Ombres chinoises

1- نوع من المسارح الشعبية، قوامه تحريك مجموعة من الدمى وراء ستارة رقيقة بعد إطفاء النور في قاعة العرض وتسليطه على الدمى بحيث تبدو ظلالها على الستارة المواجهة للمتفرجين. ويقوم بتوقيع إشاراتها وخطواتها، ونقلها من موقف إلى آخر، اختصاصي أو أكثر من غير أن يبدو له أثر على الستارة. وتكون حركاتها مطابقة لمضمون الحوار العامي المسموع، وموافقاً للألحان المرافقة له. وهي مصنوعة عادة من الورق المقوى أو الجلد المضغوط.

2- من المعروف أن إقبال المتفرجين على خيال الظل كان كبيراً، وبقي في ازدياد إلى أن شاع المسرح والسينما، فتوقف النشاط فيه. وكان آنذاك وسيلة رائجة من وسائل التسلية، والترفيه عن النفس، فعُني به الناس والأدباء عناية خاصة. وليس في التاريخ إشارة واضحة إلى مصدره الأول، لأن بعضهم يقول بانتقاله من تركيا إلى العرب فأوربا، ويذهب آخر إلى انطلاقه من الشرق الأقصى، ومن الصين بالذات، وانتقاله من خلال الأقوام الزاحفة غرباً، إلى الأتراك، ومن ثم إلى العالم العربي والغربي.

3- قد يكون السوريون واللبنانيون والمصريون من أكثر الشعوب العربية عناية بخيال الظل. أكب بعضهم على هذا الفن، فحدد أصوله، ووضع فيه الحكايات، وعين له الألحان، ورمى في كل ذلك إلى إمتاع المشاهدين وإفادتهم من عِبر الحياة، متخذاً منه أداة تسلية وتوجيه في الوقت نفسه. وما يزال لدينا إلى الآن بعض إشارات إلى مسرحيات خيال الظل ألفها مصريون، أو سوريون، أو جزائريون، أو تونسيون، أشهرها ما وصل إلينا من تأليف المصري محمد بن دانيال (1248 – 1311)، مازجاً فيها النثر بالشعر، والعِظة بالفكاهة، وهي (طيف الخيال)، (عجيب وغريب)، (المتيم والضائع اليتيم).

وهناك لون من المسرح عرفه الجزائريون، وهو يشبه خيال الظل المعروف في البلاد العربية، في المشرق العربي، انه مسرح القراقوز.

مسرح الظلال؛ خيال الظل(1)

 مسرح بدائي تسلط فيه ظلال الدمى، بواسطة نور قوي، على ستارة بيضاء شبه شفافة ويجلس فيه النظارة، في الظلام، عند الجانب الآخر من الستارة بحيث لا يرون غير الظلال. تصنع الصور، في مسرح الظلال، من ورق مقوى أو من صفيح أو جلد، وتكون عادة ذات أيد وأرجل ممفصلة. وتحرك هذه الصور خلف الستارة بالعصي عادة، وقد تحرك بخيوط أو أسلاك محجوبة عن الأنظار أيضا. وإنما نشأ مسرح الظلال في الشرق الأقصى، وبخاصة في الصين وجاوه، منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت موضوعاته تدور حول محورين اثنين في المقام الأول: السحر وعبادة الأسلاف. ومن الشرق الأقصى انتقل مسرح الظلال إلى البلدان العربية وشمال إفريقيا وتركيا، ومن ثم إلى اليونان حيث حظي برواج واسع. حتى إذا كان القرن الثامن عشر نقل الرحالون الأوروبيون العائدون من الشرق هذا المسرح البدائي إلى أوروبا الغربية حيث عرف باسم (الظلال الصينية) Ombres Chinoises. 

مسرح  خيال الظل(2)

 يعتبر مسرح خيال الظل نوعا من الفنون الشعبية في الصين يسميها الشعب الصيني ب " مسرح بي ينغ ". ويشمل مسرح خيال الظل عدة أنواع. وهناك نوع من مسرح خيال الظل يسمى بمسرح خيال ظل لونغ دونغ وتنتشر رئيسيا في محافظتي بينغ ليان وتشينغ لوه ومحافظات أخرى بمقاطعة قانسو والمنطقة المثلثة الشكل المتآخمة لمقاطعة شانغشي ومنطقة ننغشيا الذاتية الحكم بشمال غرب الصين.

ويعود مسرح خيال ظل لونغ دونغ إلى ما قبل القرن الرابع عشر وإزدهر في أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر. وكانت عرائس هذه المسرحيات تصنع من جلود الأبقار السوداء الصغيرة السن. إن نوعية هذا الجلد متينة ولينة وبعد تنظيفه من الشعر وغسله وتجفيفه يصبح شفافا. ثم ترسم عليه صور العرائس المختلفة الأشكال، وبعد الرسم تجرى عملية قص هذه الصور من الجلد بمختلف الآلات مثل السكاكين والملاقط.

وبعد ذلك تجرى عملية صبغها بمختلف الألوان وبعد تجفيف الصور المصبوغة تجرى عملية الكوى وهى أهم عمليات صنع العرائس وبعد ذلك تجرى عملية ربط هذه الدمى الجلدية بالعصى. وبعد سلسلة من هذه العمليات تصنع العرائس المتحركة المستعملة في العرض.

في الصورة قطعتان من العرائس المتحركة، في الجانب الأيسر من الصورة صورة دمية متحركة للإمبراطور يوهونغ. وفي الجانب الأيمن صورة القبعة التي تلبسها دمية الشيخ تايشانغ لوه جيون. إن هاتين القطعتين صنعتا في غاية الدقة ومصبوغتان بألوان حمراء وصفراء وسوداء وخضراء.

يتنوع مسرح خيال الظل في لونغ دونغ. في الصورة مسرح خيال الظل هذه تحكي قصة تاريخية حدثت في أواخر أسرة سوى وأوائل أسرة تانغ الملكية.

القراقوز يجد حيلا دائمة للخروج من المشاكل(3)

 خيال الظل اقتصر على التسلية ولم يتطور إلى فن شعبي معاصر أو شكل متميز للمسرح التراثي العربي.

يقول الدكتور إبراهيم حماد أستاذ الدراما المسرحية، إن الفنون العروسية الثلاثة (الدمية - القراقوز - خيال الظل) وثيقة القربى بعضها ببعض، وخيال الظل تحديدًا من الناحية اللغوية هو مصطلح عربي شائع اتخذ معناه المستقل وانصهر في ضمير الشعب وحياته التعبيرية اليومية حتى اكتسب دلالة خاصة.

يعتبر "ابن دانيال" هو أول من مارس فن "خيال الظل" في العالم العربى. وبالعموم هذا الفن من فنون الشرق، ووجد في أندونسيا والصين والهند (في تاريخ سابق على ممارسة هذا الفن في العالم العربى).

