<!--<!--<!-- <!-- /* Font Definitions */ @font-face {font-family:"Cambria Math"; panose-1:2 4 5 3 5 4 6 3 2 4; mso-font-charset:1; mso-generic-font-family:roman; mso-font-format:other; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:0 0 0 0 0 0;} @font-face {font-family:Calibri; panose-1:2 15 5 2 2 2 4 3 2 4; mso-font-charset:0; mso-generic-font-family:swiss; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:-1610611985 1073750139 0 0 159 0;} /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-unhide:no; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; margin-top:0cm; margin-right:0cm; margin-bottom:10.0pt; margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} p.MsoHeader, li.MsoHeader, div.MsoHeader {mso-style-priority:99; mso-style-link:"En-tête Car"; margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; tab-stops:center 8.0cm right 16.0cm; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} p.MsoFooter, li.MsoFooter, div.MsoFooter {mso-style-priority:99; mso-style-link:"Pied de page Car"; margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; tab-stops:center 8.0cm right 16.0cm; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} span.En-tteCar {mso-style-name:"En-tête Car"; mso-style-priority:99; mso-style-unhide:no; mso-style-locked:yes; mso-style-link:En-tête;} span.PieddepageCar {mso-style-name:"Pied de page Car"; mso-style-priority:99; mso-style-unhide:no; mso-style-locked:yes; mso-style-link:"Pied de page";} .MsoChpDefault {mso-style-type:export-only; mso-default-props:yes; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi; mso-ansi-language:IT; mso-fareast-language:EN-US;} .MsoPapDefault {mso-style-type:export-only; margin-bottom:10.0pt; line-height:115%;} @page Section1 {size:595.3pt 841.9pt; margin:70.85pt 2.0cm 2.0cm 2.0cm; mso-header-margin:35.4pt; mso-footer-margin:35.4pt; border:double windowtext 6.0pt; mso-border-alt:thin-thick-thin-small-gap windowtext 6.0pt; padding:24.0pt 24.0pt 24.0pt 24.0pt; mso-paper-source:0;} div.Section1 {page:Section1;} --> <!--[if gte mso 10]>
<style>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Tableau Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin-top:0cm;
mso-para-margin-right:0cm;
mso-para-margin-bottom:10.0pt;
mso-para-margin-left:0cm;
line-height:115%;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:"Calibri","sans-serif";
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:"Times New Roman";
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;}
</style>
<![endif]-->
1 ـ التصحيف في الفن الاسلامي: لقد فرضت العقيدة الوحدانية، الراسخة في روحية الانسان العربي، على الفن العربي مبدأين، الأول هو (تصحيف) الواقع، أي تحوير معالمه الخاصة وتعديل نسبه وأبعاده وفق مشيئة الفنان. والمبدأ الثاني هو (تغفيل) الشكل والواقع، أي الابتعاد عن تشبيه الشيء بذاته، الى تمثيل الكلي والمطلق. ولقد فسر سبب التصحيف تفسيرات مختلفة، فمن قائل ان الانسان ليس إلا مخلوقاً عاجزاً عن مضاهاة الله في قدرته الخالقة. وقد أوضح القرآن الكريم الفرق الواسع بين الله والانسان، والفرق بين وظيفة الخلق الخاصة بالله، ووظيفة العبادة المنوطة بالانسان (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران/ 6، أي لا خالق ولا مصور إلا هو. وبما أن الخلق في القرآن مقصود به خلق الانسان، لذلك كان تصوير الانسان باعتقادهم ونحته، من الأمور التي يضاهي فيها الانسان القدرة الإلهية، وفي الحديث: (مَن صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ). ولهذا يلجأ المصور إلى التصحيف في الشكل وإلى تغيير معالم الوجه البشري لكي يتحاشى عذاب الله كما ورد في الحديث الشريف: (ان أشد الناس عذاباً يوم القيامة، الذين يضاهون بخلق الله). ويدعي بعض المفكرين أن التصحيف كان نتيجة ضعف أهلية الفنان العربي وعدم ثقافته الفنية، ويسجلون بذلك هن في مظاهر الحضارة العربية، وهناك مَن يرى أن التصحيف محاولة للتفريق بين العمل الفني الذي لا يهتم بالشكل الأساسي وإنما يهتم بأبعاد أخرى فنية وفلسفية، وبين صناعة الأصنام والتي حرمها الله بوضوح تبعاً لتحريمه الوثنية اطلاقاً. لقد اتجه الذهن العربي بنظرته الحدسية إلى الكشف عن الجوهر الخالد، الجوهر الكوني المتصل الذي لا يقبل التجزئة ولا التباين. وهذا الكشف يتم بالغاء الجوانب الحسية الزائلة من شخص الانسان، ومن الطبيعة على السواء. فلقد كانت الملامح الحسية تعيق الحدس عن ادراك غايته وهي الجوهر الحق، بل تصرفه إلى التعلق بالمظاهر الواقعية والمكانية فتجعل منه حساً مرتبطاً بالغرائز والميول. ولقد فطن المصورون المعاصرون إلى أهمية التصحيف، فقال ماتيس: (ان الدقة لا تؤدي إلى الحقيقة). فالحقيقة ليست الصورة المطابقة للشكل ولكنها في الشكل المطابق للمعنى الكلي. لقد كان الفنان العربي يسعى إلى تجاوز عالم الشهادة للوصول إلى عالم الغيب. ولذلك فإنه عندما كان يرسم شكلاً ما، في مخطوط ككتاب مقامات الحريري الذي رسمه الواسطي، أو على جدار كما في قصر الحير وقصور سامراء، فلم يكن يسعى من وراء الصورة إلى الدقة والمحاكاة، بل إلى إسقاط حدسه العام عن عالم غير ذي حدود وفواصل، وبقدر ما تبدو الصورة مصحفة بقدر ما يكون ارتباطه بعلم الغيب قوياً، حتى يصل به هذا الارتباط إلى تحويل الفكرة إلى اشارة، وقلب الواقع إلى رمز كلي. 2 ـ التغفيل: والمبدأ الثاني الذي نتج عن الوحدانية في العقيدة العربية هو التغفيل في الفن، ويعتقد بعض المفكرين أن سبب هذا التغفيل هو العزوف عن الحياة في الدنيا واللجوء إلى الله دائماً موئل الانسان في الحياة الأخرى. (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) الحديد/ 20. يقول يقول بشر فارس: (يتصفح الفنان أجزاء المادة حتى يتيسر له أن يلتقط منها ما كان نسجه أقل فساداً. وهكذا تعاني المادة ما تعانيه من اقتطاع وتضمير، فتبدو مبتورة مسحاء، فتتم عن الشبهة التي تلابس ماهيتها في دنيا تفهمة أيما تفه). كان هدف الفنان العربي دائماً الاندماج الكلي في موضوعه، ولم يكن هدفه نقل الموضوع القائم في العالم الخارجي. فلم يكن من شأنه أن يؤكد انفصال الأشياء في ذاتها وهو المؤمن بوحدة الوجود. بل كان دومره يكمن في السعي، عن طريق الفن، الى الغاء الطبيعة المستقلة عنه، هذه الطبيعة التي فرضها الغلاف العرضي، لكي يندمج في روح العالم ويصبح جزءاً مغفلاً في مصدر الامكانات التي بوسعها أن تكون أي شيء على وجه اليقين والتحديد. وهكذا فإن الرقش العربي الذي يقوم على عناصر غير تشبيهية، يرتكز على أساس صوفي حركي، على عكس بعض اتجاهات التجريد الحديث التي تقوم على أسس مكانية ساكنة وجامدة. 3 ـ صورتا التجريد العربي الاسلامي: بدت حركية الرقش العربي في مظاهر الإلحاح للوصول إلى الوجود الحقيقي المطلق والأبدي، ويمكننا أن نلحظ مظاهر الصوفية في الدين وفي الفن بمقارنة (الذكر) في الدين. (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) النور/ 37، مع التكرار والوميض في الرقش العربي. ففي الذكر يكرر المؤمن عبارة واحدة (الله هو) مئات المرات حتى يفقد وعيه ويتجرد من غلافه المادي كي يغيب في نشوة الاتصال بالله. أما في الفن فإن هذا السعي وراء الجوهر الخالد أو الحق يبدو في صورتين، صورة أفقية تبدو على شكل التكرار أو التناسخ. ويبدو هذا في الرقش اللين. وصورة مركزية تبدو على شكل وميض متناوب وتبدو خاصة في الجامات ذات التخطيطات الهندسية المستقيمة والتي تسمى (الخيط). ولقد أكد بشر فارس هذا التصنيف فهو يقول: (من الممكن أن نتبين في الرقش