موقع طلبة الفنون لجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم

يشرف على الموقع الطالب قانيت محمد أمين


د. وليد احمد السيد



تتجلى أهمية التواصل في مختلف صنوف المعرفة والعلم بين الأجيال المتعاقبة في نقل الخبرات المكتسبة والعلوم المتوارثة، وتظل الملازمة والتلمذة المباشرة من الوسائل الأكثر فاعلية في هذا الإطار أكثر مما تفعله الكتب وحدها، وتزداد أهمية هاتين الوسيلتين اللتين تعتمدان المعاصرة والمعايشة و بخاصة في المهارات والمواهب ذات الصفة العملية كالحرف اليدوية والمهارات الفنية والصنائع والفنون التي تعتمد تهذيب الحواس أكثر من تلك التي تعتمد على تنمية الموهبة والقدرة الذهنية وحدها.

والعمارة بتعريفها كفن علمي تقع ضمن الفنون التطبيقية التي تعتمد الموهبة الفنية والقدرة العقلية على حد سواء، إذ يتطلب العمل المعماري أو التخطيطي موهبة فنية للتعبير عن الأفكار والإبداعات المعمارية فيما يتعلق بالعمارة، وتنسيق الحدائق، والتخطيط، كما يتطلب إضافة إلى ذلك قدرة ذهنية ودراية علمية في جمع مختلف العلوم المتخصصة كالإنشاء والعلوم المتعلقة الأخرى التي تحتاجها المباني لتقوم بدورها الوظيفي.

أما في مجالات التخطيط فيتطلب المعماري المخطط إلماماً أوسع بمجالات أكثر تخصصا كعلوم الاجتماع والنقل والسياسة والاقتصاد، كما يتطلب علم تنسيق المواقع إلماماً بأمور متعلقة بعلوم النباتات وغيرها.

ومن هنا فانه يتطلب للارتقاء بها (بشقيها العلمي والفني) ونقل الخبرات المكتسبة بها من جيل لآخر هذين الإطارين مجتمعين (ملازمة الرواد من المخططين والمعماريين مع التعليم المباشر لتطوير المواهب الفنية اليدوية واكتساب الخبرات المتوارثة وتنمية القدرة الذهنية على التفكير المبدع الخلاق، إلى جانب صقل المهارات والاطلاع من خلال المعرفة العلمية بالقراء ة والترحال لتنمية المواهب العقلية وتوسيع المدارك).

وقد شهدت العمارة العربية المعاصرة خلال العقدين الماضيين نشاطا ملحوظا في إطار التعليم المعماري تزامن مع تبلور جيل الرواد الأول من معماريي العرب المعاصرين، ومما ساعد على تسارع هذه الحركة التعليمية ظهور الهيئات والمؤسسات التي عنيت بشؤون العمارة العربية الإسلامية المعاصرة ومن أبرزها مؤسسة الآغاخان للعمارة الإسلامية التي اهتمت بدعم المؤتمرات التي تطرح قضايا العمارة والتخطيط في العالم الثالث، إضافة إلى تخصيص جوائز دورية تمنح لأبرز الأعمال المعمارية أو التخطيطية في العالم العربي والإسلامي، واهم من ذلك أنها اتخذت من معاهد العلم المتميزة منابر علمية لها مثل جامعات (هارفارد و م، آي،ت) بأمريكا حيث أرسلت البعثات الطلابية مما شحذ الطاقات العلمية لدى الطلبة والجيل المعاصر إضافة إلى انفتاح العلماء في تلك الجامعات والطلاب المبعوثين على حد سواء على قضايا العمارة والتخطيط في العالم العربي.

كما أن مؤسسة الآغاخان عملت على التعريف بشكل واسع النطاق بإعلام العمارة العربية المعاصرة، إذ توجت جهود المعماري حسن فتحي على مدار خمسين سنة بتنصيبه أول رئيس لجمعية ترشيح الجوائز، و من خلال مجلتها (معمار) تمت تغطية هذه الحركة النشطة من التعليم والفكر المعماري، إضافة إلى المجلات المعمارية والكتب المتخصصة من إصدارات الآغاخان وغيرها كمجلة (البناء) السعودية التي كان لها دور مهم في دعم وتوسيع مدارك أولى طلائع الجيل الجديد من المعماريين إضافة إلى التعريف بالجيل الأول من الرواد من خلال أعمالهم وطروحاتهم الفكرية.

