<!--<!-- <!-- /* Font Definitions */ @font-face {font-family:"Cambria Math"; panose-1:2 4 5 3 5 4 6 3 2 4; mso-font-charset:0; mso-generic-font-family:roman; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:-1610611985 1107304683 0 0 159 0;} @font-face {font-family:Calibri; panose-1:2 15 5 2 2 2 4 3 2 4; mso-font-charset:0; mso-generic-font-family:swiss; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:-1610611985 1073750139 0 0 159 0;} /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-unhide:no; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; margin-top:0cm; margin-right:0cm; margin-bottom:10.0pt; margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} .MsoChpDefault {mso-style-type:export-only; mso-default-props:yes; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} .MsoPapDefault {mso-style-type:export-only; margin-bottom:10.0pt; line-height:115%;} @page Section1 {size:612.0pt 792.0pt; margin:70.85pt 70.85pt 70.85pt 70.85pt; mso-header-margin:36.0pt; mso-footer-margin:36.0pt; mso-paper-source:0;} div.Section1 {page:Section1;} --> <!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} </style> <![endif]-->
الألوان مدى وعالمٌ وتأثيرٌ عميقٌ في دواخل النفوس، فتظهر بهيئة ملموسة تارةً ، لما ندعوه بالذوق الجمالي المتماشي مع سجية كل إنسان. والذي يقول عنها الفرنسيون "إنه الأمر الذي لا يقبل النقاش"، وتارة أخرى بنفس إيماني وروحانيات واعتقادات تداخل في كنفه الدين والأعراف والأسطورة للمجتمعات. واختلاف الشجون فيه يدعو للعجب العجاب، فها هي مريم العذراء ذات السحنة الشقراء في المخيلة الشعبية الغربية قد أمست سوداء السحنة لدى المؤمنين البرازيليين.
وللألوان والتعبير الفني تلاقح منذ رسوم الكهوف الأولى، مثلما هي العَلاقة الأزلية في أسمى صورها بين الفن والعقائد الدينية ، حتى انتقلت إحداها للأخرى واصبح اللون أداة رامزة لمفاهيم عقيدية، ولاسيما عندما اسُتنتج عملياً أن اللون هو صفة للنور والضوء، وبدونه ينتفي ظُهُورُه، وأن للنور السماوي الآتي من الشمس قدسية وحظوة يكتسيها في جل المعتقدات، حيث نجده في فنون المصريين القدماء . وانعكس كلُ ذلك في التزويق اللوني لحيطان مبانيهم. وكذلك الحال في المعالجات اللونية للفخار المزجج الذي غطى جدران المعابد في العراق القديم ،أو مصاطب الزقورات أو البسطات السبع المكونة لها لعبادة الآلهة الفلكية لدى البابليين كإنعكاس لعقيدة عالم الأنوار.
وفي العقيدة الإسلامية جاءت دلالات اللون تعبيرية أو رمزية أو حسية أو جمالية ،وارتبط اللون بمصدرين جوهريين أولهما النور القادم من السماء المقترن بالخالق الأعلى فهو (نور الله) سبحانه أو (نور القلوب) بما يعنيه الإيمان المنّور لدواخل النفس المظلمة. وثمَةَ تداخل لغوي ذو دلالات بين كلمتي "ظلمة" و"ظلم" المقترن بقبح الظلم والطغيان المنافي لجمال العدل . وهكذا أُحتسب كل انحراف واختلال قبح، لأنه ابتعاد عن الجمال الواجب اقترانه بإرادة الله سبحانه وتعالى. وبذلك المفهوم فان اللون وجماله يقترن مع وجود الضياء ثم يتداخل في المفهوم مع العدل والقسطاس الإلهي . وأصبح الأسود المظلم لون الحزن والألوان المشعة دالة على الحبور في الأعراف الشعبية .
وثاني الحوافز المرتبطة باللون هي العين كأداة جاسة لذلك النور واللون والعين ذكرها الله في مجمل نعمه على الناس. ناهيك عن اعتبار اختلاف الألوان في ناموس الطبيعة والخلق بحد ذاته معجزة ربانية تدعو للانتباه وان تكريسها لم يكن يوما ما عبثا ، كما ورد في الذكر الحكيم: (- أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)(سورة فاطر- الآية 27.)
