لماذا اشتعلت أحداث محمد محمود الأخيرة فجأة ... وكان هناك إصرار غير عادي على الاحتكاك مع الشرطة؟!
ولماذا كان يتم إخلاء سبيل كل المقبوض عليهم من النيابة رغم ثبوت امتلاكهم لأسلحة ومولوتوف؟
ولماذا في نفس الوقت حدث انسحاب جماعي مفاجيء من الجمعية التأسيسية بعد عمل دام أكثر من خمسة شهور ونصف؟!
ولماذا كان رد الفعل المفاجيء من مرسي بإصدار إعلان دستوري يحصن قراراته والتأسيسية والشورى ويغير النائب العام؟
ولماذا بعد تغيير النائب العام توقف التظاهر في محمد محمود وشارع قصر العيني مع أن المنطقي يقول أن يزيد التظاهر ضد الإعلان الدستوري؟
وما هو سر يوم ٢ ديسمبر والتحذيرات منه، وما قصة حل التأسيسية والشورى وعودة العمل بالإعلان الدستوري المكمل؟
وما الرابط بين كل هذا؟
قبل أن نعطي تفسيراً يجب أن تدرك شيئاً هاماً، أن الحديث عن مؤامرة في عالم سياسي هو أمر طبيعي جداً ... وأن السياسي الفطن هو من يتابع الشواهد التي تدور أمامه من خصومه ويحللها ثم يتوقع الضربة القادمة ويتخذ أساليب دفاعية لمنعها ... أما السياسي الساذج فهو الذي لا يربط بين الشواهد ... ويعتبر كل حدث مستقلاً بذاته، ويُكثر من افتراض الصدفة، وينتظر دليلاً مادياً، ولا يتحرك لأنه لا يمتلك هذا الدليل، ويفترض دوماً حسن النية في خصومه
عندما نربط بين كل ما حدث فإنني أتوقع أن ما سأسرده الآن هو ما كا متوقع حدوثه، وقد أكون على خطأ، ولكني أجتهد
كان المفترض أن يبدأ إشعال الموقف مع أحداث محمد محمود الثانية ... كنت هناك وشاهدت بنفسي إصرار عجيب على الاحتكاك بالداخلية، وشاهدنا بلطجية ومولوتوف وصورناها.
وفي نفس الوقت استطاعت القنوات المملوكة لرجال الأعمال تهويل الحدث وكأن هناك ثورة ثانية، مع أن الأعداد كانت قليلة للغاية
وكذلك كان الملاحظ أن كل من يتم القبض عليه يتم الإفراج عنه من النيابة بأمر من النائب العام عبد المجيد محمود
كان المطلوب هو إشعال الموقف حتى يوم ٢ ديسمبر، حيث ستحكم الدستورية جميع الموسسات المنتخبة: التأسيسية والشورى وعودة العمل بالإعلان الدستوري المكمل
وفي نفس الوقت، حدث استقالات جماعية غير مفهومة وبدون أسباب مقنعة من الجمعية التأسيسية، وذلك لتهيئة الرأي العام لحكم الدستورية القادم بحل التأسيسية
طيب، ما الذي كان سيحدث يوم ٢ ديسمبر؟
كانت الدستورية ستقضي بحل التأسيسية والشورى، وبعودة العمل بالإعلان الدستوري المكمل الذي يعيد معظم صلاحيات رئيس الجمهورية للمجلس العسكري، وفي نفس الوقت، سيتم الهجوم على مقرات الحرية والعدالة في المحافظات المختلفة وعلى منازل قيادات الإخوان وسيتم حشد مسيرات إلى قصر الرئاسة واقتحامه مما يستدعي نزول الجيش
هل كان الجيش سينزل وقتها؟
نعم، لأن عودة العمل بالإعلان الدستوري المكمل يحتم عليه النزول لاستلام مهامه، وسينادي المتظاهرين بخلع مرسي في مشهد مشابه لجمعة الغضب، ويتم خلع الرئيس
طيب، لهذا السبب أصدر الرئيس إعلانه الدستوري ... حتى يمنع الغطاء القضائي الذي يسمح للجيش بالنزول ... وهو ما أحبط النقطة الرئيسية في خطط الراغبين بسقوط النظام ...
وهكذا فشل جزء كبير من المخطط الرئيسي لإسقاط النظام، فوجدوا أنفسهم في لا يملكون إلا إكمال المخطط على أمل أن ينزل الجيش ... فتم حرق المقرات ومحاولات الاعتداء على منازل قيادات الإخوان ...
وتم بالطبع التوقف عن الاعتداء على الداخلية في محمد محمود لأنها لم تعد ذات قيمة حالياً حيث أحبط المخطط ... ناهيك أن الناذب العام الجديد صار لم يعد يعطي الأوامر بإخلاء سبيل جميع المتهمين ... بل صار يقبض على بعض من تورط فعلاً في البلطجة ... وهذا يجفف منبع البلطجة، ولذا مادام الاحتكاك هناك مع الداخلية لا معنى له فلابد من الانسحاب فورا
ثم، تمت محاولة سريعة لإصدار حكم قضائي بإلغاء الإعلان الدستوري من خلال محكمة القضاء الإداري، وكان سيصدر حكم عاجل يو مالثلاثاء الماضي، وهو نفس اليوم الذي توجهت فيه المسيرات لقصر الاتحادية، ولكن لولا أن دفاع الإخوان طالب برد المحكمة فإن هناك توقعات كبيرة باقتحام القصر كانت ستحدث يومها بعد صدور الحكم القضائي
والطريف أن قاضي المحكمة قرر أن تبدأ إجراءات رد المحكمة بسرعة شديدة ... بداية من اليوم التالي
ويبدو أن المعلومات التي وصلت للرئيس، أن فشل الراغبين بسقوطه في استصدار حكم قضائي سيدفعهم لاقتحام قصر الرئاسة وحرق المقرات والاعتداء على قيادات الجماعة، لإحداث فوضى عارمة قد يفكر الجيش وقتها في النزول ... فقرر بسرعة أن يتم حشد المؤيدين له لمنع اقتحام القصر لتوقعه أن الداخلية لم تكن لتصمد أمام المقتحمين كما حدث يوم الثلاثاء عندما انسحبت ... وخصوصاً أن المقتحمين مسلحين كما شاهدنا بأعيننا
هذا تفسيري لما كان سيحدث وفقاً للشواهد التي رأيناها ... ولا أزعم أني على صواب تام ... ولكني أجتهد
عماد الدين السبد