كيف للانسان ان يتصور عالم شفاف مبهج تتوافر فيه اسمى آيات السعادة واكملها؟، ويتذوقه بالحسّيات الاكثر احساسا بالمتّعة من الحسّيات الارضية التي لدى الانسان في عالم الدنيا.

ان المتع الدنيوية مهما بدت لنا ذات نكهات مادية او معنوية فانها محدودة في اطارها المغلق بنهاية محددة فالشبع نهاية المطاف ولا يستطيع الانسان ان يتجاوز الاحساس بالشبع او الاكتفاء حيث لا تتقبل نفسه الاستزادة من الطعام مثلا، كذلك لا يستطيع ان يمارس حالة اليقظة المستمرة والتزود من صور الجمال اللانهائية في ذلك الكون الواسع والغامض المبهر الذي لاتنتهي عجائبه وصوره الخلابة ابدا.

فلا وسن يجري على العيون ولا وصب يحيق بالابدان ولا عمل يعيق طموح الوجدان ولا شبع يحرم النفس من تذوق المتع ولا تعب يرهق الحركة ولا حركة تعدم الوسيلة والوصول

كل شئ مباح لاممنوعة ولا مقطوعة عيون متفجرة وسلسبيل رقراق ومتكئآت يطوف بها ولدان كأنهم الؤلؤ المكنون وقاصرات الطرف يتخفرن هادئات بين ازاهير واعناب وغابات اثمارها دانيات للقاطفين.

لاصيف حرور ولا شتاء زمهرير غير نقاوة النسيم المشبع بالعبق الرشيق تنزه كاسات الرياحين خالصا من تنفس الرياض والمروج واية مروج؟.

*فهل اطلقت حمامات الخيال في فضاء الروح وتسلقت الاثير وتهاديت يوما مراكب الفضاء؟.

*وهل أعتليت الحب فرسا مجنحا وتصورت محبة الله كيف تكون؟.

*وهل لحظت مدارج الاقمار والنجوم والاجرام في نظرة هي اوسع بما يفوق آلاف المرات نظرتك في عالم الدنيا؟.

*وهل تصورت كيف تطير بلا جناحين الى تلك الاجرام وتمليت ساكنيها بل وتعايشت معهم وتنعمت بذاك الحبور؟.

اين هي الجنة؟.

اين هي النار؟.

ماهو الصراط؟.

قد يستطيع غير المعصوم ان يتناول تفاصيل الماورائيات ولكن السؤال كيف نستطيع ان نتصور ما يفهم من مجموع ما وصلنا اليه من احاديث؟.

1ـ الجنة خارج هذه المجموعة الكونية التي نحن في جانب محدود منها والمجموعة الكونية تعني الفضاء وما فيه وما حوله من سماوات، ولعلها مجموعة كونية اخرى موجودة الى جانب مجموعتنا الكونية غير انها اوسع واجمل وافضل.

يقول الشهيد السيد حسن الشيرازي(رحمه الله) في احدى مجلدات سلسلته الرائعة التي بعنوان (خواطري عن القرآن ):

ان المجموعة الكونية تلك انما هي مؤلفة من فضاء يتموج بالوف المليارات من الكواكب الحية المشدودة بنسبية عامة متناسبة معها وحول ذلك الفضاء سلاسلا من الاجرام المحيطة من جميع الجوانب، والسماوات تشكل الدرجات العلى وتختلف بنوعيتها عن الكواكب في مجموعتنا الحاضرة وانها تتيح التنقل منها واليها باستمرار قاطعة جدار الزمان. والجنة تجتمع فيها إيجابيات الاكوان كلها اجراما ومياها ونباتا وبشرا.

وفي عمق سحيق جدا مجموعة كرات نارية متقاربة مشدودة ببعضها وفق نسبة خاصة بها وهذه الكرات النارية تجتمع فيها كل سلبيات الاكوان اجراما ومياها ونباتا وبشرا فتلك هي جهنم.

ويضيف السيد الشيرازي، اما كيفية انتقال البشر الى النار فتتم بواسطة الملائكة ينقلون المجرمين من هذه المجموعة الكونية الى سلسلة كرات النار، ولأن جهنم سلسلة فان لها جاذبية قوية تتحكم في الفضاء الخارجي ولذا فان المجرمون يسقطون بسرعات عالية في سحيقها ولعل هذه السقطة هي اعنف عذاب يتعرضون له.

ويشير الى ذلك ما ورد في المعراج حيث اجاب جبرائيل النبي(ص) عن الطامة فقال جبرائيل:

انها صخرة سقطت في تاريخ... وبلغت الآن جهنم.

ويتم انتقال المؤمنين خلال خط فضائي ولعله هو الصراط بدليل مواصفاته ( الصراط ادق من الشعرة وأحد من السيف وأظلم من الليل.

فالخط الجوي يمكن اعتباره ادق من الشعرة وصالحا للاستعمال اما لو كان شارعا ادق من الشعرة فلا يصلح للاستعمال بمقاييسنا الارضية.

وأحد من السيف لأن الخط الجوي حدّي يؤدي ادنى انحراف عنه ابتعاد كلي عن الهدف خاصة وان هذا الخط يمر في مسافة منه بمشارف جاذبية جهنم.

نحن كمسلمين نتوق الى ذلك الفردوس الذي ترسمه عقولنا بحسب تجاربنا الارضية وما خلفته من انطباعات في اذهاننا عن الجماليات والمتع الروحية والجسدية فنتصور الجماليات والمتع بانواعها هناك في الفردوس، ولكنه في الحقيقة اكبر من كل تصوراتنا مهما غالينا بها فهي التي لم تر عين مثلها ولم يصل اليها خيال المتخيلين ولا طرأت على الاذهان ولم يصل اليها تصور فلا يشبعها الوصف لو انها وصفت ويكفي انها ازلفت للمتقين وهي كرم الله سبحانه وتعالى وهي وعده الموعود ورحمته الواسعة والهدية جزء من روح الهادي اي من جمال نفسه فكيف تكون هدية الله وكيف يكون ذلك الجزء من جمال الله وهو الجميل الذي يحب الجمال؟.

ندعوا من الله سبحانه وتعالى ان يغفر لنا خطايانا كلها وان يهدنا سواء السبيل وان نكون ممن في فردوسه الجميل ذلك الانبهار والاندهاش الذي لم تتصوره العقول، انه سميع مجيب.

  • Currently 270/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
90 تصويتات / 820 مشاهدة
نشرت فى 17 أغسطس 2009 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,574,144