العسل
يقول الله تعالى في سورة النحل " وَأَوْحَىَ رَبّكَ إِلَىَ النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنّاسِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ " [النحل:68_69]
إنتاج عسل النحل :
إن من أهم فوائد النحل إنتاج العسل وهذه الفائدة لا يستهان بها فعلى مر الأزمان أثبت ما للعسل من فوائد لذا فاننا سنتطرق الى العسل وفوائده ومراحل انتاجه....الخ.
تعريف عسل النحل:
عسل النحل هو سائل سكري لزج القوام أصفر اللون يجمعه النحل البلدي من سحيق الأزهار والثمار ثم يجرى عليه عمليات حيوية خاصة في بطون النحل يعلمها الله ثم يخرج على هيئة شراب مختلف ألوانه طبقاً لنوعية الثمرات التي ارتشف، النحل رحيقها ومعروف أن منه الأبيض اللون ومنه الأصفر ومنه الأحمر، يتركب، معظم هذا الشراب من السكر بنسبة سبعين في المائة تقريباً ويختلف نوع السكر بنوعية الثمرات التي تغذى عليها النحل، وعلى ذلك يحتوي العسل على مجموعة متميزة من سكر العنب (الجلوكوز ) ومجموعة مختلفة من سكر الفواكه والنخيل (الفركتوز) ويرجع الاختلاف بين هـذه الأنواع كلها إلى اختلاف في ترتيب أيوئات جزئيات الماء من هيدروكسيل على الهيكل الكربوني لجزئي كل منهما .
لمحة تاريخية:
استعمل الانسان العسل في العلاج الأمراض منذ قديم الزمن ، وربما قبل تاريخ الطب نفسه ، ولكن كيف اختار الإنسان العسل لهذا الغرض ؟ وكيف توصل الى معرفة فوائده ؟
من المحتمل جدا أن الانسان وهو يسعى للوصول الى مواد شافية طبيعية اكتشف هذه الخاصة الفعالة في العسل فتوارث هذا الاعتقاد جيلا بعد جيل وبالرغم من توصل العلماء الى معرفة التحليل الكيميائي للعسل الا أننا نجهل الكثير من الآليات التي يمارس بها فعله في علاج العديد من الأمراض ، وما زلنا نجهل العديد من المركبات الجزئية للعسل .
العسل في مصر القديمة ( عهد الفراعنة ) :
كان المصريون القدامى من أوائل من وصف استعمالات العسل في العلاج . وأول كتاب طبي معروف هو " أوراق بردي بابيرس " الذي ظهر حوالي 2000 سنة قبل الميلاد . وخلال الألف سنة التالية ظهر العديد من الكتب الطبية . والكثير من هذه الكتب كان يعتقد بالخرافات والشعوذة والسحر . ويقدر الخبراء ان ما كتب خلال هذه الفترة الزمنية لا يتجاوز خمسمائة من الورق .
وقد اكتشف العلماء أن العسل قد دخل في أكثر من خمسمائة وصفة طبية ظهرت في أشهر الكتب الطبية المصرية ، وهو ما يسمى ( أوراق بردي سميث ) .
وقد لجأ المصريون القدامى الى العلاج بمركبات تحتوي على العديد من المواد مثل آح البيض وحليب الماعز . ومن الظريف أن مؤلفي هذه الكتب كانوا يضعون كلمة جيد أو ممتاز أمام بعض الوصفات الطبية ، إلا تلك التي تحتوي على العسل أمر غير مشكوك فيه فلا داعي هناك للتعريف بمدى فعاليتها .
العسل عند الأغريق والرومان :
عرف العسل عند الأغريق والرومان ، وقد كتب أرسطو طاليس في القرن الرابع قبل الميلاد ، كما ذكره هوميروس في الإلياذة والأوديسا .
ويخبرنا أثنافيوس أن اتباع فيثاغورس كانوا يأكلون العسل يوميا ويعزون تعميرهم في الحياة لهذه العادة .
وقد كتب بليني الذي عاش ما بين 23 وحتى 79 سنة ما قبل الميلاد :
" اذا أراد الانسان أن يعمر في هذه الدنيا ويحيا حياة صحية فعليه أن يأكل العسل كل يوم " وقد بنى هذه النصيحة على تجارب طويلة حصل عليها خلال أسفاره وترحاله في البلاد . وقد لاحظ خلال تجواله أقواما كانوا يعمرون طويلا ولم يكن فيما بينهم عامل مشترك سوى تناول العسل بانتظام .
