د. علي صادق رئيس مجلس بحوث الفضاء 

 القمر المصري للتنمية ولن يكون عسكريا 

 

على صادق

 فقال د على صادق  «أخذت عهدًا علي نفسي بألا أجري حوارات صحفية أو أدلي بأي تصريحات حتي يري مشروعنا الفضائي النور.. وهذه الأيام فإن قمرنا الصناعي «ايجيبت سات» بمثابة ضيف عزيز علينا، أكرمناه طويلاً ونقوم حاليا بتوديعه وهو الآن جاهز للسفر إلي الفضاء. قمرنا الآن جاهز للانطلاق من كازاخستان نهاية الشهر الجاري.

في نهاية شارع يحمل اسم الزعيم اليوغسلافي السابق تيتو شرق القاهرة يقع مبني «هيئة الاستشعار عن بعد» والذي يتبعه مجلس بحوث الفضاء حتي الآن.. وللعلم فإن المبني كان أحد أملاك شركة الشريف.

الدكتور صادق وفريقه يسكنون الدور الثاني في المبني.. قال  «مقرنا بعد إطلاق القمر سيكون في «القاهرة الجديدة» حيث خصصت الدولة ١٠٠ فدان لوكالة الفضاء المصرية، إضافة إلي اعتمادات سخية وكريمة من الدولة لهذا البرنامج، أسئلة كثيرة دعونا نقراها سويا .........

المعلومة  وكان كثير من ردود الدكتور صادق، المنتمي في تكوينه وتأهيله وترقيته إلي مؤسسة سيادية عريقة، يبدأ بالتأكيد علي أن برنامجنا سلمي وتنموي ولن يتحول يومًا إلي برنامج عسكري.. وفهمت الرسالة.. جيدًا..

رجل عاش نحو ثلاثين عامًا من عمره يتطلع إلي رؤية أول أقمارنا منطلقًا إلي الفضاء.. إلي نص الحوار:

.. بداية، ما آخر أخبار إطلاق القمر المصري.. ومتي سينطلق للفضاء؟

- سيتم إطلاقه يوم ٢٧ مارس الجاري، وقد يتم تأجيله ليوم واحد فقط في حال حدوث مشكلة فنية.. بمعني أن يوم ٢٨ مارس سيكون «احتياطيا» لليوم الأساسي للإنطلاق.

.. ومن هي الأطراف المشاركة في هذه العملية؟

- هناك كازاخستان وتشارك بنسبة بسيطة حيث إنها الدولة التي سينطلق منها القمر،وأوكرانيا المضيفة بمشاركة كاملة من مهندسين وعلماء مصريين هناك، أما صاروخ الإطلاق فهو روسي.. وكان صاروخًا عسكريا وعابرًا للقارات.. وقادرًا علي حمل رؤوس نووية متعددة، وتم تحويله باتفاقات دولية إلي صاروخ مدني مخصص لنقل الأقمار الصناعية للفضاء ثم إطلاقها، وسيكون الكنترول للشركة المالكة للصواريخ وهي الشركة الروسية التي قامت بتحديد موعد الإطلاق.

.. وماذا تعني من وجهة نظرك مشاركة العلماء والمهندسين المصريين المقيمين في أوكرانيا في هذه التجربة؟

- نحن دولة لها فلسفة واستراتيچية، يعلمها الجميع... هذه الفلسفة قائمة علي تحويل منطقة الشرق الأوسط إلي منطقة سلام، وانطلاقًا من هذه الفلسفة تم إجراء عدد من الخطوات التنفيذية، وبدأ «السلام» بأيدي المصريين،

