أرآيتم الماء الذى تشربون أآنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون

      إشكالية المياه أو ندرة الموارد المائية تعد من الموضوعات التى قتلت بحثاً كما يقولون وما أكثر هذه الأبحاث التى تعج بها أرفف المكتبات وكذلك الدراسات والإحصائيات التى تتخذ فى معظمها صورة نبؤات بما سيكون عليه الوضع المائى ليس فقط فى المنطقة العربية ولكن العالم أجمع ... وهناك شبه إجماع على أن ذلك القرن الذى نعيش فيه هو قرن الصراع على المياه والذى ستصبح فيه قطرات المياه أغلى من قطرات الدم والشواهد والدلائل العلمية تؤكد على صحة هذه الفرضية وهى تراجع كميات المياه وأن العالم يقُبل على مجاعة مائية بفعل موجات الجفاف والتصحر وبفعل ظاهرة التغير المناخى التى تعد الخطر الرئيسى والمشكلة الأم التى منها تتفرع هذه الإشكاليات ذات الطبيعة الإشتجارية والتى تقود كل منها إلى الأخرى ، التغير المناخى سوف يؤدى إلى تراجع الموارد المائية التى سوف تؤدى بدورها إلى أزمة فى المواد الغذائية وهنا تبرز بوضوح تلك العلاقة ما بين الأمن المائى والأمن الغذائى التى يجبها مفهوم أعمق وأشمل الأ وهو الأمن الإنسانى أى أمن الإنسان وبقائه المادى الذى لابد وأن يتقلص ويتعرض للإنهيار بفعل تقلص مقومات البيئة أى الوسط الذى يحيا فيه ، ومقوماته تعنى الموارد الطبيعية والتى يأتى على رأسها أهم مورد وهو المياه الذى هو أكسير الحياه والذى يعبر عنها خير تعبير قول الله فى كتابه الحكيم " وجعلنا من الماء كل شئً حى" فالماء هو مصدر الحياه به تعود للأرض نضارتها بعد جفافها وتضرب فيه الخضرة بعد اليبوسة وتصير تنبض بالحياه " كل الدراسات والأبحاث العلمية تؤكد على أننا مقبلون على ندره فى ذلك المورد وثورات للعطاشى فى كل مكان من العالم قد بدأت بالفعل وتعد القارة الأفريقية هى الأكثر عرضة لهذه الثورات وهى التى تعانى على نحو كبير من ندرة الموارد المائية وهى تعج بالقلاقل والتوترات ويرتفع فيها أعداد قتلى "العطش والجوع" الأحصائيات تتحدث عن نفسها وهى لا تكذب ولكن هل يتوقف الأمر عند ذلك الحد ؟ أم أن هناك مرجعية أخرى وخط لا يجب أن نتجاوزه و يجب أن نسلم ونقف عنده وذلك لا يعنى فى النهاية تواكل أو إتكال ولكن تسليم بقدرة الخالق عز وجل وليس إستسلام ونحن هنا لدينا العلم ولدينا المعلومات وهى حقائق تعبر عن ذلك الواقع والعقل والمنطق الذى يؤكد صحة ما نصل إليه ولكن ماذا عن المرجعيات الأخرى فهل يجب أن نلتفت إليها وأن نعطيها الإهتمام اللأئق بها ماذا عن المرجعية التاريخيه التى تصير فى هذه الحالة حقل التجارب ومصدر الخبرة والتى لابد وأن تقترن بالمرجعية الدينيه التى يجب أن تكون الأساس وأن هذه المرجعية التاريخية تؤكد عليها المرجعية الدينيه وتعطى لنا النماذج الحية والمادية الدالة عليها والتى لابد أن نؤمن بها وليس هناك أية تعارض ما بين الدين أو المرجعية الدينيه ذات المصدقية واليقينيه والمرجعية العقلية والعلمية ولكن الأولى هى الإصدق فهى الكلمة النبوية الربانية وكلام الله الذى لا ينطق عن الهوى بل هو تنزيل حكيم " سرعان ما يؤكد العلم ويصادق عليه .. هناك إشكالية فى ذلك المورد وتراجع كبير وحاد فيه فماذا تقول الدراسات والأبحاث فى مجلس الألفية التابع للأمم قد طرح ذلك الهدف المعلن وهى السعى للوصول بعام 2015 إلى هؤلاء الذين ليس لديهم القدرة فى الحصول على مياه الشرب النقية ولكن فى ظل التراجع الكبير فى الموارد المائية قد تباعد ذلك الهدف وإذا ما إنتقلنا إلى المنطقة العربية سرعان ما نصطدم بتلك الحقيقة وهى ذلك العجز الكبير فى الموارد المائية بفعل العديد من العوامل على رأسها محدودية الموارد المائية وأن معظم هذه الموارد المائية مشتركة بالإضافة إلى تزايد الطلب على الموارد المائية نتيجة زيادة الإحتياجات للماء بفعل الزيادة السكانية من جهة ومتطلبات تحقيق التنمية الإقتصادية بالإضافة إلى عدم التوازن الإقليمى فى توزيع المياه وإنخفاض كفاءة إستخدام الموارد المائية .... بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الطلب على الموارد المائية فى الوطن العربى فى الإزدياد نتيجة حدوث التطور السياسى والإقتصادى والإجتماعى وقد قدرت كمية المياه المستثمرة فى عام (1993) بـــ 168 مليار م3 سنة أى أن الوطن العربى يستهلك حالياً نصف موارده المائية المتاحة والقابلة للإستثمار كما أن عدد سكان الوطن العربى قد قدر فى عام (1990) بحوالى 222 مليون نسمة ويتراوح معدل الزيادة السكانية فى الوطن من 3-4% وهو من أعلى المعدلات للنمو السكانى على مستوى العالم بالإضافة إلى أن العديد من المصادر المائية مشتركة مع غياب القاعدة القانونية التى تنظم هذه الاوضاع وتقاسم الحصص مما ينذر بإندلاع العديد من الصراعات فى ذلك الوضع على مستوى الوطن العربى ... أما الرؤية العالمية لإشكالية المياه هى عدم القدرة على الوصول إلى مياه الشرب النقية لحوالى مليار من البشر وأن حوالى نصف سكان العالم ليس لديهم صرف صحى .. وقد تم تحديد عدة عوامل هى التى تسهم فى تعظيم إشكالية المياه على مستوى العالم وهى الزيادة السكانية والناتج القومى فى العديد من الأقطار وزيادة حركة التصنيع وهذه كلها قد زادت من الطلب على المياه ولاسيما فى الدول النامية ... أن هذا الطلب سوف يستمر فى الزيادة فى الأحقاب القادمة ... وفى ذات الوقت البحيرات والأنهار والأراضى الرطبة والمياه الجوفية هى التى توفر الخدمات والسلع بما فيها الأسماك وأن الكثير من هذه الخدمات تعتمد على تكامل النظم المائية ولكنها قد تعرضت للإنهيار بفعل العديد من العوامل وهى :-