إذن خيال الظل نشأ في حضارات غير عربية، إلا أنه وبمرور الزمن أصبح فناً عربيا شعبياً، واتسمت شخصياته وحكاياته ووسائله الفنية بالتزام أخلاقيات الطابع النقدي للمجتمع العربي القديم إلا أنه يعد أحيانا خروجا عنها.

معرفة أشكال خيال الظل في بعض مواطنه وجذوره القديمة وخاصة في إندونسيا، وبالرغم من تشابهها، إلا إننا يمكن ملاحظة بعض الاختلافات. ولهذا فإن أكثر الدمى انتشارا هي الدمى الملونة المرسومة على الجلد الرقيق والتي تكون عادة متصلة بخشبه رقيقة تساعد اللاعب على تحريكها عندما يقوم بضغطها على شاشة بيضاء مضاءة من الخلف، يصاحبها الحوار والغناء والموسيقى.

وهنالك نوع آخر تستخدم فيه دمية مجسدة ومتكاملة وغير مرسومة، ومن أجل السيطرة على تحريكها فإن اللاعب يجلس على الأرض خلف الشاشة المضاءة. ويمارس هذا النوع بشكل كبير في إندنوسيا وآسيا الصغرى.

أما النوع الثالث فيعتمد على دمية كبيرة الحجم مصنوعة من الجلد وتكون عادة بحجم الإنسان وهي مرتبطة بقطعة خشب سميكة ويقوم بحملها وتحريكها أكثر من لاعب، ويتحتم عليهم تقريبها جداً من الشاشة التي يكون ارتفاعها 2 م، مما يدفعهم إلى الجلوس تحت الشاشة وليس خلفها، حتى يتمكنوا من سرد الحكاية التي تقوم الدمية بأدائها أمام جمهورها المندهش بهذه المخلوقات الغريبة والجميلة التي تتحرك أمامه على شاشة الأحلام هذه، فتغزو خياله الذي لا يتوقف عند حدود الواقع، لينكشف أمامه عالم إسطوري وعجائبي غريب.

ويبدأ عرض خيال الظل عادة بتمهيد للحكاية (بابه أو لعبة) ثم ينقطع لجمع النقود من الجمهور الصاخب والمندهش، ومن ثم تركيز انتباهه إلى حدث أو جملة ما، ويقوم بهذا لاعب ماهر يدعى المُقدِم.

وهنالك لاعب آخر يقوم بدور المهرج ويدعى الرخم. وتقوم الشخصية بتقديم نفسها إلى الجمهور وتعريفه بدورها ومهمتها المسرحية بحيث لا يتم التقمص الكامل لسلوكها أو الاندماج في فعلها كما هو الحال في المسرح التقليدي، ولهذا فإن عروض مسرح خيال الظل تعتمد على علاقة مع الجمهور.

فالممثل، محرك الدمى، غالبا ما يقوم بالخروج عن الحدث ودوره وتغريب سلوك الشخصية وفعلها وكذلك سلوك الدمية. أما الرئيس أو المعلم فهو الذي يأخذ دور المخرج فينظم حركة الشخصيات ويربط بين سياق الأحداث ويهتم بالجوانب التقنية والأدبية.

إن الأحداث وطبيعة الشخصيات المستقاة من التاريخ، تتطلب مهارة فائقة من محركي دمى خيال الظل من أجل أن يتناسب مع دور الشخصيات وسير الأحداث، ولاعب خيال الظل يجب أن يكون "قادرا على تقليد أصوات الطفل والشيخ والرجل والمرأة، ومجيد لعدة لهجات، كما يعكس بصوته مختلف المؤثرات الصوتية.

ويجب أن يتمتع بحس موسيقي نامٍ وأن يجيد الغناء والعزف على العود ويكون عارفا بالعادات والتقاليد الشعبية. ولعرض خيال الظل ميزة التواصل الحميمي مع الجمهور، إذ يعكس مشاكلهم، ويضع لها الحلول حسب إمكانية اللاعب."،

وبهذا فإنه يجب أن يتميز بكونه أكثر من ممثل أو محرك دمى.

المشاكل الأثيرة لعروض خيال الظل

اعتمد مسرح خيال الظل على الكوميديا والنقد الاجتماعي من خلال استخدام الإيماءة والشعر والنثر والغناء والموسيقى، ولهذا فإن معرفة تكنيك خيال الظل يدفعنا للإطلاع على طبيعة الموضوعات التي يعالجها، فبعضها ارتبط بالشعائر الدينية والمناسبات الاجتماعية.

وبعض البابات (النصوص أو عروض خيال الظل) تناولت بيئة ما بكل تناقضاتها، وهذا واضح من خلال دراسة بابات طبيب العيون العراقي شمس الدين بن دانيال (الذي يعتبر أقدم مخايل عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، عراقي المولد من الموصل ونزح من العراق إلى القاهرة أثناء غزو التتار، ومات هناك عام 1211 ويعتبر أول مؤسس لما عرف بعد ذلك بمسرح "خيال الظل" وقد وصلتنا من نصوصه الكثيرة ثلاث بابات فقط).

هناك دراسات أن الطبيب الفنان "ابن دانيال" نقل أساسيات الفن من الهند أو من بلاد الصين. وعندما مارس الفن فى بلاده (العراق)، اتسمت الأعمال المعروضة، بالإضافة إلى كل الخصائص الجمالية وعناصر التسلية الواجبة، بالنقد اللاذع، الذى غالبا ما يثير الضحك والشفقة على الهدف المعني. خصوصا أن فترة ظهور "خيال الظل" كانت فترة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي للدولة العباسية. وقد قضى عليها تماما الغزو التتاري.

حيث نرى دائما أن العرض يبدأ بأغنية تعليمية للجمهور، إضافة إلى شرح الأحداث وموضوع المسرحية كما في بابات ابن دانيال، لعل أشهرها بابة "عجيب وغريب" التي اتسمت بالنقد الاجتماعي، وقد أخذ المؤلف شخصياته من الواقع والأسواق والحارات الشعبية، بحيث يتحول المكان إلى مسرح تتصارع فيه هذه الشخصيات مع أقدارها.

كما كتب بابة "طيف الخيال" و"المُتَيَمْ". وقد اتسم أسلوبه فيها بالهجاء والنقد الذي يثير الضحك والسخرية أيضا، واعتمد الغناء والموسيقى للتأثير على الجمهور وكذلك المزج بين الشعر والنثر العامي والفصيح، وهذا واضح من موضوعات شعره.

منع الخيال العربي

ومع دوام الفن، وقد تبناه الفنان الشعبي العربي، وأصبح متاحا في الأسواق، وفي الحارات، بل هو فن التجمعات الشعبية، وليست القصور والضياع، انعكس ذلك بشكل محدد في الموضوعات التي يطرحها العرض، من خلال اختيار الشخصيات ذات المقام العالي، ونقدها نقدا لاذعا، لا يقل عن إضحاك الصغار والكبار عليها. وهو دور القراقوز أو الأراكوز الذي أصبح شخصية دالة على التهريج والانفلات.

