاعتبار أعمارهم وجنسهم.
ولم تتغير العلاقة بين سرعة المشية وبين طول العمر كثيرا، حتى بعد أن أخذ العلماء بنظر الاعتبار مؤشر كتلة الجسم، وضغط الدم وتنويم الأشخاص في المستشفيات سابقا، وعوامل أخرى. أي وبمعنى آخر فإن سرعة المشية تبدو وهي مرتبطة - وحدها وبشكل مستقل - مع طول العمر، وليست علامة على وجود جوانب أخرى تقود إلى طول العمر.
كما أدت تحليلات الأرقام الأخرى إلى إظهار ارتباط مقارن واضح بين سرعة المشية وبين نجاة كبار السن لفترة تراوحت ما بين 5 و10 سنوات. فعلى سبيل المثال ظهر أن 15 في المائة فقط من الرجال من أعمار 75 إلى 84 سنة الذين كانت مشيتهم بطيئة جدا وتقل عن 0.4 متر في الثانية (مثل شخص يجرجر قدميه) عاشوا لفترة 10 سنوات أخرى. وعلى النقيض من ذلك فقد عاش أكثر من 50 في المائة من الذين بلغت سرعة المشي لديهم 1.2 متر في الثانية أو أكثر، 10 سنوات أخرى على الأقل.
وعاشت النساء لفترات أطول من الرجال، بحيث إن فترات النجاة كانت أطول لديهن سواء للواتي منهن من ذوات المشية البطيئة أو المشية السريعة. إلا أن النسق كان نفسه: النساء السريعات كن أفضل في النجاة لفترة 5 أو 10 سنوات من النساء البطيئات.
معيار الحيوية لكن هل يعني هذا أنك إن كنت كبيرا في السن وسرعت من مشيتك، عندها ستعيش أطول؟ الجواب: لا. لأنه لا توجد هنا علاقة السبب والنتيجة، ما دامت الدراسة مبنية على وسائل إحصائية لاستنباط نتائج من دراسات الملاحظة. ومن جهة أخرى فإن الدراسات الكثيرة الأخرى قد أظهرت وجود رابط بين النشاط البدني وبين الوضع الصحي الجيد عموما وطول العمر. ولذا فإن المشي يحسن صحة غالبية الناس من شتى الأعمار.
ويفتح بحث جامعة بتسبرغ هذا، الطريق للتوصل يوما ما إلى وضع معيار قياسي لقياس سرعة المشية، إضافة إلى معلومات أخرى لتطوير الأطباء لوسيلة بسيطة تقنيا لتقييم عموم الصحة وطول أعمارهم.
وفي الواقع يمكن لأي شخص قياس وضعه داخل منزله، بقياس عدد الثواني بساعة دقيقة وقياس عدد من الأمتار التي يقطعها لا يتجاوز 4 أمتار مثلا. وقد تحفز سرعة المشي البطيئة لكبار السن على تحسين عوامل الخطر التي يمكن تغييرها لديهم، أو تفادي خضوعهم لعملية جراحية - لأن العمر قصير، كما يمكن للأطباء إعلام الأشخاص سريعي المشية بالأنباء الجيدة حول علاقتها بطول أعمارهم.
* مساند المشي الطويل
* مساند (عكازات) المشي للمسافات الطويلة هي الجانب الثاني من هذا الموضوع (نوردها هنا باختصار)، وهي مصممة للمشي، ولها مزاياها، إلا أنها تتطلب التوازن، وقد تثير المصاعب للرجلين. وتسمح هذه المساند التي يبلغ ثمن الزوج الواحد منها 100 دولار للشخص الماشي بقامة منتصبة مع تحريكه لكل أطرافه الأربعة. وتشير الأبحاث إلى أن المشي بهذه المساند يحقق الفوائد خصوصا عند تسلق المناطق المرتفعة، إذ إنها تثير مشاعر الرضا لدى مستخدميها، رغم أن التسلق عملية مجهدة للجسم.
وأما عملية هبوط المناطق المرتفعة فهي في العادة أصعب من الناحية البدنية لأنها تضع جهدا على الوركين (عظمي الحوض) وتسلط قوة أكبر على عضلات الساقين وتضغط على الركبتين، يزداد مقدارها بثلاث أو أربع مرات من القوة المسلطة عليهما عند المشي على أرض مستوية.
وتشير دراسات كثيرة إلى أن استخدام المساند يقلل بشكل ملموس من هذه القوى، وكذلك من حركة المفاصل المؤدية إلى زيادة الأعباء عليها. كما أشارت دراسات أخرى إلى أن المساند تجعل الناس يمشون في قامة منتصبة، وتساعد على توازن حركتهم، وتقلل من كسور كاحل القدم.
