مربّو النحل.. بين غضب الطبيعة وصعوبة التسويق
مربّو النحل.. بين غضب الطبيعة وصعوبة التسويقيقول الله عز وجل في سورة النحل ''يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس''، وهذا أكبر دليل على أهمية هذه المادة التي قدّسها سبحانه وذكرها في محكم تنزيله، إلا أن استخلاصها لا يأتي إلا بعد المرور على عدّة مراحل يتحمّلها النحّالون الذين يواجهون صعوبات جمّة في جمع العسل وتسويقه.
التقلّبات الجوية أفسدت عليهم فرحة جني المحصول
مساعدات بـ200 مليار سنتيم للنحّالين المتضرّرين
حسب آخر تصريحات وزير الفلاحة والتنمية الريفية، رشيد بن عيسى، لدى افتتاحه فعاليات معرض العسل، المنظّم حاليا بجسر قسنطينة بالعاصمة، فإن إنتاج العسل، هذه السنة، بلغ 25 ألف قنطار، إلا أن هذه الكمية، وإن بدت عند عامة الناس كبيرة، فهي في نظر مربّي النحل قليلة، مقارنة بالأهداف المسطّرة للوصول إلى 100 ألف طن سنويا.
تراجعت كمية الإنتاج مقارنة بالسنوات الماضية، التي كان يسجّل بها 60 ألف طن، والسبب هذه السنة عوامل الطبيعة، حيث شهد الموسم المنصرم تغيّرات مناخية كثيرة أثّـرت كثيرا على خلايا النحل، وتسبّبت في إتلاف آلاف الصناديق المستعملة في تربية النحل، وبشهادة الرجل الأول في القطاع فإن الإنتاج تراجع هذه السنة بـ20 بالمائة.
حتى وإن وجدت الوزارة حلا للظرف الحالي الذي كثيرا ما يواجهه النحّالون، بسبب التقلّبات المناخية التي تختلف من سنة إلى أخرى، بضخّها غلافا ماليا بقيمة ملياري دينار لمساعدة المتضرّرين، فإن هناك عراقيل أخرى حالت، اليوم، دون وصول النحّال إلى الأهداف التي يسعى إليها.
فقد سبق وطالبت فيدرالية النحّالين بتكوين النحّالين في التقنيات الحديثة المتّبعة في بلدان العالم لتطوير الإنتاج ورفعه، خاصة بعد أن تعزّز القطاع بجامعيين اقتحموا هذا المجال بشغفهم بهذا العالم المليء بالأسرار. كما إن التكوين سيسمح بوجود هيئة منظّمة للمهنة لاحقا، بسبب حالة الفوضى المسجّلة على مستوى توزيع خلايا النحل، حيث يتم توزيع نفس عدد الخلايا عبر الولايات، رغم أن هناك اختلافا في الطبيعة الجغرافية لكل ولاية، فهناك ولايات طبيعتها تسمح بجمع عدد كبير من العسل كالبليدة مثلا، لوجود تنوّع في الأشجار المثمرة، خاصة في منطقة المتيجة، في حين لا تتوفّر نفس الظروف في ولايات الجنوب مثلا.
كما إن هناك مشكلا آخر تواجهه هذه الفئة مع مستعملي المبيدات، بسبب عدم التنسيق بين الجهات المهنية، حيث يتمّ رشّ المبيدات على الأشجار بشكل عشوائي دون مراعاة لمرحلة الأزهار، وهو ما يمنع من جمع غبار الطلع الذي يُنتج به فيما بعد العسل.
بالإضافة إلى أن مشكل التسويق يبقى الشغل الشاغل لهؤلاء لتسويق مادتهم التي يجمعونها بعد معاناة تتطلّب منهم نقل خلايا النحل من مكان إلى آخر، بحثا عن الأشجار المزهرة، وكذا لتنويع المنتوج، للحصول مثلا على عسل البرتقال، والكاليتوس، والسدر.. بالإضافة إلى المستخلصات التي استحدثتها شركات متخصّصة في صنع أنواع من الصابون أو العطور أو الكريمات المفيدة للبشرة.
ولحد الآن لم تجد الجهات المعنية الحل لمشكل التسويق، الذي يعدّ الشغل الشاغل للمهنيين، حيث سبق وطالبت الفيدرالية باستحداث مؤسسة تكون مهمتها تسويق العسل.
