الجنة.. البحث عن الخلود.. القدرة على تحقيق الشفاء العجائبي.. تحقيق الكمال.. العثور على الجوهر الروحي للإنسان ... التوحد مع الله... الحصول على الخير الوافر الذي لا ينقطع مدده... كلها أشياء صبا الإنسان على مر العصور إلى تحقيقها... وكل هذه الأشياء وأكثر تتوحد في شيء واحد...: الكأس المقدسة!.
فما هي حقيقة الكأس المقدسة يا ترى؟
رغم أن قصة الكأس المقدسة نفض عنها غبار النسيان هذه الأيام، بسبب روايات وكتب أبرزها رواية "شيفرة دافنشي" لمؤلفها دان براون" ورغم الجدل الذي أثارته أفكار الرواية وغيرها من الكتب حول ماهية الكأس ورمزيتها المسيحية، إلا أن هوية الكأس ورمزيتها ضاربة في القدم، وتمتد إلى عوالم السحر والفلسفة والخيمياء ودراسة الغيبيات في كثير من الأساطير المختلفة والمتباعدة.
أما الفكرة القائلة إن الكأس هي بمثابة استعارة تشير إلى مريم المجدلية المفترض أنها تزوجت المسيح وأنجبت منه فهي لم تظهر إلا في وقت حديث جدا نسبيا. وهذه كانت أهم أفكار حبكة رواية شيفرة دافنشي( وبعدها الفيلم المقتبس عنها الذي يعرض الآن) التي لا تزال تثير الجدل وغضب الكنيسة وأتباعها في العالم.

أصول أسطورة الكأس المقدسة

تذكر "الموسوعة الكاثوليكية" أن هناك عدة روايات عن أصول مختلفة لأسطورة الكأس المقدسة: منها ما هو مسيحي خالص ، ومنها ما هو سلتي( قبل مسيحي) ومنها ما هو شرقي( كأس الجامشيد الفارسية-الجنة الهندوسية).
كما تنوه الموسوعة بما أشار إليه "وولفرام فون إيشن باش"( كاتب قصة "بارزيفال" عن الكأس المقدسة بين 1215-1205 ) والتي استلهما من قصيدة شعر فرنسية، يقول إنها بدورها ترجع في الأصل إلى مخطوط عربي من مدينة "طليلطة" في الأندلس إبان الحكم العربي هناك( وإن كانت الموسوعة تقول إن هناك شكا كبيرا حول هذا الأمر).

ويشير "إيشن باش" في روايته ذاتها إلى أن الكأس "ما هي إلا زمردة سقطت من من تاج إبليس (لوسيفر) خلال معركته التي خسرها مع ملائكة الله بعد عصيانه لأمره، وأن الملائكة جاءت بها إلى الأرض".
ويذكر "قاموس بروير الوجيز للحكمة والخرافة" أن جزءا من موضوع الكأس المقدسة يظهر في قصص" مابينوجي" وهي قصص من التراث الشعبي السلتي والويلزي في القرون الوسطى.
وفي نهاية القرن الـ12 م وما بعدها ارتبطت قصة الكأس المقدسة بأساطير الملك آرثر (وهي القصص التي ظهرت في مطلع عام 1136م في كتاب "هيستوريا ريغوم بريتانيا" وهو كتاب في معظمه خيالي للمؤلف " جيفري أوف مونماوث"، والذي يقال إنه ترجمة عن اللاتينية للتاريخ السلتي القديم لبريطانيا، ورغم أن الملك "آرثر" نفسه يعتبر شخصية تاريخية غامضة

