شاءت الأقدار أن يكون تكليف الدكتور المهندس عصام شرف بتشكيل الوزارة الجديدة هو أول خطوة على طريق إعادة البناء منذ رحيل رأس النظام السابق، فمنذ يوم 11 فبراير توالت خطوات هدم النظام القديم، بدأت بتخلى رئيس الجمهورية عن منصبه، «وإن كنا لم نسمع بعد عن تخليه عن موقعه كرئيس للحزب الوطنى، ولم يخبرنا أحد عن مصير موقعه كقائد أعلى للقوات المسلحة، وكحاكم عسكرى للبلاد»، ثم تلا ذلك حل مجلسى الشعب والشورى والإعلان عن نية لإلغاء حالة الطوارئ، أما الحزب المسمى «الوطنى الديمقراطى» الذى سقط سقوطاً مدوياً وأحرقت مقاره، فلم يصدر حتى الآن قرار بحله.

وينبغى الاعتراف بأن كل قرارات الهدم للقديم كانت فى محلها، لكن تطلع الناس كان دائماً لخطوات البناء وعدم الاكتفاء بقرارات الهدم وتلك تأخرت كثيراً، فلم يقتنع أحد باستمرار الوزارة، التى شكلها الرئيس المتخلى عن موقعه، فى موقعها حتى بعد رحيله بمحاولات يائسة لترقيعها بأسماء جيدة لكنها لم تنجح فى إلهاء الناس عن أن تلك الوزارة شُكلت أصلاً لامتصاص غضب الجماهير وليس لتطبيق المبادئ التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير التى ظل رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، حتى وقت قريب يرفض تسميتها «ثورة».

ولقد صارحت الفريق أحمد شفيق بذلك فى الاجتماع الذى عقده للكُتاب والإعلاميين وطلبت منه، أمام ما لا يقل عن 50 من رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة والإعلاميين، أن يتحلى بالشجاعة التى عرف بها فى الحرب، وأن يسارع بتقديم استقالة وزارته المرفوضة جماهيرياً.

وقلت لرئيس الوزراء السابق إن وزارتك حالت دون حدوث فراغ سياسى كان يمكن أن ينشأ بعد رحيل رأس النظام السابق، فظل دولاب العمل الحكومى دائراً فلم ينقطع رغيف الخبز ولم تختف أنبوبة البوتاجاز، لكنها لن تستطيع أن تقدم أكثر من ذلك، لأن الناس تتطلع إلى وزارة جديدة نابعة من الواقع الجديد الذى خلقته ثورة 25 يناير وليس وزارة من مخلفات العهد القديم، وقد استمع رئيس الوزراء السابق إلى حديثى بأدبه المعهود وعبث بقلمه فوق ورقة أمامه وكأنه يدون ما أقول! لكنه استمر فى موقعه وقام بترقيع وزارته القديمة بأسماء جديدة.

إن تسمية وزارة جديدة هى خطوة بناءة على طريق بناء النظام الجديد، واختيار عصام شرف رئيساً لها هو خطوة موفقة بكل المقاييس، فهو رجل له مواقفه الوطنية المشرفة، وقد لا يعرف البعض أنه كان قريباً من شباب الثورة وقد شاهدته بنفسى فى ميدان التحرير ليس بعد نجاح الثورة وإنما قبلها، لكنه إلى جانب حسه الوطنى فهو على خلق كبير لم يتردد فى الاستقالة من منصبه كوزير للنقل حين تأكد أنه لا توجد رغبة سياسية لحل مشاكل النقل فى مصر، وهو ما أعلنه صراحة وبلا مواربة، ثم قبل ذلك كله فإن الدكتور المهندس عصام شرف هو من أكبر خبراء النقل المشهود لهم دولياً.

إننى أرى أن تسمية وزارة جديدة برئاسة المهندس عصام شرف هى الثمرة الأولى التى طال انتظارها لثورة 25 يناير، فالثورة لم تقم فقط من أجل إسقاط رأس النظام وحل البرلمان، وإن كان بعض أعوان النظام القديم يرون أنها بذلك تكون قد حققت أهدافها وعليها الآن أن تنصرف،

لكنها قامت من أجل بناء نظام حكم مدنى جديد يقوم على الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، وما طالبت الثورة بسقوط النظام، إلا لأنه كان العقبة فى سبيل تحقيق ذلك، من هنا فإن وزارة الدكتور عصام شرف الجديدة هى الخطوة الأولى فى سبيل إقامة ذلك النظام الجديد الذى قامت من أجله الثورة.

أما مهام هذه الوزارة فيجب أن تكون تحقيق بقية آمال الجماهير فى حدود المسؤولية الموكلة إليها، فهناك من المسؤوليات ما يقع على عاتق المجلس العسكرى القائم بالسلطة الرئاسية، لكن هذه الوزارة فى إمكانها أن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين فى نفس الوقت الذى توفر لنا فيه وزارة جديدة للداخلية بالمفهوم العصرى الجديد المتعارف عليه، تحمى أمن المواطن الذى مازال مستباحاً بسبب عجز الوزارة القديمة التى لم تكن تجيد إلا حماية النظام، ويرتبط بهذا المطلب إنهاء حالة الطوارئ القائمة بلا مبرر منذ 30 عاماً.

أما حالة الاضطراب القائمة فى البلاد، والتى لا خلاف على أنها تعتصر الاقتصاد المصرى بشدة فإن استمرارها قد يؤدى إلى عواقب وخيمة تصيب الدخول الصغيرة قبل الكبيرة، وأن تسمية وزارة جديدة نابعة من ميدان التحرير، وليس من قصر العروبة هى الخطوة الأولى لمعالجة تلك الأزمة والاقتراب من الاستقرار الذى ننشده جميعاً، وعلينا أن نفسح المجال لهذا الرجل الوطنى الشريف لكى يحقق آمالنا، وأن نساعده فى المهمة الموكلة إلى وزارته ليس بحكم ما سيرد فى خطاب التكليف الرسمى له، وإنما بما يمليه الظرف التاريخى الذى ولدت وزارته من رحمه.

مبروك لمصر، لقد بدأت اليوم مرحلة البناء.

المصدر: محمد أبوالديار المحامى 0105836432
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 129 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

266,913