ووفق ما ذُكر سابقا، يواجه مشروع بلوغ 2 مليون خلية في آفاق 2014 تحدّيات كبيرة، خاصة بعد العراقيل التي حالت دون استفادة 100 ألف شاب جديد من مشاريع مصغّرة لتربية النحل، التي سبق وخصّصت لها الدولة غلافا ماليا بقيمة 62 مليار سنتيم في الآجال المحدّدة؛ بسبب بيروقراطية الإدارة، ما يجعل هدف الوصول إلى 100 ألف طن سنويا صعب المنال.
يانس يبني متحفا تشكيليا في الهواء الطلق شرقي المدية
''أتعامل بإنسانية مع النحل وأرفض السطو على عسله''
أبدع النحّال يانس بن مالك، من بلدية العمارية بالمدية، في التعبير عن علاقته بالنحل، من خلال إنجازه لمدينة غريبة من خلايا النحل، بالاعتماد على جذوع الأشجار ومختلف القطع الغابية، وتمكّن من دمج العديد من الصور البيو- بيئية، المتناغمة بين صرامة حياة النحلة والاستغلال المهذّب لجهدها من قِبل الإنسان.
وحسب يانس، فإن النحلة أشرف من أن تُر مجرد خادمة أو جارية لولادة العسل والثـروة والاستغلال البشع لهذا المخلوق، الذي جعل فيه رب الخلق أكثـر من عبرة في النظام وأصول الحكم والانسجام الاجتماعي والاحترافية.
''أنا أوفّر كل الحرية لنحلاتي، ولا أشعرها بأنني مجرّد متطفّل على جهدها، أو كائن ظالم يمارس اللصوصية عليها، بل جندي لحمايتها، وخادم لها، حتى أشعر بأن ما آخذه من عسلها ليس إلا مقابل ما أبذله من جهد لتوفير الإيواء اللائق لها، بالحفاظ على سلامتها ومدّها بما تستحقه من عطف ودفء وقت الحاجة، فالعلاقة معها تقوم على أخذ وعطاء من الطرفين''.
''أحلم بروضة مستقلة للنحل وبأزهار في كل فصل''
أصيب يانس بالذعر وهو يفقد 70 بالمائة من نحله تحت برد العواصف الثلجية لشهر فيفري الماضي، والتي، قال، بأن استمرار صقيعها ثلاثة أسابيع أتلف أزيد من 60 خلية نحل بمزرعته، وهو يحاول جاهدا تعويضها، بسبب غياب أي جهة لدعمه، وبأن الاستنجاد بالتأمين عليها، لدى صندوق التعاضد الفلاحي، لم يعدّ مجديا، بسبب بطء إجراءات التعويض التي لا تأتي في وقتها، ولذلك أصبح من ضياع الوقت اللجوء إلى وكالة التأمين.
يقول يانس، الذي أطلع ''الخبر'' على لحظاته الخاصة مع أسراب نحله المتميّزة بملاجئها وبنوعيات عسلها، المتراوحة أسعاره بين 2000 دينار إلى 5000 دينار للكيلوغرام، حسب درجة ثـرائها الغذائي والعلاجي، بأنه انتظر منتوجا وفيرا الموسم المنقضي، بسبب عودة التوازنات المناخية والفصلية المبشّرة بجني واعد وبطول عمر خلايا نحله، إلا أن النكسة التي أصابت النحّالين العام الماضي بحدوث ربيع متقدّم، ظهرت أزهاره في عزّ الشتاء، وصيف مبكّر أيضا بدأ في شهر أفريل. لازالت تلقي بمتاعبها على النحّالين، كما في مزرعة نحل يانس الذي يحتفظ بأجمل ذكرى عام 2005 ،
بإنتاج وصل ثلاثة قناطير عسل فيما لم يتعدى عدد 10 خلايا.
وكانت حينها حظيرة نحّالي المدية تضم 45 ألف خلية، فيما لا تتعدى، الآن، 5000 خلية مهيكلة لدى جمعية نحّالي المدية التي تضم 100 نحّال منخرط. ولذلك فإن إنقاذ هذه الثروة من الأفول يبقى مرهونا بالتحفيز على مشاريع ''مزارع النحل المستقلة، التي توفّر لها أزهارا على مدار السنة وأمنا غذائيا بعيدا عن المبيدات الحقلية، والتلوّث العمراني وحرائق الغابات''.