 وبالتالي فإن كل الأنشطة التي تتماشي مع فلسفة الدولة المعلنة واستراتيچيتها يتم تطبيقها، ونشاطنا الفضائي «سلمي» ومخصص للتنمية، وبالتالي نشارك فيه من هذا المنطلق، خاصة أن الأنشطة بصفة عامة لها ازدواجية في التطبيق، ونحن دولة تدعو للسلام ونؤكد أننا سنطبق مفاهيم السلام، والذي من خلاله سيتم تحقيق العديد من الإنجازات التي عجزت عنها الدول التي لها مفاهيم غير سلمية،

وهذا وضح جليا في العراق حيث إن التواجد الأمريكي في العراق أكد أن أكبر دولة في العالم ليس لديها مفاهيم «سلمية»، ففلسفتها قائمة علي الحرب وهو ما أدي إلي الدمار الحالي، وهم أنفسهم اعترفوا بذلك، ولكن الحرب في زمن الفضاء فلسفة قصيرة المدي، وقد يعتقد البعض أن القوة والتدافع العسكري هو الأساس، ولكن هذا لا يتناسب مع الفضاء وأمريكا تعلم ذلك تمامًا، وإن لم تعلمه الآن، فستعلمه غدًا.

.. ولكن إذا تم استخدام تكنولوچيا الفضاء عسكريا.. فلابد أن يكون هناك ردع فضائي أيضًا؟.

- الفضاء يملكه دولتان اثنتان فقط وهما الولايات المتحدة وروسيا، وهناك دولة ثالثة بدأت تتجه إليه الآن وهي الصين.. وحتي ولو كانت هناك دول تستخدم الأقمار فإنها تستخدمها لأغراض سلمية كالأسباب التجارية والاستشعار عن بعد وحركة السفن، ولكن الفضاء كاستخدام عسكري يقتصر علي هذه الدول الثلاث وتنضم إليها إسرائيل، ولكنها موجودة كنوع من أنواع الاستخدام غير المباشر للفضاء، كالحصول علي معلومات من خلال الفضاء، ولكن لا تستطيع أن تحارب بالفضاء أو في الفضاء.

.. ولكن هل تستطيع أن تتجسس علينا عن طريق الفضاء؟

- كل دول العالم لها قدرة الحصول علي معلومات من الفضاء سواء بوسائلها الخاصة عن طريق أقمارها الصناعية أو بالوسائل التجارية عن طريق شراء المعلومات، ولكن الحصول علي المعلومة للاستخدام السلمي هو الأساس، وهي نقطة مهمة للأفراد جميعًا لمعرفتها علي اعتبار أنهم ينظرون للفضاء علي أنه شيء مبهم وليس ذا أهمية،

 فلابد أن يعي الجميع أن كل التطبيقات علي سطح الأرض هي تطبيقات فضائية عسكرية ثم تحولت إلي تطبيقات مدنية، فمثلاً الاتصال التليفوني كان في البداية استخدامًا عسكريا فقط، وعندما بدأ يسمح التقدم العلمي باستخدامه بدأ الاستخدام المدني يطفو علي السطح بحيث أصبحت الاستخدامات المدنية لتطبيقات الفضاء هي الأساس،

 فالجميع يعلم أننا في عصر المعلوماتية، وهو أحد نتائج عصر الفضاء، فعندما كثرت المعلومات، أصبح الفضاء ضروريا بحيث أصبحت هناك حاجة للحصول علي ما يسمي بـ «التحصيل الكمي للمعلومات»،

 فالفضاء يستخدم للحصول علي كل المعلومات عن الأرض بصورة دورية منتظمة دون تحديد لمعلومة معينة، وبالحصول علي هذه المعلومات بشكل يومي، أصبحت هناك كمية هائلة من المعلومات تحتاج لحفظها، وأدي هذا إلي رغبة الدول الفضائية الكبري بمقارنة المعلومات التي ترد إليها صباحًا بمثيلتها التي ترد في وقت آخر، وكذلك مقارنتها بالمعلومات التي تحصل عليها باقي الدول،

فأصبحت هناك ضرورة إلي تطوير مواد الحاسبات نفسها وبالتالي تطوير الاستخدامات المتعددة لها، ولابد من تطوير الاتصالات نفسها لتصل إلي الحاسب والتي بدورها تحتاج إلي أقمار متعددة للحصول علي المعلومات بسرعة حتي يتم إرسالها للأرض في زمن قصير، ولذلك يعتبر الفضاء هو «أبو التطبيقات».

