اللغة العربية شأنها شأن كل اللغات تتعرض لموجات من الهجوم المنظم أحيانا وغير المنظم أحايين كثيرة، ولست هنا في مجال الدفاع عن اللغة العربية، فليست بحاجة إلى دفاع من أمثالي؛ فبقاؤها لغة حية فوق ستة عشر قرنا من الزمان يعطيها من القوة مالا تحتاج معه إلى دفاع.

        في هذا المقال القصير أود أن أوضح بعض النقاط التي دفعت بكثير من أعداء العربية إلى مهاجمتها، أهم هذه النقاط:

1-  شيوع اللهجات العامية بين مستخدمي اللغة العربية، وهي حقيقة لا مجال لإنكارها، فحضور محاضرة ما في قسم من أقسام اللغة العربية بأية جامعة مصرية أو غير مصرية يكشف عن مدى استعمال الأساتذة المتخصصين في مجال اللغة العربية لهجاتهم العامية، بل الأدهى من ذلك حضور مناقشة رسالة ماجستير أو دكتوراه يوضح لنا حجم استخفاف الأساتذة المناقشين- بقصد أو دون قصد- بالعربية الفصحى، فمعظم الحديث يدور بالعامية.       إن جنوح الأساتذة الموكول إليهم أمر اللغة نشرا وحفاظا إلى استعمال العامية لا يتهم نيتهم الطيبة في حفظ اللغة والعمل على نشرها، ولكنه يعني محاولة الميل إلى استعمال الميسور لدى جمهور الحاضرين، وهذا خطأ فادح يقع فيه المتخصصون، ولعلي أتذكر هنا مقولة للشاعر العربي أبي تمام، حين سئل: لماذا لا تقول ما يُفْهَم؟ فأجاب: ولماذا لا يُفْهَم ما يُقال. فعلى الأساتذة في قاعات الدرس والمناقشات أن يرقوا بمهارات جمهورهم أيا كان، وعليهم أن يستخدموا الفصحى في أحاديثهم ومحاضراتهم ومناقشاتهم، وإن بدا ذلك صعبا في بداية الأمر فسوف يصبح مألوفا على الأذن.

2-  شيوع مقولة غريبة هي أن العربية من أصعب اللغات، وأن إتقانها أمر مستحيل، ولعل هذه المقولة ظهرت في مرحلة من مراحل الصراع اللغوي بين العربية وغيرها من اللغات، وظهرت بخبث شديد، وأصبحت تتكرر على الألسنة دون وعي، فعملية الإحاطة باللغة أمر مستحيل؛ لكن هذا لا يعني أن اللغة صعبة، ثم إن مسألة الصعوبة والسهولة مسألة نسبية، وهي أمر شائع في كل اللغات، وليست العربية بدعا في ذلك. ولعل المسألة تحولت من مجرد دعابة إلى عمليات استرزاق تؤتي أكلها لكثير من المرتزقة باسم العربية. فكثيرا ما تتكرر عبارة العربية لغة صعبة، أو هي من أصعب اللغات في بلاد غير عربية؛ ويتم نشر ذلك ونقله من ألسنة العرب القائمين بعمليات تعليم العربية لغير العرب إلى ألسنة طلابهم، ويتعمق الإحساس بصعوبة اللغة لأسباب لا علاقة لها باللغة نفسها إنما بعمليات الطرح التي يقوم بها هؤلاء في تعليم اللغة.