* أحذية المشي
* الأحذية تساعد الكثيرين في المشي، فللمصابين بالتهاب المفاصل في الركبتين يصبح المشي صعبا في الغالب، ولذا فإنه يعتقد أن الأحذية المصممة بنعل ذي حشوة ثخينة، تكون مفيدة. إلا أن بعض الأبحاث تتحدى هذه المعتقدات السائدة، وتقدم نتائج جديدة تشير إلى أن نعل الحذاء الرقيق في سمكه، المرن - بل وحتى الصندل النطاط أو القلاب - يضع في الواقع ضغطا أقل على الركبتين.
وقد قارن باحثون في المركز الطبي لجامعة راش في شيكاغو بين المشي حافيا والمشي بارتداء أربعة أنواع من الأحذية: أحذية القباقيب (clogs)، والأحذية المخصصة للمشي «المستقر» ذات النعل والكعب السميكين(Brooks Addiction Walkers)، وأحذية المشي بنعل وكعب رقيقين في السمك (Puma H - Street)، والصندل النطاط (flip - flop).
وبتوظيفهم لجهاز تصوير خاص، تمكن الباحثون من تحليل مشية 31 من المتطوعين المعانين من التهاب مفاصل الركبتين بأعراضه الموصوفة. وركز الباحثون اهتمامهم على الحركة التي تحدث في مشية المتطوعين حينما يكون تقريب الركبة من محورها (adduction) في أشده، وهي اللحظة التي تظهر عندما ينزاح الوزن من خارج الركبة (the lateral compartment) إلى داخلها (the medial compartment).
ولا يعتبر قياس الجهد المسلط على داخل الركبة، مسألة عملية. ولذا فقد كيّف الباحثون عملية تقريب الركبة، وجعلوها واسطة لقياس الجهد في داخل الركبة. ويشيع التهاب المفاصل في داخل الركبة 10 مرات أكثر من خارجها، ويعتقد أن الجهد المسلط على خارج الركبة يسهم في وضع جده أكبر على داخلها.
وأظهرت الدراسة التي نشرت عام 2010 في مجلة «أرثرايتس كاير آند ريسيرتش» أن المشي بالقبقاب أو أحذية المشي المستقر تولد عملية تقريب الركبة من محورها بشكل أكبر (15 في المائة) مما يستنتج أنها تولد جهدا أكبر على داخل الركبة، مقارنة بالمشي بارتداء أحذية المشي الرقيقة السمك أو بالصندل النطاط، وهما نوعا الأحذية المقاربان للمشي حافيا.
واقترح الباحثون تفسيرين محتملين لهذه النتائج: الأول أن الكعب المرتفع يزيد من الجهد المسلط على داخل الركبة. ولنتأمل في الأمر قليلا: أن صورة القبقاب أو الأحذية المستقرة لا تتوارد إلى ذهن الإنسان بأنها أحذية ذات كعوب مرتفعة، وقد كانت النماذج التي استخدمها الباحثون من أنواع الأحذية المعتادة هذه، التي ترتفع كعوبها إلى ما بين 1.5 و2 بوصة (البوصة = 2.5 سم تقريبا). وهذا الارتفاع أعلى ببوصة واحدة من ارتفاع الأحذية الرقيقة النعل والكعب والصندل النطاط.
والتفسير الثاني هو أن نعل القبقاب والحذاء المستقر للمشي، قد يؤثر أيضا على شكل مشية الشخص، لأنها تسلط جهدا أكبر على الجزء الداخلي للركبة. وكان نفس هؤلاء الباحثون قد أفادوا قبل عدة أعوام مضت بأن المشي حافيا يسلط جهدا أقل على الركبة مقارنة بارتداء الأحذية، ربما لأن القدم الحافية تنثني وتدور بشكل طبيعي أكثر. ولذا فإن الأحذية المرنة ربما تسمح بمثل هذه الحركة المشابهة لحركة القدم الحافية.
وقد كانت هذه التجربة العلمية مراقبة بشكل صارم، ولم تكن تجربة من العالم الحقيقي. وربما ستقود إلى وضع تجارب أوسع على مدى أطول.
وفي كل الأحوال فإن على المصابين الذين لا يسمح لهم التهاب مفاصل الركبة بالمشي ربما، تجربة الأحذية ذات النعل المرن للتأكد من درجة فائدتها. ومع هذا فإننا لا نوصي باستخدام الصندل النطاط لأسباب كثيرة لا يرتبط الكثير منها الجهد المسلط على الركبة.
المصدر: الشرق الاوسط
ساحة النقاش