ربما بعد "ابن دانيال" يصعب القول بأن هناك النصوص أو العروض التي تم إنتاجها بشكل فني، كما فعل "ابن دانيال".

فقط يمكن التأكيد على أن "خيال الظل" أتاح للفرد العادي، وبعيدا عن يد البطش أو السلطة، أتاح له أن يعبر عن هواجسه وأفكاره، آماله وأمنياته. بداية من المحتل الأجنبي لبلاده، حتى شيخ الحارة (ممثل السلطة).

إن خيال الظل في المجتمع العربي القديم وحتى توقفه نهائيا في النصف الأول القرن العشرين، كان يعتبر تسلية للفئات الفقيرة التي تهمها مناقشة مشاكلها الاجتماعية والسياسية، حيث يتطرق القائمون عليه إلى أهم المشاكل التي تفضح استغلال النظام السياسي أو الأغنياء للفقراء.

فمن خلال ألاعيب وحيل الشخصية الشعبية الرئيسية الفقيرة في خيال الظل القديم (كرا كوز) والنقد اللاذع الذي يوجهه لأعدائه، تتورط الشخصيات الأخرى، وهي عادة من أصحاب السلطة والطبقات الغنية، داخل شبكة من المشاكل المعقدة التي يعانيها الإنسان الفقير، فتُظهر غباءها الحقيقي وعدم قدرتها على مواجهتها أو تحملها، مما تثير البهجة في قلوب جمهور الفقراء.

أما كراكوز فيجد دائما الحيلة المناسبة للخروج سالما من هذه المشاكل والشباك التي ينصبها للشخصيات الأخرى.

إذن لأسباب كثيرة توقف خيال الظل عن الاستمرار كشكل تراثي له علاقة بالفرجة التي تتناسب مع المجتمع العربي القديم، وتحول إلى ظاهرة ومهنة غير محترمة، واقتصر على تسلية الأطفال والمناسبات. فلم يتحول إلى فن شعبي معاصر أو يتطور إلى شكل متميز للمسرح التراثي العربي.

حكايات قراجوز أو خيال الظل فى الثقافة التركية(4)

هى التسمية المطلقة على شخصية تركية تاريخية فكاهية ساخرة ذى عيون سوداء كبيرة وبارزة تعبر عن الشخص الذى تعرض للعقاب من طرف أحد السلاطين..

يعد فن قراجُوز واحداً من أبرز الفنون المسرحية التركية الشعبية والتقليدية (1) كما يعتبر فن القراجوز - (تلفظ آراجوز عند المصريين وبعض العرب) - واحداً من أقدم الفنون الشعبية المسرحية للأطفال فى تاريخ الثقافة التركية.وبغض النظر عن الخلاف الدائم  حول مصدر ومنبع هذا الفن الشعبى القديم  هل جاء من مصر على أيدى السلطان سليم الأول ( 1516) فى حملتة على الشرق حيث كان هذا الفن موجودا فى العصر المملوكى بمصر ورآه سليم  فجلبه لإستانبول(2) أم أنه نبع من الأناضول التركى  أو جاء من آسيا الوسطى لتركيا  . إلاّ أن الشىء المؤكد  هو أن هذا الفن الشعبى  فى  تركيا يرجع تاريخه إلى القرون الوسطى ويعتقد بأنه بدأ يزدهر فى الثقافة التركية ويأخذ مكانه  فيها مع العهد الذهبى للحضارة التركية الإسلامية الذى بدأ فى  القرن السادس عشر الميلادى فى زمن السلطان سليمان الثانى ( توفى 1566م) والملقب عند الأوروبيين بالقانونى.هذا الفن  الذى إنتشر فى  الممالك التابعة للدولة العثمانية  فى القرون الوسطى مثل الجزائر وتونس ومصر وسوريا ولبنان ورومانيا ويوغوسلافيا  وشمال اليونان وألبانيا، سمى فى القديم بفن خيال الظل  نظراً لأنه  الفن  الذى يعتمد على الظل الناتج عن تحريك أشكال ورموز الحكاية  والمنبعث نتيجة لضوء مٌسلط على  خلفية ستارة بيضاء اللون .ولازال هذا الفن الفكاهى يلقى القبول اليوم لدى الصغار والكبار على حد سواء ويمثل واحداً من أهم فروع مسرح الطفل بتركيا . أما كلمة  قراجوز   Karagoz فى اللغة التركية  فتعنى "  أبو العيون السُود"

وهى التسمية المطلقة على  شخصية تركية تاريخية فكاهية  ساخرة  ذى عيون سوداء كبيرة وبارزة تعبر عن الشخص الذى تعرض للعقاب من طرف أحد السلاطين- هو السلطان أورخان المتوفى عام 1360م -  نتيجة حنثه بوعده فى  موعد الإنتهاء من بناء جامع بمدينة بورصا التركية فى القرن الرابع عشر الميلادى.أمّا  إسم  حاجى   واط Hacivat    الذى يقترن بكلمة قراجوز عادة فى فن مسرح الأطفال و الثقافة الشعبية الفكاهية فهو رفيق قراجوز فى الواقعة التاريخية  المذكورة  المتعلقة بالحنث بموعد الإنتهاء من بناء الجامع بحيث يشكل الإثنين معاً  ثنائيا لا يفترق عن بعضه فى المواقف المختلطة بين الهزل والبكاء (المليودراميا). وهو الأمر الذى جعل منهما  حتى اليوم مادة ثمينة وغزيرة لإعداد  حكايات شعبية تعرض للأطفال  فى المناسبات والمدارس ودور الوقف الخيرى  والمراكز الثقافية  وفى المعسكرات الصيفية أيضاً مثلما  تأخذ هذه الحكايات مكانها أيضاً  فى أفلام كرتونية  مازحة تخاطب الأطفال بتركيا تبثها محطات التلفزيون التركية.