وأعتقد أن علي الدول النامية وخاصة مصر أن تدخل عصر الفضاء، فهناك علي سبيل المثال صناعة ضخمة كصناعة السيارات ولكن في مصر لدينا «ورش» خاصة للتصليح وليس التصنيع، وهذا يدخل في نطاق التنمية، أي أننا مازلنا، صناعيا، مستخدمين للتكنولوچيا وصناعة الفضاء في الأساس أساسها معلوماتي.

ويجب أن ندخل إليه ويكون لنا «باع» طويل فيه، لأنه يؤدي إلي العديد من الإمكانات والزيادة في الدخل القومي وينشط الحركة الاقتصادية.

.. ولماذا نتجه شرقًا طلبًا لهذه التكنولوچيا.. هل هي أسباب استراتيچية أم تجارية؟

- لا هذا ولا ذاك، فالأهم هو مصلحة مصر، والمصلحة تستدعي الحصول علي شيئين، وهما أقل سعر ممكن، وأفضل تكنولوچيا متقدمة نستطيع استيعابها.

ونحن طرحنا مناقصة تقدمت إليها ٩ دول، تم اختيار ثلاث منها هي أوكرانيا وبريطانيا وروسيا، حيث كانت عروضها من الناحية الفنية متشابهة، ومتناسبة مع ما نريده، وكان العرض الأوكراني ٢١ مليون دولار، والبريطاني ٤٠ مليون دولار والروسي ٦٠ مليون دولار، فكان الاختيار لصالح العرض الأوكراني، فالفضاء له نوعان من التكنولوجيا، هناك تكنولوچيا قديمة أو أساسية،

وأخري متقدمة جدًا، ونحن اخترنا «الأساسية» أو «التأسيسي» بمعني أننا لا نعرف شيئًا عن تكنولوچيا الفضاء قبل هذا العرض الدولي، فكنا من قبل مجرد مستخدمين فقط بمعني أننا نشتري صورة لنشاهدها ونشتري موبايل لنتحدث فيه، ولكن الفضاء كتطبيق لكل هذه الأساسيات هذا ما نبغي تحقيقه خلال المرحلة المقبلة.

.. ولكنني عرفت أن القمر الصناعي المصري مقارنة بالأقمار البحثية الأخري سيكون من الجيل الثالث وليس الأول، من حيث حجم الكاميرات مثلاً، فلماذا لم نبدأ بأحدث الأنواع الموجودة عالميا؟.

- هناك شيء مهم، وهو كيف نبدأ بتكنولوچيا عالية ونحن لاندري شيئًا عن التصنيع الأساسي، فلابد أن نأخذ القواعد والأساس لهذه الصناعة حتي نبدأ فيها، بمعني أن نحصل علي المعلومة الخاصة بعلوم وتكنولوچيا الفضاء، فليس هناك خوف من هذا المجال، ولقد وضعنا أهدافًا لمصر، أحدها هي دراسة التكنولوچيا وليس الحصول علي أحدثها.

