محمد عبيدو
الحوار المتمدن - العدد: 1539 - 2006 / 5 / 3
التحديق في جروح مفتوحة
وجها لوجه مع الارهاب واسئلته ينبني فيلم مرزاق علواش > المنتج سنة 2001 على قصة ياسمينة الجزائرية المولودة والمقيمة بفرنسا التي تنطلق في رحلة للبحث عن خطيبها رشيد الذي يقرر اثر نزوة طارئة، الالتحاق بصفوف الجيش. رشيد ينخرط في الجيش الجزائري في التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما يعني انخراطه لا محالة ايضا، في حملة مكافحة الارهاب.. وفي احدى المهام يسقط في كمين للارهابيين لتنقطع اخباره عن ياسمينة. في خضم رحلة بحث ياسمينة عن خطيبها تنخرط هي ايضا في دهاليز متاهية تقودها الى اكتشاف الكثير من الحقائق والآفات الاجتماعية والسياسية للجزائر وتعريتها من منظورين اثنين، منظورها هي كملاحظة من خارج ساحة الحرب وأطرافها المعنية بها، وهو الموقف الذي يعبر عن نفسه بواسطة اسئلة القلق الكثيرة والعارية عن اسباب هذه الحرب، عمن تكون اطرافها الحقيقية، والغاية من ورائها؟ ومنظور الواقع المر والعبثي احيانا، الواقع الذي يدفع للحرب ونقيض الحرب في آن معا.. ما هي اسباب المد الاصولي في الجزائر؟ وما هي العوامل التي تقف وراء المسار الذي اخذته الاحداث؟. وقبل ذلك وبعده: اين يكمن المشكل يا ترى في كل هذا الغموض المعتم، وكل هذا الوضوح الجلي؟! انه السؤال الذي حرص المخرج مرزاق علواش ورغب في ان يظل مطروحا بالصوت والصورة لإثارة التفكير بجدية في الظاهرة قبل الاقدام على الخطوة الموالية، اي خطوة كانت، وفي اي اتجاه، مع بصيص من الامل يتجسد من خلال اللقاء الحار والحميم بين ياسمينة ورشيد في نهاية الفيلم.
ونرى في فيلم > للمخرج مهدي شريف 2001، رحلة في الصحراء الجزائرية الافريقية حيث حاولت الفتاة الجميلة <<راليا>> ان تبحث عن والدتها كلثوم التي هجرتها وهي طفلة رحلت برفقة عمتها نجمة شبه المجنونة عبر فضاء معاد بلا رحمة ومحاصر بالعنف واليأس، الذي ولد ربما في بيئة فقيرة.
ويشكل فيلم <<انشا الله الأحد>> (عام 2001) للمخرجة الجزائرية يمينة بن غيغي محاولة في السينما المغاربية لمعالجة موضوع المرأة من حيث ازمة الهوية والبحث عن الدور المستقل والقرار الحر.
يثير الفيلم الجزائري <<المشبوهون>> للمخرج كمال رهان قضية من الذي استفاد من الثورة وانتصار حرب التحرير، على خلفية قصة حب بين اختصاصية نفسية جزائرية تعود الى الوطن لإنجاز رسالتها حول الصدمات النفسية الناتجة عن حرب الجزائر، ومخترع فنان شاب يبحث عن الاعتراف بمواهبه.
يستأمنها صديق قديم للاسرة من المناضلين القدماء على شريط مسجل فيه ذكرياته، وآراءه في شخصيات اصبحت مرموقة، واستفادت من الثورة، يظل هو في الظل ويسعى من اجل الحقيقة التي تكلفه في النهاية حياته بطلقة رصاص ممن لا يريدون اظهار الحقيقة. يسقط وهو يقول <<هكذا تمنيت ان اموت>>، حيث يبرز الفيلم صور التيار المتشدد من خلال الموقف العدائي ضد الفنان الشاب ومعرضه الذي ضم لوحات وجدوا انها خارجة عن افكارهم المتزمتة.
الإرهاب
واتخذت يمينة شويخ من عنف الارهاب في بلادها موضوعا، يتناوله فيلم <<رشيدة>> 2002 حيث تقدم شهادة متميزة على طريقتها الخاصة عن المأساة التي عرفتها الجزائر لأكثر من عشرية من الزمن.
