داخل متحف الآثار المصرية بميدان التحرير، وقفت أمام مومياء رمسيس الثاني ، أتأمل هذا الملك العظيم ، شعرت بالتعب ، جلست على السلم لأرتاح قليلاً ، لا أعلم ماذا حدث ؟، ربما أُغشى علي ً، فجأة وجدت يداً تهزني ، تحاول إفاقتي ، فتحت عيناي فإذا بى ليلاُ وأمامي رجل في زي فرعوني ،  لا تشك عندما تراه أنه مِلكاً عظيماً من بهائه و شموخه

من أنت ؟
قال : أنا رمسيس الثاني
فزعت، قلت : كيف ؟ إن رمسيس الثاني مات من آلاف السنين ! 
قال : بل أنا ... لقد عادت لي الحياة ، استيقظت من رقادي فوجدتك ترقدين على هذا السلم ، فحاولت إفاقتك ، قولي لي كم من الأعوام مرت على رقادي ؟  
قلت في ذهول : آلاف الأعوام ... ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام
قال : كأنها مرت ساعات، هيا بنا
قلت : إلى أين ؟
قال : إلى الخارج
قلت : كيف ستخرج بزيك هذا ؟ لو رآك الناس لأودعوك مصحة الأمراض العقلية . 
قال : أنا رمسيس الثاني أودع في مصحة للأمراض العقلية !
قلت : ومن يصدق أنك رمسيس الثاني ؟ !  هل رأيت ميتاً عاد إلى الحياة من قبل ؟ 
قال : وماذا عليً أن أفعل الآن ؟ هل سأظل هنا راقداً في هذا التابوت ؟!
قلت : لا , ولكن لننتظر حتى الصباح، حتى نجد طريقة للفرار من هنا .

ساعات مضت حتى أضاء نور الصباح أركان المتحف، فُتحت الأبواب في موعدها، تسللنا خارج الأبواب، جعلته يختبئ في مكان بعيد عن الأعين، تركته وسرعان ما عُدت إليه حاملة له ملابس عصرنا ليرتديها، ثم غادرنا المكان، انطلقنا إلى الشوارع 
ليرى رمسيس الثاني لأول مرة  مصر الحديثة .
وطئت قدمانا الطريق، السيارات تمر مُسرعة، فينظر إليها رمسيس فزعاً متسائلاً ما هذا ؟
قلت : إنها عربات مثل عرباتكم، لكنها بدون خيول، عربات آلية، تعمل بالماكينات وزيت للوقود
قال : إذن هي من صنع أحفادي ؟
خجلت أن أقول الحقيقة لجدي،  فقلت : نعم يا جدي .
ثم انحدرنا إلى شارع جانبي، وجدنا أكواما من القمامة، نظر إليها الفرعون قائلاً : هكذا يصنع أعداء مصر ليشوهوا صورتها   
خجلت وقلت : نعم يا جدي .
قال : أما زالت مصر تقود العالم ؟، أما زالت فتوحات جيشنا مستمرة ؟ 
خجلت أن أصدمه بالحقيقة فقلت : نعم يا جدي
قال : ولماذا تتركون الأعداء يلقون بتلك القمامة في الطرقات ؟
قلت له : لا بأس إن جيشنا سيردعهم
قال : حسناً .
وبعد خطوات قال لي : يا حفيدتي أريد مقابلة أطباء مصر
قلت : ولماذا الأطباء ؟
قال : إن مصر مشهورة بأطبائها العظماء 
قلت : لا بأس، سنذهب لمقابلة الأطباء في أقرب مستشفى، لكن أرجوك لا تخبرهم أنك رمسيس الثاني
قال : حسناً، لكن ما هي المستشفى ؟ 
قلت : إنها مصحة للشفاء، مبنى يسكنه المرضى، يتلقون فيه علاجهم ثم يخرجون منه بعد تماثلهم للشفاء
قال : وهل يوجد بهذه المستشفى أطباء متخصصين
قلت : أطباء متخصصين !!! وهل تعرفون التخصصات الطبية يا جدي
قال : نعم، كان لدينا أطباء متخصصين ، فكل طبيب متخصص في علاج نوع واحد فقط من الأمراض ، فيوجد طبيب لعلاج أوجاع البطن ، وطبيب لعلاج أوجاع الأسنان ، وطبيب لعلاج أوجاع العظام ، وطبيب لعلاج أوجاع الرأس ، وطبيب لعلاج أوجاع العيون ، وهكذا كل طبيب يعالج المريض في تخصصه فقط .
قلت : عجيب، كل هذا في العصر الفرعوني
قال : نعم يا بنيتي ، قولي لي هل تُجرون عمليات جراحية في هذه المستشفى 
قلت : عمليات جراحية !! كدت أشك أنك رمسيس الثاني ، وهل توجد لدى الفراعنة عمليات جراحية ، لا ... لا , مستحيل العمليات تحتاج غرف عمليات وآلات طبية وتخدير و ..... لا يمكن ، لا أصدق .
قال : نعم ، نعم , يوجد لدينا جراحات ، وآلات ، وتخدير ، مصر المملكة الوحيدة التي استطاعت إجراء جراحات بالمخ دون أن يتوفى المريض ، كان يعيش ويستكمل حياته بصحة جيدة ، كان لدينا متخصصين في علم التشريح ، وعلماء في التحنيط ، بنيتي ألم تدرسين تاريخ أجدادك ؟
خجلت أن أقول لجدي الحقيقة فقلت : إن ما درسناه مرتبط بإنجازات الجيش العظيمة , وبناء المقابر والمعابد ، لكن هذه الإنجازات الطبية سندرسها لاحقا
قال : حسناً، لنذهب إلى المستشفى فأنا متشوق لرؤية أطباءنا العظماء
 