هذه النهضة الفكرية التي نمت مع السبعينيات وتسارعت مع الثمانينيات قادت إلى أمرين مهمين في العمارة العربية المعاصرة: الأول، هو تبلور فكر معماري معاصر بين مجموعة من المعماريين العرب عماده الدعوة لتبني التراث كنقطة انطلاق نحو التجديد والمعاصرة وهم جيل الرواد المذكورين، الثاني، هو تبلور جيل من المعماريين الشبان الذين أنتجتهم الحركة التعليمية والفكرية سابقة الذكر، والذين يشكلون بشكل أو بآخر امتدادا لجيل الرواد الأول إما من خلال المعاصرة والملازمة المباشرة، أو من خلال الانفتاح على الفكر المعماري لهؤلاء الرواد، ولنتعرف تاليا على البيئة الفكرية المعمارية التي نشأ بها هذا التيار، فما ابرز التيارات المعمارية التي سادت خلال هذه الفترة وما قبلها؟ وما عوامل الشد والجذب المؤثرة في هذه النشأة؟

يسود قطاع التعليم المعماري في الوطن العربي من خلال مواضيع دراسة نظريات العمارة الحديثة أو تاريخ العمارة الحديثة النزعة إلى تعريف التيارات التالية كأبرز ما ساد خلال القرن العشرين (وهي ما تشكل الخلفية والمناخ الفكري المعماري لجيل الرواد من المعماريين العرب وجيل قطاع التعليم، وهذه التيارات شكلت وتشكل الفكر المعماري وتعتبر ابرز عوامل الشد والجذب في العمارة العربية المعاصرة، وهذه التيارات هي:

أولا: العمارة الحديثة وقد سادت كتيار وكنظرية تستمد دعائمها من معطيات الثورة التكنولوجية ومعطيات العصر، وتتجلى في الأبنية متعددة الطوابق ولا تعكس هوية ثقافية بعينها، إنما تعتمد الوظيفية كأحد عوامل التصميم الرئيسة بها، ويمكن تبينها في أنماط المباني كالبنوك والمجمعات التجارية وغرف التجارة والأبنية العامة والفنادق وغيرها، وقد ساد هذا النمط المعماري في الغرب مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وانتقل مع مطلع القرن العشرين إلى العالم العربي على أيدي فئة قليلة من المعماريين الذين كانوا يشكلون التيار المعماري آنذاك، ومعظمهم ممن عاصر المعماري حسن فتحي وينتمي لنفس الجيل، ومن هؤلاء المعماري ديران الذي انتشرت مبانيه في الأردن التي تعكس هذا الاتجاه، ولاحقا برز المعماري جعفر طوقان مع السبعينيات الذي يراوح بين عدة اتجاهات ومن أبرزها هذا الاتجاه من خلال تصميماته ببيروت، وهناك أيضا دار الهندسة (شاعر ومشاركوه) بالقاهرة وبيروت التي تعتمد هذا الاتجاه بشكل رئيس في تصميماتها. ويتميز ديران عن غيره من أصحاب هذا الاتجاه بدقة المعالجات المعمارية والاتزان في التعبير.

ثانيا: اتجاه ما يسمى (عمارة ما بعد الحداثة) وهذا الاتجاه انتشر بالعالم العربي مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، ويعتمدا عادة قراءة أصول العمارة الكلاسيكية أحيانا مع مزيج من التكنولوجيا والعقلانية. ويشاهد في مختلف أنماط المباني السكنية منها والعامة، ويلاحظ في هذا الاتجاه استخدام الألوان والمواد الحديثة بمهارة عالية مع الدقة في التحكم بالنسب والحجم، وينتشر هذا الاتجاه في معظم المباني الحديثة على طول امتداد الوطن العربي.

