بسم الله الرحمن الرحيم
ليلة بكى فيها اليهود...1
بقلم عصام قابيل
**************** *
لاشك أن إفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة
ابتداء من الجزء الثاني في سورة البقرة له معناه , فنجد التركيز على إعداد الجماعة المسلمة لحمل الأمانة الكبرى - أمانة العقيدة , وأمانة الخلافة في الأرض باسم هذه العقيدة - وإن نكن ما نزال نلتقي بين الحين والحين بالجدل مع أعداء هذه الجماعة المناهضين لها - وفي مقدمتهم بنو إسرائيل - ومواجهة دسائسهم وكيدهم وحربهم للعقيدة في أصولها , وللجماعة المسلمة في وجودها . كما نلتقي بالتوجيهات الإلهية للجماعة المسلمة لمواجهة الحرب المتعددة الأساليب التي يشنها عليها خصومها ; وللحذر كذلك من مزالق الطريق التي وقع فيها بنو إسرائيل قبلها .
فأما المادة الأساسية لهذا الجزء , ولبقية السورة , فهي إعطاء الجماعة المسلمة خصائص الأمة المستخلفة , وشخصيتها المستقلة . المستقلة بقبلتها ; وبشرائعها المصدقة لشرائع الديانات السماوية قبلها والمهيمنة عليها ; وبمنهجها الجامع الشامل المتميز كذلك . . وقبل كل شيء بتصورها الخاص للوجود والحياة , ولحقيقة ارتباطها بربها , ولوظيفتها في الأرض ; وما تقتضيه هذه الوظيفةمن تكاليف في النفس والمال , وفي الشعور والسلوك , ومن بذل وتضحية , وتهيؤ للطاعة المطلقة للقيادة الإلهية , الممثلة في تعليمات القرآن الكريم , وتوجيهات النبي [ ص ] وتلقي ذلك كله بالاستسلام والرضى , وبالثقة واليقين .
ومن ثم نجد حديثا عن تحويل القبلة , يتبين منه أنه يراد بهذه الأمة أن تكون أمة وسطا , أهلها شهداء على الناس والرسول عليهم شهيد ; فلها على الناس في الأرض قيادة وهيمنة , وإشراف وتوجيه . ونجد دعوة لهذه الأمة إلى الصبر على تكاليف هذه الوظيفة الملقاة على عاتقها , وهذا الواجب الذي ستضطلع به للبشرية جميعا ; واحتمال ما سيكلفها في الأنفس والأموال , والرضى بقدر الله ورد الأمور كلها إليه على كل حال .
ثم نجد بيانا وجلاء لبعض قواعد التصور الإيماني , حيث يقرر أن البر هو التقوى والعمل الصالح لا تقليب الوجوه قبل المشرق والمغرب . . وذلك ردا على ما يقوم به اليهود من بلبلة , ومن كتمان وتلبيس للحقائق , وجدال ومراء فيما يعلمون أنه الحق . . ومعظم الحديث في هذا القطاع يتعلق بتحويل القبلة , وما ثار حوله من ملابسات وأقاويل .
ثم يأخذ السياق في تقرير النظم العملية والشعائر التعبدية - وهما العنصران اللذان تقوم عليهما حياة هذه الأمة - وتنظيم مجتمعها ليواجه المهام الملقاة على عاتقها , فنجد شريعة القصاص وأحكام الوصية , وفريضة الصيام , وأحكام القتال في الأشهر الحرام وفي المسجد الحرام , وفريضة الحج , وأحكام الخمر والميسر , ودستور الأسرة . . مشدودة كلها برباط العقيدة والصلة بالله . كذلك نجد في نهاية هذا الجزء بمناسبة الحديث عن الجهاد بالنفس والمال , قصة من حياة بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم:ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . . فيها عبر كثيرة وتوجيهات موحية بالنسبة للجماعة المسلمة الوارثة لتراث الرسالات قبلها , ولتجارب الأمم في هذا التراث .
ومن مراجعة هذا الجزء - بالإضافة إلى الجزء الأول من السورة - ندرك طبيعة المعركة التي كان يخوضها القرآن ; وطبيعة الغاية التي كان يستهدفها في بناء الأمة المسلمة . وهي معركة ضخمة مع الدسائس والفتن والألاعيب والبلبلة والتلبيس والكذب ; ومع الضعف البشري , ومداخل الفتنة ومسارب الغواية في النفس البشرية على السواء . وهي كذلك معركة للبناء والتوجيه وإنشاء التصور الصحيح الذي يمكن أن تقوم عليه الأمة المستخلفة في الأرض , التي تتولى القيادة الرشيدة للبشرية جميعا
‫#‏عصام_قابيل‬

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 15 مشاهدة
نشرت فى 13 مايو 2016 بواسطة azzah1234

عدد زيارات الموقع

156,091