3-  تعليم العربية لغير العرب وإعداد الكوادر المناسبة لهذا الحقل المهم، فالأمور عندنا- نحن العرب- يُعبر عنها بالمقولة الساخرة (سمك لبن تمر هندي) والمقولة التالية (كله عند العرب صابون) والمقولتان تنطبقان على عمليات تعليم العربية لغير العرب، فكل من كان من أصل عربي، أو قدم من بلد عربي إلى بلد أجنبي ولم يجد عملا مناسبا امتهن حرفة تدريس العربية لغير العرب، مع أنه ليس معلما من الأصل، ولم يعد جيدا للقيام بعملية التدريس؛ فضلا عن تدريس العربية لغير العرب تلك التي تحتاج إلى مواصفات خاصة ومؤهلات خاصة، لكنها- كما قلت- عمليات استرزاق، وبالطبع تكون النتيجة معلومة وهي الفشل في تعليم اللغة من جهة المعلم غير المؤهل، والفشل في تعلُّم اللغة من قبل المتعلم، ويؤدي ذلك بالطبع إلى تصديق المقولة السابقة العربية أصعب اللغات بدلا كونها من أصعب اللغات.

4-  الحكومات والهيئات الحكومية التي تُعنى بنشر العربية تكاد تكون معدومة، فمعظم بلدان العالم العربي لا يُهمها نشر العربية من أجل العربية، ولا تكاد توجد حكومة واحدة في العالم العربي تعمل على نشر العربية من أجل العربية، بل هناك محاولات تسعى لنشر العربية من أجل نشر مذاهب فكرية واتجاهات دينية معينة، وهناك جهات أخرى تسعى إلى استخدام عمليات تعليم العربية لغير العرب مصدرا ماليا، وغير ذلك كثير.

5-  في مصر ظهرت موضة جديدة في كثير من الكليات اسمها تعليم العربية لغير العرب، وما استتبعه ذلك من إنشاء مراكز لتعليم العربية لغير العرب، وهي في الحقيقة شيء طيب إذا أُحسن الإعداد له، وأُحسن أداؤه، لكن الذي حدث أن الذين أنشئوا هذا المراكز وقاموا بالتدريس فيها لم يكن لهم من علاقة بتعليم العربية لغير العرب إلا ما سمعوه من أن هذا المجال يمكن أن يُدر دخلا جيدا يُفيد منه أعضاء هيئة التدريس في هذه الكليات؛ ومن ثم أصبحت هذه المراكز تقوم بتدريس النحو، والأدب والبلاغة والنصوص القرآنية والشعرية وغيرها، وأصبحت القضية عملية تكرير لما يقوم به الأستاذ في محاضرته مع طلابه من المصريين، مع اختلاف في الحجم وعدد الطلاب.... بالطبع كارثة!!

6-  لا شك هناك جهود مخلصة تتم في مجال تعليم العربية لغير العرب؛ لكنها جهود فردية، وتحتاج إلى مؤسسات كبيرة ذات تمويل كبير حتى تؤتي ثمارها المرجوة.

بعد ما سبق يمكنني أن أقرر أن العربية ابتليت بمجموعات من المرتزقة من بين أهلها، وابتليت بمجموعة من أعدائها قاموا بمحاسبتها على أخطاء المرتزقة، ولم يقوموا بدراستها واستيعابها ثم مناقشة الهجوم الذي يوجهون سهامه إليها. ولكن تبقى الحقيقة على حالها، وتبقى العربية لغة حية إلى الآن وقد عاشت ما يربو على ستة عشر قرنا من الزمان، وستظل إن شاء الله تعالى ما بقيت الحياة. ستظل العربية رغما عن كيد أعدائها، ورغما عن استهانة المرتزقة من أبنائها بقيمتها.

وللحديث بقية

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 68 مشاهدة
نشرت فى 7 إبريل 2011 بواسطة ay0000000sh

ساحة النقاش

ayooooosh

ay0000000sh
الـصـبـر ... عـنـد الـمـصـيـبـة ... يـسـمـى إيـمـانــاً . # الـصـبـر ... عـــنـــد الأكــــل ... يـسـمـى قـنـاعــةً . # الـصـبـر ... عـنـد حـفـظ السر ... يـسـمـى كـتـمـانـاً . # الـصـبـر ... مــن أجـل الـصـداقـةِ ... يـسـمـى وفــاءً »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,126