.. هل هذا مرتبط بتقنيات معينة وضوابط معينة تربط بين قدرة القمر التصويرية وابتعاده عن المهام العسكرية؟

- حتي تستوعب علوم الفضاء، لابد أن تبدأ بداية جيدة تتناسب مع قدراتك في المجال، فلا نستطيع أن نقفز إلي أحدث التكنولوچيات في الفضاء وليس لدينا الأساس لذلك، فالأمور معقدة ويجب أن نأخذها بالتدريج، وهذا القرار ليس عشوائيا، فمجلس بحوث الفضاء ظل لمدة عام كامل يدرس أهداف مصر القومية واستراتيچية تطبيقها، وكان هذا العام لدراسة جميع الآراء، فنحن دولة رائدة وقائدة في الشرق الأوسط تدعو للتنمية وثقافة السلام المبني علي التقدم العلمي والتكنولوچي التنموي،

فنحن لم نعلن أننا نريد أن نكون دولة عسكرية ولدينا أقمار هائلة ونحن غير قادرين علي استيعابها، نحن استوعبنا الدرس من الاتحاد السوفيتي من قبل الذي كان لديه قدرات عسكرية في الفضاء وانهار بسبب ذلك، فكان التقدم العلمي والتكنولوچي غير مخصص للتنمية وإنما كان مخصصًا لأغراض عسكرية فقط وهنا الخطر.

.. لو قارنا هذا المشروع بمثيله الإسرائيلي، فماذا تقول؟

- المشروع الإسرائيلي كان عسكريا بالدرجة الأولي، ولكن المصري هو مشروع تنموي، بمعني أننا نبني بلدا في كل مراحله، نحن نعمل للتنمية فقط، فالأخطر أن تكون لك فلسفة معلنة خاصة بالدولة والمنطقة ثم تعمل بالتنفيذ بما يخالف ذلك، نحن لنا فلسفة قائمة علي السلام وهي معلنة وواضحة، فبرنامج الفضاء المصري يعمل في هذا النطاق، والمقارنة خطأ بيننا وبين إسرائيل، فهي دولة لاتزال قائمة علي الاستخدام العسكري المفرط لتحقيق أمنها، وهذا التوجه ضار بهم، والبناء للتنمية هذا أكبر ضمان علي المدي البعيد، فالبناء للسلام والتنمية أهم كثيرًا من البناء للحرب، علمًا بأن ما نفعله الآن ليس له أي صلة بالقدرات العسكرية المصرية،

 فمصر لها اتجاهان، الأول خاص بالتنمية والثاني خاص بالدفاع عن أمنها، ولا نعلنه ولكن بلا جدال مصر آمنة ولها قدراتها التي تستطيع بها أن تدافع عن أمنها، أما برنامج الفضاء المصري الذي يعمل من خلال وزارة البحث العلمي فهو برنامج سلمي يهدف للتنمية، وإجراءاته بحثية فقط قلبًا وقالبًا.

.. وما وضع المهندسين والعلماء المصريين الذين تدربوا في أوكرانيا؟

- أي تقدم علمي وصناعي، لابد من إنشاء قاعدة علمية له، ونحن أنشأنا هذه القاعدة، من خلال ٦٤ متخصصا سافروا لمدة ٣ سنوات للتدريب في أوكرانيا، إضافة إلي ٢٠٠ عالم ومتخصص في مجالات مختلفة كالقانون والاقتصاد والتأمين والمالية ومهندسين وعلوم، والأخيرون تلقوا تدريباتهم ومهاراتهم داخل مصر.

.. وكيف كانت بدايات الفكرة؟

- تم تكليفنا بإدخال مصر إلي عصر الفضاء، فنشأ مركز بحوث الفضاء نهاية عام ١٩٩٧ وتمت دراسة الموضوع لمدة سنة، ثم تم وضع الأهداف والخطط والميزانية المقترحة لمدة ٥ سنوات، وبعدها تحركنا من «لا شيء» حيث لم يكن موجوداً لا «كرسي» أو «مكان» أو «إنسان» واحد في المكان، ولكن تاريخ مصر مع علوم الفضاء أقدم..