لقد وردت كلمة اللون ومشتقاته تسع مرات في سبع آيات كريمة. ووردت في القرآن ألوان الاخضر والاصفر والابيض والازرق والاسود والاحمر . وقد ورد اللون الأسود في أربع آيات قرآنية وصفت فيها المجرمين والكفار والمنافقين أما الرابعة فجاءت تصف توقيت بدء الإمساك عن الطعام في رمضان.أما اللون الأبيض فتكرر ذكره في تسع آيات كريمة ودل على الهداية والنقاء والصفاء والحب والخير والحق والمشاعر الإنسانية، وتداخل مع القدسية ورمز لصفة الخالق و نجدها في العرف الشعبي بمقولة"راية الله بيضاء"،ثم جاء في لون الكفن ولباس الإحرام خلال شعائر الحَج، ولا غرابة أن حاكى ذلك عقائد سابقة للإسلام.
وورد اللون الأزرق مرة واحدة يدل على زرقة السماء المنعكسة على صفحة ماء البحر. وورد اللون الأحمر مرة واحدة في وصف الجبال. أما الأصفر فيرد ثلاث مرات دالا على مرحلة نضج الثمار مرة ووصف لمشهد يوم القيامة والرياح الحانقة في أخرى أو للتعبير عن البهجة كما في قوله تعالى(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِين) (سورة الفرقان الآية (45-) . واللون الاخضر يتكرر في ثمان آيات ويرمز فيها الى سر الروح والنضارة والجمال والشجر والنبات والثمر والطير والفراش والبساط والثوب .وهو أكثر الالوان متعة في الذكر الحكيم. ونجد أثراٌ لرمزية الألوان ورد في الأدب العربي من خلال شعر صفي الدين الحلي، ويقال بأن البيارغ العربية الحالية أستلهمت من هذه الألوان "الإختيالية":
بيض صنائعنا خضر مرابعنا سود وقائعنا حمر مواضينا
ولدى تحليلنا لتلك الألوان يجدر بنا استباق معرفة كينونة هذا الاختلاف فيما بينها، وذلك إن الدراسات التحليلية الحديثة للألوان قد بينت أن للون ثلاثَ مواصفات أساسية هي:
1. كنه اللون (Hue) وهو الفرق الصريح بينها .
2. قيمة اللون(Value ) وهي درجة عتمته أو استضاءته .
3. شدة اللون (Intensity) وهي درجة نقائه ومقدار خلطه مع ألوان أخرى.
وفي أبحاث الرسامين الانطباعيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قُسمت الألوان إلى ساخنة وباردة بقدر الانطباع الذي ينعكس على إحساس الناظر فالأزرق وملحقاته يعتبر بارداً والأحمر وملحقاته يعتبر دافئاً . ونجد أن مدارس(المنمنمات) قد سبقتهم في ذلك ،واعرقُها مدرسة بغداد الذي مثلها يحيى الواسطي في رسمه لمقامات الحريري عام 1237م. وبغض النظر عن التأثيرات النفسية والانطباعات التي تتركها الالوان فان لها تأثيرات خادعة على ناظرنا بحيث أن الدافئة والفاتحة تبدو اكبر مساحة من مساحتها الحقيقية واقرب من مكانها الحقيقي والباردة والغامقة تظهر أقل مساحة وأبعد مسافة من حقيقته. وفي التراث نجد وصفا يذكره (المقريزي) لإحدى مشاهداته لقاهرة القرن الحادي عشر الميلادي بأنه شاهد صورتين جداريتين (فريسكو) لاثنتين من المغنيات تبدو إحداهما وهي لابسة ثوبا ابيضاَ على خلفية سوداء وكأنها داخلة الى الجدار الذي صورت عليه والفتاة الثانية ترتدي ثوبا أحمر على خلفية صفراء و تبدو وكأنها خارجة منه.
