عن الزجاج والسيراميك
سنتحدث هنا، عن صناعة الزجاج، و أسرار السيراميك، والإمكانات العمرانية للزجاج.
يضع المرء على عينيه زجاجتين، وثالثه على يمينه تضيء له البيت، يطفئ جهاز التلفزيون، لينظر من خلال النافذة، فيتأكد له بأن الزجاج في كل مكان، وليس هناك حدود لاستعماله. لكن هل نعرف كيف يصنع؟
يصنع الزجاج من الرمال، وهو المادة الأكثر انتشارا على الأرض. علما أن مزايا الزجاج تختلف كليا عن الرمال. فالزجاج لا يعتبر مادة صلبة، بل هو سائل لزج يتصلب عند لبرودة.
نحصل على الزجاج من نار الفرن. عبر آنية من المواد المقاومة للصهر هي البوتقة. يحضر صانع الزجاج خليطا يحتوي على ستين أو سبعين بالمائة من رمل السيليكون الذي يتكون في معظمه من ثاني أكسيد السيليكون أو السيليكيا.
تشكل هذا الخليط من بلورات، هي عبارة عن شبكة ذرات منسقه جيدا ومتماسكة فيما بينها بروابط ثابتة.
يضيف صانع الزجاج إلى هذا الخليط عدد من العناصر الأخرى التي تساعد على الانصهار، وهي تتشكل من الصودا والبوتاس وحجر الكلس أو صدف المحار.
تستعمل هذه المواد لتعزيز الانصهار الذي يتم بدرجة حرارة تصل إلى ألف وخمسمائة درجه مئوية، تحول دون هشاشة الزجاج بتعرضه لدرجة حرارة مرتفعه.
يسخن صانع الزجاج الخليط، فيؤدي التسخين إلى تحطيم تركيبة البلورة الرملية وتفاعل جميع العناصر فيما بينها، لتشكل مزيجا تنعدم فيه البنية محددة. يؤدي انعدام هذه البنية إلى تمتع الزجاج بمزاياه المدهشة، ومن يبنها إمكانية التحكم بشكل جديد له.
حين يصبح الزجاج الذائب جاهزا للنفخ، يجمع صانع الزجاج كمية منه حول قضيب طويل مجوف، ثم ينفخ فيه إلى أن تنتفخ الكتلة المنصهرة وتتحول إلى فقاعه.
تحدد قولبة القضيب المستمرة شكل هذه المادة باستخدام إناء معدني أو حديدي أو خشبي، يسمونه مارقر، وقد يتم ذلك يدويا باستخدام صحيفة مبلله.
يقسو الزجاج بمجرد أن يلامسه الهواء البارد. ثم يعاد تسخينه بالفرن كي تتابع عملية تحديد بنيته، إلى أن يتخذ شكله النهائي.
في ختام هذه العملية، ولأن الزجاج يكون هشا بعد، يوضع في الفرن للمرة الأخيرة كي يمنح القوة والصلابة، ما يمنح الزجاج قدرة على تحمل صدمات الحرارة التي يمكن أن تضعفه.
وبما انه لن يسخن للانصهار، بل لمجرد تسخينه، من الأفضل أن يتمكن من تحمل المتغيرات التي تطرأ على الحرارة من حوله. تكمن التقنية الأخرى باستعمال مصباح البروبين لتحديد بنية العمل المطلوب.
توضع الجزيئات في حركة دائمة، ما يجعل اللهيب من الزجاج مطواعا ومطاطا دون إذابته. يمكن العمل بالزجاج وهو بارد أيضا ونقشه باستعمال أداة مدببة أو باللجوء إلى تركيبة كيميائية كحامض الهيدرو فلوريك. نادرا ما يقوم صانع زجاج النوافذ بحفر قطعته، يل يكتفي بتوجيه الإنارة من خلال تعدد الألوان وكثافة الزجاج.
للقيام بذلك يستعمل الفنان قطع من الزجاج الملون.
وربما يلونها بنفسه أيضا، باستعمال الكلورايد او سلفات الفضة كأساس للطلاء يعمل كماص للتفاعل الكيميائي بين مكونات الزجاج وأملاح الفضة.
تسمح هذه العملية للون بان يلتحق نهائيا بالزجاج، رغم احتفاظه بشفافيته ليمنح ذلك زجاج النوافذ المصقول مواصفات نوعية عالية.
لصناعة زجاج النوافذ الملون، تستخدم تقنية الرصاص وهي التقنية الأقدم والأكثر شيوعا.