وبدأ ذلك مع الدكتور محمد عبدالهادي - رحمه الله - بعد عودته من الولايات المتحدة قبل ٤٠ عاماً تقريباً، حيث أنشأ أول مشروع في مصر للاستشعار عن بعد بالتعاون مع جامعة أمريكية، في أكاديمية البحث العلمي، وكانت الأقمار الموجودة آنذاك أقمارا عسكرية سرية، وبدأت الدول التي لديها أقمار مثل روسيا وأمريكا تدرك أن المسألة ليست عسكرية فقط، وإنما هناك استخدامات كثيرة، فبدأ كل عالم لديه فكر متقدم ينشئ في بلده مشروعا تنمويا للفضاء بتطبيقاته، وكان الفضاء مجالا غير مشروع في معظم البلدان،

ولكن العلماء بدأوا في استخدامه في ظل اعتراضات من الدول، والعرف يقول إنه لكي يكون هناك قانون فالمطلوب شيئان، الأول: أن يكون هناك ممارسة مستمرة والثاني أن يكون الشعور بأن ما نقوم به شيء «مشروع» ولذلك فإن النشاط الفضائي تحول علي هذا الأساس من نشاط غير مشروع إلي نشاط مشروع نتيجة الممارسة وقبول الدول الحصول علي المعلومات.

.. وما سبب تأخرنا في الدخول إلي عالم الفضاء؟

- نحن تأخرنا في التصوير الفضائي، ولكننا لم نتأخر في دخول عصر الفضاء، فكان لدينا استشعار عن بعد، وحدثت محاولة جادة في لجنة كانت تسمي «اللجنة العليا للفضاء» في أوائل الثمانينيات، حينما كان الدكتور مصطفي كمال حلمي وزيراً للبحث العلمي، وكانت مكونة من الدكتور محمد عبدالهادي وعمرو موسي، ممثلاً عن وزارة الخارجية، وأنا،

 ولكن كانت الظروف غير مواتية للدخول إلي عصر الفضاء لأسباب خاصة بنشاط البحث العلمي آنذاك من حيث الماديات والأمور الدولية والإقليمية، ولم يكن هناك تقصير، فكان لابد من اختيار التوقيت المناسب، فتحول مشروع الدكتور عبدالهادي إلي برنامج مصري، وبدأنا التحرك الفعلي منذ عام ١٩٩٨.

.. مشروع بمثل هذا الحجم وهذه الطموحات، ألا يحتاج للاستقلالية؟

- بلا شك، فلا توجد خطوة نقوم بها إلا من خلال أهداف قومية نحققها واستراتيجية نعمل علي أساسها، ومن ضمن هذه الأهداف من سنة ١٩٩٩ إنشاء وكالة مصرية للفضاء، فهي إحدي الخبرات التي حصلنا عليها من العالم كله، فلا توجد دولة دخلت عصر الفضاء إلا بالطريقة التي اتبعتها مصر، بحيث تكون عن طريق أكاديمية البحث العلمي أولاً ثم تتحول إلي مرحلة مؤسسية تتبع رئيس الوزراء أو رئيس الدولة حتي تستطيع الدخول إلي عصر الفضاء، فنحن لدينا الآن أكثر من ٢٥٠ عالماً ومهندساً،

 بالإضافة إلي مدينة فضائية تصل مساحتها إلي ١٠٠ فدان يحوطها ١٥٠ فداناً كحرم أمان لها، فضلاً عن محطة للتحكم وأخري للاستقلال، فنحن لدينا الآن المقومات و«المكونات» لإطلاق القمر.

.. وكيف سيتم إطلاقه؟

- ستكون هناك محطة تديره أثناء الانطلاق وهي موجودة في أوكرانيا والثانية سيتم استخدامها حتي تنتقل خبرة التحكم في القمر وإدارته إلي الجانب المصري وستكون في شرق القاهرة، وسيديرها طاقم من المهندسين يتم تدريبهم حالياً.

.. هل هناك شكل إنشائي مقترح لوكالة الفضاء المصرية؟

- لدينا دراسات كاملة للإنشاء، ولكننا سننتظر إطلاق القمر أولاً، وأعتقد أن القاعدة العلمية والمدنية والمحطات متوافرة لدينا الآن لإنشاء الوكالة، ودخول عصر الفضاء.