عنصرين ثابتين، تمدهما الطبيعة خفية، ويقيم الاعتدال بينهما إحساس دفين بالمناسبة رهيف، ثم يحول من أوضاعهما اختلاف الأمكنة والعهود بفضل ارتقاء متصل في جانب الحجم وجانب الشكل. وأما العنصران، فمن جهة تأويل النبات، ولا سيما الورقة والساق. تأويلاً كله هزة. ومن جهة استغلال الخطوط استغلالاً يجريه التصور. ومن وراء العنصرين مبدآن، الأول يظهر كأنه العبث، والثاني يبرز في هيئة التدقيق الهندسي، ومن هنا تخرج طريقتان (الرمي) و(الخيط) على حد تعبير المعاصرين من أهل الصناعة في دمشق خاصة ـ كأنما يد الصناع تنظم الخطوط بخيط أو تفر من الورقة والساق من طريق الرمي). وهكذا فإن الرقش العربي قد بدا في شكلين أساسيين، إلا أننا نستطيع أن نجزم بأن المصدر في الواحد هو العقل والحس، وأن المصدر في الثاني هو الهوى والحدس، ونهما منفصلان على هذا الأساس. ذلك لأن الرسم العربي كان إنما ينقل بروية واعتدال، ما كان يستشرفه من المعاني الإلهية في حالات الوجد الدائب الذي ربط العربي منذ القدم بروحانية راسخة دفعته إلى البحث عن (لا نهائية الملاذ الأجل) حسب تعبير بشر فارس. وبمعنى آخر ان الفنان العربي كان يستجمع الموضوع عن طريق الحدس وليس عن طريق الفهم، ذلك لأن ادراك الله لا يقوم على الحس، وإنما يقوم على الوحي، ودرجات الوحي متفاوتة، أعلاها وحي الأنبياء ومنها وحي الرقاشين والشعراء والناثرين. والوحي هو الحدس البعيد عن الحس والتعقل، أما العمل الفني نفسه فهو ارتسام التجلي أو الوحي ارتساماً واعياً محسوساً. ومن هنا كانت الصورة الإلهية هي الصورة القائمة في وجودنا منذ الأزل، أما الصورة العقلية فهي الصورة القائمة خارج وجودنا بفعل منا. وقد قيل فما الصورة؟ قال: التي بها يخرج الجوهر الى الظهور عند اعتقاب المصور إياه. ولقد أوضح التوحيدي الفرق بين الصورة الإلهية والصورة العقلية بما يصح أن يكون أساساً فلسفياً للرقش العربي. (فالصورة الإلهية، هي التي تجلت بالوحدة، وثبتت بالدوام، ودامت بالوجود. أما الصورة العقلية فهي شقيقة تلك، إلا أنها دونها لا بالانحطاط الحسي ولكن بالمرتبة اللفظية، وليس بين الصورتين فصل إلا من ناحية النعت. وإلا فالوحدة شائعة وغالبة وشاملة). ويرى التوحيدي ان الصورة الإلهية، ويمكن الرمز إليها بالجامات الدائرية والمركزية التي تنطلق من المركز ـ الجوهر، (ترد عليك وتأخذ منك.. بقهر وقدرة.. وتحجبك عن لِمَ؟ وكيف؟ ولا تنحى ولا تطلب.. وأنوارها بروق تمر.. ، وإذا حصلت لك بالخصوصية لا نصيب لأحد منها.. وهي للصون والحفظ.. أما الصورة العقلية فإنها (تصل إليك فتعطيك، برفق ولطافة.. وتفتح عليك لِمَ وكيف؟ .. ويسعى إليها وسيأل عنها وتوجد.. وأنوارها شموس تستنير.. وإذا حصلت لك فأنت وغيرك شرع فيها.. وهي للبذل والافاضة.. الخ. ويبدو أن هذا التفريق بين الصورة الإلهية وآليتها الحدس والوحي، والصورة العقلية وآليتها العمل الفني، تتعارض مع التفريق الذي عرضه بشر فارس والذي اعتمد فيه على التسميات الشائعة لدى أهل الفن في بلاد الشام. والواقع أن تقسيم التوحيدي يقوم على أساس المراحل الإبداعية. المرحلة الأولى، مرحلة التصور الإلهي، وهي المرحلة التي تتوضح فيها حدود التجلي الإلهي عند الفنان. والمرحلة الثانية هي مرحلة التصوير العقلية، وهي التي تتجسد فيها التصورات الحدسية، وتتوضح فيها حدود البراعة والفطنة في مقدرة التصوير. أما تقسيم بشر فارس فهو يقوم على أساس الأسلوب. أسلوب تغلب عليه الحصافة والحساب أطلق عليه اسم الخيط). وأسلوب تغلب عليه العفوية والاسترسال أطلق عليه اسم الرمي. ولكن بشر فارس يعتقد كالتوحيدي انه ليس من فرق كبير بين الأسلوبين إذ يقول: (وهذا المبدآن يتنافران في الظاهر على حين أنهما يلتقيان في اتفاق عجيب يضم التمثل إلى الشعور، بل هما يتألفان حتى التعانق والملامسة). فكل من هذين الأسلوبين يقوم على فكرة الوجد والتعالي؛ ففي الصورة الإشعاعية نرى الكون وبما فيه يدور في فلك واحد منشؤه الله الأجل ومنتهاه الواحد الأحد، (هو الأول والآخر..) الحديد/ 