 تاريخ القراجوز فى تركيا

 يقول الفنان التركى مصطفى مُوطلو ليس هناك تاريخا محدداً لبدء هذا الفن الشعبى الفكاهى  فى تركيا  وإن كان هناك رواية  ذكرها الرحالة التركى  أوليا شلبى ( توفى2- 1684م ) يرجع تاريخها إلى 4 قرون سابقة تقول بأن " قراجوز" كان شخصية غجرية موجودة فى معية  أحد الوجهاء بإستانبول  ويدعى تكفور قسطنطين وكان يحمل إسم بالى شلبى ، لكن حاجى وات أو واط  كان شخصية عاشت فى العصر السلجوقى فى زمن السلطان علاء الدين قيقباد(حكم  1219- 1236م) وكان يسمى يورقُجا خليل.أما الرواية الثانية وهى الأكثر شيوعا على ألسنة العاملين فى هذا الفن الشعبى فترجع لعصر السلطان العثمانى أورخان ( القرن الرابع عشر)  حيث كان هناك حوارا ساخراً بالنكت يدور بين  العاملين فى بناء جامع بمدينة بورصا – كانت عاصمة الدولة العثمانية فى تلك الحقبة – وأن السلطان أورخان قطع رأسى قراجوز وحاجى واط للتأخر فى تنفيذ بناء الجامع وصرف أوقاتهما عبر التراشق بالنكات. أما عن كيفية وصول الواقعة لمستوى فن مسرحى ساخر تقول الموسوعة الإسلامية (بالتركية) أن رجلا يحمل إسم الشيخ كوشترى هو الذى نقل حكاية العاملين للناس وقام أيضاً بتصوير الواقعة فى حضور السلطان العثمانى . ولكن الناقد الأدبى والمتخصص فى الأدب الشعبى والمسرحى متين آند يقول نظرا لعدم وجود أى أدلة مكتوبة تتعلق بالروايتين والتدقيق فى معلوماتهما  فلا يمكن التعويل على أى منهما كمصدر ثابت يختص بهذا الفن المسرحى الفكاهى خاصة وأنها لا تترابط فيما بينها(3). أما الفنان والناقد  التركى مصطفى مٌوطلو فيقول إن شخصيتا قراجوز وحاجى وات  تمثلان مادة رئيسية هامة للمسرح الفكاهى الشعبى وكذا مسرح الأطفال بتركيا،وليس غريباً بأى حال أن تكون مادة  دسمة لحكايات فكاهية ساخرة تدخل المرح والسرور على الأطفال وقد صورت العديد من الأفلام الكرتونية فى السنوات الأخيرة التى تحمل إسم قراجوز ،وهذا جزء من تراثنا الفكاهى الشعبى وللتأكيد على أهميتة  ودعم هذا التوجه أصدرت كتابا يلقى الضوء على و يتعلق بهذا  الفن الفكاهى فى عام 2002 طبعتة وزارة الثقافة التركية تحت عنوان "  فن القراجوز وفنانوه "*.

مشاهير هذا الفن بتركيا

 هناك الكثير من الأسماء اللامعة بتركيا فى هذا الفن الشعبى الفكاهى البعض منهم رحل بالطبع عن هذه الدنيا نظرا لمرور عدة قرون على هذا الفن الفلكلورى فى الثقافة التركية.لذا من الصعب بمكان ذكر أسماء كل مشاهير هذا الفن فى القرون الماضية لعدم وجود تدوين دقيق لتاريخ فن المسرح الشعبى- قراجوز -  بتركيا.لكن هناك مجموعة من المشاهير التى عاشت فى القرن الماضى أو تلك التى لازالت تعيش فى وقتنا الحاضر.من ثم يمكن مطالعة أسماء فنانى قراجوز مثل   بكجى  محمد و صارى احمد وشربتجى امين  من القرن  الثامن عشر ومن القرن التاسع عشر بربر سعيد  وحامد الخيالى ، ومن القرن  العشرين  هناك  كُور إمام، وكاتب صالح وجراح صالح  ومحي الدين سفيلن ( 1886- 1974)  طلعت دومانلى ( 1899-  وهادى بويراز اوغلو( 1903-2000م ).  أما المعاصرون  نجد منهم محمود حازم قيصاكورك (1954 - ) ,إ سماعيل كوسا ( 1947- ) عارف دويجو طانسى (1958-)محمد بايجان( 1952- )أونر أورال (1937- ) ومصطفى موطلو (1942-) الذى قام بعدة جولات خارج تركيا للمشاركة فى عروض فنية تتعلق بفن القراجوز ويصدر بين الحين والأخر كتبا تتعلق بالفنون الشعبية التركية.

شخصيات حكايات قراجوز:

 من أجل إدخال عامل الفكاهة والظرف عند إستعراض وقائع الحكايات فى فن القراجوز عمد المؤلفون عادة إلى إبتكار شخصيات بأسماء غريبة ومضحكة عند سماعها وخاصة أن الفن يخاطب فى المقام الأول الأطفال.لذا يمكن مطالعة أسماء مثل " قاوقلى : أبو طويلة " و" شلبى :  "  عجم : بمعنى العجمى الغريب " ، " بهلول " ، " ترياقى : المُدمن " ، " بباروحى " أفه " " زنّه : الزنانة " طوزصوز : عديم الطعم"، " ضاولجى رمضان : الطبال رمضان " " دَلى بكير: بكير المجنون " والغجرى أو الغجرية  وهكذا يوجد الكثير من الأسماء التى تحمل معانى مضحكة تدهل البهجة فى نفوس الأطفال وحتى الكبار لأن هذا الفن يمكن أن يطلق عليه فن من السابعة حتى السبعين.وعادة يتكون مسرح قراجوز  من ستارة بيضاء وضوء أو شمع – يستخدم اليوم المصباح الكهربائى بديلا للشمع- يضاء خلفها لكى يعكس صور متحركة يقوم شخص بتحريكها من وراء الستارة ،مصحوبة بأصوات مختلفة تبعاً للشخصية وخاصة شخصية قراجوز التى يستخدم لها صوت قوى ورفيع  ومميز وآلة موسيقية مثل الرق أو الدف  أو الناى لإحداث موسيقى أو ضربات خفيفة وقت  مراحل العرض المسرحى .أما الرواية أو الحكاية  فتبدأ بمقدمة غير طويلة ثم الحوار الطويل الذى يدور بين قراجوز وحاجى وات  والشخصيات المصاحبة لهما يتخلله فواصل موسيقية ثم خاتمة الحكاية(4).وتمثل شخصية قراجوز الشخص المستقيم الذى يقول الحقيقة ولذا دائما يسخر منه ويستبعد ويتعرض للمشاكل والبطالة عن العمل وشظف العيش،أما شخصية حاجى وات  وهو الرفيق الملاصق دائما للقراجوزفهى  المعبرة عن روح المساومة وحلو الحديث والمواربة وهو الشخص الوسيط فى الخلافات على كل حال.الحكاية القراجةزية تعتمد عادة على الحوار المثير وعلى إسلوب اللهجات اللغوية الأناضولية المختلفةعند الحوار الذى يدور بين قراجوز وحاجى واط والشخصيات المصورة للحكاية،كأن تستخدم لهجة أهالى ساحل البحر الأسود أو لهجة الأكراد أو عرب تركيا أو الألبان  والبوشناق الذين هاجروا وإستوطنوا بتركيا  فى مراحل زمنية مختلفة.وهذا  كله بهدف إضفاء مصداقية على وقع الحكاية من ناحية وإدخال روح الفكاهة للمشاهد من الناحية الأخرى.

