مازال التعامل مع مياه الرى سواء بوادى النيل او خارجه يوحى بعدم وصول معلومة ان مصر قد دخلت بالفعل فى عداد الدول التى تعانى من ندرة المياه حيث هبط مؤشر الفقر المائى من 1000 متر مكعب / فرد الى 780م3 شاملا أرقام اعادة الاستخدام أما من حصة مياه النيل فالمؤشر هبط الى 600م3 .

فنحن فى مصر سعداء  بأننا نحقق أعلى انتاجية من الارز وقصب السكر غير عابئين بأن هذان المحصولان يستهلكان 30 % من مياه الرى  جميعها  , لذا فاءنه مالم  تتغير العقلية الزراعية لوادى النيل  والاقتناع  بصحراوية  مصر -  حتى داخل الوادى والدلتا - سواء من حيث التركيب المحصولى وتعظيم قيمة وحدة التربة الرسوبية ووحدة مياه النهر

لاأعتقد أن ثمة تطويرا حقيقيا يمكن أن يحدث للزراعة المصرية خاصة مع تلك النظرة التى تبالغ فى القيمة الاستراتيجية لمحاصيل الحبوب وخاصة القمح وتلك الاصوات المتعالية لتحقيق الاكتفاء الذاتى منه , فنحن لدينا معدلين للاكتفاء الذاتى من القمح أحدهما العالمى وقد حققناه بالفعل أما المعدل المحلى فهذه حكاية أخرى فهو يزيد عن ضعف المعدل العالمى بما يشير الى أربع قضايا أخرى هى :-

1- قضية   النمط الاستهلاكى للغذاء فى مصر وتوازنه .

2- قضية الفاقد فى الغذاء فى مصر ووجود بعض التقديرات التى تشير الى أن نسبة الفاقد فى القمح وحده تصل الى 30% .

3- قضية عدم وضوح وجود تكامل فى العملية الانتاجية بين الزراعة و الاستيراد والطحن وصناعة الخبز والتوزيع  وهذا ماوصل بنسبة الفاقد الى هذا الحد .

4- قضية علاقة زراعة القمح وتأثيرها على زراعة البرسيم والتى تؤثر حتما على كافة المنتجات الحيوانية فضلا عن تأثيرها على زراعة القطن صيفا

     ثم القضية الأهم وهى قضية الثوابت الاستراتيجية والأنماط المقدسة فى الانتاج الزراعى المصرى  , فلم تعد هناك مسلمات يمكن أن نتمسك بها فى ظل المتغيرات الجديدة التى طرأت على العلاقات التجارية والسياسية الدولية , ثم نظم الانتاج الزراعى فلم يعد للنظم الفرعونية مكان.

واذا كانت المعايير الحاكمة فى الانتاج بصفة عامة هى المعايير الاقتصادية ، فمن المعروف أن الانتاج الاقتصادى لمحاصيل الحبوب وبخاصة القمح يأتى فى ظل أحزمة المطر والتى تبتعد مصر عنها تماما باعتبارها دولة الصحراء رقم واحد فى العالم وباعتبار أن معدل الأمطار السنوى على مصر جميعها لايتجاوز 10 مم/ مترمربع ، فى حين أن أعلى معدلات الامطار هى فى الساحل الشمالى وهى لاتتجاوز 150مم/المتر المربع وهذا معدل لايمكن انتاج قمح اقتصادى عليه.

وفى هذا الصدد يكفى أن نشير الى محاولة وزير الزراعة السابق لزراعة نصف مليون فدان أخرى من قمح والتى انتهت الى أعلى معدل استيراد فى ذلك العام حيث تم الاستيراد من أوكرانيا وتوريد القمح على أنه منتج محلى .