نبدأ أولا بدراسة دور الضوء في الغرفة التي سيوضع فيها زجاج النافذة الملون ، ثم ننكب على صناعة مجموعة من العينات الصغيرة عن العمل، تقارب عشر الحجم المطلوب. نقوم بعدها بصناعة نموذج من الورق المقوى لتكوين فكرة عن حجم النافذة الكامل.
نضع رقما على كل قطعة من النماذج، حين يتم قصها تستعمل كقالب يقص الزجاج بالاعتماد عليها، وبذلك تكون احجية من قطع الزجاج قد صنعت.
يمكن لصانع الزجاج حينها ان ينتقل نحو الخطوة التاليه. وهي تمكن بتثبيت كل قطع الزجاج في قنوات رصاص طوليه.
لتتماسك قنوات الرصاص جيدا يتم تثبيتها بتلحيمها بنقاط لحام صغيره.
لتغطى بعدها بمعجون يمنع الماء من التسرب اليها، عند هذه النقطه. يصبح اللزجاج الملون جاهزا للتركيب.
ويعتمد جماله حينها على نوعية الانارة المحيطة بالمكان الذي ركب به.
زجاج النوافذ الملون لم يكن في الماضي مجرد قطع من الزجاج، بل كان يقص حكايات من البداية حتى النهايه، تحمل المعني، وتتميز بالتشويق. فن صناعة الزجاج قديم للغايه، ولكن قبل ان يبرعوا بذلك الفن، كان صانعوه قد ابدعوا بصناعة مادة قريبة منه: السيراميك.
حاله كحال الزجاج، يأتي السيراميك الى الوجود من خلال النار، الا ان السيراميك لا يصنع من السيليكا، بل غالبا ما يعتمد على الصلصال.
يستخرج الصلصال من صخرة تعتمد اساسا على سيلكات الالومنيوم.
عندما تسخن هذه المكونات على درجة حرارة عاليه تتحطم تركيبة السيليكات.
ولكن بعد التبريد التدريجي يعاد تكوين بلورات زجاجية مصغره، هذه التركيبة الكرستاليه هي ما يمنح السيراميك قوته ومقاومته.
هناك عدة انواع من السيراميك. وهي تختلف عن بعضها البعض بنوعية المواد المستخدمة فيها، ودرجة الحرارة التي تتعرض لها.
يحدد هذين العاملين مستوى تنظيم الكريستال التي تحدد في النهاية الوضع النهائي للمنتوج.
صلصال الكاولين النقي على سبيل المثال، حين تعرضه لألف واربعماية درجة حراريه سينتج عنها خزف من الدرجة الاولى.
اما الصلصال العادي فحين يتعرض لالف ومئة درجه حراريه، فهو يستعمل لصناعة طوب لتبليط الارض.
تبدأ صناعة السيراميك التقليدي بتحضير الصلصال الذي يحتوي على مواد خام اخرى مثل الفيلسبار و الكوارتز.
يتم طحن المواد الخام وخلطها بالماء لينتج عنها خليط رخو.
بعد تصفيته وضغطه يحفظ هذا الخليط على شكل اسطوانات.
هذا الشكل واسلوب الانتاج يعتمد على ما نريد صناعته.
لصناعة الاحواض والسلطانيات مثلا، تستعمل تقنية القوالب، باستخدام قوالب عادة ما تصنع من بلاستر.
يتم تقطيع الخليط الخام اولا الى شرحات توضع في الماء ليصنع منها عجينة سائله، يتم صبها في قوالب التراب التي تمتص السائل.
بعد ان تجف القطعة الفنية يتم تسخينها، وهذه هي المرحلة الاهم في الانتاج، لان النار هي التي تحدد الشكل النهائي للمنتوج.
لصناعة قطع ذو شكل بسيط وفي كميات كبيره، كالبلاط او الصحون مثلا،يتم اتباع اسلوب الضغط الجاف.
في هذه الحاله يتم استخدام مسحوق ناعم جدا بدل المواد الرطبه. يتم الحصول على المسحوق بتعريض شرحات الخليط لأجواء دافئه، ثم يوضع المسحوق في القوالب.
المكابس تعرض القطعة الى ضغط متوازن، حتى تتماسك لتمنع تشوهها، لتسخن القطعة بعدها في التنور.
الخطوة التاليه تسمى بالصقل، وهي تمنح القطعة جمالها ومواصفاتها العمليه.
يتم الصقل بتغطية القطعة بمادة شبيهة بتلك التي صنعت منها. اما التسخين، فهو يمنع القطعة من تسريب الماء ويمنحها صلابة ولمعانا.
يمكن للصقل ان يتم باغراق القطعة في وعاء لسائل الصقل . ويفضل الرش بالنسبة للقطع الاكبر حجما. قد يمنح الصقل لونا لقطعة السيراميك، وذلك باضافة بعض المواد اليه.