 من حكايات قراجوز:

 هناك العديد من الحكايات المشهورة  التى تروى فى فن قراجوز بالثقافة التركية،وهى كلها من نتاج الثقافة الشعبية التركية أو بتأثير الثقافة الفارسية المجاورة لتركيا جغرافياً.وفى السنوات الأخيرة بات فن قراجوز فرصة لتوجيه الأطفال نحو الإنضباط والطاعة  فى المدرسة والمنزل  وإحترام الكبار ،يقول الفنان مصطفى موطلو الفنان الأشهر حالياً إن فن قراجوز  فن تربوى لأنه يخاطب الأطفال بالمقام الأول ومن ثم بات يستخدم اليوم لعرض حكايات  ترمى لتوعية وتوجيه الأطفال وتربيتهم فى إتباع قواعد المرور وقيادة السيارات فى محاولة لمعالجة النسبة المرتفعة جداً من حوادث السير والمرور بتركيا .والشىء الملفت فى حكايات هذا الفن أنها تعتمد على إسلوب الحوار بحيث يتم عرض الحكاية الفكاهية عبر حوار يدور بين  قراجوز وحاجى وات  ومجموعة من الشخصيات التى تشارك فى صنع الحكاية.ومن مشاهير الحكايات  التى تستخدم فى مسرح قراجوز حكايات الحب والعشق القديمة مثل " فرهاد وشيرين"   " ليلى والمجنون"   " طاهر وزهرة " ونيجار هانم المٌفترية وجازولار والحمّام وأبو طويله الدموى.

 نموذج من حكايات قراجوز الشهيرة:

 نيجار هانم المفتريّة

 تروى هذه الحكاية كيف تعرّض قراجوز وحاجى وات للضرب عندما حاولا الدخول خلسة لمنزل نيجار هانم لكى يأخذوا ملابس زوجها  شلبى المطرود بسبب خداعه لها وسعيه الدائم لإقامة علاقات نسوية قائمة على الخداع. لكن نيجار هانم شخصية لإمرأة ذات طباع حاد وقوية الجسد  مفترية التصرفات حتى مع المقريبن  منها فلم تجد غير أن تضرب زوجها المخادع وتطرده من المنزل دون رحمة وبلا ملابس،فيطلب من قراجوز وحاجى وات  مساعدتة على إستعادة ملابسه منها،ولما كان حاجى وات من الذين يسعون دائما للتدخل بين المختلفين كوسيط سلام.فإنه قبل الوساطة ولكن تحذيرات  شلبى زوج نيجار هانم وأثار الضرب الواضحة على جسده دفعت حاجى وات لمحاولة الدخول خلسة  للمنزل لأخذ الملابس ولكن سوء حظه أن حست به نيجار هانم فاوسعتة ضربا هو الأخر.ولم يحل هذه المشكلة غير مرور "أفه" المنطقة الذى يعد بمثابة الفتوة،فيتدخل فى الأمر مع نيجار هانم ولكن على شرط عدم تكرار شلبى زوج نيجار أو قراجوز أو حاجى وات إسلوب المخادعة والإلتزام بالعيش بصدق وأمانة مع نيجار هانم.

تاريخ مسرح خيال الظل(5)

يلاحظ كلّ مَن يمرّ بين جهاز إسقاط مضيء والشاشة أنّ صورته تظهر على الشاشة بشكل ظل. إنّه أوّل اختبار لاحظه الإنسان حين كان يجلس في الكهوف أمام النار. فقد لاحظ أنّ ظلّه يظهر على الجدران. وهو اختبار كثيرٍ من الأطفال. فهم يقضون ساعاتٍ في التسلية بظلالهم.

يقول المؤرّخون إنّ مسرح خيال الظلّ، المستعمل للترفيه والتربية، له تاريخ طويل. ويُرجِعون هذا التاريخ إلى ألفي سنة تقريباً. ويُرجِعُ بعضهم هذا التاريخ إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إلى أيّام أفلاطون، حيث روى هذا الفيلسوف قصّة الكهف: تطواف من الظلال الّتي تتحرّك على جدار الكهف، ولهذه الظلال أشكال مصدرها أجسام حقيقيّة، تبدو في الظلال مثل الدُمى. لكنّنا لا نعرف هل اعتمد أفلاطون على مسرح ظلٍّ معروفٍ في أيّامه أم نسج قصّته من ملاحظته للضلال الّتي يصنعها النور الخلفيّ.

في الصين، كانوا يستعملون مصباحاً زيتيّاً، ويضعون أمامه قطعة قماشٍ حريريٍّ مشدودة، وبين المصباح والقماش قطعة من الكرتون أو الجلد المقسّى، مقصوصة بشكلٍ معيّن. فلا يرى الناظر من الجهة الأخرى سوى خيال هذه القطعة.

تقول الرواية إنّ أحد ملوك أسرة هان منع النساء من رؤية المسرح. وكان المسرح في ذلك الحين من وسائل الترفيه الشائعة. فلكي يخفّف من وطأة هذا القرار، سُمِحَ للنساء بمشاهدة العروض من وراء الشاشة في أماكن مخصّصة لهنّ، وتمّ تطوير تقنيّة النور والظلال كي يتمكّنّ من رؤية المسرحيّات بطريقةٍ مرضية. وهكذا، حوّل المنع أبعاد الجسد الثلاثة إلى بعدين. وتحوّل المسرح من ثلاثة أبعاد إلى قطعة مستوية، وانقطعت العلاقة بين المؤدّي والجمهور ... باختصار، كانت هذه المرحلة بداية لفنٍّ سيشقّ طريقه ويطوّر نفسه، وسيتّخذ اسماً هو مسرح الظل، قوامه مهارة التلاعب بالأنوار والظلال.

في القرن السابع عشر، بدأ التبادل التجاريّ بين آسية وأوروبا يزداد، ووصل مبدأ مسرح الظلّ إلى العالم الغربيّ، لكنّه لم يلقَ رواجاً إلاّ في القرن الثامن عشر والتاسع عشر. ويعود ذلك إلى شعبيّة صورة ظلّ في البلاد الإنكليزيّة.

 كانت هذه بدايات التصوير. فرسم ظلّ أمر رخيص الثمن وسهل التحقيق. يكفي المرء أن يجلس في وضعيّةٍ معيّنة، ويُلقى ظلّه على قماش اللوحة أو على الورق، كي يتمّ رسمه. فالأمر لا يتطلّب مهارة ولا معدّات غالية الثمن: كرسي، لوحة ومصباح.

يجلس الزبون على الكرسي بين المصباح واللوحة، ويخطّ الرسّام ظلّه من الطرف الآخر.

في القرن التاسع عشر، شاع أيضاً أسلوب تشكيل ظلالٍ بوساطة الأيدي. وهي أبسط أشكال الظلال. وتمّت طباعة كتب عديدة تصوّر كيفيّة إظهار صور حيوانات وأشخاصٍ بشكل ظلالٍ على الحائط، من خلال جعل الكفّين والأصابع بوضعيّاتٍ معيّنة.