ذهبنا إلى أقرب مستشفى ، طلبنا مقابلة الطبيب ، قالوا لنا : "مفيش دكتور، لو فيه حد تعبان استنوا ساعتين "  ، فإذا بنا نسمع صراخ الناس يلعنون المستشفى والأطباء .
قال جدي : وهل أُهين الطبيب المصري إلى هذا الحد ؟! مال هؤلاء ؟؟ ،
قلت : إنهم مرضى السرطان ، سئموا من انتظار الطبيب ، وأحل بهم التعب
قال : وما السرطان
قلت : مرض خطير أصاب الكثيرين 
قال : وما سببه 
قلت : الحبوب ....
قال : أي حبوب ؟
خجلت أن أقول الحقيقة ، فقلت : أكلوا طعاما من الأعداء
 
خرجنا من المستشفى ، وجدنا شخصا يأكل الطعام من أكوام القمامة ، فنظر إليه ممتعضا قائلاً  : أمجنون هذا ؟
قلت : لا بل فقير
قال : وكم فقير في مصر ؟
خجلت أن أقول الحقيقة، فقلت : ليسوا كثيرين
قال : إذن كم عددهم ؟
قلت له : يا جدي لا تقلق كل شيء سيكون على ما يرام .
 
ثم مشينا في طريق فوجدنا شاب على دراجة بخارية يخطف حقيبة سيدة,  فتصرخ مستغيثة ، فيصرخ رمسيس قائلا : أين جنودنا ليلحقوا به , إنه عدو يريد أن يُسيء إلى مصر ، أراكم تهاونتم مع أعدائنا حتى غرهم الصبر
قلت : إن جنودنا حتماً سيلحقوا به  .
 
ثم مشينا في طريق أخر فوجدنا مُعاقين يتظاهرون، وآخرون يُطالبون بتغيير، وعمال يطالبون برفع الأجور، نظر إلى التظاهرات قائلاً : هؤلاء أيضاً أعداء 
قلت : لا ليسوا أعداء
قال : إذن أنت العدو، أنت من تريدين تشويه صورة المصريين في عيني ، أراك تُريني كل قبيح
صرخت قائلة : كفاك يا جدي أنا كاذبة ، من صنع السيارات ليسوا مصريين، ومن ألقوا بالقمامة في الشوارع ليسوا أعداء بل هم مصريين ، ومرضى السرطان لم يأكلوا طعاماً من الأعداء ، بل أكلوا حبوبا تحمل المرض، أكلوا من زروع مصر، والأطباء لا يكترثون بالمرضى , والمتظاهرين ليسوا أعداء إنهم أصحاب حقوق ، إن مصر تغيرت فلم تعد الأمة الأولى في العالم
قال : لم تعد الأولى ! فكم أصبحت ؟ الثانية  
قلت : لا 
قال : فماذا إذن ؟
قلت : لا أعرف المائة وربما أكثر
قال : أكنت تكذبين ؟
قلت : نعم أنا كاذبة ..... كاذبة ..... كاذبة . 
فصرخ الفرعون قائلاً : " لستم أحفادي " .... " لستم أحفادي "، ثم ذهب بعيداً وهو يصرخ " لستم أحفادي " ..... وسرعان ما اختفى كأنة حلم تلاشى
رجعت إلى المتحف فوجدته نائماً في لفافاته الكتان فبكيت بجانبه وقلت له : سامحني يا جدي لأني قلت لك الحقيقة،  سامحني، حقاً لسنا أحفادك .
 

aneenwatan4u

مجلة أنين وطن - بقلم نانى محسن عبد السلام

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 206 مشاهدة
نشرت فى 10 فبراير 2016 بواسطة aneenwatan4u

مجلة أنين وطن

aneenwatan4u
مجلة تهتم بمعاناة الانسان المصرى المجلة بعيدة تماما عن النشاط السياسى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

69,487

معنى الوطن

 

Large_1238366701

 

Large_1238366704