=بسمة الصباح====
-----رمضان في القديم
حمٌلت على كلمات فغاصت في عمق الزمن القديم لأدخل كهوف تلك الفترة بحديث شفاف مفعم بالحسرة والألم وفعلا كان لحديث والدتي الأثر الكبير في زيارة رمضان في غابر الزمن لدرجة أحسست بأننا بعيدون عن معالم وروحانيات الشهر الفضيل –وهي تقول انتم سبب الخراب والدمار-- بحضارتكم قتلتم معاني الصدق والفضيلة فهل انتم تعيشون رمضان كما عشته أنا وأهلي فحين أنظر إليكم وأنتم تستقبلون الشهر أدرك بأنني غريبة عنكم فالسهر يأخذ من عيونكم النوم ويدفعكم إلى شاشة التلفاز حتى يأتي النهار لتنعمون بالنوم و تتذمرون وتلعنون الحياة وأنتم تمتلكون وسائل الرفاهية –وتضيق صدوركم وعقولكم من الصوم ومن صعاب الحياة فأين الصعوبة في زمن بات يتحرك بلمسة زر –نعم تتذمرون الصعوبة لأنكم رحلتم عن الطيبة وعن الله فاسمعي وانظري وتخيلي يا ابنتي كيف كانت حياتنا في شهر رمضان –آه لو بقيت في ذاك الزمن ولم أشهد زمنكم الملعون زمن التعب وأشباح البشر –كانت يا ابنتي الأسرة تستيقظ باكرا ليذهب كل إلى عمله بعد تأدية صلاة الصبح وقراءة القرآن والاستماع إلى قصص الفضيلة والبطولة وطبعا كانت السيدات يتناولنا المنزل بالنظافة وتهيئة الطعام الخفيف المكون من التمر ورقائق الخبز وبعض من حواضر المنزل فوجبة الإفطار كانت بسيطة والكل يساعد في تهيئتها --كيف لا والمنزل الواحد يلم جميع الذكور مع عائلاتهم -فالكل يعمل ويخضع لرقابة وأوامر رأس الأسرة فهو المسؤول عن أولاده وأحفاده –الله كان البيت يعج بالحياة و بصخب الفرح خاصة بعد عودتهم من العمل فهذا يقبل يد والده والآخر يذهب لينظف يده وفي زاوية أخرى تجدين أحدهم يتلو بعض الصور من القرآن الكريم وهكذا حتى يحين موعد الإفطار الذي يشير إليه مؤذن الحي بدعاء وابتهال للخالق الكريم وكأن هذا الإبتهال صفارة إنذار تدفع بالنسوة إلى فرش الطعام على الأرض لتجدين كل من في المنزل يجلس حول الطعام بشكل دائري ولسانهم لا يتوقف عن ذكر اسم الله حتى يرتفع صوت المؤذن بكلمة الله اكبر فيشرب الأب الماء بعد أن يحمد الله على نعمة الإفطار وحينها يبدأ الجميع بتناول كؤوس الماء ومن ثم الأكل وقد تجدين من يصلي صلاة المغرب قبل الطعام حتى ينتهي الوقت فيقوم كل واحد إلى عمله فهذا يأخذ بالصحن إلى المطبخ والأخر ليتوضأ لصلاة المغرب والغير يحتسي قدح من الشاي أو السوس وصوت المذياع يعلو بالتكبير والتهليل -- حركة منظمة تعج بالمحبة والتعاون فجميع أفراد الأسرة يتسابقون لتهيئة المنزل لاستقبال الضيوف والأقارب كتهنئة بالشهر المبارك –وطبعا كنا لا ندخر زخرا في تقديم الحلوى التي نصنعها بأيدينا فكم كانت لذيذة المذاق بالرغم من بساطة أنواعها فالهريسة والمشبك والعوامات من أفخر أنواع الحلوى في تلك الفترة –فترة سيطرة الأجنبي على بلادنا ومع هذا كنا نحيا الفرح الحقيقي فرح البساطة والمحبة ولا أنسى عقد حلقات الرقص أو اللعب بما يسمى بالبرجيس وهي لعبة شعبية كانت تدخل الفرح إلى قلوب أمهاتنا –خاصة ونحن نزغرد للمنتصر ونشجع الخاسر على متابعة اللعب وهكذا حتى تنتهي السهرة ويعود الضيوف إلى منازلهم لتقوم النسوة إلى صلاة التراويح ومن ثم إلى المطبخ لتهيئة وجبة الأسحار وهي الوجبة الأهم التي تنطلق مواقد النار بالاشتعال منذ منتصف السهرة وحتى موعد السحور—مواقد تملأ الحلل بلحم الخراف أو الدجاج أو الرز ليأكلون وجبتهم الأساسية لبداية يوم جديد في الصيام وجبة تقيهم الجوع وتمنع عنهم تعب العمل وهذه الوجبة تختلف من منزل لآخر وفق الظروف المالية للمنزل وطبعا كان كل منزل يرسل إلى جيرانه الطعام فشهر رمضان شهر الكرم ولا يجوز يا ابنتي أن نتذوق الطعام قبل أن يتذوقه الآخر –كيف يقبل الله صيامنا وجارنا محروم ممن رزقنا الله من خير ولا أنسى كيف كان الفقير يطرق الباب في أيام سبقت شهر رمضان وقد انتفى هذا الفقير- فنحن يا ابنتي كنا نبحث عنهم وهكذا كانت أيامنا في شهر رمضان حتى يحل العيد بفرح حقيقي –ننتظر قدومه كجائزة لصومنا ولعبادتنا التي قمنا بها بشيء من البكاء على شهر جمع بين أفئدة الناس بالمحبة والعمل والخير فهل رمضان زمان كرمضان هذا الزمن ------لا فالبشر حولت هذا الشهر الكريم إلى عادة ولو سألت أحدهم عن فرحته بقدوم الشهر لأدركت معنى قولي –كنا يا ابنتي نبكي على انقضاء الشهر ونرقص لقدومه –فهل أنتم مثلنا ---وهل رمضان اليوم كرمضان الأمس
رمضان كريم -------------------------------
المحامية رسمية رفيق طه

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 23 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2016 بواسطة azzah1234

عدد زيارات الموقع

156,774