سألني البعض: لماذا يعترض القضاة علي قانون مد السن من ٦٨ عاماً إلي ٧٠ عاماً، قلت: لعدة أسباب، أولها الطريقة التي صدر بها مشروع القانون.. وأقل ما توصف به أنها غير محترمة وتخلو من الذوق والأدب، وثانيها أن القضاة لا يعترضون في المطلق إنما اعتراضهم مبني علي حجج ومبررات، من بينها أن موافقتهم مشروطة بعدم تولي القضاة بعد سن الـ ٦٨ أي منصب إداري.. وعدم السماح بندبهم أو إعارتهم إلي وظائف حكومية.

وحجة القضاة في ذلك هي إفساح المجال أمام شباب القضاة للترقي وعدم سد النوافذ أمامهم.. فلا يجلس الشخص الواحد في منصبه سنوات طويلة ويحرم المجتمع من خبرات الآخرين.. كما أن حجة الحكومة أو الدولة في رفع السن هي الاستعانة بشيوخ القضاة، أسوة بأساتذة الجامعة، والاستفادة من خبراتهم.. والقضاة لا يعترضون علي ذلك، لكنهم يطلبون أن يسري المد علي القضاء الجالس الذي يفصل في القضايا.. ولا يتم إهدار هذه الميزة- وهي المد- في إعارة القضاة وندبهم في وظائف وأعمال حكومية.

ثم القضاة يعترضون علي اتباع الحكومة سياسة «الرشوة» في طريقة مد السن للقضاة.. فهذا هو المد الرابع للسن من ٦٠ إلي ٦٤ إلي ٦٦ إلي ٦٨، ثم إلي ٧٠ عاما.. وربما بعد عامين تفكر الحكومة في رفعه إلي أجل غير مسمي.. وهدف الحكومة من وراء ذلك غير نبيل وغير كريم.. ولا يهدف إلي الاستفادة من خبرات القضاة.. وإنما هدفها هو إبقاء بعض القضاة في مناصبهم إلي الأبد.. وفي مقابل ذلك يدين هؤلاء القضاة بالولاء لها، ويمررون ما تريده الحكومة من قرارات وتصرفات وانتخابات وسيناريوهات.

لهذا رفضت الجمعية العمومية لنادي القضاة في عام ٢٠٠٥ مبدأ مد السن ذاته بأغلبية ٣٧٠٦ أصوات ضد ٥٧٠ صوتا فقط، لإدراكها أن الحكومة لا تريد الاستفادة من خبرات القضاة في سرعة الفصل في القضايا، وإنما تكريم رجالها بجلوسهم علي مقاعدهم.. وهي السياسة التي درجت عليها الحكومة في كل مؤسسات الدولة.. فالمسؤول يبقي في منصبه حتي آخر نفس وآخر نبضة في قلبه.. فضلا عن أن أدوار البعض لاتزال مطلوبة في المرحلة المقبلة.

وصباح اليوم يعقد القضاة جمعيتهم العمومية لإعلان كلمتهم في هذا المسلسل الهابط من القصة إلي السيناريو إلي التمثيل إلي الإخراج، وجدول أعمال الجمعية العمومية مفتوح بما فيه إدراج تنظيم مسيرة إلي قصر عابدين.

إن الذي يشغلني في هذا المسلسل الهابط هو أن يؤدي إلي هز صورة رجال القضاء في الشارع، وأن ينتقص من قدرهم ومكانتهم في المجتمع.. وأعتقد أن هذا أصبح هدفا أن تسقط آخر قلاع الحرية والديمقراطية في مصر.. أن تسقط حصن القضاء المنيع وأن يدار بمعرفة الدولة، مثل أي مرفق آخر.. وهذا هو التحدي الكبير اليوم أمام القضاة في جمعيتهم العمومية.. هل هم مستقلون أم تابعون؟!


  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 1218 مشاهدة
نشرت فى 29 إبريل 2007 بواسطة areda

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,177,632