3. وفي الصورة البتول، نرى أن الرقشة الجميلة تصبو باستمرار نحو الجوهر، (إذ لا مبتدأ لها ولا منتهى، وما يجوز لها أن تطمع في أحد منها لأنها تسعى وراء الله (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله..) البقرة/ 115. و (إنه يبدئ ويعيد). وهكذا فإن المصور العربي في عمله لا يرتبط بمفاهيم الفن السائدة في الغرب والقائمة على مفهوم العبث، كما يفسره سبنسر وديكارت، بل هو عمل رصين لا يفرق عن العبادة. وفي ذلك يقول بشر فارس: (وبعيد أن ينحدر الرقش من بدوات العبث، وان زعم قوم النقاد هذا، فالرقش ثمرة التوقان الاسلامي، ثمرة منقاة، وتوقان مذعان يختلج على هلع). (على المؤمن أن يتوجه بكيانه إلى الله، فالله مصدر جذبه وغاية سعيه في آن واحد). وثمة مَن يعتقد أن الخيط في الرقش العربي، هو عمل هندسي محض يقوم على تعريات واشتقاقات للأشكال الهندسية الأولى، المثلث والمربع. والواقع أن شكل الخيط إذا كان هندسياً فإنه ذو مضمون ثابت، وليس الطابع التجريدي فيه إلا لكي يصبح الشكل مطابقاً للمفهوم المطلق الذي يتضمنه. فهو يعتمد على الحدس المجرد من جميع المعطيات الحية والبعيدة عن العقل الرياضي المبني في الظاهر على علاقات جدّ حسابية، وهو في الواقع يسعى وراء فكرة جوهرية هي فكرة الله الأحد، فالنقطة المركزية هي الجوهر الذي يصدّر الأشياء كلهاوإليه ترجع جميع الأشياء، وفي ذلك يقول بيرابين: (يعاني الرقش العربي دائماً مشكلة البحث عن الوحدة). ويفسر ذلك ما نراه في التكوينات الهندسية الإشعاعية، فالملاحظ أنها بوقت واحد نابذة وجابذة، وفي كلتا الحالتين فإنها تنطلق من الجوهر الواحد وتعود إلى الجوهر الواحد)، فمرجع الأمور هو الله، (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون) الروم/ 11. 4 ـ البحث عن الجمال المحض أو عن المطلق: لم يعد من السهل تناول الفن التجريدي بالدراسة والتمحيص دون الارتكاز في ذلك على المبادئ الأساسية التي قام عليها الفن العربي. ولقد كان اهتمام مارسيل بريون واضحاً بهذا الفن الذي أفرد له القسم الأول من كتابه (الفن التجريدي)، والذي جعله محور بحثه المنشور في مجلة (ديوجين). ونحن إذا حاولنا اجراء محاورة مباشرة بين الرقش العربي والفن التجريدي الحديث، فننا نرى أن الموضوعات التي تثير التقارب أو تؤكد الوحدة بين هذين الفنين هي التالية: 1 ـ عدم اعتبار الطبيعة والنسان مقياساً للجمال الفني. 2 ـ الاعتماد على الانفعال الذاتي الداخلي في عملية الابداع الفني دون الاعتماد على الحس المادي للأشياء الخارجية. 3 ـ التعبير عن المطلق. 4 ـ البحث عن الجمال المحض. لقد قام الفن الغربي منذ نشأته الأولى في عهد جيوتو ودوناتيلو والبرتي على الأصول الأولمبية التي كانت قد تحددت بشكل نهائي في العهد الكلاسي (القرن الرابع قبل الميلاد). وكانت هذه الأصول تقوم على اعتبار الانسان رمزاً للجمال، وإن العلاقات الثابتة بين الأعضاء والتي حاول بولكليت وضعها في قانون (Canon)، هي القواعد الجمالية التي يجب احترامها في النحت والتصوير وفن العمارة أيضاً. ولكن الأمر لم يبق على هذه الحال دائماً، خاصة في العصر الحديث عندما اقتضت ضرورة التقدم العلمي والصناعي، تمييز العمل الخيالي الإلهامي عن العمل العلمي القاعدي. فكان العمل الخيالي يجنح إلى اللاواقع، والعمل العلمي يقوم على الواقع، وكما يقول براك (ان الإحساسات تسعى الى التحوير، أما العقل فيسعى إلى التقعيد). ومن هنا كانت بداية تحرر الفنان من الأشكال الطبيعية والعمل على مناهضتها شيئاً فشيئاً، حتى إذا كان الأمر لكاندينسكي عام 1910م، اصبحت اللوحة مجموعة من الخطوط والحلزونات والأشكال التي لا مدلول لها ولا ترتبط بأي الأشكال المألوفة في الواقع. هنا نرى الانسان الغربي يعلن صراحة عن نهاية ارتباطه بالشكل الانساني وعن التقائه بالأشكال المجردة التي لا تعني شيئاً وتعني كل شيء. لقد اقتضى الفنان الغربي، كي يتحرر من ربقة القانون والنسبة الذهبية عدد من القرون، كان الفنان العربي خلالها يقيم فنه على الوحي أو