.. وأي جهة تتمني أن يتبعها البرنامج؟

- رئيس الوزراء، علي أن يكون من خلال لجنة تنفيذية خاصة، فمن الصعب أن تتبع رئيس الجمهورية، حيث إن مهامه الاستراتيجية لا يصلح معها أن يكون مسؤولاً عن شيء تنفيذي مهما كانت أهمية هذا الشيء، فيكون التنفيذ لرئيس الوزراء وتحت الإشراف المباشر للرئيس،

 والأفضل أن يكون لها صلاحيات إدارية ومالية بحيث يسمح لها بالتعامل مع أعلي المستويات العلمية، ويجب أن يكون لها من «المرونة» ما يسمح لها بالتغلب علي أي عقبات، وتستطيع المحافظة علي كوادرها العلمية، فمن غير المعقول أن يكون لدينا عقول وكوادر علمية نادرة ثم نتعامل معها كما نتعامل مع أي مواطن عادي.

.. ولكن بإنشاء الوكالة سيتم الانفصال عن أكاديمية البحث العلمي، ألا تري أن ذلك قد يؤثر علي البرنامج؟

- لقد انتبهنا لذلك منذ البداية، فطبقاً لنص القرار الخاص بإنشاء برنامج الفضاء المصري، وافقت عليه جميع المؤسسات العلمية، أنه يتم مرحلياً تنفيذه من خلال هيئة الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء لحين إنشاء وكالة الفضاء، فوجودنا في الهيئة مثل «الضيوف»، ولكنهم أحسنوا ضيافتنا بالفعل.

.. ولكن هناك اعتمادات خاصة للهيئة؟

- نعم، نحن لدينا ميزانية خاصة بنا، فالأكاديمية لها ميزانية ونحن لدينا ميزانية أخري، وإلا ما كنا استطعنا الإنفاق علي البرنامج، فمثلاً العرض الأوكراني يمثل ٢١ مليون دولار علي مدي ٤ سنوات، وهي مقسمة إلي ٦ ملايين دولار ثمناً للقمر، و٤ ملايين للإطلاق، ومليون دولار للتأمين،

 وسيتبقي ١٠ ملايين وهي مخصصة لإقامة العلماء في الخارج والتأمين عليهم والانتقالات ونقل التكنولوجيا وقيمة محطة التحكم وتركيبها، ونحن لم ننفق مليماً واحداً خارج المنطق.

.. منذ شهر تقريباً، نقلت الصحف الإسرائيلية وبعض وكالات الأنباء خبراً «خاطئاً» بأن القمر الصناعي المصري «إيجبت سات١» قد تم إطلاقه فعلياً. من وجهة نظرك ما أسباب هذا الخطأ؟

- هناك بعض الدوائر الغربية تقف ضد البرنامج المصري، ولكن العالم بأكمله يعلم أن برنامجنا «سلمي»، فقد أشاعوا أننا سنطلق قمراً للتجسس، وقارنوا بينه وبين الأقمار الإسرائيلية، وهذا غير صحيح علي الإطلاق، وما أشيع يعرف بإطلاق معلومات خاطئة دون استناد إلي حقيقة، وبالتالي يبني عليها كل ما هو خاطئ.

.. تري هل كان هناك «تعمد» لإشاعة ذلك؟

- بالفعل، ولكن نحن نتعامل مع ذلك بعناية فائقة وذكاء.

.. ولكن لم يكن هناك نفي مصري لهذا؟

- لم يتصل بنا أحد لننفي.

.. وبعد إطلاق القمر ما المدة التي ستستغرقها الصور للحصول عليها؟

- ستكون في حينها، فنحن الآن نقدم صوراً لكردون المدن المزمع إنشاؤها، عن طريق الأقمار الصناعية الدولية والطائرة الموجودة بالهيئة، وفي المرة المقبلة ستكون بالقمر الصناعي المصري، وهذا سيوفر العديد من الملايين.