وقد مدح أبو قراط العسل واعتبره علاجا فعالا جدا للجروح والتقرحات ووصف استعماله في معالجة الأمراض الصدرية والجلدية . وكان هوميروس يتغنى بمدائح العسل ، وبخصائصه الممتازة في ملحميته الخالدتين الإلياذ والأدويسا ويصف في الإلياذة كيف جهزت أجاميدا شرابا منعشا من العسل لمحاربي الاغريق . وكان ديموقريتس يأكل العسل مع الطعام وعش أكثر من مئة عام ، ولما سئل عن نصيحته لحفظ الصحة قال : يجب على الناس أن تأكل العسل وتدهن بشرتها بالزيت .
العسل عند الصينيين القدامى :
استعمل الصينيون العسل كعلاج طبيعي ولم يتخذوه كمادة محلية بسبب وجود قصب السكر بوفرة لديهم . وقد وصف العسل في أحد الكتب الصينية القديمة بأنه " دواء الخلود " وما زال للعسل دور ملحوظ في الطب الشعبي في الصين حتى الأن .
العسل في الهند القديمة :
حتى فترة قريبة جدا كانت وسائل تربية النحل المتبعة في الكشمير مشابهة لطرق تربية النحل التي اتخذها الآريون في الهند قبل أكثر من 1500 عام قبل الميلاد . وقد ود الباحثون ذكر العسل في كتب الهندوس الطبية القديمة والتي تسمى " فيدا " والتي يقدر عمرها بأكثر من 3000 سنة ومن هذه الكتب الطبية كتابان أحدهما جراحي والاخر للطب العام ، وقد وصف " سوشروتا " وهو جراح استمال العسل في معالجة الجروح .وفي هذا الكتاب نفسه نجد ذكر ثمانية أنواع من العسل ولكل منها استعمالات طبية وخصائص يتفرد بها عن غيره وقد وصف بعض أنواع العسل في معالجة الربو وبعضها الآخر في معالجة أمراض جلدية معقدة . وقد كتب البروفيسور ( غودبول ) العالم الهندي الشهير الذي درس استعمالات العسل في الطب الهندي القديم ، يقول ( بالرغم أننا نجهل العديد من المكونات الكيميائية للعسل فاننا لا شك ندرك أن طرق استعمال العسل قد عرفت جيدا واستخدمت بشكل ذكي على مدى العصور).
وتقول كتب الفيدا الطبية القديمة :
" ان حياة الانسان يمكن اطالتها اذا حافظ الانسان على وجبة معينة أهم عناصرها اللبن والعسل " .
العسل في روسيا :
اعتمد الطب الشعبي القديم في روسيا على العسل في علاجهم للمرضى . ونجد ان العسل قد وصف في كتبهم الطبية القديمة كعلاج خلاب .
فهل لهم ان يصفوا العسل كل هذا الوصف لولا ان رأوا بأعينهم النتائج الباهرة للمعالجة بالعسل !
وهناك حاليا اهتمام كبير من جانب الأطباء في كبرى مستشفيات روسيا بالعسل ونجد العديد من المقالات الطبية والدراسات العلمية الحديثة حول العسل تصدر عن مستشفيات وجامعات روسية وتتوالى هذه المقالات في المجالات الطبية الروسية سنويا مما يشير الى مبلغ اهتمامهم بتلك المادة التى جعلها الله شفاء للناس.
مراحل تكوين العسل:
· رحيق الأزهار:
يعرف رحيق الأزهار بأنه مفرزات غدد خاصة في قاعدة السدادة ( العضو المذكر من الزهرة ). ويمكن رؤية هذه الغدد بالعين المجردة، وقد تبدو للعين وكأنها مجرد فتحات من نسيج النبات، إلا أنها عبارة عن أجهزة معقدة تقوم بتنظيم وتركيب وسيلان رحيق الأزهار.
ولقد سخر الله النحل لينقل حبوب الطلع من زهرة الى أخرى أخذة في طريقها من رحيق الأزهار ما يمكنها لصنع العسل. فيتم التلقيح عند النبات ويتكاثر، بذلك تصنع النحلة غذاءً لها وللإنسان.
