authentication required

<!--<!--<!--<!--

هواجس في ربيع الثورة

 

لعل مقالي اليوم سيزعج البعض ,ولكنه مجرّد تعبيرٍ عن رؤيتي لمشهد الثورة ,وقد تختلف معي صديقي القارئ أو تختلف ..وهذا أجمل ما في طرحنا لآرائنا ومناقشتها معاً ...!

مازلنا نعيش أيام الربيع العربي ,بكل مافيه من لذّةٍ في انتصار الشعوب ,وبكل مافيه من ألمٍ في مقاومة الجبروت..

تونس كانت ثورتها هادئة قصيرة الأمد ,ومصر شهدت بعض العنف ولكنها حقّقت هدفها في إسقاط النظام ,وليبيا أخذت وقتاً طويلاً حتى تُسقِط نظامها الحاكم ....واليمن وسوريا مازالتا  تنتظران على أبواب الربيع ,وتجابهان شدة القيظ وزمهرير الشتاء برياحٍ ربيعية تُزهر بالأمل والمستقبل الواعد..

كل ما ذكرته آنفاً نتابعه عبر وسائل الإعلام دقيقةً دقيقةً ,وألسنتنا تلهج بالدعاء وأرواحنا تحلِّق بعيداً لتساند أولئك الثائرين وتسقيهم كأساً من التشجيع حيناً ,وكأساً من المواساة حيناً آخر ..ما يحفِّزهم على الإستمرار وبلوغ المرام وتحقيق الأهداف ...

لكن المشهد الليبي كان مختلفاً عن سابقيه :المشهد التونسي والمشهد المصري حين انتهت ثورتهم بمقتل القذافي ..عرضت وسائل الإعلام لمشاهد له وهو مضرّجٌ بدمائه ,والأيدي والألسنة  تنهال عليه بالضرب والشتم والكثير من الإهانة ومن ثم مشهده وهو ميّت .

لا أريد أن أدافع عن القذافي أو أبرّر له أعماله الوحشية الظالمة في حق شعبه أيام حكمه أو حتى أتعاطف معه وأحاسب الثائرين ,ولا أريد أيضاً أن أقف في صفّ المنظمات الحقوقية الدولية في حديثها وبحثها عن ملابسات قتله..ولكن نريد الحديث بلغة العقل ولو لدقائق لا نريد لغة العاطفة والأهواء التي إما ستتحدث عن الإنتقام أو عن المحاباة للقذافي ..لا نريد للغة العاطفة أن تغطي على مشهد الثورة الربيعي ليتحوّل إلى انتقام وجبروت من جهةٍ معاكسة ,لتُعاد ذات الأحوال السيئة ونعيد تدوير ذات المنطق الظالم كما كان قبل الثورات .


الثورات العربية إن لم تتسم بالعقلانية والمنطق فإنها ستأتي لنا بأنظمة وحكّام أبشع مما كان عليه الحال قبلها ,وهذا مالا نرجوه ..!

وقبل أن نفكِّر في الإنتقام من هذه الأنظمة ,علينا أن نفكِّر في مصلحة البلاد ,والسلوك العملي والأخلاقي والإنساني في التعامل مع الجميع ,فالثورات عليها أن تحافظ على مبادئها التي انطلقت منها وتتمسّك بها حتى آخر رمق ,وأن يعلم كل مشتركٍ فيها أنه مسؤولٌ عن كل ما يقوم به ,فهو يعمل ويتحدّث باسم الثورة المباركة.

هدف الثورة الأول هو إزالة الظلم وإقامة العدل بين الجميع وفق قانونٍ مُنصف ,فإذا لم يُطبَّق العدل اليوم مع الأنظمة السابقة ,فكيف سيُطبّق مع عامة الشعب ..!

إنه الإمتحان الصعب ,أن تعدل مع عدوك ,يقول تعالى :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (8) سورة المائدة

 وهذا أوّل إختبارٍ على الثورات العربية أن تتجاوزه ,حتى لا يُحكم عليها بالفشل والنهاية .

عندما قامت الثورة الفرنسية ,كانت مبادئها الأولى :العدالة والإنسانية والعقلانية ,وها نحن نرى قوانينهم العادلة التي لا يُظلم بها أحداً ,وإن كان هناك بعض الحالات الشاذة فهذا لا يمنع الحكم على نجاحها في نفع البلاد والعباد .

وعندما بُعث صلى الله عليه وسلم أقام العدل وعلّم الناس مبادئ الإنسانية ,وجاء بدين العقل ..فقد قال : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )..فالسلوك الأخلاقي مع البشر مهما كانت أجناسهم وألوانهم وأديانهم وخلفياتهم الثقافية والمعرفية والسلوكية لهو قِمّة الإنسانية والعدالة .

هاهو يعفو عن كفار قريش يوم فتح مكة ,وها هو يُعامل الأسرى خيراً ..

فمهما كان وضع الطاغية إبان حكمه ,ومهما كانت أفعاله مشينة ومُخزية ,يظل له دورٌ قد لعبه في تلك المرحلة بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات ,لذلك كان اللجوء إلى القضاء خير وسيلة لتطبيق مبدأ العدل ,وهذا هو قانون التدافع (ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعضٍ لفسدت الأرض ) فلا تدوم صروف الحياة لأحدٍ بين شدةٍ ورخاء ومُلكٍ وعبودية ,كل ذلك ليُقام العدل ولا يطغى أحدٌ على أحد.

هاهو بن لادن قُتل على يد الأمريكان ولكنه لعب دوراً لا يُنسى في مقاومة الظلم والإستبداد ,وإن كان قد غالا وبالغ  حتى وصل إلى حدِّ الظلم والتعدِّي والإنتقام ,فانتهى أمره .

لا يهمني في أي خانةٍ يصنّف القذافي وما سواه ,إنما يهمّني هو بأي مبدءٍ سنعامله ,هل سنردُّ صاع صاعين أم ستكون أخلاقنا قبل كل شيء..

فالظلم لا يقاوم بالظلم ,وإلاّ فإنه سيولِّد ظلماً آخر أكبر وأشد ,هكذا يُولد الظلم جنيناً من تجانس ظلمٍ آخر سابق واستعباد ,ولا ينتهي هذا المشهد حتى نقضي على هذا الجنين وهو في بطن أمه بتجانس العدل والحرية.

أما اليوم فقد كان ما كان ,وجرى ما جرى ,على الجميع أن يتنبه لهذه النقاط الهامة وأن يضعوها في الحسبان سواء أكنا ثوّراً أو أناساً عاديين نتعرّض لأجناس مختلفة من البشر .

علا باوزير

28-11-1432هـ

arwa7

علا باوزير

  • Currently 23/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
8 تصويتات / 457 مشاهدة
نشرت فى 26 أكتوبر 2011 بواسطة arwa7

ساحة النقاش

علا عمر باوزير

arwa7
من فكرٍ تمتد لنا آفاقه..وأدبٍ يطيب لنا مذاقه..وقّعت اسمي هنا..كانعكاساتٍ قابلةٍ للتعديل ..وضوءٍ يكون هنا دليل..وعزفٍ لحروفنا يروي أرواحنا الخصبة بالحب والعطاء.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,282