ما زال استعمال قطع السيراميك يتزايد. ويعتبر انتاجها من مسحوق ناعم العمود الفقري لثورة فعلية في هذه الصناعه.
السيراميك المعاصر اقوى من الحديد، وقادر على تحمل درجات حرارة عاليه.
يعتمد انجازها على الخليط، ونسبه الدقيقة جدا، والمساحيق التي يتم اختيارها والتعامل معها بحرص شديد.
تقوم بهذه الاعمال المثابره، مجموعة من الاختصاصيين، ممن يعتمدون التحاليل المعقده والدراسات والالكترونات والميكروسكوب.
بهذه العمليات يتسنى لهم تعداد البلورات وشرح تركيبتها، كما وتحديد معادلة المعادن التي تتركب منها المساحيق.
عند اختياره بدقه، يمكن للسيراميك ان يصنع لاهداف طبيه، المواد الجديدة للسيراميك يمكن ان تستخدم لصناعة مفصل الخصر.
السيراميك الراقي يتميز بالاستقرار وبقدرة الجسم على التأقلم معه، ولن يؤدي الى الالتهابات نتيجة الاحتكاك.
يتميز السيراميك الحديث بكفاءة عاليه وبانه لا يترك النتوءات.
في المطبخ مثلا تلتحم الالومينا بأحكام، وتقفل الصنابير بشكل افضل من النماذج العاديه.
سكاكين الزركونيا وشفرات المقصات تعتبر حادة جدا ولكنها ضعيفة للغاية ايضا.
في صناعة السيارات، بدأ الاهتمام بالسيراميك يتزايد يوما بعد يوم.
وقد ادت الابحاث الى صناعة محرك من السيراميك.
وزن هذه المحركات اقل بنسبة اربعين بالمئه من تلك العاديه، كما انه يحتمل درجة حرارة اعلى بكثير من المحركات العاديه.
كما يوفر مزيدا من الوقود، ويحمي الهواء من التلوث وهو اشد صلابه. ومن المحتمل ان تصنع منه محركات سيارات كثيره،في الاعوام القادمه.
لائحة استخدامات السيراميك تشهد تناميا يوميا. كقطع الرادار، واغطية واقية لسفن الفضاء، والبلاط.
في حين ينتشر السيراميك في مجمل القطاعات التقنيه، يستمر الزجاج في احتلال مكانته في حياتنا اليوميه.
واحدى اهم قطاعات انتشاره، هي تشييد المباني.
بفضل شفافيته، كان الزجاج ولفترة طويلة المادة المفضلة للبناء.
ولكن هذه الميزة لم تعد كافية لارضاء معماريي هذه الايام. فقد اصبح زجاج اليوم يفي بعدة شروط تقنية وعمليه.
منذ بداية ازمة الطاقه مثلا اصبحت النوافذ العاكسة قابلة اكثر للاستخدام، خصوصا في المكاتب المكيفه، فهي معزولة تماما وتحفظ الحراره.
ما يمنح الزجاج هذه المزايا هي طبقة رقيقه من المعدن المؤكسد، التي اما تكون ضمن الزجاج او انها تغطي سطحه.
خلال النهار تعكس الطبقة المؤكسده جزءا من اشعة الشمس فينجم عن ذلك اشعة ما تحت الحمراء نحو الخارج. المظهر الخارجي للزجاج يوحي بانها مرآة عاكسة تماما.
وفي الليل يحصل عكس ذلك تماما، اذ تعكس الطبقة المؤكسده الاشعة ما تحت الحمراء الموجودة في الغرفه، فيمنع التدفئة من التسرب.
الزجاج المستعمل اليوم في المباني يقوم بعدة وظائف، في وقت واحد.
النوافذ العاكسة تضفي نوعا من رجع الصدى الذي عادة ما يعزز انظمة التدفئه.
يتم ذلك بحفظ طبقة من الهواء او الغاز، بين لوحين من الزجاج.
بسماكة لا تتعدى العشرة مليمترات، تحمي هذه الطبقة من الضغط الناجم عن موجات الصوت.
الضجيج هو مواجات صوتية متتالية ومتداخله ناجمة عن ذبذبات في الطبقات الهوائيه.
في غرفة ذي حرارة عاديه، تنتقل موجات الصوت بسرعة 340 مترا في الثانيه.
النوافذ المضاعفة تمتص موجات الصوت، وبهذا تبتر عملية انتقالها.
يتم الحصول على النتيجة ذاتها بجمع لوحين من الزجاج في سماكات مختلفه.