1.     تقلص مساحات الأراضى .

2.     تدهور نوعية المياه .

3.     تراجع كميات المياه اللازمة لتحقيق الإستدامة لهذه النظم المائية .

 

والإحصائيات التى تعد بمثابة تنبؤات مستقبلية بهذه الإشكالية تؤكد على تفاقم هذه المشكلة فلإحصائيات تؤكد على أن ما يزيد عن (3) مليار من البشر سوف يواجهون ندرة فى موارد المياه وإن إشكالية المياه الحقيقية تكمن فى الإدارة للموارد المائية وليست الندرة على المستوى العالمى فالإشكالية تنحصر فى أنه لايوجد قدر كافَ من المياه لتحقيق الأمن المائى "Water security" للجميع وأن ذلك الوضع يمكن أن يتغير فقط فى حالة إذا ما قمنا بتغيير الإدارة وذلك يتطلب سياسات واضحة ومحددة من أجل الحد من تداعيات إشكالية المياه وهذه الإشكالية ترتب عليها إشكالية أخرى وهى الأمن الغذائى Food security الذى يعنى أن أكثر من 50% من البشر سوف يعانون من حالة عدم أمن بالحصول على الغذاء الكافى لهم تلك هى الأرقام والإحصائيات وهى حقائق وستظل كذلك طالما بقيت العوامل الأخرى التى تغذى هذه الإشكالية على ما هى عليه ... ولكن كما تؤكد المرجعيات التاريخية بأن العالم قد مر بالعديد من الأزمات والمجاعات التى إنفرجت وتؤكد أيضاً على أن هناك سنوات جفاف قد مر بها العالم فقد إنقطع المطر عن النزول لسنوات وأن سيدنا نوح قد بنى فلك فى وسط الصحراء وكيف أن الله قد فتح ينابيع الغمر "وأغرق الأرض" دلالة ذلك هو أن الأمر يظل رهن لأمر الله سبحانه وتعالى فهو القادر على كل شئ وهو الذى يأمر فيكون ويظل كلام الله هو الأصدق " أرآتيم الماء الذى تشربون أآنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون "

"صدق الله العظيم "

 

المصدر: د. جميل جورجي / المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 208/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
67 تصويتات / 1748 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

156,061