في القرن التاسع عشر، ظهر أيضاً نمط آخر من خيال الظل، وهو الظلّ الأبيض. تستعمل فيه ورقة معتمة، وتُفرَّغ بطريقة يظهر فيها الشخص من خلال الظلّ الأبيض حين يتعرّض للنور من الخلف.

 في أيّامنا، يتبع مسرح الظلّ أسلوب جاوة (أندونيسيا) الآسيويّ أو الأسلوب التركيّ، الّذي شاع في عهد العثمانيّين، أو الأسلوب الصيني. كان مسرح جاوة يُستعمل لتعليم الأولاد الديانة الهندوسيّة، لذلك يشبه مسرح الظلّ الهنديّ. وأشهر النصوص الّتي كان يقدّمها هي رامايانا و مهاباراتا المنقولة شفهيّاً. كانت الشخصيّات تُصنع من جلود الحيوانات، وتلوّن وتزيّن، على الرغم من عدم ظهور الألوان أو الزينة في الظل. فقد كان الرجال يجلسون أمام الشاشة، ويشاهدون المسرحيّة عن قرب، فيرون الألوان. أمّا النساء، فيجلسن بعيداً، ولا يرين إلاّ الظلال. وكان شخص واحد يحرّك العرائس بوساطة العيدان، أي من تحت الشاشة، ويقلّد وحده جميع الأصوات. وترافقه فرقة قوامها صنج وطبل وبوق تؤمّن له الموسيقا التصويريّة.

استُعمِلَ المسرح التركيّ منذ القرن الرابع عشر، ولكنّه تطوّر كثيراً بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، خصوصاً في شهر رمضان. في البداية، كان يقوم شخص أو شخصان بتسلية العمّال في المسجد من خلال تصوير مشاهد مضحكة تتمّ في ورشات العمل. ومن شدّة إتقان هذه المهنة، تأثّر شخص يدعى صايح قصطري، وصنع لهؤلاء الممثّلين دمى من جلد الجمل، واستعملها في عرض الدمى المسرحيّ.

صُنِعَت الدمى التركيّة من جلد الجمل أو البقر، وكان الصانع يحفّ الجلد حتّى يصبح نصف شفّاف، ثمّ يلوّنه. ومن أشهر المسرحيّات لهذا الفن مسرحيّة كراكوز وعيواز. لم تهتم قصص مسرح خيال الظل التركي بالمواضيع الدينيّة، بل كانت ساخرة، وتتضمّن جدالاً بين شخصٍ ساذج (كراكوز) وصديقه الذكيّ (عيواز). ويكمن سرّ الضحك في هذه المفارقة، وينتهي العرض بانتصار كراكوز، الشخصيّة الطيّبة البسيطة الساذجة. كان يؤدّي الأدوار شخص واحد يسمّى الكراكوزي، يحرّك الشخصيّات بوساطة الحبال، أو الخيوط، أي من فوق الشاشة. وآخر أو فريق يؤدّي الأغاني. وقد أدّى ظهور السينما والتلفزيون إلى تقلّص عدد العروض من هذا النوع، لكنّها ظلّت من العروض المحبّبة لدى الأطفال.

ولا يختلف المسرح الصينيّ لخيال الظلّ كثيراً عن مثيله الأندونيسيّ أو التركيّ. فشخصيّاته مصنوعة من جلد الحمار، ومزخرفة بنقوش التفريغ (زخارف تحوي فراغات). ومن شدّة سماكة الجلد، لا تظهر الألوان بتاتاً. ويحرّك الدمى عدّة أشخاص بوساطة قضيبٍ من الخلف، ويراعون ألاّ يظهر ظلّ القضيب. ويوضع النور قريباً من الشاشة لهذا الغرض. أمّا المواضيع الّتي تتناولها العروض، فهي شديدة الاختلاف: عسكريّة، تاريخيّة، قصص فلكلوريّة، مضحكة، اجتماعيّة، توجيهيّة ...

 بعض المعلومات التقنيّة

 تصنع الشاشة في الصين من الجلد الشفّاف. وفي مصر وتركيّا يستعملون ورق البردي أو الورق الشفّاف. أمّا الهند وأندونيسيا، فيستعملون القماش القطنيّ الخفيف. وفي أيّامنا، يشيع استعمال الكالك، خصوصاً للشاشات الصغيرة. لون القماش أبيض أو عاجيّ. ويمكن استعمال ألوانٍ أخرى بحسب موضوع المسرحيّة.

قبل اكتشاف الكهرباء، كانت تستعمل المصابيح أو الشموع للحصول على الظلال. كانت الدُمى تُصنَع من الجلود المقسّاة. لذلك أطلق الصينيّون على فنّ المسرح هذا اسم بي يينغ، أي ظلال الجلد. واليوم، يمكن صناعتها من الكرتون أو الخشب الرقيق أو المعدن. وكلّما أردنا إظهار ألوان الشخصيّة، كان علينا اختيار مادّة شفّافة.

يقف مسيّر الدمى خلف دماه أو فوقها أو تحتها بحسب طريقة التحريك الّتي تبنّاها. وعليه أن يتدرّب على تقديم مشاهده كثيراً، وبمساعدة شخصٍ يرى من الطرف الآخر. أمّا التمثيل الحي، أي بوجود ممثّلين بدل الدمى، فقد ظهر في القرن العشرين، وهو تقنيّة أصعب، وتحتاج إلى مهاراتٍ أشد.

البناء الدرامي في مسرح خيال الظل(6)

1- في مسرح خيال الظل:

ينضوي فن الخيال الظلي تحت منظومة فنون الفرجة والأداء المسرحي الشرقي القديم، والخيال لغة : ماتشبه للمرء في اليقظة والحلم من صور، واصطلاحا هو لون من الفن التمثيلي الشعبي، ينشأ من تحريك شخوص جلدية كاريكاتورية بين مصدر ضوئى وشاشة بيضاء ، تسقط عليها ظلال هذه الشخوص التى صممت بحيث تظهرعلى الشاشة نقوشها وألوانها ، وهو فن مسرحي متكامل، إلى حد ما يقوم على إخراج قصة، ذات حبكة وشخصيات، فيقدمها بالتمثيل، من خلال الشخوص والحوار والفعل، بدلاً من سردها سرداً. وما يختلف به خيال الظل عن المسرح هو اعتماده الدمى بدلاً من البشر، أساساً في التمثيل، وهي شخوص مسطحة، تصنع من الورق المقوى، أو من نوع من أنواع الجلد، أو من صفائح رقيقة من المعدن، وتتخذ أشكالاً بشرية مختلفة، وبحجوم صغيرة، يتقارب طولها بين 20 و 60 سنتيمتراً، وتتألف من عدة قطع ، ذات مفاصل تتحرك عليها، بوساطة عصي، تدخل في ثقوب مصنوعة من أشكال الشخوص، وقد تلون بعض هذه الأشكال بألوان زاهية، وقد يصحبها أشكال أخرى، لحيوانات تشترك في التمثيل.(1) فيجري عرض المسرحية وراء ستارة بيضاء ، ويحرك الممثلون الدمى بالأيدي . وفي الوقت نفسه تضاء الدمى بالنور في جانبها لتقع ظلالها على الستارة . وخلال العرض يحرك الممثلون الدمى من جهة ، ومن جهة أخرى ، يغنون ويتكلمون ويشرحون قصة المسرحية بمصاحبة الآلات الموسيقية، والنتيجة رائعة في أنظار المتفرجين أمام الستارة.(2)

