طابور الخبز، اصطف المواطنون في مصر في طابور آخر هو طابور البنزين، وتحديدا البنزين من نوع 80، الذي شهد زيادة في الاستهلاك بلغت نسبتها 40% - خلال شهور مايو ويونيو ويوليو 2008 -هذا النوع من البنزين الذي تؤثر ندرته سلبا على أصحاب السيارات الصغيرة أو القديمة إلى حد ما، وأيضا سائقي سيارات الأجرة والميكروباص.

أما النوع الأول إما أن يلجأ بعضهم لأنواع أخرى مثل البنزين 90 - علما بأن سعر اللتر من بنزين 80= 90 قرش، وسعر اللتر من بنزين 90= 175 قرش أي أن الفارق يمثل الضعف تقريبا - وإما أن يوقفوا سياراتهم ويصبحون من زبائن النوع الثاني (أصحاب سيارات الأجرة والميكروباص).

وبذلك تتفاقم مشكلة النوع الثاني، حيث تطال الخسارة كم أكبر من المواطنين: أولا السائقين الذين بالطبع لن يتوقفوا عن العمل والسعي على تحصيل أرزاقهم وقوت أولادهم، وبالتالي قد يلجأون إلى البنزين 90 في حال عدم توفر البنزين 80، ما يؤثر سلبا على دخولهم، وإما أن يحملوا زبائنهم فرق السعر، وهنا تطال الخسارة ثانيا راكبي ومستخدمي وسيلة المواصلات هذه، وهم الفئة الأغلب في المجتمع المصري من الموظفين والطلبة وذوي الدخل المحدود، الذين لا يستطيعون تحمل مزيد من ضغوط ارتفاع الأسعار.

طابور طويل وكمية قليلة

ورصدا لحجم هذه الأزمة في الشارع المصري، لابد من التعرف على المشكلة من وجهة نظر أطرافها كل على حده. وبالطبع تأتي البداية من محطة البنزين، وفي إحدى المحطات التي تتعامل في البنزين 80 - وهي محطات قليلة - قال عامل البنزين شريف حمدي إن هذه الأزمة مستمرة على مدى شهرين تقريبا، حيث تعاني محطات البنزين كلها من عدم كفاية الكمية التي ترد للمحطة من البنزين 80 مع الإقبال الكبير عليها والزحام الذي يتسبب في تعطيل سير المرور، مضيفا أن طوابير السيارات المنتظرة - ومعظمها من سيارت الأجرة، والملاكي السيات و128، بالإضافة إلى عربات النقل والميكروباص - تسد الشارع، ويستمر الوقوف فيها لمدة قد تصل إلى 4 أو 5 ساعات، مؤكدا أن كمية البنزين 80 - حوالي 15 ألف لتر - تنفد خلال ساعتين أو 3 على الأكثر.

أما سائق التاكسي الأسطى سيد أبدى انزعاجه الشديد من هذه الأزمة، وطالب الحكومة بزيادة كمية البنزين 80، وكذلك زيادة عدد المحطات التي تتعامل فيه. وقال إنه لا يجد البنزين 80 إلا بصعوبة كبيرة "بعد لف على محطات التعاون ومصر للبترول والشرطة" وقد يكون ذلك دون جدوى، حيث نضطر للوقوف في طوابير البنزين ساعتين 3 و4 ساعات، وإذا وجد البنزين 80 تنشب خلافات "وخناقات كبيرة جدا ومشاكل يعلم بها ربنا". وأضاف "ولما بغلب بحط البنزين 90، ح أعمل إيه؟ يعني حأقف وأوقف شغلي وحالي؟!" مؤكدا أن ذلك يؤثر على دخله كثيرا. وعما إذا كان يحمل الراكب معه فارق السعر بين بنزين 80 و90، قال الأسطى سيد "الزبون عارف أجرة مشواره ومالوش دعوة بقى البنزين 80 ولا 90 انشا الله 100 حتى، رزقنا اللي بيتأثر لأنه بيفرق معنا الضعف".