وبهذه الطريقة فان النبات يعرض نفسه للخطر، فمن المعروف أن النبات يكره الحشرات ولكن لماذا؟ والجواب على ذلك أن الكثير من الحشرات تنقل الأمراض الى هذه النباتات البريئة فتؤذيها، وفد تتسبب في موتها.
ولكي يحمي النبات نفسه من خطر النحل فلا بد أن يحتوي رحيق الأزهار على مواد تعدل وتحطم أية عضويات تحملها هذه الحشرات. وهذه العضويات تشمل على الجراثيم والفيروسات والفطور لذا نتوقع وجود مواد مضادة للجراثيم والفيروسات والفطور. ولكن الكيميائيين أثبتوا عكس ذلك في حين أثبتت التجارب أن العسل مضادا للجراثيم والفطور.
مم يتكون رحيق الأزهار:
يتكون رحيق الأزهار من محلول مائي يحوي أنواعا من السكر، بالاضافه الى مركبات تشمل الاحماض الامينية والفيتامينات والبروتينات والخمائر.
ويختلف نوع السكر الموجود في الرحيق باختلاف نوع النبات والحرارة ورطوبة التربة وأن نوع وكمية السكر الموجود بالرحيق هي التي تحدد خصائص العسل.
· تجميع رحيق الأزهار:
تتم عملية الجمع على الشكل التالي: تحط النحلة على الزهرة وتبدأ بمص ما تستطيع من رحيقها، ثم تطير الى زهرة أخرى وهكذا حتى تملأ الكيس، وقد يستغرق هذا الأمر ساعة من الزمن تزور النحلة خلالها مئة زهرة تقريبا.
وتظل النحلة تسعى جيئة وذهابا لتمتص المزيد من رحيق الأزهار، ويقدر العلماء أن كيس العسل يعادل 50 ملغ من الرحيق، بعدها يتحول الى 25 ملغ من العسل.
· صنع العسل:
وخلال عملية تجميع الرحيق فان النحلة تقوم بإضافة بعض الأنزيمات ( الخمائر ) للرحيق وخاصة خميرة الانفرتاز التي تحلل السكروز الموجودة في الرحيق الى سكر العنب وسكر الفواكه.
وحين تعود النحلة الى خليتها، فانها تفرغ ما عندها من الرحيق فورا وتسلمه الى نحلات أخريات متخصصات بعمل المنزل، وتقوم هذه المجموعة من النحل بإضافة المزيد من خميرة الانفرتاز وحمض أميني يدعى برولين .
وتتناقل النحل الرحيق واحدة تلو الأخرى الى أن يوضع في النهاية في خلية فارغة من قرص العسل. وتتم المرحلة التالية من عملية صنع العسل بتبخر الماء منه بسبب حرارة الخلية من جهة، وبسبب حركة منتظمة تقوم بها النحل محدثة تيارا هوائيا حارا فوق قرص العسل.
وحينما تصل نسبة الماء في العسل حوالي 20% وحينما تمتلئ كل خلية من خلايا العسل تماما بالعسل، فإن النحل تقوم بختم هذه الخلايا وإغلاقها بغطاء محكم من الشمع.
ووظيفة هذا الغطاء حماية العسل من إمتصاص أية رطوبة من الوسط الخارجي. فلو امتص العسل في تلك المرحلة رطوبة من المحيط الخارجي لأصيب بالتخمر والفساد. ولا تكتفي النحل بهذا بل أنها تحقن الغطاء الشمعي بكميات صغيرة من سمها، وهذا ما يمنع حدوث أي تفسخ أو تخرب في العسل.
· السكاكر والعسل:
وتحدث تغييرات كيميائية هامة أثناء تركيز رحيق الأزهار بسبب وجود الخمائر التي أضافتها النحل للرحيق. وخاصة أنزيم الانفرتاز الذي يحول السكروز الموجود في الرحيق الى سكرعنب وسكر فواكه.
والسؤال الأن لماذا يقوم النحل بإفراز هذا الأنزيم الذي يحول السكروز الى غلوكوز وفركتوز؟
لا شك في أن احتواء العسل على هذين النوعين من السكر يجعل العسل أسهل هضما وامتصاصا حينما يتناوله الانسان، فسكر العنب يمتص بسرعة من السكروز الموجود في السكر العادي المستخدم في تحلية الطعام. والغلوكوز نفسه هو الذي يعطي حقنا مغذية بالوريد لدى الكثير من المرضى في المستشفيات حينما لا يستطيع تناول الطعام عن طريق الفم.