الحدس ويقيم الأشكال بعيداً عن مقاييس الشكل الانساني وحدودها. وفي هذا يقول بشر فارس: (ان خروج التصوير الاسلامي على أصول الهيئة البشرية، إنما تستدعيه نية مستقرة في الطبع مبعثها الاستهانة بعظمة الانسان المطلق، الانسان الذي ركزه في قلب العالم فلاسفة يونان وأهل الأدب والفن في ايطاليا الناهضة، أولئك الذين فحموا المنزلة البشرية ومجدوا العري الوضاح في مصوراتهم ومنحوتاتهم، فجاء الانسان معهم جميعاً مقياس الأشياء كلها كما قال (بروتاغوراس) ولا يسع الاسلام غلا أن ينكر هذا الشطط). لقد قام الفكر العربي على تمجيد المثل الأعلى (الهو) وليس على تمجيد الأنا)، ولقد تمثل هذا في آيات الكتاب عند توسيع الفرق بين الانسان الترابي الأصل وبين الله، وهو الحق المطلق الذي يحبط الملأ الأعلى. ومن هنا فإن الانفعال الداخلي الذي يعتمر في ضمير المؤمن، كان يربطه دائماً بالمثل الذي لا تسعه حدود الشكل المادي بل تضييق عن اطاره. وفي هذا يقول بريون: (ان الفن التجريدي كما يبدو لي أكثر قدرة من الفن التشبيهي على التعبير عن روحانية عميقة وعالية، ذلك لأنه لا يرتبط بالشكل التمثيلي، ولأنه أيضاً يستطيع بدون وساطة هذا الشكل أن يثير مباشرة، حالات عاطفية وانفعالية أكثر محضيةم ن تلك التي يثيراه الشكل التمثيلي). والله في المفهوم الوحداني، غير قابل للشبه، وكما يقول ابن سينا: (انه غير داخل في جنس، أو واقع تحت حد أو برهان، بريء عن الكم والكيف والابن، والمعنى والحركة لا ند له ولا شريك ولا ضد. وانه واحد من وجوه، لأنه غير منقسم لا في الأجزاء بالفعل، ولا في الأجزاء بالفرض والوهم كالمتصل، ولا في العقل بأن تكون ذاته مركبة من معان عقلية متغايرة يتحد بها جملة، وانه واحد من حيث هو غير مشارك البتة في وجود الذي له، فهو بهذا الوجود فرد، وهو واحد لأنه تام الوجود، ما بقي له شيء حتى يتم الخ..). لذلك يتمثل التعبير الملازم للتفكير الروحاني والوصفي في الأشكال التجريدية أو في الرموز غير التشبيهية. وفي ذلك يقول بريون: (ان الفنان، في كل مرة يسعى فيها الى التعبير عما هو روحاني أو إلهي، كان يسعى الى التجريد، وهذا ما تم بالفعل بالنسبة للفن الاسلامي بصورة عامة، حيث كان المتعالي يعبر عنه دائماً بصورة غير تشبيهية، وكذلك كان الأمر بالنسبة للفن اليوناني البدائي حيثك ان مبعث اقامة الأصنام التجريدية، الشعور بأن تشخيص الغلهة فيه استخفاف لقيمتها). 5 ـ التعبير عن المطلق المتعالي: أما في التجريدية الحديثة فمن الواضح أن النزعة إلى عدم التشبيه لم يكن مصدره الارتباط بالمتعالي الوحداني، ولكن بالذات. هذا الارتباط الذي تم نتيجة انفعال داخلي عميق عانى فيه الفنان كثيراً من الأخيلة، وأبصر كثيراً من الرؤى الغامضة التي تكشفت له على شكل مساحات وبقع لونية وخطوط مطلقة من أي قيد واقعي. على أن الانفعال الذاتي عند افنان العربي إذا انعكس في رموز تكاد تكون (موضوعية)، فإنه في الفن التجريدي انعكس في أشكال لم تخرج إلا قليلاً عن القواعد الجمالية الأساسية كالانسجام والتوافق والتوازن الخ.. ولكن في الوقت الذي ظهر فيه الانفعال الفني عند العربي نظاماً صوفياً، كان عند الفنان الغربي نظاماً رياضياً. لقد كان المطلق عند العربي هو المثل الأعلى، هو الحق، هو الجوهر، هو الله. ولذلك سعى عن طريق الفن إلى ادراك الحق شأنه شأن الصوفي الذي كان يسعى عن طريق الاجتهاد إلى الاندماج بالله. أما الفنان الحديث، فقد لجأ إلى التجريد لكي يستطيع الالتقاء مباشرةم ع الأفكار التي لا يمكن تمثيلها بأي شبه. ومع أن بعض الاتجاهات التجريدية إنما تسعى وراء الشكل فقط، إلا أن كثيراً من الفنانين التجريديين يدّعون أن وراء هذه الأشكال عالماً آخر مغايراً ومتمايزاً عن العالم الواقعي المألوف. ويقول ميشيل سوفور: (ان الفنان التجريدي يسعى وراء الكلي في الخاص، وايجاد الجمال لا يختلف عن اكتشاف الكلي، هذا الكلي هو الله. والتعرف على الإله في أي عمل فني هو الشعور بانفعال بديعي). ويسعى الرقش العربي والفن التجريدي على السواء الى