من خلف آدم وذريته في الأرض ؟ هل خلف الإنسان الأول ؟
قد بين تعالى أمرًا كان يجهله الناس؛ إذ أخبر تعالى الملائكة أنه سيتخذ آدم بذريته خليفة في الأرض؛ (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة، ومعنى خليفة أن هناك من كان في الأرض سلفًا لآدم هلك قبله، وقد أوضح ذلك وجلاه قول الملائكة عندما سمعت قول الله تعالى بجعل آدم خليفة: (..قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ... (30) البقرة، فمن أين للملائكة أن تحكم على آدم من قبل أن يهبط إلى الأرض وتعرف أفعاله فيها، وهي لا تعلم الغيب؟!، ولم يكن قولها هذا من علم علمه الله لها، فقد أنكر تعالى عليهم قولهم: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة، وبين تعالى أن هذا المخلوق الجديد مختلف عما قبله، ووجه اختلافه أنه عاقل، قادر على التفكير، والنطق، والكلام، (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) البقرة، فلما ظهر للملائكة عجزهم، (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة، فقال تعالى لآدم ولهم: (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة0

وقد تبين من الحفريات وعلم الآثار أن هنالك مخلوقًا قبل آدم، شبيهًا جدًا بآدم وذريته، لكن هناك فاصل زمني بينهما مقدرًا بين عشرة آلاف إلى عشرين ألف سنة، اختفت فيها آثار كل منهما، وهي الفترة بين هلاك الأول واستخلاف الثاني، وقد وصف العلماء الدارسون للآثار التي تركها شبيه آدم بأنه كان يعيش بطريقة همجية، يكثر فيها القتل وسفك الدماء، من كثرة العظام حول المغارات والكهوف التي كان يأوي إليها، ولم يكن هناك حياة أسرية بمعنى الكلمة، والنساء لا تعرف إعداد الطعام، ولا صنع الملابس، وأكله في الغالب خارج كهفه، وهذا الوصف له ... كان ممن لا يعرف ما في القرآن، وهو الأقرب إلى قول الملائكة: (..قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء (30) البقرة، وأن شبيه آدم لم يكن إنسانًا عاقلا كآدم وذريته، ودل ذلك قول الملائكة: (...وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ... (30) البقرة، فهو لا يعرف حمد الله ولا تقديسه، وكذلك لا يعرف النطق والكلام، ولا تسمية المسميات بأسمائها، وهذا ما بينه تعالى عندما علم آدم الأسماء، ليظهر فضل آدم على من سبقه، وحتى على الملائكة أنفسهم، الذين يقفون عند تكاليف الله التي أمرهم بها ولا يتعدونها0

وهو كذلك لا يعرف اللباس وستر العودة، لذلك حرص إبليس على نزع لباس أبوينا آدم وحواء ليكونا في العري والانحطاط مثل الجنس السابق لهما، ولا يتفاضلا عليه بستر العورة، فيحرما من الاستخلاف، وينالا نفس المصير من الهلاك، والحرمان من الجنة؛ قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف، وحضارات العراة مآلها للزوال والاندثار، أو هم من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة، ولا مكان في الجنة للعراة، ومنذ أن انحصر استعمال الساعات على الساعات التي تتحرك عقاربها خلاف سنن الكون من الذرة إلى المجرة: أي من الشمال إلى اليمين، وليس من اليمين إلى اليسار، والبشرية في تقهقر وتراجع، مخالفة السنن التي فطرها الله عز وجل عليها0

