الرشوة.. ضياع للحقوق وشيوع للفساد
الرشوة هي: عبارة عما يقدم من مال أو غيره إلى من بأيديهم مصالح الناس، بغية وصول الإنسان إلى حقه أو إبطال حق غيره، أو الحصول على ما لا حق له فيه. وقد اقتحمت الرشوة الكثير من الجوانب في المجتمعات اليوم، وهي أكل للحرام والسحت، وخيانة للأمانة، وهي سلوك سيئ لعن الله فاعله، وقد اعتبرها الشارع أكلا لأموال الناس بالباطل.
روى أبوداود وغيره من حديث عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي.
ومن آثار الرشوة وأضرارها:
· توسيد الأمر لغير أهله.
· وتدمير المبادئ والأخلاق الكريمة.
· وإهدار الأموال وتعريض الأنفس للخطر.
وقد اعتبرها الشارع أكلا لأموال الناس بالباطل، قال تعالى: }ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون{، كما عدها سحتا يأكله المرتشي، فقال سبحانه في شأن اليهود الذين من ديدنهم أكل السحت واستحلال الرشوة: }سماعون للكذب أكالون للسحت{.
واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدايا التي يأخذها العاملون في الدولة غلولا، أي خيانة للأمانة، إذ رُوي عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "هدايا العمال غُلول"، ولهذا أنكر قبول بعض العاملين في جباية أموال الزكاة من المصدقين ما أهدي إليه بصفته جابيا لهذه الأموال، إذ رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما بال الرجل نوليه على صدقات الناس، فيأتينا ويقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر أيهدى إليه ام لا".
يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: خيانة الأمانة منافية للإيمان، فقد رُوي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، وليس بخاف على أحد أثر الرشوة في ضياع الحقوق على أصحابها، وإهدار المصالح العامة والخاصة، وشيوع الفساد، وانتشار الظلم، وإخلال موازين العدالة، واستباحة ما حرّم الله سبحانه، وهذا هو الضلال المبين الذي تعاني من آثاره السيئة المجتمعات والأفراد.
فكم من حق ضل طريق صاحبه بسبب تحويل هذا الحق إلى غيره بالرشوة! وكم من ظلم حاق بإنسان لم يبذل هذه الرشوة إلى من ظلمه! وكم من عنت واضطهاد وقهر لحق بامرئ امتنع من بذل هذه الرشوة إلى من ألحق به ذلك! وكم من حقائق زيّفت وباطل ألبس ثوب الحق بسبب الرشوة!
الـعــلاج
إذا كان ضياع الوازع الديني والرغبة في الثراء السريع من أسباب تفشي هذه الظاهرة، فإن ما يتوصّل به إلى القضاء عليها هو نشر الوعي الديني وتذكير من لديهم الاستعداد النفسي لاقتراف هذا المنكر بالوعيد الشديد، الذي يناله من أقدم على تقديم الرشوة أو سهل الحصول عليها أو أخذها، بالإضافة إلى الطرد من رحمة الله تعالى، يضاف إلى هذا التذكير غرس القيم والأخلاق الدينية في نفوسهم، وحثهم على مراقبة الله تعالى في كل ما يصدر عنهم، ووزن أعمالهم بميزان الشرع، وتذكيرهم بسير السلف الصالح رضوان الله عليهم، الذين رفضوا أخذ هذه الرشاوى أو تقديمها إلى أحد، والذين منهم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه الذي حاول اليهود أن يقدموا إليه رشوة عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ليقسم غلة الأرض بين أهلها وبين المسلمين، وفقا للصلح الذي تم بينهم، حيث رفض عبدالله بن رواحة ما قدموه له من مال وحلي وهدايا قائلا لهم: أن هذا سحت، والمؤمنون بالله ورسوله لا يأكلون السحت، ولا يحملني حبي لمحمد وبغضي لكم على أن اظلم أو أجور أو أميل مع قومي دونكم. فقال اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض.
ساحة النقاش