التعبير عن المجهول، أو عن غير المحدد وغير المرئي والغيبي. بيد أن المطلق إذا كان مفهوماً فلسفياً فهو في المفهوم الجمالي الحديث يعني ايجاد الصيغة الأكثر محضية، فالجمال القائم في الطبيعة، جمال التفاحة أو جمال البحر أو جمال المرأة، هو جمال شيء معين، ويشترك في تزكية هذا الجمال عوامل عديدة، منها المتعة أو اللذة أو الذكرى. أما الجمال المحض، الجمال البعيد عن جميع المغريات الاضافية، فلا وجود له في الطبيعة، إذ نادراً ما نعجب بزاوية من جدار مهترئ كسته طبقة من العفن، اللهم إلا إذا كان منا مَن هو شاذ الذوق. ولكن في الفن فإننا نبحث تقريباً عن نفس الزاوية ونحاول إعادة إنشائها بشكل فني، وليس شرطاً أن يكون عملنا جميلاً جمال الجوكندا، ولكن الشرط أن يكون جماله فنياً، أي أن يكون ابداعياً وصرفاً، وبهذا يقول موندريان: (إننا نسعى وراء جمالية جديدة محضة، خطوط وألوان محضة، ذلك لأن العلاقات المحضة هي وحدها القادرة على الوصول إلى الجمال المحض). على أن الفن التجريدي في الغرب، قد استطاع أن يخدم الأفكار المطلقة خدمة كبيرة، فبعد أن اكنت الشجاعة أو البراءة أو الوحشية، الخير أو الشر، الجمال أو القبح، لا تظهر بمدلولها عند الانسان أو في الطبيعة، أصبح من الممكن التعبير عن هذه الأشياء المطلقة في الفن التجريدي دون أي مستند واقعي. كان الفن العربي معتبراً الى وقت قريب على أنه مجرد تزيين لا مضمون له، إلا أن ظهور الفن التجريدي، حرّك الاهتمام بالرقش العربي كفن تجريدي، بل رأى مارسيل بريون، في هذا الفن أساساً للتجريدية الحديثة. غير أن بريون نفسه لم يستطع التحرر نهائياً من الفكرة القبلية عن الفن العربي، فهو إن نفى عنه صفة التزيين تبعاً لنفيه هذه الصفة عن التجريدية الحديثة، فإنه وصم هذا الفن بالموضوعية التي تجعل العمل الفني آلياً لا ارتباط له بالمواقف والانفعالات الذاتية. فهو يرى (ان الفن التجريدي الحديث يختلف آلياً عن الفن العربي في أن الأول يمتاز بنزعته الشخصية المتطرفة، حيث يخلق الفنان بعيداً عن كل فكرة سابقة الاشكال التي يعبر بها عن نفسه وانفعالاته، مما هو بعيد عن الفنان المسلم. فالهندسة الاسلامية ذات موضوعية تامة وهي منفعلة) ـ بمعنى أن شخصية الفنان غير ممثلة ـ . وهكذا أوجد الأستاذ بريون فرقاً واسعاً بين هندسة موندريان، وهي هندسية شخصية محضة، وبين هندسية الرقش العربي والتي رآها جد موضوعية. ونستطيع أن نجيب على بريون بما يلي: ان الذهن الصوفي القائم على العقيدة الوحدانية، يدعو إلى إنكار الذات، وهو يدفع الفنان المؤمن إلى السعي المستمر للاتصال والتلاشي بالمطلق، ولقد بدا هذا السعي في التكرار، وهو مظهر من مظاهر الوجد الصوفي عند بيرابين الذي يعترف: (ان الصيغة المكررة المتخيلة أو المنفذة، تثير أبدية الانطلاقات والعودات، ممثلة بذلك علاقات الظاهر مع الجوهر، وارتباط هذا بذاك، وهي بذلك تتجاوب مع الله بحسب مفهومه الذي ورد على لسان ابن سينا، ويقترب من مفهوم الذكر). على أننا نستطيع الدفاع عن الذاتية في الفن العربي بقولنا: ان المحرك الذي دفع الفنان العربي إلى نقل الصورة الإلهية، كان يختلف عن المحرك في الفن التجريدي الغربي. فمع أن الفنين يتجهان نحو الكشف المستمر عن المجهول، فإن المجهول عند العربي كان الغيبي السرمدي المتعالي، وكان واحداً بالنسبة للفنانين جميعاً، فلم يكن من اختلاف في وجهة النظر أو الرؤية الإلهية. بل ثمة فروق في قوة الحدس أو درجة الوجد، وكانت هذه الفروق هي التي تحدد قوة الأصالة في العمل الفني. أما المجهول عند الفنان التجريدي المعاصر، فلقد تجلى في الفكرة الجديدة أو المعنى المطلق أو الصيغة الرياضية الملخصة، أو كان الهيروغليف الذي لا يحمل أي معنى من المعاني التي تخطر على ذهن مدرك. لذلك فإن الجمال في الفن العربي كان جمال التوحيد. أما الجمال في الفن التجريدي فلقد كان الجمال المحض. ثم إن اغفال أسماء الفنانين لا يعني عدم وجود أساليب خاصة بهم، فلقد ذكر المقريزي في كتاب (الخطط) عدداً ضخماً من الأسماء. ولكن على