يستمد الفيلم قوته من تناوله صراع المرأة الجزائرية ومقاومتها الارهاب خلال العشرية السوداء التي شهدت انتشار العنف والعمليات الارهابية بشكل مخيف في الجزائر.. يتطرق الفيلم الى ما يجري لمدرّسة شابة تدعى <<رشيدة>> تمثيل (ابتسام جوادي) ورفضها الرضوخ لمطالب جماعة ارهابية، ارادتها مجندة في صفوفها بوضع قنبلة في مدرستها وهو ما كاد يكلفها حياتها، حيث نجت بأعجوبة من محاولة اغتيال بشعة من الجماعة الارهابية وبعد نجاتها وخروجها من المشفى، تقرر مغادرة الجزائر العاصمة للاستقرار بمدينة داخلية بعيدة، وهناك تتسلل كاميرا المخرجة الى اعماق المجتمع الجزائري وظروف عيش السكان في تلك الفترة العصيبة.. لتختتم الدراما بمجزرة دموية أخرى تحصد رجالا ونساءً واطفالا غداة عرس في تلك البلدة النائية.
وفي الصباح تخرج رشيدة ومحفظتها بيدها لاستقبال من نجا من تلاميذها، أما درس الحصة فيحمل عنوان <<النهاية>>.
ووضع المخرج الجزائري المقيم بفرنسا محمود زموري اصبعه على جرح مزمن يؤرق السلطات في الجزائر كما في فرنسا، من خلال فيلم جديد بعنوان <<زبدة ومرغرين>> يروي فصولا من معاناة الجالية الجزائرية المغتربة وصعوبة اندماجها في المجتمع الفرنسي. وركز على تعايش الثقافتين المشرقية والغربية.
وسلط الضوء خاصة على الجيل الثالث من المغتربين الذي يعاني الامرين فهو غير قادر على الحفاظ على اصالته بفعل المحيط، وفي نفس الوقت لم يتمكن من التحول الى جزء من المجتمع الفرنسي الذي شب وترعرع فيه.. جيل في حيرة من امره يبدو تائها وغارقا ومختلا.
للفيلم، بالرغم من نبشه في الذاكرة وفي الماضي الأليم في معظم الاحيان، يدور في اطار كوميدي بسيط.
وعام 2003 انتج الفيلم التسجيلي <<المرأة شجاعة>>، سيناريو احمد راشدي وإخراج امين راشدي، وهو سيرة ذاتية تتبع الحياة العاصفة للويزا اغيل احريز، وهي مناضلة ورمز من رموز استقلال الجزائر انقذها من الموت شخص لا تعرفه، فبحثت عنه 40 عاما لتعبر له عن شكرها، وعندما وصلت الى مكانه عام 2000 علمت انه توفي عام 1997. وظهر الفيلم في عدد من المشاهد التي تعبر عن المقاومة الجزائرية والتعذيب الذي لاقاه آلاف المسجونين وشهادات عدد من السجناء والمناضلين توضح ان هذه السيدة سجنت في 14 سجنا بين الجزائر وفرنسا خلال خمسة اعوام وقبل استقلال الجزائر عام 1962 وبدأ تصوير الفيلم بإرادتها في ان تشكر الفرنسي الذي أنقذها وانتهى بشبه محاكمة للجنرال الفرنسي اوساريس الذي اقر اخيرا بممارسة التعذيب.
