الحلقــة الأولـى
صناعة الذات قبل إدارة الذات
كـل من سار في درب إدارة الذات تصادفه مشـكلة التقهقر عند المحاولة في ممارسـة بعض فنونهـا إذ انهم لم يظفروا بـ نتيجـة ملموسـة مع نفوسـهم
فـ على سبيل المثـال : من السـهل جداً أن أقول لك عزيزي القاريء إذا أردت أن تنظم يومك عليك كل صباح أن تقوم بـ تدوين أعمالك مهامك واجباتك في ورقة موزعـة حسب وقتك وكلما أنجزت عملاً قم بإسقاطه من الورقة .. إلخ.... كلنا حاولنا هذا من قبل وفشلنا في الاستمرار بل في تحقيقه لمرة واحدة فقط وقس على ذلك في سائر فنون الفاعلية وإدارة الذات.
إن تحليل هذه الظاهرة له من الأهمية بمكان، إذ عليه تتوقف بداية الانطلاقة السليمة في سبيل الحصول على الشخصية الإدارية الفعالة، وفي تقديري أن ذلك يرجع أساسًا إلى معوقات وسلبيات متأصلة في نفوسنا، أفرزتها تربية مجتمعاتنا بعدما كشفت عنها شمس الإسلام، وإلا فلو ترك الإنسان لينمو ويترعرع على فطرته لغدا شخصية سوية فعاله، قادرًا على إدارة ذاته وتحقيق أهدافه، ولعل هذا بعض ما نستنتجه من إشارة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ: 'كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه'.
ويؤيد علماء النفس ذلك في قولهم:
كل إنسان يولد وفي تكوينه بذور النبوغ والعبقرية، الكفاءة والفاعلية، يتوقف نمو هذه البذور أو موتها على نوع التربية والرعاية التي يتلقاها الإنسان من أسرته، بيئته ومجتمعه.... فـ حل هذه المشكلة يكمن أولاً في إعادة تلك النفوس إلى فطرتها لـ نزيح عنها ركام سنين من الصياغة السلبية التي تملأ طريقها نحو الإنجاز والفاعلية بالعوائق والعراقيل، وإلا فكيف نتقن فنون إدارة الذات ونحن أصلاً نفتقر إلى تلك الذات السوية القادرة على تشرب تلك الفنون لهذا لا بد أولاً أن نرفع هذا الشعار
'صياغة الذات قبل إدارة الذات'
سبع خضر وأخر يابسـات:
توصل أهل الاختصاص إلى عادات سبع تمثل المبادئ الأساسية للنجاح والفاعلية، إن استطاع الفرد أن يكتسبها فإنه يخلع بإزائها من نفسه سبع عادات سلبية تمثل في مجموعها المعوقات الأساسية التي تعيق سيره في طريق الحصول على الشخصية الفعالة القادرة على إدارة ذاتها وتحقيق أهدافها.
منظومة النجاح والفاعلية
1. كن إيجابيًا وخذ بزمام المبادرة
2. ابدأ وأهدافك واضحة لك
3. رتب أولوياتك وقدم الأهم فـ المهم
4. فكر في المنفعة المشتركة لجميع الأطراف
5. حاول أن تفهم الآخرين قبل أن تتحدث إليهم
6. اعمل للمجموع وتعاون مع الآخرين
7. جدد قدراتك باستمرار
منظومة الفشل والسلبية
1. كن سلبيًا متطفلاً عديم الشعور بالمسئولية
2. قم بأعمال كثيرة لا تدري لها هدفًا
3. كن فوضويًا واعمل ما تشاء وقتما تشـاء
4. كن أنانيًا همك أن تكسب حتى لو خسر الآخرون
5. لا يهم أن تفهمهم بل المهم أن يسمعوك
6. اعمل لنفسك لا مع الآخرين
7. ارضى بواقعك ولا تحاول أبدًا أن ترتقي بـ نفسك
هـم.. أنـا.. نحـن
وتقوم هذه العادات السبع على تصور واضح للشخصية الفعالة تتمشى تمامًا مع روح الفطرة وجوهر الشريعة، فـ الشخصية الناجحة هي التي قطعت مراحل النضج الثلاثة والتي تبدأ من
- مرحلة الاعتماد على الآخرين ثـم
- مرحلة القدرة على الاستقلال الذاتي والاعتماد على النفس ثـم