ما يبدو، لم يكن المصور يحتل مكاناً مرموقاً في مجتمعه، شأنه شأن المصورين القدماء، حيث كان العمل الفني محصوراً بطبقة الصناع. ولقد أدى اهمال شخص الفنان إلى اختلاط حدود الأعمال الفنية فيما بينها وإلى اختفاء شخصية الفنان. على أنه لابد من التفريق دائماً بين الفنانين المبدعين وبين الصناع المقلدين، وعدد هؤلاء كبير جداً في كل زمان وفي كل فن، خاصة في الفن العربي الذي امتزج فيه العمل الفني بالمادة المصنوع عليها هذا العمل. والواقع أن هؤلاء الصناع لم يؤثروا في قيمة الفن العربي الإبداعية. بل ساعدوا على انتشاره وتوسيعه. كذلك لابد من الاعتراف بالفروق بين الفن العربي وبين التجريدية في مجال الذاتية، ذلك أن الفنان العربي إنما بحث في عمله عن القيم الفنية المشتركة التي تقوم على الاتصال المستمر بالله والمطلق، أما الفنان التجريدي الغربي، فلقد قام في أكثر الحالات على قيم شخصية وذاتية. وينكر كاندينسكي هذه القيم ويصر على اعتبار القيم الروحية أساساً في العمل التجريدي، ويرى (ان العنصر الذاتي في الفن، يفقد أهميته مع الزمن ويفقد حياته، وان ما يبقى محافظاً على قيمته أبداً، هو عنصر الفن المحض والأبدي، الذي يمنحه الزمن طاقة جديدة باستمرار). 6 ـ الجذور العربية للفن التجريدي الحديث: لقد كان للموجة الكلاسية الكاسحة التي اجتاحت ايطاليا في القرن السادس عشر، والتي جعلت من عصر النهضة عصر انبعاث التراث الاغريقي والروماني القديم، أثر كبير في وضع الحدود والفواصل بين الفن الغربي الحديث وبين الفن الاسلامي الذي كان نافذاً في ايطاليا قبل القرن الثالث عشر عن طريق الفن البيزنطي. والواقع أن النزعة الايطاليةكانت في جذورها نزعة قومية تبناها البابا بيوس الثاني في روما ولورنزو الفاخر في فلورنسا، وأضحى الشعراء، دانتي وبترارك وبوكاشيو يتناولون الموضوعات القديمة ويصدرون شعرهم باللغة اللاتينية، وأصبح شيشرون النموذج الأكمل للأدب الايطالي القومي، ولم يكن الفنانون أقل اهتماماً بالأصول الكلاسية القومية، بل لعلهم أكثر حماسة. وكان هدفهم جميعاً مناهضة الفن البيزنطي حتى أن فيليلفو عندما عاد من القسطنطينية زمن محمد الفاتح أنذر معاصريه برسوخ الفن البيزنطي الشرقي وبقدرته على اجتياح كل تحول يمكن أن يحصل في ايطاليا. والواقع أن الفن القومي الايطالي وصل أوجه في عصر النهضة، وكان سبباً في سريان هذه النزعات القومية إلى ألمانيا وإلى اسبانيا وإلى فرنسا، ولكن الأمر لم يستمر طويلاً، فلقد عاد الفن في ايطاليا إلى تمرده على القاعدة والقانون، فكانت النهجية التي أطلق عليها تسمية Manierisme بداية عودة الروح الشرقية التي انتشرت فيما بعد بواسطة الفن البراوكي وفن الروكوكو. ولقد أطلق في الغرب دائماً على هذه الاتجاهات نعت الانحطاط، ذلك لأنها في الواقع ردة عن القومية وانعطاف نحو الروحانية الشرقية. ولم يكن الفن التجريدي إلا ذروة هذا الانعطاف الذي تم على يد كاندينسكي والذي حمل دائماً بذور الفن الشرقي الروحاني. لقد ابتدأ تحول الفنان الغربي عن الواقع الرياضي وعن الجمالية (الالومبية)، منذ بداية القرن السادس عشر، وكان همه دائماً ادخال تغييرات على الشكل في الطبيعة، وتحدى كل ما هو سلفي كلاسي. وعندما ظهرت الوحشية في بداية هذا القرن، كانت الدهشة قد صعقت ألسنة النقاد عندما رأوا بأم أعينهم ثورة التحول عن الفن الكلاسي الفلورنسي، ونهاية عهد الانسان كمحور للفن وكأساس للتقييم الجمالي، وبداية البحث عن الجمال الفني المحض. هنا يبرز الالتقاء الكامل مع الرقش العربي، التقاء فلسفياً وشكلياً ولكنه حتى الآن لم يكن التقاء عقائدياً في جميع الأحوال. صورتا الرقش العربي التي سبق ذكرها، وهي الخيط والرمي، وبعبارة أخرى التصوير الهندسي، والتصوير العفوي، هذه المظاهر قد تكون أساسية، ولكن ثمة عناصر أخرى هي المحضية والعشوائية والمرسلة والآلية والخطية، يمكن أن يكون لها محل بارز في الفن العربي، وقد تكون مستقلة أو قد تكون مجتمعة في مثال واحد، شأنها في ذلك شأن أساليب الفن التجريدي. ولئن