وبين بارد وساخن الألوان يكمن اللونان الأبيض والأسود ،حيث يمثلان الحالة الحيادية لتصنيف الألوان ،وبذلك يتحكمان جوهرياً في قيمة اللون. ويمكن الحصول عليهما في العمارة من لعبة النور والظلال التي تكتنف تركيب العناصر المعمارية في الخارج في حركة القباب و القبوات و البوائك ثم تفصيليا في هيئة الطنوف والمشربيات وتدرج أجزاء البناء التكعيبية و الافاريز و الحنايا وطرز الخط العربي أو في السطوح الداخلية المنحوتة الناتئة ذات البعدين أو حتى من خلال لعبة التناوب في حطات (المقرنصات). وفي حركة الظل هذه تكمن إحدى خبايا الجمال المعماري والفني في إبداع المسلمين. حيث يصنف الفن الإسلامي من الفنون التي استثمرت لعبة المعتم والمضيء هذه مثلما كان الفن المصري القديم معتمدا على تمييز القيم اللونية عن بعضها لتكون الألوان غير متدرجة ومسطحة (Flat). وعلى العموم فان طبيعة الألوان ومواصفاتها تتحكم في الجانب البصري والجمالي والشعوري بالفضاءات المعمارية للبناء ويمكن للمعمار الحاذق أن يكرس ذلك العمق الجوهري في إظهار السطوح و الحجوم بتأثير ألوانها الطبيعية أو المكتسبة في المعالجة . وتتكرس.في العمارة الإسلامية مجموعة من العوامل والخصوصيات المنهجية فيما يخص تلك المعالجات يمكننا إيجازَها:
1. احترام الأذواق المخزونة في الذاكرة الشعبية للشعوب الإسلامية وعدم المساس بموروث الثقافات القديمة ولكن لايلغي ذلك التأثر الوارد من روح الإسلام وألوانه المحبذة الواردة في القرآن الكريم بما رمزت ودلت و تداخلت في النفوس.
2. تحاشي إعطاء مواد البناء صفة جديدة تختلف عن خواصها الطبيعية ودون تزويقها بـطلاءات تخبئ عيوبَها .وما ذلك إلا إنعكاس لخطاب أخلاقي يكرس صدق السجايا واجتناب النفاق. وبالمقارنة مع الإغريق فأن الفرنسي(غوستاف لوبون) في حضارة العرب يصفها بالألوان التي يراد منها التستر على العيوب .
3. تكريس حالة الأداء المثالي لمواد البناء ويتمخض ذلك من التحكم في توجيه المبنى بحيث يُعطي احسن النتائج البصرية وخاصة إذا علمنا أن شدة الضياء الشمسي يختلف مردودُه من حيث الاتجاهات فمثلا اللون الأحمر تقل الحمرة فيه في الواجهة الشمالية عنها في الواجهة الجنوبية التي يبدو فيها اكثر احمرارا ولدينا احسن مثال يمكن الاقتداء به من حيث تحقيق تلك المثالية لدى معالجة واجهات مدرسة السلطان حسن في القاهرة المبني عام(758هـ- 1356م) والذي اختير لكل واجهة نفس الحجر الواقع بنفس الاتجاه في مقلع الحجارة في الجبل لكي تحتفظ بنفس المردود وانعكاس اللون الطبيعي .
4. إختيار الألوان الهادئة الباردة في المعالجات الداخلية أين يختفي تأثير النور الطبيعي وبغرض خلق أجواء إنسانية صميمة قريبة للنفس ومؤنسة لها ،وأهم تلك الألوان الأزرق والأزرق الفيروزي والأخضر والتي لها تأثير نفسي مركب على النشاط العضوي للجسم مثل ضغط الدم وارتخاء العضلات .أو حتى من خلال المعالجات بالنحت الناتئ والزخارف المحفورة التي تلعب درجات الظل فيها الدور الجمالي .
5. استعمال الألوان المستقاة مباشرة من المحيط البيئي في عملية (التزويق)، وعدم التمادي في الاتكال علي أصباغ لونية مجلوبة من بيئات ثانية ، ولاسيما لدى العامة .
6. تنويع المدى اللوني في المعالجات الزخرفية وإثراء الحالة الإختيارية الموسعة والمتجانسة في أجزاء الزخارف الناظمة والأطباق النجمية ،بحيث تهب حداً غير محدود من الخيارات الإبداعية.
ويجدر أن نذكر هنا موقع اللون في (علم الجمال) والتحليل النفسي ، وأن وجود المعالجات الفنية يقع على نقيض من الإقتصاد حيث لايعمل بالقوانين الطبيعية العامة للوجود، بل يهتم بالواقع المحسوس الذي يصبح من خلال الإدراك الجمالي للموضوع أمرا ممكنا وضروريا له. وهذا يثير التساؤل عن أي الالوان هي الأجمل؟ . ويقول بهذا الصدد العالم النفساني الالماني فشنر (صحيح أن اللون الأحمر جميل إذا ظهر على وجنة الفتاة ،ولكنه ليس جميلا إذا برز في أرنبة الانف).وهكذا نحس بجمال اللون من خلال مضمونه وأهميته،وبذلك يكون تقييم وهج الغسق الأحمر مختلفا عن إحمرار الوجه البشري .
