أخلاق المصريين‏..‏ طبعة‏2007(!)‏<!heade>

تشير معظم التيارات الفكرية إلي ان هناك ازمة او تدهورا يصيب الكيان المصري في الزمن المعاصر‏,‏ فلا يبدأ حديث بين طرفين إلا وتظهر تلميحات أو إشارات إلي وجود مظاهر ومؤشرات لمواقف الأزمة التي تتجلي في عدم الرضا عن الحياة وسب المعيشة‏..‏ فماذا حدث للمصريين؟‏!‏ وهل تحولت القيم من الإيجابية إلي السلبية؟‏!‏ ولماذا؟‏!‏ وفي أي اتجاه؟‏!‏

الدكتور أحمد مجدي حجازي عميد كلية آداب جامعة القاهرة السابق وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة أجري دراسة مهمة في هذا الصدد تحمل عنوان الأزمة الأخلاقية والسلوكية‏,‏ يبدأ فيها بالتحذير من أن القيم الاجتماعية أدوات للضبط الاجتماعي ومحركات للسلوك كما أنها تفرز آليات الاستقرار والتوازن في المجتمعات البشرية‏,‏ فإذا ما تعرضت هذه المنظومة إلي هزات أو تحولات غير مرغوب فيها أو انتابها نوع من الخلل‏,‏ تدهورت أحوال البشر وعم الفساد في الأرض‏,‏ وشعر الناس ـ كما يشير ابن خلدون ـ بفقدان التوازن‏!‏

كذلك ينتشر ـ في هذه الحالة ـ عدم الثقة وضياع الرؤي وينتاب البشر حالة من الإحباط والعجز وعدم الرضا والقلق والتوتر‏,‏ ويشيع بين الناس حالة من التردي والوهن وتسود الفوضي الأخلاقية والسلوكية ويفقد النظام الاجتماعي قدرته علي البقاء‏.‏

الفقر والبطالة‏..‏ سببان
في تفسير الأزمة قدم المهمومون ورجال الفكر الاجتماعي والباحثون في قضايا المجتمع رؤي متعددة‏,‏ فهناك من يرجع هذه الأزمة الأخلاقية والسلوكية إلي عوامل داخلية مرتبطة بالبنية الداخلية للمجتمع‏,‏ وهناك من يركز علي عوامل خارجية مرتبطة بما يأتي من خارج المجتمع‏,‏ ويختلف الباحثون في تحديد تلك العوامل وأوزانها وتأثيراتها علي سلوكيات الأفراد‏,‏ فمنهم من يؤكد أن الأزمة الأخلاقية ـ في الأساس ـ نتاج لعوامل مادية‏,‏ فالفقر والبطالة وضعف المرتبات وتفاوت الدخول وارتفاع أسعار السلع وقلة الخدمات وزيادة مستوي المعيشة والقهر المادي والاستغلال الاجتماعي وعجز الافراد عن تدبير أمور حياتهم المعيشية‏,‏ كل ذلك وغيره يؤدي الي تشكيل انماط سلوكية لا معيارية ويخلق نوعا من الخلل يتفاقم عبر الزمن‏,‏ بل قد يصل إلي خلق أشكال من الانحراف‏,‏ حيث يحاول كل فرد البحث عن وسائل غير مشروعة للتغلب علي تلك المشكلات المادية والضغوط الناتجة عنها‏.‏

الاغتراب في الوطن‏!‏
للأزمة الأخلاقية والسلوكية مظاهر ومؤشرات‏,‏ يفسرها رجال الفكر الاقتصادي‏,‏ بان هناك نوعا من الخلل الهيكلي أصاب المجتمع وأهم صوره اختلال توزيع الدخل‏,‏ واتساع الهوة بين مستويات الدخول‏,‏ وانخفاض معدل الاستثمار‏,‏ وزيادة الطموح الاستهلاكي في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع من اشباع الحاجات الأساسية لأفراده‏,‏ والاختلال المستمر في ميزان المدفوعات‏,‏ والاعتماد علي الخارج في السلع الغذائية‏,‏ ويؤكد رجال الاقتصاد ان تأثير ذلك علي سلوكيات الناس في الاتجاه السلبي عظيم‏,‏ حيث يفقد الأفراد القدرة علي العمل المنتج‏,‏ والشعور بحالة من الاغتراب‏,‏ وزيادة حدة العنف والتطرف‏,‏ والانصراف نحو البحث عن وسائل للعيش حتي لو كانت بطرق غير مشروعة‏,‏ مما ساعد علي ظهور السلوك الانحرافي والانصراف عن العملية الإنتاجية وبالتالي التدهور المستمر لإمكانيات المجتمع والانخفاض في قدراته‏.‏