أخذنا الرقش الهندسي، فإننا نجد إلى جانبه كثيراً من فناني الاتجاهات التجريدية الحديثة ممن اتبع الاتجاه الهندسي في التجريد، مما يحاكي إلى حد بعيد الفن التجريدي العربي، فنحن اذا نظرنا الى مقطع من مقاطع محراب جامع القيروان، أو إلى بعض الترتيبات الحجرية المبثوثة في جميع البيوتات الشامية. فإننا نجد شبهاً قوياً بين مبادئ الفن الهندسي التي جاء بها موندريان والتي أوردها في مجلة الأسلوب وهي مبادئ التشكيلية المحدثة، وبين مبادئ الفن الهندسي العربي. حتى ان بريون اعترف (بأن الفن الاسلامي شديد القرب بنقاط انطلاقه وبنتائجه من المبادئ التي أعلنها موندريان في مجلة الأسلوب). والواقع أن كلا الأسلوبين قائم على الفكرة التجريدية المحضة أو الصوفية، فموندريان هو القائل: (اننا نريد أسساً جمالية جديدة قائمة على علاقات محضة، خطوط وألوان صرفة، ذلك لأن علاقات العناصر الإنشائية المحضة وحدها هي القادرة على ادراك الجمال المحض). أما العرب فلقد كانت التجريدية لديهم تبدو في التعبير عن الفكرة الإلهية بطريقة إشعاعية كما سبق وعرضناها مما يتفق مع عقيدة التوحيد. ولا يختلف فان دوزبورغ عن موندريان في اتجاهه، فهو يقول: (ان ايجاد الجمال ليس شيئاً آخر غير اكتشاف الكلي). ومثال هذه القرابة نراه في الموضوعات التجريدية التي تشبه الخط العربي الشطرنجي (خط التيه). ولقد تقرب كوبكا أيضاً من مفهوم الفن العربي ولعله كان أقرب إلى أشكال الفن العربي الهندسية، ولكن بعيداً عن الفكرة الإشعاعية. فلقد كان يعبر عن أشكال ليس لها إلا مدلولها الخاص. وإذا كان لابد من استخراج بعض الأمثلة في الأسلوب التفوقي، فإننا نرى أن طبيعة مالفيتش (هي صوفية على الطريقة الآسيوية أكثر منها غربية)، ولكن عندما ابتكر لاريونوف الطريقة الإشعاعية في موسكو، كانت هذه الطريقة مستوحاة من روح الفن البيزنطي الشرقي. 7 ـ الجمالية الاسلامية في أعمال التجريديين: على أننا اذا اعتبرنا السجاد من مظاهر الفن الاسلامي البارزة والتي امتاحت أصولها من الرقش العربي، فإن الشبه بينه وبين بعض الأساليب التجريدية يصل إلى حد الدهشة. فعدا الاشكال المحورة التي رسمها بيكاسو مشابهة لصيغ بعض السجاد، فإن ما قدّمه بيسييه ودولوني وسنغيه ومانوسيه هو في ذاته تجريد لتجريدات السجاد العربي أو الشرقي عامة. ولكنه إنما يختلف في ظاهرة اللانظام. ولابد من استعراض بعض الأمثلة التي يتوفر فيها استعمال الخط كما هو مألوف في الفن العربي، فلقد كنا عرضنا أهمية الخط الجميل كعنصر فني ذي دلالة خاصة بالعرب، ولقد نقل هذا عن طريق بول كلي وعن طريق ناللارد وديغوتكس وتروكس وهوفر وسينغيه. أعمال كلي التي تتضمن نماذج عن الخط العربي الجميل أو غيره من الخطوط، كثيرة وتمتاز بالتطوير والتحوير، ولقد استمرأ (كلي) الخط العربي الذي يكتب من اليمين الى اليسار نظراً لأن كلي كان أعسراً بل كان يستطيع التصوير باليد اليسرى بنفس قوة اليد اليمنى، فقد كان يطيب له أن يكتب جملاً برمتها باللغة العربية وبأشكال الخط العربي الجميل، ولكن دون أن يكون بمقدوره قراءتها أو فهمها مع أنه حاول أن يتعلم العربية، كما يذكر ابنه فيليكس. ولقد امتاز أسلوب لويس ناللارد (المولود في الجزائر عام 1918م) باستعمال الكتابة العربية مع التصوير مستوحياً ذلك من الرقش العربي في المغرب. كذلك استعمل محمد نجاد الأردني الأصل (والمقيم في باريس منذ صغره والمولود في اسطمبول عام 1923م) الخط العربي واستفاد من الفن الاسلامي في تصويره. ولابد لنا أخيراً ونحن نتحدث عن تأثير الرقش العربي على التجريدية، من أن نستعرض بعض الفنانين التجريديين الذين نشأوا في البلاد العربية ممن كان لنشأتهم هذه أكثر من
المصدر: عفيف البهنسي
جميع الحقوق محفوظة لجميع الطلبة - أمين -
قانيت محمد أمين
قانيت محمد أمين أستاذ و باحث في مجال الفنون المرئية يرحب بجميع الأساتذة و طلبة الفنون »
عدد زيارات الموقع
105,555
بسم الله الرحمان الرحيم
سألني أحدهم ... كاش جديد .... فقلت له الجديد أننا ... على قيد الحياة
|