وللطبيعة المحيطة وصورة الكون حضُورُهما في المدى الفلسفي للألوان ، فالأزرق يلقى الحظوة لارتباطه بالسماء ولون الماء الذي هو جوهر الحياة (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) . وبذلك جاءت الحظوة متداخلة مع روح الإسلام القادم من الصحراء وتماشيا مع الحس البارد المنعكس من طبيعة اللون الأزرق المحبب لأهل هذه البيئة الحارة . وقد انتقلت هذه الحظوة حتى على الشعوب التي تقطن البيئات الأكثر اعتدالا أو الباردة مثلما حدث لفنون (آسيا الوسطى) و(القوقاس) و(تركيا) و(البلقان) و(التتار) في روسيا وبولونيا .وخير الأمثلة للعمائر الزرقاء نجدها في مجموعة مساجد تبريز وقونية وبورصة و اسطنبول وسميت بالجامع الأزرق بسبب ما غشيت به من القاشاني الأزرق . و من ابرز مايميز المناظرَ في العمران الإسلامي هي ألوانها الفاتحة، ويعزو البعض من منظري الفن الإسلامي الى أن ذلك يرجع الى الفطرة البدوية التي جُبل عليها في بيئته الصحراوية المضيئة الساطعة. وهكذا اعتبرَ الوديانَ المعشوشبةَ الواقعة عند أطراف جزيرته ذات صفة لونية داكنة يصل حد الظلمة ، حتى دعاه ذلك أن يكني العراق بـ (أرض السواد).
ويعتبر الأخضر، في المنظور الإسلاميِ، اللون المهيمن دائما على الألوانِ الأصلية ِالثلاثة، وهي الأزرق والأخضر والأحمر، المتواجدة في لون الطّبيعة، أما امتزاج الأصفر والأزرق فينتج عنه اللون الأخضر، الذي يرمز بالأملُ، والخصوبة والخلود المرتبطة أساسا مع بعدي اللونين المكونين له وهما( الأزرق ) الدال على الماضي و(الأصفر) الدال على المستقبل، وما يعاكسُهما في ذلك والذي يمثل الزمن الحاضر فيبدو أحمرَ اللون. ويجدر بنا أن نلاحظ أنّ اللّونَ، الأخضر، يمهد الطريق لحلول الألوان الفيروزِي والنيلي (ومن ذلك جاء وصفهم للسماء بالقبة الخضراء ).
ويعتبر المنظرالامريكي (إتينغوسين Ettinghausen)، إن استعمال اللّونِ في العمارةِ يُمثّلُ " إنجاز إسلامي محض" ويضيف في ذلك : (إن خصوصيته تكمن في انه يغايرُ ويناقض الكبت أو القيودِ اللّونيةِ التي مورست على البناياتِ الغربيةِ ). ويضيف في ذلك بأن جل المناظر في الأقاليمِ الإسلامِية،التي تَمتدُّ من الأطلسيِ إِلى بحرِ الصين، يُمكنُ أَنْ تتميز بأنها قاحلِة حارة ،و أن تلك المساحات الجدباء تحوي بِضْع ميزاتُ لونية خاصة. ومن المعالجات التي تعتبر مجلبة للراحة البصرية والمتعة للمسافر المُرهقِ الذي قطع الفيافي ،ثم ولج الى اللون الطيني المميز لسحنة المدنِ، فكانت المعالجة باللون الفيروزَي المجسدة في قبة أو سقف مخروطي لضريحِ أو جامع محلي قاطعا به دابر الملل وكاسباً راحة النفس.
وورد رأي المعماران الإيرانيان (نادر آردالان) و(لاله باختيار) في كتابهما(( إحساس الوحدةِ The Sense of Unity )).بالمعالجات اللونية الإسلامية ، بما يسمياه "انسجام التضاد" الذي حققته تلك المعالجة حيث نجد الخيمة الفيروزية البادية لسقف جامعِ يُمكنُ أَنْ تزيّدَ في الراحة بالتضاد مع النبرة الصّفراءِ والصفراء الداكنةِ المنعكسة عن البيئة القاحلةِ المحيطةِ. إن ذلك التضاد والمعاكسة يهب للناظر تدرج لوني أكثف وأعمق .والمعماران ينحيان منحى صوفي في (التّقاليدِ اللونية الإسلاميِة الموروثة التي يمكن اعتبارها نموذجية بالارتباط والتداخل مع السجية الغيبية والتي تدخل في نطاق ثنائية الضّوءِ والظّلمةِ كاحتمالات دائمةِ و مستترةِ في النموذجية السّماوية ).وهما يركزان على نّظامين من اللّونِ عندما يجَتمعا يَشْكلان مجموعةَ من سبعة أشكالِ: أبيض و أسود،لون الصندل، أحمر، أزرق ،أخضر،وأصفر.وبتوافق مع المنظر التّقليدي،فان كل لونِ من هذه الألوان يعتبر ممثلا للأجواءِ الصميمة وعاكساً لخصائصها.