وتسمى الواحدة من تمثيليات خيال الظل "بابة" وتجمع لغتها عادة بين الفصحى والعامية ، وبين الشعر والسجع، كما دخلها بعد ذلك الغناء والتلحين ، ويسمى الرجل الذى يحرك هذه الشخوص بـ "المخايل" أما منشد أزجال البابة، فيطلق عليه "الحازق"، وقد تكون البابة انتقادا لبعض العيوب الأخلاقية والاجتماعية، أو تصويرا فكاهيا لبعض أرباب الحرف والصناعات ، أو عرضا لبعض الأحداث التاريخية المهمة كبعض التمثيليات البسيطة التي تتناول الحروب الصليبية في المشرق العربي مثل تمثيلية (حرب العجل).

يجمع الباحثون على أن خيال الظل قد نشأ في الشرق الأقصى ، ومنه انتقل إلى كثير من بلاد العالم ، ولكن يبدو من الصعب تحديد البلد الذي نشأ فيه إذ تشير بعض الدراسات أنه نشأ في الصين ، ولكن ثمة إشارة أخرى إلى ان لفظة ( خيال الظل ) قد وردت في نص هندي قديم وإشارة ثالثة تحيل ان خيال الظل ( ربما ) جاء إلينا من بلاد المغول(3) ، ومنها انتقل إلى البلاد المجاورة ، ولا سيما اليابان وجزر جاوة .ومن المرجح أن يكون خيال الظل قد انتقل إلى البلاد العربية من جاوة ، نقله التجار المسلمون، في وقت مبكر، قد يرجع إلى القرن العاشر، أو الحادي عشر الميلادي، ومما يؤكد ذلك ، الإشارات المبكرة إلى هذا الفن ،ولاسيما في عهد المأمون (198- 227هـ) ، فقد روي أن ابناً لأحد الطباخين في قصر المأمون قد أنذر الشاعر " دعبل الخزاعي " إن هو هجاه أن يخرجه في الخيال . لكن الإشارة الأكثر وضوحاً ، هي ما روي عن حضور صلاح الدين الأيوبي عرضاً لخيال الظل بمصر سنة 1171م بصحبة القاضي الفاضل ، ولكن مما لاشك فيه أن خيال الظل كان منتشراً في كل من العراق ومصر في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر الميلادي، على أقل تقدير، وهو القرن الذي ظهر فيه المخايل المعروف ابن دانيال الموصلي الكحال بوصفه رائداً لهذا الفن .(4)

وابن دانيال ، وهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن دانيال ، الخزاعي ، ولد عام 1238م في الموصل في العراق ، وتلقى علومه فيها، درس الطب ، ولكن اجتياح المغول للعراق سنة 656هـ دفعه إلى الهجرة ، فارتحل إلى مصر، وهو في التاسعة عشرة من عمره ، فتابع دراسته فيها ، ثم اتخذ لنفسه دكاناً في "باب الفتوح" بالقاهرة ، يكحل فيه الناس ، فعرف بالحكيم شمس الدين ، ثم مضى يعرض على الناس فصوله في خيال الظل ، فذاع صيته ، ويبدو أنه حقق نجاحاً ملحوظاً في عهد السلطان الظاهر بيبرس (1260- 1277م) ، وكان ابن دانيال ميالاً إلى اللهو والمجون ، وله شعر ظريف ، ولكنه تاب في آخر حياته ، ومال إلى التصوف ، قبل أن يتوفى ، سنة 1310م.(5)

وترك ابن دانيال ثلاثة نصوص ( بابات ) وهي : "طيف الخيال" و "عجيب وغريب" و "المتـيّم". ويبدو أنها لم تدون إلا بعد وفاته بما يزيد على قرن ونصف القرن أي في القرن الخامس عشر، أو السادس عشر . فضلاً عن ديوانه الشعري وبعض الأراجيز الشعرية الأخرى . (6)

وقد اتسم أسلوبه بالسخرية والجمع بين التعبير الفصيح والعامي مستنداً على التورية والجناس والمقابلة وسائر أنواع الزخارف اللفظية والمعنوية ليحقق بها شاعريته ويساير أمزجة الأوساط والأعوام ، وكان يترخص في قوانين التصريف والإشتقاق ، ويتجاوز أحياناً على قواعد النحو وأصول النظم ، كما مزج بين الأطر التقليدية الفصيحة وبين الاشكال الشعبية ، فجاء أدبه محكوماً الى حد بعيد بصفة ( الإرتجال ) ، كما عني بموضوعي الهجاء والوصف دون غيرهما ، مطوعاً المعاني والصور لصياغاته اللغوية ، وممعناً في إثارة الضحك بالرسم الهزلي لشخصياته ، فضلاً عن ما أشتهر به من سرعة الخاطر في المقارعة والمغالضة والتحامق.(7)

لقد قوي شأن خيال الظل في مصر، بعد ابن دانيال، فشاع وانتشر، إلى أن أمر السلطان الظاهر جقمق ، الذي حكم بين 1438 و1453م ، بإحراق شخوص خيال الظل، وأدواته، ولكن خيال الظل لم يلبث أن ظهر ثانية ، وملأ المدن والأرياف في مصر(*) ، ويبدو أنه قد حقق بعدئذ تطوراً كبيراً، في الفترة التي دونت فيها بابات ابن دانيال ، ونسخت ، الى درجة ظهر فيها فن خيال الظل المصري بشكل مستقل عن غيره من فنون المخايلة.(8)

إن الحديث عن خيال الظل يقودنا الى عرض الإمكانيات الدرامية التي يحتويها هذا الفن الشعبي لتأهيله ان يكون سابقةً مسرحية تحسب لمصلحة التراث العربي الى جانب الفنون والظواهر المسرحية الأخرى . كالحكواتي والمقامة والحكايات الشعبية وغيرها . ولاسيما ان البحث يتعامل مع مسرح خيال الظل بوصفه مسرحاً اكتملت فيه عناصر البناء الدرامي على وفق ما حدد في التعريف الإجرائي – والتي تجعل منه نمطاً موازياً لنوع المسرح الغربي المعروف بمفهومه وقالبــه الأرسطي ، وقـد تقاربت هـذه الاشكــالية بـين مـد وجزر طــويـلين ولمدة زمنـية ليسـت بالقصيرة انتهى فيها الباحثون الى رأيين : يرى الأول منهما ، ان الموروثات العربية قد خلت من اي شكل من اشكال التعبيرالمسرحي واكتفت بالاشكال السردية والشعرية فقط ، وذلك بناء على مجموعة من الأسباب يرى اصحاب هذا الرأي انها موجبة لهذا الفقد ، ولايتسع البحث هنا لذكرها مع اصحابها.(9)