.. بعد كل هذا الحديث عن الفضاء وفوائده، ما الفائدة الحقيقية التي ستعود علي الصناعات المصرية؟

- العالم كله دخل في صناعة المعرفة أو عصر المعلوماتية، وعصر الصناعة في الفضاء هو عصر المعرفة، ولقد دخلنا إلي عصر الفضاء من خلال الأقمار الصناعية، وأعتقد أننا لم نتأخر كثيراً عن عصر الفضاء، ولكن لابد أن يعي الجميع أن الفضاء لا يحتاج إلي مصانع وإنما يحتاج إلي تعامل، فهو يحتاج معملا للحمولة مثلاً، الذي توجد فيه الكاميرات المطلوبة وهو موجود لدينا الآن،

وآخر يسمي معمل تجميع للأوامر، وهذا سيتم إنشاؤه في المدينة الفضائية في مدينة القاهرة الجديدة خلال المرحلة المقبلة، وبالتالي فإن المعامل الفضائية هي الأساس فيما يطلق عليه صناعة الفضاء، وأعتقد أننا في الخطة المقبلة سنضع إطار القمر في مصر. بحيث نبدأ في تصنيع نسبة معينة من البنية الأساسية.

.. القطاع الخاص في مرحلة معينة يمكن أن يدعم المشروع، فما وجهة نظرك، وكيف يتم ذلك؟

- بالفعل أدعو القطاع الخاص أن يهتم بمجال الفضاء وصناعته فهو بلا شك مستقبل مهم بالنسبة لهم، فنحن كدولة مثلاً أنفقنا الكثير من ميزانية الدولة لإنشاء البنية الأساسية للفضاء، وستكون المرحلة المقبلة ذات شقين، الأول منهما خاص بالمشاركة في التصنيع الفضائي وهو مناسب لمشاركة رجال الأعمال ممن يهمهم الأمر، والثاني خاص باستخدامات الفضاء،

فالقمر الخاص بمصر سيعطينا صوراً مهمة للغاية، ولابد من معرفة طريقة تسويقها والتعامل معها، وعادة فإن الحكومات لا تملك الأقمار الصناعية بشكل كامل، ولكن القطاع الخاص يشارك بالنسبة الأكبر في هذه الملكية.. وللمرة الثانية أدعو القطاع الخاص للتعامل معنا للاستفادة من تكنولوجيا المستقبل.

.. وهل تري أن القطاع الخاص مؤهل لذلك؟

- نعم، فهو لديه من الإمكانات ما يسمح بالاستفادة والمشاركة.

.. إذن، ماذا سيستفيد رجال الأعمال من إطلاق القمر؟

- القمر المصري سيفيدنا من خلال تطبيقاته، ولكن تصنيعه سيكون مكلفاً للغاية، وإن كان في عام ٢٠١٢ من الممكن أن يقوم القطاع الخاص بتصنيع قمر صناعي لحسابه الخاص، بل يصنع لحساب دول أخري، خاصة الأفريقية، فعلي سبيل المثال الشركة الأوكرانية هي التي تعاقدت علي تصنيع القمر، ولكن جزءا من الشركة مملوك للدولة والنسبة الأكبر مملوكة للقطاع الخاص،

إذن فهناك إمكانية أن نستكمل القاعدة العلمية والتكنولوجية المصرية بمشاركة القطاع الخاص، وستكون الاستفادة الأكبر الحالية لرجال الأعمال ممن يريدون شراء مساحات شاسعة من الأراضي ويريدون تصويرها، فهم يدفعون حالياً مبالغ باهظة للدول التي لديها أقمار للحصول علي الصور.. ولكن في مصر ستقل النسبة لتكون ١٠% من الثمن الذي يدفعونه حالياً، كما أنهم سيحصلون عليها في توقيت أقل بنفس الكفاءة التي يريدونها.