المخرج عبد الكريم بهلول اختار سنوات ما بعد تحرير بلاده، وما حملته من تغيرات عاصفة، مناخا لفيلمه <<اغتيال الشمس>> 2003 وهو مأخوذ عن واقعة حقيقية، جرت أحداثها في الجزائر في بداية السبعينيات بطلها هو الشاعر والكاتب الجزائري الفرنسي الاصل <<جاك سيناك>> الذي ولد في الجزائر لأب مولود ايضا في الجزائر، وإن كانت اصوله فرنسية. وكان <<جاك سيناك>> واحداً من رجال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، وبعد الاستقلال في سنة 1962 رفض <<جاك سيناك>> مغادرة الجزائر، واستقر به المقام بها.. ليقدم برنامجا اذاعيا متميزا عن الشعراء اسمه <<اشعار على كل الجبهات>> كان يقرأ فيه رسائل شعرية ترد إليه من أنحاء البلاد. وقد أثر جاك سيناك في الحركة الأدبية والثقافية والفنية في كل أنحاء البلاد، كما كان مثلا اعلى للشباب وانموذجا للمثقف الواعي، وقد جمعت الظروف والصدف بينه وبين <<حميد>> الفتى ذي التسعة عشر ربيعا، والذي يهوى كتابة الشعر والمسرحيات.. و<<بلقاسم>> صديقه الذي كان يهوى التمثيل.. وذلك عندما التقيا به للمرة الاولى في اول مهرجان مسرحي في الجزائر.. وقد استبعدت السلطات المسرحية لأسباب سياسية.. وإن كانت الحجة أنها ناطقة باللغة الفرنسية.. ولم يخفف من معاناة مجموعة الشبان الصغار سوى انحياز <<جان سيناك>> لهم.. وتتوالى الاحداث باغتيال <<جان>> بعد ان طرد من عمله.. واتهام <<حميد>> بمقتله.. وامام المتغيرات الجديدة في الجزائر يصبح هدف بلقاسم السفر بعيدا والهروب من بلاده. وفي مشهد من اروع واجمل المشاهد السينمائية يستقل <<بلقاسم>> العبارة مغادرا الجزائر، وهو يقسم ألا يعود إليها مرة اخرى بعد ان ذاق فيها هو وصاحبه الاذى.. وإن كان الاخير قرر الا يهرب وأن يعود الى بلدته الصغيرة بين الجبال والوديان.. بينما <<ناتالي>> صديقة سيناك الممثلة تنهمر دموعها حزنا على فراق هذا البلد الذي احبته واختارته وطنا لها.. وإن كانت قد ادركت الآن انه يسير على حافة الهاوية، ومسكينة اوطاننا عندما يحاولون اغتيال الشمس فيها.. تعمد بهلول اضفاء طابع شعري لإيقاع فيلمه، ليوصل به المناخ النفسي للفيلم، وبمعونة مصور متميز اخذنا الى عمق المشكلة دون حواجز، على الرغم من دراماتيكيته. انه فيلم آخاذ، حتى بمسحته الفرنسية رؤية وتقنية.
فيلم <<اغترابات>> 2003 للمخرج مالك بن اسماعيل يحكي المعاناة النفسية في الجزائر، اذ يواجه الاطباء النفسيون في الجزائر يوميا امراض المجتمع خلال ممارستهم لعملهم، اكثر من الفئات المهنية الاخرى، فهم اول من يلاحظ الاعراض، وأول من يحاول شفاء المرضى، وفهم اسباب <<الشرخ>>.. ولكنهم كغيرهم ليس بأيديهم الحل لشفاء المجتمع.. لا يحاول هذا الفيلم ان يعالج الاحداث الحالية في الجزائر، وإنما يحاول تسليط الاضواء على ما يحركها سرا، ويؤدي الى ازماتها.. يهدي المخرج فيلمه هذا الى والده، احد مؤسسي الطب النفسي في الجزائر.
التحطيم
من اجمل الافلام التي خرجت للعرض عام 2003، فيلم <<منافي>> للفرنسي من اصل غجري جزائري توني غاتليف. يحكي غاتليف في فيلمه <<منافي>> عن شاب يدعى زانو، يلعب دوره الممثل الفرنسي رومان دوريس، ابن اسرة فرنسية كانت تعيش في الجزائر ثم غادرتها بعد الاستقلال عام 1962، كما يحكي عن علاقته بصديقته نعيمة ابنة احد المهاجرين الجزائريين الى فرنسا، وتلعب دورها الممثلة المغربية لبني ازبال، ويبدأ الفيلم بلقطة داخل غرفة من غرف بنايات الضواحي الفرنسية الكئيبة، حيث نتعرف على زانو وهو يستمع الى اسطوانة موسيقية بإيقاعات صاخبة