ونظرا لتراجع وهشاشة سفوح الأطلس البليدي في توفير مصادر غذاء النحل، ناهيك عمّا أصبح يعرف بالرعي الجائر، بسبب تنافس المربّين وضيق الفضاءات الطبيعية، بسبب حرث الأراضي وكوارث حرائق الغابات، يدخل مربّو النحل في رحلة الشتاء والصيف، بحثا عن الملاجئ الرعوية الآمنة لنحلهم، وخاصة بأراضي جنوب الولاية المتاخم للسهوب، إلا أن أغلب النحّالين، حسب يانس، لا تتوفّر لهم الإمكانيات اللازمة لهذا الترحال الشبيه بـ''الحرفة''، كونه مغامرة قد تؤدّي إلى إتلاف النحل أو تعريضه للإصابة بالأوبئة، ناهيك عن تكاليف نقلها وحراستها التي لا تقل عن 06 في المائة من مداخيل بيع العسل في السوق، فزيادة على لجوء بعض حائزي الأراضي المستنجد بها جنوبا إلى كرائها كمراعٍ موسمية للنحل بأسعار متفاوتة،لا تقل أجرة حارس المزرعة الواحدة عن 32 ألف دينار شهريا.
شاهد من أهلها
النحّال آتشي جلال لـ''الخبر''
''جمعية على الورق أمام خسائر لا تُحصى''
دخل نحّالو ولاية المدية في سلسلة خسائر لم تكن تخطر لهم على بال، وبدلا من الالتفاف وراء جمعية لهم يقودها موظّف بمديرية المصالح الفلاحية، تفرّقت بهم السبل بحثا عن بديل لتلك الجمعية، يقول النحّال آتشي جلال الذي لا يرى في الجمعية الحالية أي سند للنحّالين، وبأن رئيسها لا يمكن أن يحقّق لهم أي مطالب، بسبب وظيفته التي لا تسمح له بنقل انشغال النحّالين لمسؤوليه في ذات المديرية.
النحّال آتشي جلال، وهو تقني في الإعلام الآلي، ينتمي إلى عائلة ممتهنة لتربية النحل منذ السبعينيات، لم يعد يعرف أين يتوجّه، كما قال، لتعويض الخسائر الناجمة عن تعرّض مستثمرته إلى ما يشبه التخريب من قبل عصابات، احترفت خلال السنوات الأخيرة، السطو على خلايا النحل، والأغرب أن أغلب هذه الخلايا المسروقة، حسب المعلومات المتوفّرة لهذا النحّال، تُباع لخواص تربطهم اتفاقيات لشرائها منهم مرة أخرى بالمصالح الفلاحية والغابية في بعض الولايات المجاورة، والتي بدورها تعيد منحها للفلاحين والشباب البطال في إطار الدعم الفلاحي والريفي وضمن عمليات مساعدة الشباب البطّال.
وفي سنة 2010 وحدها، تمّ إحصاء 11 نحّال وقعوا ضحايا لسطو اللصوص، من بينهم النحّال آتشي الذي تعرّض لسرقة 70 خلية من مستثمرته. لتأتي حرائق الغابات الصيف الماضي، والتي لا يمكن نعتها بأقل من المدمّرة لمستثمرات النحل ومراعيها، على طول وعرض الحزام الجبلي للأطلس البليدي، حيث أتت تلك الحرائق، مثلا، على أزيد من 150 خلية نحل لنحّال واحد بمنطقة وامري غربي الولاية، فيما لم تسلم مستثمرة آتشي من ابتلاع النيران زهاء 26 خلية.
وأمام تقلّص مراعي النحل بمرتفعات ولاية المدية، يرى هذا النحّال أن الحل يبقى في مضاعفة الترحال بخلايا النحل جنوبا، وهو ما يؤجّج مطالب النحّالين بالحصول على المركبات النفعية المهيّأة لنقل النحل، وهي المطلب التي كانت قد وُجّهت منذ فترة إلى وزير القطاع، لكنها بقيت دون استجابة حتى الآن.
وللنحّال آتشي مآخذ كثيرة على كيفيات تسويق العسل، الذي لازال يباع بطريقة فوضوية، دون الخضوع للشروط الصحية المطلوبة، لا من حيث التعبئة أو الشروط التجارية المطلوبة، ما ترك الساحة مفتوحة للغش، وهو ضرر آخر لحق بالنحّالين المحترفين، في غياب رقيب يطالب تجّار العسل، على الأقل، بوثيقة التحاليل المخبرية الدالة على ''صحية'' المنتوج، أو مصدر إنتاجه ونوعيته ومدة صلاحيته.
الجمعة 23 نوفمبر 2012 الجزائر: رشيدة دبوب / المدية: ص.سواعدي / جريدة الخبر.
www.facebook.com/apicole
ساحة النقاش