وأوضح سائق التاكسي أنه يضطر للنزول من بيته منذ الساعة 3 فجرا محاولا اللحاق بطابور البنزين في مقدمته قدر الإمكان. كما وصف لنا حاله وحال زملائه من سائقي الأجرة إذا شاهدوا حاملة البنزين 80 يتبعونها ويسيروا خلفها دون أن يعلموا شيئا عن مسارها، حتى تتوقف عند محطة ما لتزويد البنزين، وبعد وصولهم يفاجئوا بطابور طويل ممتد من زملاء آخرين لهم ينتظرون وصول البنزين منذ ساعات، وكثيرا ما ينفد البنزين قبل أن يأتي دوره وزملاؤه.

زيادة الإنتاج 50%

أما الطرف الآخر للأزمة هو الحكومة، التي تدخلت بدورها محاولة حل المشكلة. وأعلن وزير البترول المهندس سامح فهمي أنه سيتم تنفيذ خطة قصيرة الأجل لزيادة توزيع بنزين 80 أوكتين بنسبة 50% خلال شهور الصيف الحالي، موضحا مجموعة من الحقائق الهامة أمام الرأي العام، حيث إن مصر مصدرة لبنزين 95 والنافتا - المادة الأساسية اللازمة لإنتاج البنزين - وإن معظم إنتاج بنزين 90 على مستوى الجمهورية يتم إنتاجه بخلط بنزين عالي الأوكتين مع مادة النافتا بهدف الحد من استخدام رابع أكسيد الرصاص، مشيرا إلى أنه تم إضافة عدد محدود جدا من محطات الخدمة داخل الأحياء الرئيسية بالقاهرة والإسكندرية ومعظم محافظات الجمهورية خلال الـ20 عاما الماضية.

وأشار فهمي إلى زيادة معدل استهلاك بنزين 80 خلال فترة الذروة (مايو - يوليو 2008) بنسبة 40% على الفترة المماثلة من العام الماضي، وأن إجمالي عدد منافذ تسويق البنزين بجميع أنواعه على مستوى الجمهورية يبلغ 2530 منفذا منها 1870 منفذا لتسويق البنزين 80 - تمثل نسبة 75% من إجمالي عدد المنافذ- كما زاد استهلاك البنزين بأنواعه المختلفة على مستوى الجمهورية بنسبة 27% في عام 2007 / 2008 بالمقارنة بعام 2006 / 2007. وقد تزايد استهلاك البنزين 80 في عام 2007 / 2008 إلى 1.6 مليون طن بزيادة نسبتها 29% على العام السابق.

وأرجع الوزير الأسباب المتلاحقة التي أدت إلى زيادة استهلاك البنزين بصفة عامة والبنزين 80 بصفة خاصة إلى زيادة أعداد السيارات، وإنشاء العديد من المدن والتجمعات الجديدة، وبالتالي زيادة حركة النقل من وإلى هذه المدن وتحول شريحة كبيرة من مستهلكي بنزين 90 و92 نتيجة تغير الأسعار إلى استهلاك البنزين 80. وأوضح أنه يتم إضافة حوالي 50 محطة خدمة سنويا على مستوى الجمهورية.

وأكد المهندس سامح فهمي أن الوزارة تعمل حاليا لتنفيذ خطة قصيرة الأجل (خلال شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر 2008) لإزالة الاختناقات، من خلال إعادة توزيع طلمبات بنزين 80 على مستوى الجمهورية، بهدف إحداث سيولة في المرور وسرعة تموين السيارات بالتنسيق مع المحافظين، مع زيادة كميات بنزين 80 المنتجة في معامل التكرير المصرية - دون استخدام الرصاص - إلى حوالي 180 ألف طن شهريا خلال هذه الشهور، مقابل متوسط شهري 120 ألف طن بزيادة نسبتها 50%، وفقا لما تم استعراضه في اجتماع مجلس الوزراء الأخير.