مع نعيمة. يسحب زانو نعيمة من الفراش ويهبطا معا الى الشارع العام وبعد ان يدفنا مسدسا داخل لفافة في حفرة بجوار جدار كبير ملاصق للبناية، يحملان بعض امتعتهما وينطلقان على الطريق، في رحلتهما من فرنسا الى الجزائر بطريقة الاوتوستوب، لاستكشاف الارض التي وهبتهما الحياة، واضطرت اسرتيهما لمغادرتها منذ عقود مضت، ارض الجزائر، وخلال تلك الرحلة التي يقطعانها معا لعبور تلك الطرق العالية المخصصة للسيارات، ومروا بجنوب فرنسا، ثم الاندلس في اسبانيا، وعبور المتوسط الى المغرب، والتسلل منه عبر الحدود الى الجزائر العاصمة، تتكشف لنا وقائع الهجرة العربية، ونتعرف على اوضاع المهاجرين الجزائريين في الجنوب الفرنسي الذين يحلمون بالسفر الى باريس العاصمة، ونتعرف على نماذج إنسانية رائعة في الطريق، والظروف التي اجبرتها على مغادرة الوطن. ومن خلال مصاحبة زانو ونعيمة في رحلتهما، تتكشف لنا شخصيتهما، وحيرتهما وعذاباتهما، ونتعرف الى تلك المنافي التي نحملها جميعا داخلنا، تحت جلودنا، حين تلفظننا اوطاننا الاصلية، ونحرم فيها من العيش الكريم، فنصبح غرباء في كل مكان، ونتعاطف في الفيلم مع شخصية نعيمة، فهي لا تعرف من هي نعيمة، انها ليست فرنسية تماما وليست عربية تماما، وتبحث في الفيلم عن ذات وهوية، وتردد <<أنا دائما غريبة وسأكون دائما غريبة في كل مكان>>. ويقول توني غاتليف ان فيلمه لم يعتمد على صياغة لفكرة ولم يكن تجسيدا لمفهوم ما، بل نبع من اشتياق محموم لإعادة النظر والتحديق في جروحه المفتوحة، والعودة الى وطنه الجزائر من خلال رحلة تصوير الفيلم، بعد مضي اكثر من 43 عاما على هجرته الى فرنسا، ومغادرته مرتع طفولته.
<<المنارة>> فيلم بلقاسم حجاج 2004 عمل متميز يروي المأساة التي ادخلت الجزائر في دوامة من الرعب الدموي بأسلوب يجمع بين الطرح الجارح والقاسي للاحداث والنظرة الإنسانية للتطورات والغليان الذي اقحم فيه افراد المجتمع مما جعل بعضهم يتحول الى دمى آلية تسيّرها عن بعد قوى مجهولة. الفيلم يعالج قضية جزائرية حساسة بأسلوب جريء موضوعه يغطي فترة تبدأ قبيل احداث اكتوبر 1988 وتغطي كل الفترة التي استفحل فيها الارهاب مع التوقف عند اهم المحطات السياسية الهامة عبر طرح موضوعي بعيد عن الاحكام المسبقة والمتطرفة. وهذا الطرح اضفى على الاحداث الدامية والدرامية التي يرويها الفيلم بعدا إنسانيا.. وتدور وقائع الفيلم حول قصة شباب كانت حياتهم قبل حدوث الزلزال الذي هزّ كيان مجتمع بأكمله وفكك وحدة نواته الاولى الممثلة في الاسرة تؤهلهم للانجازات الجيدة وخدمة بلدهم كل في تخصصه. الشخصيات المحورية الثلاث للفيلم <<اسماء ورمضان وفوزي>> ثلاثة اصدقاء قدموا من مدينة شرشال الى العاصمة للدراسة في الجامعة تجمعهم عشرة الجيرة وصداقة الطفولة وايضا زمالة الجامعة في العاصمة وتنسج اطراف هذا الفيلم حول علاقة صداقة وحب ونضال يومي لشباب كان يؤمن بالجزائر. بداية الفيلم كانت تعد بقصة جميلة تزدهر فيها مشاعر الصداقة والحب والمنافسة بين شابين للفوز بقلب اسماء التي كان قلبها يتأرجح بين الاثنين لكن عاصفة اكتوبر 1988 تخلط كل الاوراق وتدفع بشباب كان بالامس يلهو غير مبال الى الشارع في هستيريا لتحطيم كل ما يرمز للدولة، تتعاقب على الشاشة صور مروّعة تظهر اعمال الشغب والتخريب تارة وصور اكثر رعبا وبشاعة عن شباب محطم يدلي بشهادات مؤثرة عن الوضع. عند هذه النقطة تتداخل الاحداث حيث تتقهقر الصورة الجميلة لمتعة الحياة اليومية لتسيطر على الشاشة صورة تفوق قساوتها مشاهد افلام الرعب.