يعاني السياسيون من مظاهر الأزمة الأخلاقية والسلوكية التي تتمثل في ضعف المشاركة في الحياة السياسية وعزوف افراد المجتمع عن المشاركة في الانتخابات‏,‏ وانتشار التغريب السياسي والاجتماعي‏,‏ وانشغال الناس عن القضايا المصيرية بمسائل أخري ليست ذات أهمية‏,‏ وغياب الأهداف القومية والرؤي العقلانية والعجز عن ممارسة الحوار البناء‏.‏ ويرصد المثقفون مظاهر الأزمة ومؤشراتها الثقافية كما يؤكد د‏.‏ أحمد مجدي حجازي في سيادة سلوكيات هابطة تبحث عن الجنس وتستجيب للغرائز الدنيا‏,‏ وانتشار انواع من الفن الرخيص واختفاء الفن الراقي الرفيع وكذلك انتشار اللغة الهابطة بين الشرائح الاجتماعية المختلفة‏,‏ وشيوع التفكير الخرافي‏,‏ واللاعقلانية في التفكير الديني وتدني مستوي التعليم‏,‏ وانحطاط حال المؤسسات التربوية‏,‏ ويضيف د‏.‏ حجازي ان أزمة الثقة في الدولة‏(‏ الحكومة‏)‏ أو في النظام من أخطر العوامل المشكلة لتفاقم الأزمة الأخلاقية‏,‏ حيث يغيب الشعور بالانتماء الوطني والعزوف عن المشاركة السياسية‏,‏ والاهتمام فقط بوسائل سد احتياجات الفرد من الحياة المعيشية اليومية بهدف البقاء والتحايل من أجل الاستمرار‏,‏ كما أن عدم فعالية تطبيق القانون والتمايز
في تطبيق وعدم احترام السلطة التنفيذية يساعد بلا شك علي الانفلات والفوضي الأخلاقية‏.‏

**‏ هل هناك مبادئ وأسس استرشادية لوضع تصور مقترح لتجاوز الأزمة وبالعامية كيف نعود بالأخلاق الي عهودها القديمة؟‏!‏ يجيب الدكتور احمد مجدي حجازي‏:‏ بالطبع‏..‏ ومن أهم هذه الأسس والمبادئ أن العدالة أساس الدولة والحكم‏,‏ كما أن تطبيق القانون بصورة متساوية وعادلة يؤتي ثماره في إيجاد نوع من الطمأنينة لاحترام القانون من ناحية والتماثل له والخضوع من ناحية اخري‏,‏ فاختلال ميزان العدل يعني الفوضي والمحسوبية والنفاق والرشوة وغيرها من السلوكيات السلبية‏.‏ ولما كانت مشكلة البطالة ـ خاصة بين الشباب ـ تمثل مشكلة حقيقية مع اتجاه الدولة للاصلاح الاقتصادي وفتح الأسواق والتخلي عن تعيين الخريجين‏,‏ فانها تعد من المشكلات التي تؤدي الي انحرافات سلوكية لذلك فمعالجة هذه المشكلة لن تتم إلا من خلال اعتبارها قضية قومية ملحة لابد من مساهمة مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص والأهلي لخلق فرص عمل حقيقية‏.‏ كما يجب اعادة النظر في محطات اختيار القيادة لتولي المناصب العامة علي كافة الأصعدة السياسية والادارية والتنفيذية‏,‏ ولابد من تكوين كوادر قيادية من الشباب لدفعه نحو العمل القيادي العام‏.‏
وتعد التربية الدينية‏,‏ والتربية السياسية من الأساليب المهمة في التنشئة الاجتماعية التي تحتاج إلي إعادة النظر والبحث عن وسائل غير تقليدية تسهم في دفع العملية الانتاجية القادرة علي مواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية‏.‏ ولابد من توسيع مساحة الديمقراطية الأخلاقية واتاحة الفرصة لخلق اسس للحوار العقلاني البناء والحد من العنف الثقافي السائد حتي بين المثقفين ورجال الفكر‏.‏

  • Currently 40/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 1459 مشاهدة
نشرت فى 9 مايو 2007 بواسطة areda

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,178,042