أما أصحاب الرأي الثاني ، فهم يرون بعض التجليات المسرحية بأشكالها الاحتفالية في التراث العربي فهم ينظرون إلى المسرح من خلال هذه الأشكال، ولايشترطون وجود العناصر الأربعة (النص - الخشبة- الممثل - المتفرج) معاً ، فهم - مثلاً- لايشترطون وجود النص أو الخشبة ، ويقتصرون على الممثل والمتفرج ، أو على أحد هذه العناصر دون الأخرى . فمسرح خيال الظل بوصفه واحداً من الظواهر المسرحية العربية ، يضم مقومات وخامات درامية تقوده الى مرتبة الفن المسرحي فهو أقرب أشكال ( ماقبل المسرحية والمسرح ) إلى المسرحية والمسرح ، فشخصياته كوميدية ، وهدفه تقديم التسلية والضحك، وينتابه غير قليل من ألفاظ البذاءة ، وتتوافر الشروط الأربعة فيه بنوع ما : النص - الخشبة- الممثل- المتفرج . إذ لابد للبابة من نص سواء أكان شفاهياً ( مرتجلاً – متفق عليه ) أم كان مدوناً ، كما لابد له من مكان خاص لتقديم العروض بكل ما يحيويه من آليات الإضاءة وقطعة القماش البيضاء وبعض ملامح الديكور البسيط ، وهو يماهي مفهوم ( الخشبة ) في المسرح الحديث ، أما شرطا ( الممثل / المتفرج ) فحضورهما في خيال الظل أمر بديهي ، فالدمى تؤدي وظيفة الممثل أما المنفرج فهو جمهور ( الخيال ) سواء أكان من الصغار أم من الكبار .

2- البنية الايقونية:

يشكل الانسان عالماً صغيراً في توافقه مع الكون ، وهو مكون من العقل والعاطفة والجسد . التي تعمل معاً في إنسجام مكتمل يعكس معه التمثيل الاعلى للخيال الإنساني ، ولأنه دائم الفضول في البحث عن المطلق ، تشكل الغيب عنده في صورة الأيقون ، ليصل الى نوع من الاستقرار العقيدي يرتاح اليه جسداً وروحاً، فالايقون هو الصورة التي تؤدي عملها ووظيفتها بوصفها علامة تشير الى ذاتية الشيء على وفق مبدأ العلاقة التماثلية أوالمشابهة بينها وبينه ، فالبنية الايقونية بنية علامية تتشكل من دال ومدلول ترتبط بمرجعها في ضوء التطابق أو المقاربة.(10) ويحيل مفهوم الايقون في مرجعياته الاولى الى صورة (المقدس) ذلك المفهوم الذي تبلور في الايقونات اليونانية الاولى ، التي تطورت الى صورة ( الله )، ومنه الى صور القديسيين والعذراء في الفكر الكاثوليكي الاول . بعدها أخذ الايقون يتشكل في السياق الفني القائم على الخيال البشري فظهر في التشكيل ، والنحت ، والفوتوغراف، والسينما ، والمسرح ، الى أن وصل الى الأنظمة اللسانية المتمثلة في الأدب.(11)ويحتضن المسرح ولاسيما مسرح الخيال والدمى مفهوم الايقون احتضاناً خاصاً ، إذ ينهض المسرح – كما هو معروف - على الفعل الحركي بكل صوره وخصوصاً ما يتصل منها بالجسد (الممثل – الدمية الورقية) ، هذه الامكانية تتيح للأيقون أن يتحرك بإنسيابية وبفاعلية في إقامة علاقته التماثلية أو التشابهية مع الجسد المناط به توصيل وجهة النظر(الخاصة) التي يحملها المؤلف على الخشبة أو في الشاشة البيضاء، استعان مسرح خيال الظل بدمى خاصة - كما بيناه في التمهيد - صنعها المخايل من امكانياته البسيطة ليحملها أبعادأ خاصة بعصره وحياته وجد فيها إمكانية للتعبير والايصال ، فلجأ الى الطاقة الكامنة في الدمية ، تلك الوسيلة التي عبر بها الإنسان في فجر التاريخ عن عالم الروح وما فوق الواقع ، فأسبغ عليها مهابة وقداسة ، وهي في رأيه (الإنسان الأول) لا يمكن أن ينالها إلا الآلهة والملوك والأمراء، فالدمية جسد يمتلك من الطاقات ما هو خارج سلطة العقل والعاطفة ، ويتجاوز قدرته الذاتية كما في الطقوس ، إذ لايستطيع أن يمارس كينونته خارج كونه أداة بيد العقل أو العاطفة ؛ ولكي يتحرر (الجسد) من عبوديته ينبغي إلغاء السلطة الأولى ، سلطة العقل ، وبناء علاقة تكافؤ وصراع غير متسلطة معه، وهذا لا يتم إلاّ من خلال العودة إلى مرحلة الحسية، إذ يقوم هذا النوع من المسرح على بعث الحياة في الدمية، وإخراج الصوت عن مدلوله اللغوي، وإلغاء اللباس الميت للجسد؛ فتصبح وعاًء لتجميع المعارف.(12) ويبدو أن مسرح ابن دانيال يقدم نسقاً من الشخصيات في باباته تحمل في مجموعها خاصيةً علامية تعد ظاهرة اسلوبية لديه ، ونظراً لطبيعة الطرح المباشر لمسرح خيال الظل وفترته المبكرة ، وثقافة عصره، ومستوى المتلقي الشعبي فيه ؛ فإننا نجده يقدم نسقاً واضحاً من انظمة العلامات ، وأقلها تعقيداً، وهو النظام الايقوني الذي يستند الى المطابقة أو المشابهة مع المرجع في الواقع لاغير، فهو يعرض لشخصيات متحققة في الواقع يقدمها من خلال نسق ايقوني عن طريق الدمى الورقية التي يحاول صاحبها ان يشكلها بأقرب صورة وأوقع تماثل مع الشخصيات المشار إليها، ليتحقق التواصل الذي يبتغيه مع متلقيه الشعبي ذلك التواصل الذي يظهر في صور الضحك والسخرية والتعليقات والتشويه أحياناً ، فقد أرتبطت دمى الخيال عند أبن دانيال بشخصيات تقليدية نمطية ؛ لكل م

  • Currently 173/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
58 تصويتات / 2524 مشاهدة
نشرت فى 15 أغسطس 2009 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,576,594