تركيب عسل النحل:
يتكون العسل من سكر العنب وسكر الفاكهه بنسبة 76.4% من العسل وأن نسبة سكر الفواكه الى سكر العنب أكثر بقليل من 1:1 حيث تبلغ نسبة سكر الفواكه ( الفركتوز) 38% في حين تبلغ نسبة سكر العنب ( غلوكوز) 32%.
وتبلغ نسبة سكر السكروز 1% وهو السكر العادي المستعمل في تحلية الأطعمة وعلى الموائد .
وتشكل كمية الماء في العسل ما بين 16- 20% من العسل وهنا لا بد أن ننوه أن كمية الماء اذا زادت عن 20% فقد يتخمر العسل .
كما أن العسل يضم كمية من المعادن ما بين 0.04% في العسل الفاتح اللون إلى 0.02% في العسل الداكن. وتعتمد كمية المعادن في العسل على نوع التربة التي جنت النحل من رحيق أزهارها.
يحتوي العسل على العديد من الحموض الأمينية وهذه كلها تاتي من رحيق الأزهار ما عدا حمض البرولين الذي يقوم النحل باضافته الى رحيق الزهر أثناء تركيب العسل.
ويحتوي العسل على حوالي 0.5% من البروتين.
كما أنه يحتوي على العديد من الأنزيمات مثل أنزيم الانفرتاز وأنزيم غلوكوز أوكسيداز وأنزيم الدياستاز وأنزيم كاتالازويحتوي ايضا على كمية قليلة من الفيتامينات.
خصائص العسل:
لون العسل:
يختلف لون العسل من أصفر صاف الى شبه أسود. ولا يعرف العلماء سبب هذا اللون وقد يكون سبب وجود الصبغ الجزراني الموجود في النباتات أو بسبب وجود حمض التنيك وهذه أيضا توجد بالنبات، ويمكن أن تكون قد انتقلت من رحيق الأزهار. ولا شك أن لون العسل يتأثر بعملية تصنيع العسل أثناء تسخينه.
لزوجة العسل:
يمتاز العسل بأنه مادة لزجه. وأخف أنواع العسل لزوجه هو العسل الخلنجي ويمتاز عسل الخلنجي بارتفاع محتواه من البروتين.
صفاء لون العسل:
ان العسل الحقيقي لا يكون عادة صافيا تماما بل يحتوي على القليل من السكر حينما ينظر اليه مقابل الضوء. ولو تفحصت العسل جيدا لوجدت حبيبات صغيرة وهذه تمثل حبوب الطلع أو جزيئات الشمع أو بعض المواد الغروية.
رائحة العسل:
تنجم رائحة العسل عن مجموعة من المواد العضوية الطيارة التي استقاها العسل من رحيق الأزهار. ويستطيع الخبراء بالعسل معرفة مصدره بمجرد شم رائحته، الا أنه قد يصعب ذلك في حالة العسل المتعدد المصادر.
فوائد عسل النحل:
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا بالتداوي بالقرآن والعسل حيث يقول :
" تداووا بالقرآن والعسل " .. وقال عليه الصلاة والسلام أيضا .. " جعل الله شفاء أمتي في ثلاث : شربة عسل أو شرطة محجم أو كية نار وما أحب ان أكتوي " .. ومما جاء في الخبر أن أعرابيا جاء إلى الرسول الكريم يشكو إليه إسطلاق (اسهال) .. بطن أخيه فقال له الرسول اذهب واسقه عسلا ففعل الإعرابي لكنه جاء ثانية قائلا لقد سقيته عسلا ولم يزده إلا اسطلاقا فقال له الرسول اذهب واسقه عسلا وكرر ذلك للمرة الثانية حتى قال له في الثالثة .. صدق الله وكذبت بطن أخيك .. اذهب واسقه عسلا فشرب منه وبرئ أي شفي .. ولعلنا نضيف السبب في تكرار سقيه العسل ـ كما يقول ابن القيم ـ ان السبب في التكرار له مدلول طبي بديع ،وهو أن الدواء يجب ان يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء ان قصر عنه لم يزله بالكلية وإن جاوزه أوهن القوى فأحدث ضررا فلما أمره الرسول ان يسقيه العسل مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برئ بإذن الله..
ساحة النقاش