مغالاة في الطلب

وأخيرا، يأتي دور خبراء الاقتصاد المعنيين بالوقوف على أسباب الأزمة، وما ترتب عليها، وتقييم ما طرحته وزارة البترول من حل.

وفي هذا الصدد، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محسن الخضيري أنه في إطار التوقعات بزيادة استهلاك البنزين 80 - الذي احتفظت الدولة بسعره ورفعت أسعار البنزين الآخر - بدأ إحساس داخلي لدى عدد كبير من السائقين بأهمية زيادة الطلب على هذا النوع من البنزين. وبدأت عمليات طلب مغالى فيه ومتزايد، فضلا عن قيام بعض محطات تعبئة الوقود باتخاذ اللازم نحو تخزين هذا النوع من البنزين لملاقاة الطلب المغالى فيه بأسعار أكثر ارتفاعا. وهي عمليات تحدث كثيرا عندما تستعد الدولة لرفع أسعار بعض السلع والخدمات في إطار الضغوط الخاصة بعمليات إتاحة هذه السلعة بالغة الضرورة والأهمية لقطاع كبير من المواطنين.

وأشار إلى أن هذا التأثير التشابكي لعمليات رفع الأسعار، واتجاه الأفراد بمخاوفهم المختلفة لزيادة الطلب على هذه السلعة، تحدث ندرة نسبية في تواجدها ويزداد حجم استهلاكها عن المعدلات القياسية الخاصة بها، وهو ما يجب أن نتنبه إليه عند أخذ ذلك في الاعتبار، عندما تتجه الشكوك والنوايا لعمليات التعامل في السلع الأساسية الجماهيرية ذات الطابع الانتشاري الكبير. ولذلك فإن قرار وزير البترول المهندس سامح فهمي برفع هذا الكم الكبير من المنتجات وإتاحتها هو الذي سوف يساعد على الحد من ظاهرة المغالاة في الطلب على هذا النوع من البنزين وغيره.

وحول ما إذا كان الحل المقترح من قبل الوزارة - المتمثل في زيادة إنتاج البنزين 80 بنسبة 50% - يعد حلا دائما أم هو مجرد علاج مؤقت، خاصة وأن إعلان الوزارة قد ذكر أن هذا الأمر سيقتصر على شهور الصيف فقط، قال الدكتور الخضيري إن هذا يتوقف على قرار الوزير نفسه، وهل يستطيع أن يغذي الإنتاج بهذا الكم الكبير من المنتجات أم سيكون عليه أن يتوقف فترة لإعادة أوضاعه.

وعن التأثير الذي قد يطال الأنواع الأخرى من البنزين جراء ذلك، أوضح أن البنزين بأنواعه لابد وأن يتأثر، حيث لن يوقف الناس سياراتهم، وبالتالي من لم يجد البنزين 80 سيلجأ بالضرورة إلى البنزين 90 أو 92 أو 95 - كل حسب قدرته - مؤكدا أن القضية الرئيسية هي الاستهلاك الكبير الشعبي للمخزون الكبير من البترول الذي بدأ يؤخذ خاصة وأن مواردنا في ذلك فقيرة.

وحول سوء التوزيع الذي كشفت عنه الأزمة الحالية، أكد الدكتور محسن الخضيري وجود سوء في التوزيع فعلا، مشيرا إلى ضرورة زيادة محطات البنزين المتعاملة في هذا النوع، وضرورة زيادة كمية المعروض من البنزين 80،خاصة في الضواحي وبعض المحافظات التي يقل فيعا العرض، موضحا أن سوء التوزيع يؤدي إلى رفع السعر نتيجة المغالاة في الطلب، بينما تؤدي زيادة المعروض إلى خفض السعر أو على الأقل عدم رفعه.

  • Currently 80/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 568 مشاهدة
نشرت فى 3 أغسطس 2008 بواسطة areda

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,177,814