.. ننتقل إلي البرنامج النووي، في رأيك ما سبب جماهيرية هذا البرنامج عن مثيله الفضائي حتي الآن؟

- لأنه قضية قديمة، وله مفاهيم عديدة في ذهن الناس، خصوصاً في المرحلة الحالية بعدما أصبح هناك صدامات سياسية ضخمة في منطقة الشرق الأوسط، واحتكار إسرائيل لنشاط نووي غير معلن، ثم دخول إيران في نشاط مماثل وبعدها الهند وباكستان، فأصبح ذلك مثار اهتمام كبير للرأي العام، ولكن لابد أن يعي المواطن المصري أن الفضاء أهم كثيراً من النووي، فهو عصر جديد.

.. ولكن النووي مهم في مجالات كثيرة كالإنارة مثلاً؟

- الفضاء يستطيع إنارة العالم أجمع، فالاتحاد السوفيتي أنار باريس بأكملها لمدة ثوان بالقمر الصناعي في منتصف الليل، وأحدث هذا ضجة كبيرة، فالطاقة من الفضاء بلا حدود، فهو عبارة عن الشمس وأجرام سماوية وفيه إمكانات ضخمة جداً ومواد غير معروفة للجميع، ويجب ألا يفوتنا هذا العصر، خاصة أنه جديد للإنسانية، وإذا فقدناه سنفقد المستقبل.

.. هناك خريطة كبري لعلماء الفضاء المصريين في الخارج، هل يقبلون العودة إلي مصر للتعاون معكم؟

- الخريطة موجودة لدينا بالكامل، وهم مستعدون للتعاون معنا، وحتي دون العودة إلي مصر، فأنا لا أقبل أن يترك عالم فضاء مصري موقعه في الخارج ليعمل معنا، نحن لسنا كإسرائيل، وإنما نحن دولة مستقرة ولها جذور راسخة ولا تهاب المستقبل، ومصدرون للعمالة، وبالتالي فعلماؤنا الموجودون في الخارج عندما يتعاونون معنا سيفيدوننا بخبرتهم من وجودهم بالخارج.

.. وهل هناك رموز عالمية في الفضاء مثل النووي؟

- الرموز المصرية العالمية في الفضاء تماثل عشرة أضعاف رموز النووي، فالفضاء يجمع شتي أنواع العلوم والتكنولوجيا التي قد لا يعرفها أحد، فالنانو تكنولوجي أحد أنواع الفضاء، فهو المظلة التي ينبثق من خلالها «٩ أعشار» التقدم العلمي.

.. ومن الأسماء المعروفة في الفضاء؟

- يكفي أن نذكر الدكتور فاروق الباز، وعلي الرغم من أنه غير موجود معنا، فإنه من الرموز العظيمة في مجال الفضاء.

.. ولماذا لم يشارك معكم؟

- هو مشارك بفكره، ولكنه لا يستطيع ترك أمريكا.. ولكنه قال لنا إنه مستعد للمساهمة في برنامجنا فوراً إذا كانت هناك حاجة إليه.

.. هل ضعف ميزانية البحث العلمي من الممكن أن تؤثر علي المشروع في وقت ما؟

- البحث العلمي علي الرغم من كثرة مشاكله وإمكاناته الضعيفة، إلا أنه استطاع أن ينتج مثل هذا المشروع ويطلق قمراً مصرياً، وإذا كانت هناك إرادة للعلماء وفكر واضح واستراتيجية محددة سنستطيع النجاح، والنجاح الذي تم أثبت أن مصر قادرة علي النجاح في البحث العلمي، ولابد من وضع أهداف قومية محددة وحصول القائمين علي أي مشروع علي صلاحيات سياسية وذلك لنجاح أي تجربة.


  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 1433 مشاهدة
نشرت فى 17 مارس 2007 بواسطة areda

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,178,105