الكأس ويوسف الرامي

الفكرة التقليدية أن الكأس المقدسة جاء بها "يوسف الرامي" (بعد أن جمع بها قطرات من دم المسيح عند غسل جسده بعد الصلب) إلى بريطانيا ثم اكتنف الغموض مصيرها.
بعض الروايات تقول إن الشخص الذي جمع قطرات دم المسيح هو شخص يدعى "نيقوديموس".
وروايات أخرى تقول إنها مريم المجدلية. وقد استمرت الأساطير المحيطة بالكأس ووصلت ذروتها في القرون الوسطى.
أولى الروايات الرومانسية عن الكأس تعود للقرنين 12 و13 م، وكثير منها كتب بين 1190 م، و1240 م، رغم أن القصة لها أصل شفهي يرجع إلى ما قبل هذه الفترة.
وتتزامن هذه التواريخ مع بروز نجم التنظيم الديني العسكري الذي عرف باسم "فرسان الهيكل" في أوروبا القرون الوسطى.
وكما تقول "روزماري إلين غيلي" في "موسوعة الغرائب والغوامض وغير المفهوم" فإنه "مع تكاثر الروايات عن الكأس، فقد تضمنت تلك الحكايات مع الزمن عناصر من الأساطير الكلاسيكية والسلتية، والتصوير الأيقوني المسيحي، والشعر العربي، والتعاليم الصوفية الإسلامية، ولم يتم توحيدها مع فكرة العشاء الأخير إلا عام 1190 تقريبا

رمزية الكأس المقدسة

حسب كتاب" ألف رمز ورمز" لمؤلفه "جاك تري سيدير" فإن الكأس المقدسة ترمز في العقيدة المسيحية إلى "البحث عن رضى الله- الذي يعد المصدر الأسمى للخلاص- من خلال الأخوة والمشاركة الشخصية مع المسيح، كما هي رمز الكمال والفضيلة".
أما "الموسوعة المصورة للرموز التقليدية" لمؤلفها "جي سي كوبر" فتقول إن الكأس توصف بأشكال مختلفة، وتحتل الكأس المقدسة في الفكر الغربي نفس مرتبة "الإناء"( المزهرية) في الشرق، أو كأس الأضاحي في العقيدة الهندوسية، أو الكأس التي تحتوي على شراب "الها أوما"( شراب يمنح صاحبه الخلود في اعتقادات بلاد فارس القديمة) أو شراب الـ"أمبروزيا"( =شراب "العنبرية"=طعام الآلهة عند الإغريق والرومان.) وله دلالة القربان المقدس وهو المصدر الرمزي للحياة المادية والروحية.
وفي رمزية الأساطير الفرعونية والسلتية هناك رابط بين الكأس أو إناء الحياة والقلب باعتباره مركز الحياة.
وتقول "الموسوعة المصورة للرموز التقليدية "إنه في المسيحية "ترمز الكأس المقدسة للقلب المقدس ليسوع. ويمثل ضياع الكأس فقدان "العصر الذهبي" للإنسان، كما تعني خسارة الجنة، وروحانية الإنسان وخسارة صفائه وبراءته الموجودة منذ الأزل".
وتضيف الموسوعة بالقول هناك اعتقاد أن الله أعطى الكأس المقدسة لآدم، لكن بعد خروجه من الجنة بقيت الكأس هناك، وهي وسط الجنة ويجب العثور عليها مرة أخرى، ومن هنا يستعيد المخلص(يسوع) الكأس والجنة معا للإنسانية.
كما يمثل البحث عن الكأس البحث عن الجنة، المصدر الروحي للإنسان والكون. وفي الاعتقاد السائد في القرون الوسطى أن الدم يجسد الروح، وفي حالة المسيح فهو يمثل "ألوهيته"(حسب الاعتقاد المسيحي)، كما تمثل الولادة من جديد عبر تعاليم المسيح.

ومن الرمزيات الأخرى للكأس كما يقول "سيمون كوكس" في مؤلفه" حل شيفرة دافنشي" أنها تمثل أشياء مختلفة وفق تصورات أسطورية أخرى مثل" السمكة، الحمامة، الرمح، الكتاب السري، المَنّ النازل من السماء، رأسا مقطوعة، نورا أبيض يغشي الأبصار، طاولة، وغيرها."
وتضيف "الموسوعة الأساسية للسحر" لمؤلفتها "جوديث إليز" أن الكأس يمثل قبل المسيحية "كأسَ الطقوس المقدسة، ويمثل عنصرَ الماء الأنثوي، كما يمثل رحم الإلهة، والأنثى المقدسة الكونية. وهو أيضا واحد من ألوان ورق اللعب الأربعة المعروف أيضا بالـ"الكبة
===============================


  • Currently 76/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 855 مشاهدة
نشرت فى 15 نوفمبر 2007 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,577,411