الإدارة الإلكترونية .. بين الإيجابيات و التحديات         

إن ما نشهده من تقدم تكنولوجي وإنتشار سريع لإستخدام التقنيات الحديثة لا سيما المتنقله منها (الأجهزة الجواله) خلال العقود الأخيره ينذر بتحديات إلى جانب الإيجابيات, والتي لابد من التعرف عليها والتعامل معها. فقد أدى دخول تلك التقنيات إلى تغييرات جذرية في شتى المجالات, لاسيما إنجاز المهام الإدارية في العمل. إذ أصبحنا نسمع بمفاهيم مثل الإدارة الإلكترونية, التجارة الإلكترونية, التسويق الإلكتروني ، الحكومة الإلكترونية, النقود الإلكترونية, و السكرتاريا الإلكترونية، وغيرها من المصطلحات الحديثة، والتي يتم طرحها كدورات وورشات عمل أو كمبادرات حكومية ومجتمعية سعيا للتقدم والتحضر.

حتى أننا أصبحنا نسمع بمفهوم جديد قد لا يصدقه بعض الناس, وهو "إدارة بلا أوراق".

حيث يبدو أن الإرتقاء بالأداء وتطوير العمل الإداري لا يمكن تحقيقه إلا بالإنخراط في ديمومة الثورة الإلكترونية والتعامل مع متطلباتها.

فما هي الإدارة الإلكترونية ؟

هي تحويل الأعمال التقليدية إلى أعمال إلكترونية. وذلك يعني, الإنتقال بالعمل الإداري من الإجراءات المطولة وإستخدام الأوراق, وضرورة الحضور الشخصي، إلى أعمال مختصرة الإجراءات, بدون أوراق و يمكن تنفيذها بسرعة ودقة عالية، بإستخدام تقنيات الإدارة وعبر شبكة الإنترنت.

ومن الجدير بالذكر أن مفهوم الإدارة الإلكترونية لا يعتبر بديلا عن الإدارة المادية الوجود وأفرادها, بل هي وسيلة لتحسين أدائها ورفع كفائتها, عن طريق توفير الوقت والجهد والكلفه, وزيادة الدقة والإنتاجية. وهي إدارة لاتعرف المكان والزمان, حيث أنها تعمل من أي مكان في العالم بإستخدام التقنيات مع شبكة الانترنت, إلى جانب توفرها 24 ساعه يوميا, طوال العام.

إن الإستخدام الفعال للإدارة الإلكترونية يتطلب إمكانيات بشرية و مادية. وذلك يتمثل بتوفر بنية تحتية ملائمة لإستعياب المستجدات، بالإضافة إلى موظفين وعملاء يمتلكون قدرات ومهارات لإستخدام هذه التقنيات الحديثة.  إذ لابد من توظيف الأفراد المناسبين ونشر ثقافة التدريب في هذا المجال. بالإضافة إلى ضرورة توعية الجمهور بفوائد الإدارة الإلكترونية وكيفية إستخدامها.

إن هذا التحول في أنماط الإدارة يعتبر قضية مهمة جداً, لا سيما في الدول النامية. إذ أن التنمية بكل معانيها الإقتصادية و السياسية يتطلب الدقة والسرعة في أداء العمل. ومن هنا يتبين أن تبني الإدارة الإلكترونية وتطوير العمل الإداري في مختلف المجالات ، أصبح خيارا لا يمكن رفضه أو تأجيله، وإنما أصبح ضرورة تهدد بقاء المنظمات. إذ لا يمكن إنكار الدور الهام للتقنيات في هذا الصدد, وتأثيرها في مدى فعالية الإدارة.

إن بيئة العمل الإداري متقلبة الظروف, تخبئ الكثير من المفاجآت, و تستوجب إتخاذ القرار بإختيار الخيار, ليس فقط الملائم بل الأكثر ملائمةً, وضمن وقت ضيق. إن إستخدام التقنيات في العمل الإداري قد أسهمت في جميع مراحل إتخاذ القرار, بدءاً من مرحلة تحديد المشكلة, مروراً بجمع المعلومات, وصولاً إلى تحديد البدائل, وأخيراً, إختيار البديل الأمثل. بالإضافة إلى تقليل هامش الذاتية في إتخاذ القرار, و أخيراً وليس آخراً إمكانية خزن كم هائل من المعلومات وأرشفتها وإسترجاعها بسرعة ودقة عند الحاجة لها.

علاوة على ذلك, إستخدام التقنيات في العمل الإداري قد يعمل على تغيير المهام وتقسيم العمل دون أي تغيير في الهيكل التنظيمي بشكل رسمي. ومن هذا التغير ينتج ما يسمى بالديمقراطية بين الوحدات الإدارية وكسر جواجز التسلسل الإداري التقليدي المغلق, والذي يحد من المشاركة بالمعلومات والمعارف. إن العمل الإداري بإستخدام الإتصالات الإدارية أصبح أكثر سرعة, أقل كلفة, أوسع مشاركة. فعلى سبيل المثال, بواسطة الإتصال المرئي والمسموع, أصبح بالإمكان عقد إجتماعات بين عدة أفراد متباعدين جغرافيا, بصرف النظر عن إختلاف الزمان والمكان. وذلك لتبني سياسة التواصل المفتوح وإقامة العلاقات بين الوحدات الإدارية للإستفادة من الخبرات لأجل تحقيق الهدف المنظمي. إن الإدارة الإلكترونية تحمل بشائر مهولة من دعم للشفافية, ونقل للتجارب والمعرفة, كل ذلك في سبيل رفع الكفاءة والإنتاجية. وهذا ينعكس على توفير خدمة أو سلعة أفضل للجمهور وتحسين العلاقة معهم. ولكن..

 هل جميع أفراد الجمهور قادرون على إستخدام التقنيات المختلفة؟

هل البنية التحتية كافية لمثل هذه التقنيات وإستخدامها بالشكل المرضي؟

ولا يقتصر دور الإتصالات في داخل البيئة الإدارية فقط, بل تمتد لتطال الجمهور وخدمتهم. إذ أنها تتيح لهم تقديم, متابعة, و إستلام معاملاتهم إلكترونيا. بالإضافة إلى إمكانية الإستفسار والتساؤل, وطرح الشكاوى والإقتراحات في أي وقت, ومن أي مكان, من خلال تقنيات مختلفه تعمل من خلال شبكة الإنترنت, من أهمها البريد الإلكتروني والموقع الإلكتروني الخاص بالمنظمة. ومن التقنيات الحديثة أيضا الرد الآلي المستخدَم لخدمة الجمهور والحد من معاناتهم التي تتمثل بضياع الوقت والكلفة, والجهد المبذول لإجراء معاملاتهم بالأسلوب التقليدي (اللاتقنتي).

لذا بدأت غالبية الإدارات بتبني الإدارة الإلكترونية لإنجاز نشاطاتها بالرغم من الأعباء المالية والحاجة للعناصر البشرية الكفؤة لإستخدامها.

وأخيرا, إن الإدارة الإلكترونية في مختلف القطاعات من أهم العوامل المؤثرة على تحضر المجتمعات وتقدمها. والواقع أن هذا التطلع لا يبدو بعيدا كل البعد, ولكن إلى جانب كل الخطط لدعم تقدمه وتحقيقه إلا أنه يصطدم ببعض المعوقات التي لابد من التغلب عليها.

 

بقلم: الدكتور أيمن الخالدي

أستاذ مساعد بقسم نظم المعلومات الإدارية, جامعة حائل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 509 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

2,009