ولأن الانتاجيه فى ظروف وادى النيل والدلتا هى غير اقتصادية ولكنها ضرورية من المنظور الاستراتيجى  فمن ثم يجب الاكتفاء بالحد الادنى  وهى المساحة الحالية مع نسيان الحديث عن زراعة الصحراء - وعلى مياه جوفية -  بالقمح ، لأن المياه الجوفية فى معظم مناطق الصحراء المصرية هى غير متجددة سواء لانعدام الامطار أوندرتها من ناحية أو لارتفاع هضبة الصحراء الغربية حتى 1000متر فى الجنوب بما يجعل مناسيب طبقاتها الحاملة ليست فى متناول التغذية من رشح النيل عدا بعض المناطق التى يمكن لرشح النيل تغذية خزاناتها وبخاصة خزانات الزمن الجيولوجى الرابع فى منطقة البستان .

لذا يجب التركيز على التوسع الرأسى  فى انتاج القمح – لا التوسع الأفقى – أى رفع انتاجية المساحة المنزرعة من القمح سواء بأساليب التربية التقليدية أو بالتعديل الوراثى .

خاصة وقد أوضحت  عديد من الدراسات  تدنى الجدوى الاقتصادية لمشروعات الاستصلاح فى الجنوب بما يشير الى أهمية مراجعة استراتيجيات التنمية الزراعية بشكل عام وفلسفة استصلاح الاراضى الصحراوية بشكل خاص وتحديد الحد الاستراتيجى الآمن من المحاصيل بشكل واقعى . فعندما تتفق وزارتا الزراعة والرى على أن الحد الأقصى لمساحات زراعة الارز هو 900000فدان ويتم زراعة 2 مليون فدان فهذا يعنى انفلات شديد فى المنظومة التى تحكم استراتيجية الزراعة المصرية .

لذا فانه من المهم التأكيد على أن قضية انتاج القمح ليست قضية زيادة المساحة المنزرعة منه وانما هى مجموعة من القضايا المتداخلة التى يجب أن تترابط من خلال منظومة واحدة تشمل قضايا الانتاج والاستيراد والنمط الغذائى المصرى – المبالغ فى استخدام القمح – والنقل والتخزين والطحن  وصناعة الخبز والدعم وطبيعة التركيب المحصولى بوادى النيل ودلتاه ثم منظومة التصدير للمنتجات الزراعية المصرية .

وحول ارتفاع أسعار القمح مؤخرا نتيجة استخدامه فى انتاج الوقود الحيوى ، فالرأى عندى أن ظروف الصحراء المصرية مناسبة لزراعة محاصيل تنتج الوقود الحيوى وهى متحملة لظروف الجفاف والملوحة وأهم هذه المحاصيل هى الجوجوبا (الهوهوبا ) والجاتروفا المتحملة للنمو فى ظروف الرى بمياه الصرف الصحى ، وبالتالى يمكن التوسع فى زراعتها على أن يستبدل انتاجها بالقمح الذى يستخدم فى انتاج هذا الوقود  ،غير أن هذا يحتاج الى خطه قومية أو نقول مشروع قومى يحقق لنا:-

تعظيم الاستفادة من وحدة المياه.

استكمال احتياجاتنا من القمح .

توجيه الانتباه الى أهمية النظر الى استراتيجية جديدة للانتاج الزراعى فى مصر .

الكف عن استعمال عقلية وادى النيل والدلتا فى التنمية الزراعية فى المناطق الصحراوية والتى أثبتت فشلها الدائم منذ أن بدأت .

الاقتناع بصحراوية مصر وبكونها دولة الصحراء الأولى فى العالم .

الاقتناع بأن نهر النيل رغم أنه أطول أنهار العالم الا أنه أحد أفقر أنهار العالم فى موارده المائيه.

الاستعداد لتعامل مختلف مع الموارد المائية تحسبا للتغيرات المناخية نتيجة الدفء الكونى فيما لوصحت بعض السيناريوهات المطروحة حاليا .

                          

المصدر: د. سامر المفتي- الأمين العام لمركز بحوث الصحراء ( سابقا ) / المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 137/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 947 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

150,262