بفضل هذا الاجراء البسيط، يمكن اختصار الصوت في غرفة ما الى ما يقارب النصف.
اضف الى ذلك ان تساعد طبقة الهواء على تعزيز اجراءات التدفئه لتوفر ما نسبته 45 بالمئه من الطاقة مقارنة مع نافذة من لوح واحد.
لهذا اصبح لوحين من الزجاج في النوافذ مسألة شبه متعارف عليها في المدن والبلدان البارده.
بما ان نوافذ اليوم اصبحت تلبي كثيرا من الأحتياجات، الجمالية والحرارية والصوتيه، ليس هناك ما يدعو لجعلها قليلة الامان ايضا.
انها مشكلة كبيره اذا اخذنا بالاعتبار ان تحطم الزجاج يؤدي الى حوادث موسفة كل عام، خصوصا بين الاطفال. الزجاج المصفح هو احد الاجوبة على هذه المشكله.
يتم تصفيح الزجاج بصقل لوحين او ثلاثة الواح معا، بواسطة غشاء رقيق من البوليفينيل والمعروفة ايضا بمادة ال .PVB
يوضع غشاء الpvb الذي لا تبلغ كثافته الميلميتر الواحد، بين لوحين من الزجاج.
ثم يتم ضغط اللوحين بين اصطوانتين هوائيتين، لاخلائها من اي فقاعات هوائيه. ثم تسخن على درجة حرارة لالتحامهما، بقوة الضغط، وباستخدام ادوات كهربائيه.
يلين ذلك غشاء الpvb وبعد ثلاثة او اربعة ساعات تذوب المادة بالكامل.
بعد ان اصبح الزجاج يتميز بالشفافية الكامله، اصبح الpvb يقوم بدور اللحمة بين الواح الزجاج ليجمعها بصلابة .
اذا ما تحطم الزجاج، سيحفظ الpvb الشظايا ويمنعها من التبعثر.
الزجاج المصفح بسماكة ستة مليمترات كثير الاستعمال في المدارس والمنشآت الرياضيه.
احيانا ما تنشأ الحاجة لتعزيز النوافذ اكثر من ذلك. فلا بد للزجاج المضاد للرصاص ان يكون بسماكة تصل الى العشرة ستيمترات.
الزجاج المعالج هو نوع اخر من الزجاج الآمن. على خلاف الزجاج التقليدي حين يتحطم الزجاج المعالج يتحول الى قطع صغيرة جدا.
هذه الشظايا التي قد تبلغ المليمترين او الثلاثه، ليس لها اي حد، مما يقلل من احتمالات الاصابه.
لصناعة الزجاج المعالج، يتم تسخين لوح عادي على درجة حرارة تصل الى الستمايه وعشرين درجه، ثم يبرد فجأة بالهواء البارد مباشرة.
هذه الصدمة الحراريه تضعف الزجاج،فتنشيء مناطق اقل مقاومة على مجمل سطح الزجاج.
الصدمة الميكانيكية ستؤدي الى تحطيم لوح الزجاج بكامله.
الى جانب هذه الوظائف التقنيه، يتطلب الامر من الزجاج المستعمل في صروح عمرانية حديثه، ان يتمتع بمزايا جمالية ايضا.
من هذه الناحيه يبدو ان الزجاج المستعمل في اهرامات اللوفر في باريس يسترعي هذه المسألة التقنيه.
رغم شفافية الزجاج بطبيعته العاديه، الا ان النوافذ تفقد بريقها مع مرور الزمن.
والسبب في ذلك يعود الى انها تحتوي على ايونات الحديد التي تتفاعل مع الاكسجين في الهواء فتكون اكسيد الحديد.
اكسيد الحديد سيمنح الزجاج لونا ضاربا الى الاخضرار. اما بالنسبة لاهرامات اللوفر فقد حلت المشكلة من خلال تقنية يتم التحفظ عليها، تتخلص من ايونات الحديد.
ويقال ان هذه النوافذ ستحافظ على شفافيتها الى الابد.
يحل الزجاج في الابنية الجديده محل الحجارة ببطء شديد.
سواء الملون منه او البالغ الشفافيه، كلا النوعين من الزجاج يحميان الانسان من مفاجآت الطقس كما ومن الضوضاء.
لقد اثبت الزجاج بما لا يدع مجالا للشك انه المادة الوحيدة التي اثبتت جدارتها في مجالات حياتية متعدده.
يحلم العلماء بنافذة عالميه.
ستشتمل هذه السوبر نافذه انظمة الاناره، وانظمة التدفئه، يمكنها ان تهتز كسماعات اجهزة الصوت الكبيره، ولم لا ، تستعرض برنامجك المفضل؟
ساحة النقاش