ووسط كل هذه الاحداث تتبخر الصداقة وتنكسر المبادئ والمواقف ويتحول الصديقان رمضان وفوزي الى عدوين، وتبقى اسماء بينهما حائرة تحاول الحفاظ على التوازن. لكن في زخم هذه التناقضات تنهزم الصداقة وينتقل رمضان الشاب الوسيم الذي اختار ممارسة مهنة الطب التي تهب الحياة الى الضفة الاخرى التي تزرع الموت والدمار ويتحول فوزي الصحافي الشاب الذي كان يسعى في كتاباته الى اظهار الحقيقة الى شخص آخر قاس في أحكامه ومواقفه. وفي لحظة عصيبة يجد نفسه يمارس التعذيب. هذا التناقض والصراع النفسي تجسده بقوة شخصية رمضان المركبة. ففي هذا الدور صب السيناريست جحيم الغليان الذي يعيشه المجتمع وضياع الشباب وسط دوامة من الاحداث التي تعصف به لتقذفه على احدى الضفتين. وعقد هذه الشخصية جعلتها تحمل اكثر من دور. فهي ترمز في الوقت نفسه الى رمضان وفوزي وهذا ما جعل اسماء تصرح لصديقتها في احدى المرات قائلة انها لا تحب رمضان ولا فوزي وإنما تحب <<رمزي>> والاسم مكوّن من جمع حروف من الاسمين. فهذا الفيلم يعطي فرصة لاكثر من قراءة ويحمل اكثر من رمز لكن يبقى الرمز الاكثر دلالة وبروزا هو عنوانه <<المنارة>> عندها تنطلق احداثه باحتفالات سكان شرشال بالمولد النبوي وعندها تنتهي بعد عودة اسماء وبنتها <<بشرى>> ذات ال10 سنوات وتقول لها <<لتظل المنارة تضيء طريقنا>>. ومن خلال هذه المنارة التي ترمز ايضا الى الثقافة الشعبية والتقاليد العريقة لهذا الشعب يخلص الفيلم الى ان هذه المنارة التي كان البحارة يهتدون بضوئها الى سبيلهم يمكنها ان تجعل الشباب اليوم يهتدون بضوئها الى سبيل العيش في سلم وتقارب مهما اختلفت آراؤهم. ونجح الفيلم بتقديمه قصة متماسكة وحواراً جيدا. كما كان للأداء دور هام في نجاح الفيلم. ويؤدي الادوار الرئيسية في هذا الفيلم عدد من الوجوه الشابة الجديدة من بينهم سمية مزيان التي قامت بدور اسماء وطارق حاج عبد اللطيف في دور رمضان وخالد بن عيسى في دور خالد الى جانب صوفيا نواصر التي ادت دور بشرى. وساهم التلفزيون الجزائري في انتاج هذا الفيلم الى جانب مؤسسة ماشاهو للانتاج.
بينما المنارة فيلم يقدم شهادة عن تلك التراجيديا من خلال مرجعية سينمائية، يحكي فيلم <<المتمرد>> قصة حياة الشاعر الجزائري الكبير سي محند او محند، اخرجه كل من اليزيد خوجة ورشيد بن علال، غطى مرحلة من تاريخ الجزائر تحت الاحتلال في القرن التاسع عشر من خلال قصة اسرة الشاعر وعشيرته في منطقة القبائل ثم في بعض المدن الجزائرية التي عاش فيها.
<<تحيا الجزائر>> 2004 للمخرج (نادر مكناش)، يبدأ بابتسامة وينتهي بها لبطلته الجميلة (لبنى غربال)، بينهما دموع وخيبات تتوالى، وصور أرادها المخرج ان تكون واقعية للجزائر اليوم، وعلى الرغم من اجواء اللهو والسهر، ومحاولة العيش من جديد، والبحث عن خلاص من اثار خلفتها سنوات العنف، فقد بدت الصورة قاتمة، بل شديدة القتامة، شباب يعاني البطالة والفراغ، وشابات يعشن تناقضا مظهريا وسلوكيا، يعكس، لا ريب، وضعا اجتماعيا مقلقا، لم يستقر بعد على حال، وبحث عن هوية لم تتحدد بعد، ورعب من المجازر لم يمح بعد من النفوس.
يفتح الفيلم الوثائقي الطويل (71 دقيقة)، قصبة الجزائر: <<البهجة>> 2004 للمخرج (نصر الدين بن عالية) نافذة عريضة ومتنوعة على هذا الحي العريق المصنف ضمن التراث العالمي، وذلك من خلال اعين عشاقه ومحبيه والعارفين بقيمته المعمارية والحضارية.