واستثمرت غزارة الألوان في العمارة الإسلامية بحذاقة في التزيين الخارجيِ و المعالجات الداخلية لبيوت الله، وذلك باستعمال التزَجّيجَ المعشق و(قمريات اليمن)،الذي ينسق ويتآلف مع الفسيفساءَ الذي يغلب عليها اللونين الأزرق والفيروزي الغامق . وتعكس مجموعات كلتا الألوانِ المماثلةِ والمتُعَارَضَةِ ما هو موجود في الطّبيعةِ. ومن خواص الزخارف الإسلاميةِ الصميمة هي تراص الألوان المتعاكسة وتجانسهاِ في المساحاتِ الكبيرةِ ِ بحيث تتشَابكْ بتناغم مع المساحاتِ البارزة والمنبرة(Accentuate) لتَخْلقُ انطباعات لونية أخاذة .
ومن الهواجس الروحانية المنعكسة في التلوين نجد أن الصنّاعَ المسلمين قد أستعملوا اللون الذّهبي، بحذاقة و قَدّروا خواصه لدى تجانسة مع الألوان الباردة (الأزرق والأخضر والبنفسجي)،ولكنهم بقوا متوجسين وحذرين من عدم انغماسهم وتماديهم في استعماله لكي لا يصب في خانة تقليدً فنِ الأيقوناتِ المسيحيةِ البيزنطيةِ. وهذا ما دعاه المنظر (تينغوسين) بالـ" الحافز التّزييني" الخاص بالفن والعمارة الإسلاميين الذي جاء إظهاره صريحاً أكثر من أي فن من فنون الشعوب الأخرى.
ويورد لنا (غوستاف لوبون) من أن الألوان التي استعملها العرب في مصر هي الأحمر والأزرق والأصفر والأخضر والذهبي . واثبت "أوين جو نس " الذي بحث في أواسط القرن التاسع عشر خصوصيات الفنون والألوان في قصر الحمراء في غر ناطة وشارك في ترميمها واصفا إياه ( إذا استثنينا المينا (الزليج او القاشاني) الذي يغطي اسفل الجدران لم يستخدم العرب في قصر الحمراء سوى الألوان الأزرق والأحمر والذهبي أي الأصفر فرتبت هذه الألوان بذوق حاذق حيث أحدث اللون الأحمر في أساس نقوشه وصبغت حواجزه الجانبية باللون الأزرق على مقياس واسع لتعديل التأثير الناجم عن الأحمر والذهبي وفصل بعض الألوان عن بعضها بعصائب (ضفائر) بيض أو بظل نتوء الزخرف . وإن ما نرى أثره في القصر من اللون الأخضر أو الأسمر أو الأرجواني فقد جاء من الترميمات السيئة التي قام بها الأسبان خلال تواجدهم في القصر لاحقا) . و يمنحك اللون في قصور الحمراء انطباعا بأنه لا يحمل وظيفة فنية قائمة على عنصر الزخرفة فحسب ، بل إن له بعدا فلسفيا أيضا. فاللون له علاقة بالضوء. انه أحد مكونات الطيف الشمسي، فالضوء في الفلسفة الإسلامية رمز للنورانية. وهذا يؤكد بأن حضور اللون هو بمثابة تعبير عن الوجود الإلهي، لأن اللون لا وجود له بدون الضوء.
ولم يخلوا عالم الألوان من الرمزية التي اختلفت في عقلية مختلف الشعوب حيث نجد بوناً شاسعاً بين الذوق الإسلامي بالمقارنة مع الأديان والثقافات الأخرى .. ونعتقد بأن في العقائد اليهودية والمسيحية شئ مما تشترك به في رمزية الألوان ومدلولاتها مع المفاهيم الإسلامية للألوان ، يعود للصفة التوحيدية المشتركة والبيئة الواحدة التي خرجت منها الديانات السماوية الثلاث .