ولما كانت هذه المعلومات مجهولة لأهل التفسير من قبل، فسر خليفة بخلائف التي وردت في عدة آيات، كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ...(165) الأنعام، أي يخلف بعضكم بعضًا، وتسمية آدم خليفة هو غير القول عن ذريته خلائف، وقد ذكر أن هناك قبيلتين قبل آدم هما الحن والطم، واختلفوا في نسبهما وقيل إنهما من الإنس، وقيل من الجن، وقيل إنهما جنس آخر ليس من الإنس ولا من الجن 00 وهذا الرأي الأخير هو الذي يوافق الآية بغض النظر عن سبب تسميتهما بالحن والطم، ودراسة أسباب هذه التسمية وصحتها 00 لكن الثابت في الآثار التي تركوها وبقايا هياكلهم العظمية، أنهم على شكل الإنسان، ولا يختلفون عنه إلا ببروز عظام الحاجبين وتقدمهما قليلاً، وتقدم الفك السفلي 00 مما جعل العلماء الدارسين في هذا الباب يسمون هذا الحيوان بالإنسان الأول، والذي يجب أن تكون عليه التسمية؛ هو تسمية هذا الكائن أو الحيوان بشبيه آدم، فلا علاقة له بآدم إلا في تشابه الأجساد فقط0

وآثار هذا الحيوان الشبيه بآدم منتشرة في جنوب أوروبا، وفي منطقتنا توجد آثاره في كهوف بحيفا في جبل الكرمل حيث كان يعيش في فلسطين والمنطقة، قبل (35) ألف سنة، وقد عرضت برامج عديدة على شاشات التلفاز بهذا الشأن، ... واعتماد هذه الأقوال هو من باب الاستئناس بها لموافقتها ما ذكرناه0

أما ما جاء في بعض التفاسير أن الذي خلفهم آدم وذريته هم من الجن؛ فالخلف يدل على وجود سلف، ولا يوصف الخلف بهذا الوصف وهو يجتمع مع السلف في نفس الزمان والمكان، فلا بد من غياب السلف وانقطاعه عن المكان بالغياب، أو انقطاعه عن الزمان والمكان بالموت، والجن جنس كان قبل آدم ومعه وبعده وموزعون في الأرض مع توزع الناس0

فتسمية آدم بذريته خليفة أو خلائف لا يختلف كثيرًا فالأولى جنس يخلف جنسًا، والثانية بعض يخلف بعضًا؛ ويوضح ذلك قوله تعالى:

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) يونس

وقال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) يونس

أنهم كانوا خلائف بعد هلاك من كان قبلهم، أو من كان معهم ممن لهم السيادة والتسلط.

وعند الرجوع إلى تفسير القرطبي والطبري وابن كثير والجلالين تجلس مابين 4-5 ساعات وأنت تقرأ عن تفسير هذه الآيات، وقلب العلماء أوجه المعاني في هذا التفاسير، لحل مشكلة قول الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيه)، هل قولهم من باب الظن، أو رجمًا بالغيب، أو علم أطلعهم الله عليه، أو بسبب فساد من كان قبلهم، أو ...... ، وأفضل تلك الأقوال؛ ما جاء في تفسير الطبري: [عَنْ ابْن عَبَّاس وَتَابِعه عَلَيْهِ الرَّبِيع بْن أَنَس مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ عِنْدهَا مِنْ عِلْم سُكَّان الْأَرْض قَبْل آدَم مِنْ الْجِنّ , فَقَالَتْ لِرَبِّهَا : أَجَاعِل فِيهَا أَنْتَ مِثْلهمْ مِنْ الْخَلْق يَفْعَلُونَ مِثْل الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ ؟] .. ولم يكن عند ابن عباس رضي الله عنهما من علم عن ذلك المخلوق شبيه آدم المسمى ظلمًا بالإنسان الأول، فآدم عليه السلام خلق ابتداء لذريته من غير أب ولا أم ... ولا تطور عن خلق آخر قبله.

أما في زمننا الحاضر فقد وضحت الصورة بما يسر الله للناس من السير في الأرض، وما ملكنا من وسائل وعلوم كثيرة.... والله تعالى أعلم.
  • Currently 162/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
54 تصويتات / 2032 مشاهدة
نشرت فى 13 نوفمبر 2007 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,601,627