- نصل إلى قمة هرم النضج وهي مرحلة التعاون والتكامل مع الآخرين
ولـ توضيح ما جاء أعلاه لك المثـال التـالي
تأمل معنا واقع شباب الصحوة ممن يوصفون بأنهم أرباب الالتزام، كيف يتصرفون حيال قضية العمل لهذا الدين....!؟
كثير منهم لا يحمل القضية ويظن أن الدعوة أو حتى بناء نفسه وتربيتها هي مسئولية غيره ممن كان من الدعاة والعلماء، وهذا هو العاجز الذي 'أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني' ومازال يعيش أسير مرحلة [هم ] .... صنف آخر قطع أولى مراحل النضج، وأدرك أن {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [ الأنعام:164 ] وأنه يمكن أن يقوم بنفسه بدور يعتمد فيه على ذاته في نصرة هذا الدين، ولكنه ما زال في دائرة [ أنـا ] ولم يصل بعد إلى ما وصل إليه الصنف الثالث ممن اعتمدوا على ذواتهم وقدراتهم في واجب الدعوة، ولكنهم أدركوا مع ذلك أن هناك أعمالاً يتطلبها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا من خلال عمل جماعي قوامه التعاون والتعاضد والتكامل، فـ اكتمل نضجهم لما امتثلوا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاتَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ووصلوا سالمين إلى نهاية رحلة النضج بعد أن استقروا في مرحلة [ نحن ]
من لا يُدرك كله لا يُترك جُلُّه
هذه العادات لا يؤخذ كل منها على حدة، بل هي منظومة متكاملة تتفاعل مع بعضها البعض لتضبط عجلات قطار ذاتك على قضبان الكفاءة والفاعلية، وترتقي بك عبر مراحل النضج الثلاثة، فـ العادات الثلاثة الأولى تصنع منك شخصية قادرة على الاستقلال الذاتي والاعتماد على النفس من [ هـم إلى أنـا ] والعادات الثلاثة التالية تجعل منك شخصًا قادرًا على التعاون والتعاضد مع الآخرين من [ أنـا إلى نحن ], ثم العادة السابعة وهي الشحذ المستمر للقدرات الذاتية تمثل الإطار العام الذي يجمع كل العادات السابقة، فكلما زادت قدراتك الذهنية، البدنية، الروحية والاجتماعية كلما وصلت إلى مستوى أعلى وارفع في ممارستك لبقية العادات السبع، لذلك إعلـم أيها القاريء أن أي خلل في تحصيل أحد أركان هذه المنظومة السباعية سوف تؤثر بالضرورة على بقية الأركان، ولعله يضعف ـ إلى حد بعيد ـ من الثمرة المرجوة منها.
نهـاية البدايـة
لعلك الآن قد أدركت تفاصيل رحلتنا في درب إدارة الذات، فـ لا بد أولاً أن نبدأ بإعادة صياغة ذواتنـا وفق مبادئ الإنجـاز والفـاعلية ثم نرتـاد بعد ذلك الى فنون إدارة الذات لـ نزيد من كفـاءتنـا وفـاعليتنـا.
فإن صح منك العزم على السير برفقتنـا، فدونك الميدان، أثر نقعه، وتوسط جمعه, وأعلن أن ثمن السيادة هجر الوسـادة, وأن منازل الكرام لا تنبغي لأهل المنام، اتبع سيرة سيد أولى العزم من الرسل لما تحمَّل الأمانة فدعي إلى الراحة، وقابلها بشعار: 'مضى عهد النوم يا خديجة' واسمع لتلك الفائدة من فوائد ابن القيم ينبيك فيها أنه: 'وإنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل، فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده؟!'.
المراجع كمـا أوردهـا الكاتب لـه الفضـل:
1ـ إدارة الذات ... د/ أكرمرضا
2ـ العادات السبع لأكثر الناس فاعلية ... ستيفن كوني
3ـ ثلاثية النجاح ... خليل صقر
4ـ حتى لا تكون كلاً ... د/ عوض القرني
ساحة النقاش