ويعرض الكثير من المواقع والازقة والثكنات، التي ترمز الى الطابع المعماري المتميز للقصبة، كما يتطرق الى التاريخ العريق للقصبة، وكل المراحل التاريخية التي عرفتها، وكذا وضعيتها ابان الاحتلال ومقاومة سكانها، وذلك من خلال شهادات مختصين بالتراث والتاريخ، واعضاء جمعيات ومؤسسات حماية القصبة واصدقائها، وايضا شهادات بعض سكانها الاصلاء الذين ما زالوا يقيمون فيها.
وعام 2004 عرض فيلم <<شاي آنيا>> للمخرج سعيد ولد خليفة اضافة الى الفيلم القصير <<سر فطيمة>> لكريم بن صالح، وهما يعتبران مقاربتين واقعيتين لعشرية الارهاب السوداء التي عاشتها الجزائر. ويمثل فيلم <<شاي آنيا>> نظرة لمدة ساعة ونصف تحكي عن مجموعة من الاحداث التي تحيط بشخصية مهدي (ميلود خطيب) الذي يمثل دور شاعر يقطن بالجزائر العاصمة ومسكون بخوف قديم رافقه طيلة العشرية السوداء التي مرت بالجزائر.. وفي علاقته بالآخر يسترجع بمشقة الرغبة في الحياة حيث يذكر سلوكه الكئيب وبشكل مستمر انه خلال <<العشرية السوداء لا احد كان في مأمن من العنف الارهابي>>.
كان مهدي موظفا في احدى مصالح بلدية تابعة للعاصمة مكلف بالوفيات، فقد كان العدد الهائل من ضحايا الارهاب يؤرقه ويعذب ضميره مما يجعله ينزوي في فضاء غرفته التي كان يكتب فيها وقائعه على صفحات اوراق يعلقها كالغسيل كما نرى مقاطع من جمل وأسئلة مكتوبة على جدران غرفته التي تشبه السجن والتي يتلقى فيها بانتظام صينية من الشاي من عند جارته آنيا التي قامت بدورها (اريان اسكاريد) ابنة احد الاقدام السوداء وهي معلمة فضلت البقاء بالجزائر كما قالت لانها <<موطن ولادتها>> وان <<عائلتها قامت باختيار: استقلال الجزائر>>.
وفي خضم كآبته العميقة، يتساءل مهدي <<كيف لي بالعودة من بعيد والخروج من هذه الحالة>> حيث يتمكن من حين لآخر ولو بصعوبة من كسر وحدته المرضية، وإشكالية الفيلم هي <<كيف العيش مع الخوف اذا كان كل شيء متفاقما وصعبا واذا كان الخوف هو سيد الموقف وكذلك الحياة>> حيث يضع الحب.. حب آنيا كخيار يلجأ إليه عوض الذهاب في طريق المنفى الذي اختاره الصديق الآخر لمهدي لما غرق في بحر اليأس.
وفي فيلمه التسجيلي <<حق الارض>> استعرض المخرج الجزائري ديدن زيجاوي كل الظروف والملابسات التي يعيشها ابناء وطنه من خلال ثلاثة اجيال.. وفي لحظة مكاشفة وصراحة اعترفوا لهم جميعا باختلاف اعمارهم وفئاتهم بأن قضية الموت تشغلهم، واين سيدفنون.. الكثيرون منهم وبنسبة تزيد عن ال95% اعربوا عن املهم ان يدفنوا بالجزائر ارض الاجداد فكفاهم ما عانوه من تجربة في حياتهم.. يحلمون بأن يرقدوا بهدوء وسلام.. ان هؤلاء المهاجرين يحلمون بأن يعودوا الى الوطن، ويدفنوا في ترابه، لأنها امنية حقيقية تمنوها ولم يستطيعوا أبدا تحقيقها في الحياة. وحتى يجيء الموت لا نملك إلا ان نعيش الحياة بحلوها.. ومرها.. وخير ما يثير الشجن والفرح في آن واحد هو الاغاني والموسيقى.. لذلك كان الاستماع لأغاني البلاد نوعا من الحماية للنفس.. والاحتماء من مجتمع شديد القسوة ما هم فيه سوى غرباء.
ولهذا نجحت الفتاة الشابة الموهوبة ذات الصوت الجميل والقوي سعاد ماسي في الاستئثار بعقول وقلوب الجماهير عندما غنت اغاني قديمة من التراث فأطربت الجميع