صدرت خلال الأيام الماضية المسودة المبدئية للتعديلات الدستورية كما انتهت إليها لجنة الخبراء القانونيين التي شكلت طبقا لخريطة الطريق المرسومة.
ودون الدخول في فلسفة تشكيل اللج تصوير حسام دياب
نة وطريقة عملها وآلية اتخاذ القرار, فإن القراءة الأولية للمسودة التي انتهت إليها اللجنة, تكشف عن ملاحظات جديرة بالاهتمام علي أمل أن تراعيها لجنة الخمسين عند حسمها بصورة نهائية لنصوص الدستور.
أولا- أعادت اللجنة ترتيب بعض المواد داخل أبواب الدستور المختلفة بشكل لم تقدم معه مبررا وراء هذا الترتيب, فعلي سبيل المثال وضعت النص الخاص بخدمات التأمين الاجتماعي كحق للمواطن ضمن الفصل الأول في الباب الثاني المتعلق بالمقومات الاساسية للمجتمع, معتبرة انه من المقومات الاجتماعية والاخلاقية, في حين أنه يعد من الحقوق وليس من المقومات, فقد كان هذا النص في باب الحقوق والحريات كونه حقا وليس مقوما من مقومات المجتمع. كذلك إذا ما نظرنا الي ما نص عليه التعديل فيما يتعلق بالهيئات المستقلة والاجهزة الرقابية, نجد أن التعديل المقترح ذكره علي سبيل المثال بصورة إجمالية دون أن يوضح تحديدا ما هي الهيئات المستقلة؟ وما هي الاجهزة الرقابية؟( المادة182 من المسودة).
ثانيا- ثمة تعديلات أدخلتها اللجنة علي نصوص الدستور مثلت تراجعا عما كان عليه الوضع في دستور2012, من أبرزها: الغاء المادة(219) ففي الوقت الذي نص فيه الاعلان الدستوري الصادر في8 يوليو2013 علي هذه المادة بدمجها في المادة الثانية, إلا أن لجنة الخبراء ألغته نهائيا من وثيقة الدستور دون معرفتها بالجهد الذي بذلته الجمعية التأسيسية في سبيل النص عليه, وهو ما تكشف عنه محاضر اجتماعات لجان الجمعية التأسيسية لتأكيد أهمية هذا النص والفلسفة من ورائه. فضلا عن ذلك إلغاء اللجنة مجلس الشوري وجعل البرلمان بنظام الغرفة الواحدة, أضف إلي ذلك ايضا ما جاء في شأن تأسيس الاحزاب وكيفية نشأتها وأسس النشأة, فقد قيد النص نشأة الأحزاب إلا باخطار ينظمه القانون وكان النص في الدستور السابق بمجرد الإخطار كما هو الحال في الجمعيات, كما حظر نشأة الأحزاب علي أساس ديني في حين ان الاولي ان يحظر نشأة الأحزاب علي أساس التفرقة بسبب الدين.
ثالثا- ثمة تعديلات كان من الواجب علي اللجنة ادخالها إلا أنها أهملتها رغم مناشدة الكثيرين بأهميتها, منها علي سبيل المثال المادة الثالثة الخاصة بشركاء الوطن المسيحيين واليهود والتي بقت كما هي رغم أنه قد سبق واشرت إلي ان هناك حاجة لضبط الصياغة في تلك المادة بشأن تمييز نص المادة بين الأحوال الشخصية والشئون الدينية واختيار قياداتهم الروحية, رغم أن الأحوال الشخصية واختيار القيادات الروحية تعد من الشئون الدينية, فكان يجب أن يعدل النص إلي الاقتصار علي الشئون الدينية فحسب. من ذلك أيضا ما يتعلق بمهمة الهيئة الوطنية للصحافة والاعلام والتي تقوم علي إدارة المؤسسات الصحفية والاعلامية المملوكة للدولة, فقد نص علي أنه من ضمن اختصاصاتها ضمان التزام هذه المؤسسات باداء مهني وهو خلط بين دور المجلس الوطني للاعلام الذي يعني بما هو مهني وبين أداء هذه الهيئة التي من المفترض أن يكون دورها ماليا واداريا واقتصاديا, لأن تكرار المهام يخلق تضاربا في الدور وتشتيتا في الآداء.
خلاصة القول, أن التعديلات التي ادخلتها لجنة الخبراء في مجمل نصوص الدستور سواء بالاضافة او الحذف او تعديل الصياغة, محل خلاف واسع بين القوي السياسية والمجتمعية وهو ما يجد تفسيره في أمرين: الأول, أن هذه اللجنة التي تم تعيينها لم يشارك في اختيارها مختلف القوي السياسية سواء تلك التي شاركت في رسم خريطة الطريق او التي لم تشارك, بما يلقي بالكثير من التساؤلات حول معايير اختيار اعضائها وتوجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية والايديولوجية, ورغم أن من بين اعضائها ستا من الهيئات القضائية المحظور عليهم العمل او الاشتغال بالسياسية إلا أنها ضمت أربعة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية بما لهم من توجهاتهم وانتماءاتهم. ومن ثم, تظل ثمة حاجة الي معرفة الحجج القانونية والاسسس السياسية التي علي أساسها أجرت اللجنة هذه التعديلات. أما الأمر الثاني, فيتعلق بغياب المشاركة المجتمعية مع اللجنة فيما انتهت إليه من آراء, صحيح أن اللجنة استقبلت كما هو معلن ما تجاوز ألفي اقتراح مقدمة من مختلف الهيئات والمؤسسات والاحزاب والافراد, إلا أنه لم يمنح الفرصة لاصحاب هذه الاقتراحات لشرحها وتفسير مواقفها سواء في اجتماعات مع اللجنة أو عبر وسائل الاعلام لاطلاع اللجنة علي منطلقات وحجج اصحابها. مع الأخذ في الاعتبار أن الأمر لا يقصد به التشكيك في اللجنة وحياديتها وموضوعياتها عند مناقشة هذه الاقتراحات, ولكن كل ما في الأمر أنه ثمة حاجة إلي الاستماع إلي حجج وأسانيد أصحاب هذه الاقتراحات, وهو ما يدفعنا إلي المطالبة بأن تتيح لجنة الخمسين المجال لتوسيع حجم المشاركة المجتمعية أثناء مناقشتها للتعديلات المقترحة كما هو منصوص في قرار تشكيلها بشأن الحوار المجتمعي, وذلك من أجل الوصول إلي دستور توافقي يلبي طموحات وتطلعات الشعب المصري دون تهميش أو إقصاء لأحد الأطراف حتي لا يتكرر ما جري سابقا.
ساحة النقاش