ثالثا: ( الاتجاه العقلاني) وهو يميل إلى الكلاسيكية أحيانا في بعض جوانبه كالحذر في استخدام المواد الحديثة، ويعتمد الاستخدام الحذر الواعي للحجوم والألوان والميل للهندسة المستوية مع التوازن الوظيفي أكثر من الاتجاهات الأخرى مع عدم إغفال النواحي الجمالية والبساطة في التكوين.

رابعا اتجاه ما يسمى عمارة (د كنستركشن) أو يمكن إطلاق كلمة (التفكيكية) على هذا الاتجاه، واحد ابرز رواده المعمارية زها حديد من العراق، ويغلب على هذا النوع من العمارة النواحي الفنية التشكيلية أكثر مما تعكسه العمارة الناتجة من الاتجاهات الأخرى، وأحيانا يغلب التجريد واستعمال المواد الحديثة والزوايا المختلفة ضمن نفس العمل المعماري الواحد.

خامسا:الاتجاه التراثي، وهذا الاتجاه يضم الأغلبية الغالبة من رواد المعماريين، وينطلق من هذا الاتجاه مجموعة تيارات كالمحلية والإقليمية والانتقائية الصورية التي يصنف المعماري عبد الواحد الوكيل من ضمنها وغيرهم.

وقد شكلت هذه التيارات ابرز ما ساد وشكل المناخ والبيئة الفكرية التي تبلور بها الجيل التالي لجيل الرواد، وهو ما نقصد به جيل التعليم المعماري المعاصر.

النظرة العجلى للعمارة العربية المعاصرة تبين وجود أقطاب فكرية رئيسة على الخريطة العربية، أولهما بمصر حيث حسن فتحي (حتى أواخر الثمانينيات)، وعبد الحليم إبراهيم حاليا، والأخرى بالأردن حيث راسم بدران وغيره من رواد الاتجاهات المختلفة، بيد أن مجالات التفاعل بين هذه الطروحات الفكرية على ارض الواقع تتمحور في دول الخليج العربي الآخذ بالنماء والتبلور بشكل متسارع مع نهاية القرن الماضي من حيث الفكر المعماري فكرا وتطبيقا، أما احد ابرز الأقطاب الفكرية المعمارية في المملكة السعودية فيتمثل بمكتب البيئة السعودي والدكتور علي الشعيبي.

كناتج لما تمخضت عنه الحركة التعليمية من ناحية، والنشاط الفكري والتطبيقي لجيل الرواد، فقد برزت مع مطلع التسعينيات ثمة مجموعة من المعماريين الذين يمكن تمييزهم كأسلوب وكموهبة فنية وذهنية، وهم ممن لازم رواد المعماريين وعاصر بعضهم واطلع على فكرهم وتطبيقاتهم، ويمكن أن يشكل ظاهرة معمارية فكرية وعملية إن توفرت الظروف الملائمة.

<!-- google_ad_section_end --><!-- / message --><!-- BEGIN TEMPLATE: ad_showthread_firstpost_sig --><!-- END TEMPLATE: ad_showthread_firstpost_sig --><!-- sig -->__________________
<!-- google_ad_section_start(weight=ignore) -->

المهندس/ محمد رفيق حماد

مكتب الهاشمي للاستشارات الهندسية (دبي)





 

المصدر: تيارات الحداثة والنهضة الفكرية في العمارة العربية
artplastique

جميع الحقوق محفوظة لجميع الطلبة - أمين -

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 878 مشاهدة
نشرت فى 22 يناير 2010 بواسطة artplastique

قانيت محمد أمين

artplastique
قانيت محمد أمين أستاذ و باحث في مجال الفنون المرئية يرحب بجميع الأساتذة و طلبة الفنون »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

103,552

بسم الله الرحمان الرحيم

سألني أحدهم ... كاش جديد ....
فقلت له الجديد أننا  ...
على قيد الحياة